عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-07-2021, 01:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي كفالة طلبة العلم وواجب الأمة في إعداد العلماء

كفالة طلبة العلم وواجب الأمة في إعداد العلماء


مصطفى مهدي







الحمدُ لله الذي نزَّلَ الفرقانَ على عبدِه ليكونَ للعالمين نذيرًا، والحمدُ لله الَّذي أرسلَ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا، فأعزَّ به أقوامًا، وأذلَّ به آخَرين، بحِكْمته البالغة، فهو - سبحانَه - لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسأَلُون.



أمَّا بعدُ:

فمِن المعلوم المستقرِّ في شريعة الإسلام أهميّةُ العلم الشَّرعي ومكانةُ حمَلته من العُلماء وطلبة العِلْم العاملين به، فإنَّ للعلم الشَّرعي في الإسلام المرتبةَ والمنزلة الرَّفيعة؛ لأنَّه الَّذي يَصِلُ الناسَ بخالقهم من السَّبيل الَّذي حدَّده لهم وبيَّنه على لسان رسولِه - صلى الله عليه وسلم - فالعلمُ الشَّرعي هو العلم الحقيقي؛ لأنَّه العلم بالله تعالى، والعلم بأسمائه وصفاته، والتعبّد له بها في كلّ مناحي الحياة، بل إنَّ العِلْم الشَّرعي هو السّراجُ الَّذي يُنيرُ الحياة، والرَّائدُ الذي يهدي العطاش إلى المورد الصَّافي، ويصرفهم عن الموارد الكدرة.



فالعلمُ الشَّرعي هو الَّذي به تحيا الأرْواحُ؛ لأنَّها به تتغذَّى بأنوار العلم بالله - عزَّ وجلَّ - وتسير على منهجه ودينِه الَّذي ارتضاه لنفسه وأنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - للنَّاس؛ ليحفظها من التخبّط والتّيه في الدّروب المظْلِمة من الآراء غير السويَّة، والأهواء غير المرضيَّة.



والعِلْم الشَّرعي أفضل الأعمال والقربات؛ قال وكيع: سمعتُ سفيان الثَّوري يقول: "لا أعلم من العبادة شيئًا أفضلَ من أن يعلّم النَّاس العِلْم"[1].



ويكْفي أنَّ الله - تعالى - قد جعل أهلَه في أعْلى المراتب وأسمى المنازل، فقرَنَهم به - تعالى - وبملائكته في الذِّكْر في آية واحدة؛ فقال - سبحانه -: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].



وأثبتَ لهم الفضْل على سائر خلْقِه في عددٍ من آياته؛ فقال - جلَّ ذكره -: ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [سبأ: 6].



وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، ويكفي قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أبو الدرداء - رضي الله عنه - قَالَ: فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((مَنْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيه عِلْمًا، سَلَكَ اللَّهُ بِه طَريقًا إلى الجَنَّةِ، وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَها رِضاءً لِطالِبِ العِلْمِ، وإنَّ العالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّمَوَاتِ ومَنْ في الأرْضِ حَتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ العالِمِ على العابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ على سائِرِ الكَواكِبِ، إنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، إنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينارًا وَلا دِرْهَمًا؛ إنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أخَذَ بِهِ أخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))[2].



وغير ذلك من الآيات والأحاديث والآثار الدَّالَّة على فضْل العِلْم وحاجة النَّاس إليه، الَّتي تفوقُ الحاجةَ إلى الطَّعام والشَّراب؛ لأنَّ بالعِلم الشَّرعي نجاةَ الخلق مِن خزْي الدُّنيا وعذاب الآخِرة.



فإذا كان الأمرُ بهذه الأهمّيَّة البالغة، فإنَّه يحتاج منَّا إلى وقفات متعدِّدة للنَّظر في طريقة إعداد العلماء وطلبة العلم، والنَّظر في المنهجية التي تلتزمها الدولُ في صناعة طلبة العلم، وكذلك الطريقة التي يُربَّى بها طالبُ العلم في معسْكر التَّأهيل لقيادة الأمَّة بالكتاب والسّنَّة.



والمحاور التي تدور عليْها هذه القضيَّة كثيرة، وهي من الأهمّيَّة بمكان، وتَحتاج إلى نظر ومراجعات كثيرة.



ولكنِّي ألْتقط واحدة من تلك الرَّكائز الَّتي يقوم عليه بناءُ طالب العِلْم، وهي مسألة جدّ خطيرة، ألا وهي مسألة "كفالة طلبة العِلْم"، والمقصود هنا ليْس الكفالة العلميَّة والمعنويَّة، وإن كانا من الأهمّيَّة بمكان، وإنَّما المقصود الكفالة المادّيَّة بتولِّي أمور طالب العِلْم والقيام على إشْباع حاجته؛ ليتفرَّغ ذهنيًّا ونفسيًّا وفكريًّا وبدنيًّا للمهمَّة الكبرى، وهي مهمَّةُ نشْر الدّين، والدّفاع عنه، والرَّدّ على المنافقين بالحُجَج والبيان، وقيادة الأمَّة في ردّ الاعتداء بالبدن والسنان.



فطالب العلم، مثله مثل أي إنسان، له متطلَّبات وحاجات يَجب إشباعها، فإن قام هو بذلك واقتطع من وقته ومجهوده قدرًا للكسْب وتَحصيل الرزق، عاد ذلك بالنَّقْص على المطْلوب منه، وهو عمل العلْم ونشْره في النَّاس.



وليس هذا الكلام تزهيدًا في العمل وطلب الرزق، ولكن إرشادًا للمسلمين إلى المطلوب منهم تجاه طلبة العلم والعلماء، خصوصًا النبغاء الأذْكياء الَّذين يستطيعون حفظ العلم وفهمه وتبليغه للنَّاس في كل مكان وبكلّ لسان، فالزَّمان الآن مليءٌ بالشُّبُهات والشَّهوات التي تَحتاج لآلاف من طلبة العلْم الَّذين يدفعون عن الأمَّة ويذبُّون عن الدّين، فإن ترَك طلبةُ العِلْم أماكنَهم وهجروا الثّغور بحثًا عن الرزق، اقتُحِمت الثغور مِن قِبَل المتربصين بالإسلام وأهله من كل حدب وصوب.



لذلك كان من الواجب على الأمَّة حكوماتٍ وشعوبًا أن يساندوا طلبةَ العلم، ويقوموا على حاجتهم، وإنَّه لحري بنا فعلُ ذلك في الوقت الَّذي يقومُ فيه عدوُّنا بذلك، فهم يجنِّدون الآلاف للدَّعوة إلى الكُفْرِ ونشْره في ربوع المعمورة، أفَلَسْنا نحن أحقَّ بذلك منهم؟ فنحن أصْحاب الدّين الحقّ، وأصحاب المنهج الصَّحيح، وأصحاب القضيَّة المؤيَّدة من الله تعالى؛ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 11].



لذلك كان الأولى بالأمَّة القيامُ بعملها في دعْم طلبة العلم، وتفريغ النُّبغاء منهم في كلِّ بلد لتحْصيل العلم وتعْليمه للنَّاس.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]