ولكن.. شأن كل شيء في الحياة لا يمكنه بلوغ درجة الكمال المبرَّأ عن المآخذ، نجد أن هناك بعض الملاحظات على هذه النظرية، وذلك بمقارنتها بالنظريات الأخرى في هذا المجال، وأبرز تلك المآخذ:
1- تجزئة النتاج الأدبي عند دراسته. ذلك أنها تدرس نتاج الأديب موزَّعًا بين الفنون، أو الأغراض المختلفة. فالمتنبي مثلاً يُدرس مرة في شعر المديح، ومرة في شعر الوصف، وحينًا في فن الهجاء، وحينًا آخر في فن الفخر. ومن هنا تتفتت شخصية الشاعر ويتجزأ نتاجه. وهذا لاشك يفقدنا التصور الكامل لجوانب الإِبداع وألوانه المختلفة عند الشاعر الواحد، ويضيع علينا الإِلمام الشامل بخصائص شاعريته.
2- تهمل هذه النظرية صاحب النص المدروس وتتجاهل سيرته الذاتية ومدى انعكاسها في أدبه، فلا تلتفت إِليه إِلا لمامًا وبقدر ضئيل. والحق أن هذا الإِهمال هو إِسقاط لرصيد ضخم عظيم الأهمية في الدراسة الأدبية.
3- هناك صعوبة كبرى تواجه هذه النظرية وتحول دون قيامها منهجًا متكاملاً للدراسة الأدبية الوافية. ومنشأ هذه الصعوبة عائد إِلى واقع الأدب العربي، وإِلى طبيعة الشعر فيه بصورة أخص. فالقصيدة العربية ظلت حتى العصر الحديث لا تعرف وحدة الموضوع وإِنما تعرف وحدة البيت؛ حتى لقد عُد من العيوب الفنية في الصناعة الشعرية أن يتصل البيت بالبيت الذي يليه اتصالاً نحويًا وثيقًا يقوم على ترابط المعنى. وقد مكن هذا من تنوع الموضوع داخل القصيدة الواحدة، بأن يكون لها غرض أساسي تنشأ من أجله، وأغراض جانبية مساعدة تلتفُّ من حوله.
وينتهي بنا مثل هذا التنوع في أغراض القصيدة إِلى تجزئتها - عند تطبيق نظرية الفنون الأدبية - طبقًا لأغراضها، ولاشك أن هذا يبدد خصائص العمل الأدبي، ويمزق وحدته، ويطمس كثيرًا من معالمه ويحطم الإِطار العام له. ليس هذا في الشعر فقط، بل إِن كثيرًا من النصوص النثرية ذات الموضوعات المتعددة، أو ذات الغرض الأساسي والأغراض الجانبية الفرعية، هي أيضًا من العوائق الكبرى التي تحول دون تطبيق نظرية الفنون واستغلال جوانبها الإِيجابية الكثيرة.
تلك هي وجوه النقد ونواحي الصعوبة والنقص التي تتعرض لها نظرية الفنون. ومع ذلك، فقد وُجد لها في البيئة الجامعية بوجه خاص، من يأخذ بها ويعمل على هديها. فقامت دراسة ((شعر الطبيعة في الأدب العربي)) للدكتور سيد نوفل، ودراسة ((شعر الحرب في أدب العرب)) للدكتور زكي المحاسني، ودراسة ((الهجاء والهجاءون)) للدكتور أحمد حسين. ثم تتالت دراسات الدكتور شوقي ضيف وغيره من أساتذة الجامعات العربية، فصدرت دراسات مستقلة عن: الفخر والحماسة والمديح والرثاء والغزل والهجاء والوصف... ثم دراسات عن الخطابة وفنون النثر: كالرسائل والمقامات، وأدب الرحلات، وعن الموشحات والأزجال والدوبيت، وعن الملحمة والقصة وجذورهما في الأدب العربي القديم. وهي في جملتها جهود مشكورة، كل منها يفيد من الآخر، ويحاول أن يتم نقصه المنهجي ويتلافى ما وقع فيه من مآخذ وعيوب فنية.
وفي النهاية يهمنا أن نعرف الفرق بين النظريتين: المدرسية، والفنون الأدبية، وهو أن الأولى: تقوم على التركيب الذي يفتقد التحليل، وأن الثانية: تُعنى بالتحليل الذي يتعذر معه التركيب. وبناء على هذه الحقيقة، تطلع الفكر الناقد إِلى مناهج أخرى، تجمع بين مزايا هاتين النظريتين وتتجنب عيوبهما.
3- نظرية المذاهب الفنية:
عرفت هذه النظرية سبيلها إِلى الأدب العربي في مرات متعاقبة. واتخذت أشكالاً أقرب إِلى الغموض مرة، وأقرب إِلى الوضوح مرة أخرى، واستمسك بها جماعة من مؤرخي الأدب ونقاده في القديم، ثم التزم بها جماعة آخرون في العصر الحديث. ولقد حاول القدماء تلمُّس المدارس الأدبية عن طريق رصد خطى الشعراء وتتبُّع أساليبهم الفنية من خلال المعارك النقدية وقسمة الشعراء إِلى طبقات.
وكان أول من تطرق لقضية المذاهب الفنية من المحدثين الشيخ حسن المرصفي في كتابه ((الوسيلة الأدبية)). ففي هذا الكتاب الرائد كثير من النظرات الصادقة والآراء النافذة التي رمت إِلى إِقامة دراسة جديدة على أساس من مذاهب الشعراء والأدباء ومن طرائقهم الفنية. ثم جاءت خطوة الخالدي في كتابه ((فيكتور هوجو وعلم الأدب عند الفرنج والعرب)) 1904م، حيث قسم الشعراء العرب إِلى أربع طبقات، وهي قسمة متأثرة بالمذاهب الفنية أكثر من تأثرها بأي نظرية أخرى.
وتطورت الحياة العلمية، وبدأ التفاعل بين الثقافة الغربية التقليدية، والثقافة المستقاة من الأمم الغربية؛ فاتخذت نظرية المذاهب الفنية شكلها التطبيقي الواضح في عملين اثنين:
أولاهما: دراسة مبكرة لطه حسين عن مدرسة زهير بن أبي سُلمى في الأدب.
وثانيهما: دراستان لشوقي ضيف:
الأولى: بعنوان ((الفن ومذاهبه في الشعر العربي)) وهي أطروحته للدكتوراه.
والثانية: بعنوان ((الفن ومذاهبه في النثر العربي)).
ومع نمو البحث العلمي في مختلف الجامعات العربية، وشيوع الوعي الثقافي الحديث، واتصال كثير من الأدباء والباحثين بمنابع المعرفة في البلاد الغربية مباشرة، نما الاهتمام بنظرية المذاهب الفنية وتوالت الدراسات الأكاديمية والعامة، وصدرت عشرات من الكتب ومئات من الأبحاث في المجلات المتخصصة.
ونقف عند خصائص هذه النظرية، فنجدها تتمثل فيما يأتي:
1- الوحدة الفنية: وهي تتبع الخصائص الفنية عند جماعة من الأدباء، أو من الشعراء ذوي الاتجاه المتقارب والمسالك المتوازية، وتجميع السمات التي تجمع بينهم بغض النظر عن عوامل الزمان أو المكان التي توحد أو تفصل بينهم.
2- التركيز والتدقيق واستفراغ الجهد والغوص في دراسة وجوه الاختلاف والاتفاق بين الأدباء، ورصد سمات الأسلوب وعناصره كلها. وهو موقف يتجنب السطحية والتسرع والتعميم، ويمضي في جدية وتنظيم، كما يحتاج إِلى رصيد ثقافي واسع، وتجربة طويلة خصبة.
3- الإِفادة من جهود النظريات الأخرى التي تهتم بدراسة الآثار الأدبية المختلفة. فهذه النظرية لا تهمل سائر النظريات الأخرى، بل هي غاية لها وذروة تنتهي إِليها خلاصة أساليبها واجتهاداتها.
4- الجمع بين جمالية الأدب ومنهجية النقد. فهي نظرية تقوم على الإِدراك أولاً ثم على التمييز ثانيًا، ثم على اكتشاف الحدود ثالثًا، على ما في هذا من عسر تحققه عند الدارس الواحد. إِنها - بإِيجاز شديد - نظرية تجمع بين كل مواهب المؤرخ الأدبي، وكل مواهب الناقد الأدبي، ليكون الناتج باحثًا متكامل الأدوات.
5- الجمع بين الأدب والعلم. ومعناه الحرص على تزاوج الذوق والعقل، وامتزاج رواء الأدب ورونقه بموضوعية العلم ودقته. وهي لذلك أقرب النظريات إِلى روح الدراسة الأدبية التي توائم بين العلم والأدب، ولا تدع أحدهما يطغى على الآخر.
6- تصحيح التراث الأدبي: وهي مرحلة تحقيق النصوص وتصحيح نسبتها واستبعاد زائفها، وتقع في طريق الباحث موقع قدمه الأول. وهذه النظرية هي أقدر من غيرها على الإِحاطة بمذهب الشاعر الفني والمدرسة الفنية التي يتبعها وتمحيص الأصيل من المنتحل من شعره.
7- الوحدة والانسجام: فالنظرية الفنية تقوم على الوحدة والانسجام في أدق معانيهما وأكمل صورهما. إِنها تجمع خيوط الصلات العميقة بين كل شاعر وآخر، وبين كل كاتب وآخر، كما أنها تضبط ما بين نفوس الأدباء من تجاوب، وبين آفاقهم من تماثل، وما بين أساليبهم من وحدة.
وبعد، فما موقف النقاد من هذه النظرية التي استجمعت كل هذه الخصال؟
إِنها في الحق لا تواجه كبير اعتراض. والسبب في هذا أنها تحقق للدراسة الأدبية الفائدة واللذة، وتقيمها على دعامتي العقل والذوق معًا، وتبلغها الغاية في نهج ميسر سليم.
لسنا هنا بصدد تبيان ما للنظرية وما عليها، فليس هنا سيئات تنقص جوانب النظرية الفنية، ولكن هنا محاذير يُخشى أن تؤدي بالدراسة الأدبية إِلى العقم والفشل الذريع.
وأول تلك المحاذير: ما نخشاه عليها من الاقتصار على الاهتمام بالأسماء اللامعة والقمم الشامخة في سماء الأدب العربي، وإِهمال التتبع الدقيق للروح الفنية عند الشعراء المغمورين. فمن يدري فقد يكون أحد هؤلاء مفتاحًا لمذهب أدبي، أو عنوانًا لاتجاه فني. بل من المؤكَّد أن إِصدار الأحكام النقدية من خلال نتاج اللامعين وحدهم وتجاهل سواهم، أمر يقود إِلى نتائج فيها كثير من القصور والمثالب.
وثاني هذه المحاذير: أن تسلم هذه النظرية بكل ما وقر في أذهان الأجيال من أحكام شائعة في حق الشعراء والكتاب وسواهم من الأدباء من لدن الجاهلية حتى العصر الحديث. فإِن قبول تلك الأحكام الجاهزة يؤدي حتمًا إِلى الزلل والحيف عن سنن الحق. لذلك لابد من التخلص التام منها والاتجاه نحو استقراء جديد شامل ودقيق، لاستخراج أحكام مستقلة كل الاستقلال، يمكن من ثَمَّ مقارنتها بالأحكام المتوارثة والشائعة، ثم الانتهاء إِلى القول الفصل.
أما المحظور الثالث فهو: الخشية أن تنقلب الوسيلة عند هذه المدرسة هدفًا والهدف وسيلة، بحيث تصنف المدارس الأدبية أولاً ثم يقاس عليها الأدباء ثانيًا. إِننا إِذا فعلنا ذلك، نكون قد قلبنا المسألة رأسًا على عقب. فإِن الإِطار لا يوضع قبل الصورة، والمذاهب لا تُقَرر قبل استقراء الظاهرة الأدبية نفسها. ونظرًا لأن نظرية الفنون تغري بطبيعتها على الانزلاق والتبادل الخطر بين الغاية والوسيلة، نتيجة ما رسب في أعماق دارسي الأدب من آراء ونظرات جاهزة شائعة.. إِذن لابد من الحذر الشديد عند التطبيق.. أي لابد من الابتداء بالقاعدة القائمة على الاستقراء، والانتهاء بالقمة لنخرج بالاستنباط النهائي الدقيق.
إِن هذه النظرية إذا استطاعت تَجنُّب تلك المحاذير الثلاثة المذكورة وَتَزوَّدَ مُطبِّقُوها بأدوات المؤرخ والناقد الأدبيين كليهما وبشروط البحث وبأخلاقه، فلاشك أن المستقبل الباسم من نصيبها، وأن البعث الحقيقي للدراسة الأدبية المنهجية الجادة سيكون متكاملاً على يديها.
إِن النظريات والاتجاهات المختلفة التي تعاقبت على الأدب العربي، لم تف بحاجة هذا الأدب، ولم تفلح في درسه وتأريخه. فقد كانت هذه النظريات جميعًا المفترضة منها والمطبقة، المعرف بها هنا والتي لم نعرف بها، كانت سواءً في التنبيه إِلى جانب من جوانب الدراسة والقصور عما عداه، والنظر إِلى الأدب من زاوية وإِهمال الزوايا الأخرى.
وإِذن: فماذا نستطيع أن نتخذ من أسباب للوصول إِلى نظرية تشمل الأدب العربي من أطرافه كلها، بما لهذا الأدب من امتداد زمني، ومن سعة مكانية، ومن واقع لغوي خاص وحياة متميزة؟
إِن الهدف الأساسي من الدراسة الأدبية هو فهم الحياة الفنية التي غمرت العالم الإِسلامي عبر تاريخه الطويل، وضبط مراحل هذه الحياة، وإِدراك هذا التنوع الأدبي الواسع ورده إِلى وحدات مشتركة الخصائص متسقة الألوان. ويمكن أن تتم هذه الإِحاطة بالتراث الأدبي على نحوين مختلفين: أولهما: نفاذ إِلى الفروق، أدق الفروق في هذا التراث وبحثها بحثًا عميقًا بذكاء وصبر، وثانيهما: استخلاص الوحدات التي تجمع بين أجزاء التراث، ممثلة في النزعات والتيارات والمدارس الأدبية الفنية. وهذان النحوان أو العنصران متصلان ومتكاملان، يؤلفان قطبي الدراسة الأدبية ويحققان صورتها المثلى.
وبناء على ذلك، فإِن المنهج الجديد الذي نتطلع إِليه هو منهج تكاملي. هو تنظيم التعاون بين مناحي الدراسات السابقة التي عالجت طبيعة كل النظريات المعروفة، والعمل على توجيهها لتلتقي في النهاية كاشفة عن المدارس الأدبية التقاء البناء الهرمي عند ذروته.
ويمكن حصر أصول هذا المنهج الجديد كما تصوره د. شكري فيصل في النقاط الآتية:
1- التعاون بين الدراسات الأصلية والدراسات المساعدة: فإِن دراسة الأديب نفسه، والتعرف على حياته، ودراسة شعره وتحليله، والتمرس بأسلوبه، والوقوف منه الموقف الشارح المميز الناقد في آن واحد، هو ما نسميه بالدراسات الأصلية. هذه الدراسات لابد لها من الاستفادة والتعاون مع دراسات النظريات الإِقليمية والثقافية والجنسية والفنية، باعتبارها دراسات مساعدة، لها كثير من الجوانب الإِيجابية التي يمكن استغلالها.
2- إِفراد القضية الأدبية وتمييزها: إِن جوهر الدراسة الأدبية هو الظاهرة الأدبية ذاتها، وهي الغاية الأساسية والأصل. ولقد كان من عيب النظريات السابقة أنها اعتبرت القضية تبعًا أو وسيلة، وركزت عنايتها على أمور ثانوية جانبية؛ فأدى هذا إِلى الاضطراب والانتهاء إِلى نتائج قاصرة. أما المنهج الجديد فيحفظ للقضية الأدبية طابعها الخاص واستقلالها المتميز، ثم يجعل سائر الدراسات المساعدة أدوات معينة لها ومكملة.
3- النظرة الواسعة المرنة: وهي ألا نجاوز المهمة الأساسية للدراسات الجانبية المساعدة عن الحياة السياسية وعن أثر البيئة وتفاعل الثقافات، وألا نعلو بها فوق قدرها، فنسلم بنتائجها التقريرية؛ وإِنما الصحيح أن نفيد منها في حدود معينة وبكل حيطة وهدوء، وبعد فحص ومراجعة.
4- تحقيق الوحدة الفنية الكلية: وهي تتم بصورة منتظمة متدرجة: نبدأ بالشاعر الواحد لننتهي إِلى المجموعة من الشعراء، وبالكاتب لنصل إِلى الطائفة من الكتاب، دون تقيد بمكان أو عصر أو إِقليم. فإِذا انتهينا إِلى المدارس الأدبية كان من الممكن ملاحظة توزعها بين الأقاليم أو العصور أو الثقافات. إِذن فالمنهج الجديد يقوم على الانتقال من الفردي إِلى العام، ومن الجزئي إِلى الكلي، بطريقة متزنة عميقة هادئة نافذة.
5- توسيع مفهوم الأدب: فلابد من توسيع دائرته من المعنى الخاص إِلى المعنى العام وربطه بميادين الفكر في الدراسات الإِنسانية المتنوعة من تاريخ وتصوف وفلسفة. إِننا إِذا صنعنا ذلك، سنجد أن مقدمة ابن خلدون مثلاً كانت مثالاً أدبيًا رائعًا، يستحق التمهل في التقويم والعمق في الدراسة، فيتغير كثير من آرائنا الجاهزة الشائعة وسنكتشف في تراثنا الفلسفي والصوفي كثيرًا جدًا من النماذج الراقية المجهولة كذلك. وما من شك في أن أمثال هذه الدراسات الجديدة ستشيع الخصب والنماء في عملنا الأدبي، وستحدث انقلابًا كبيرًا في أحكامنا الأدبية، وستغير من نظرتنا إِلى كثير من العصور والفترات. إِن هذه الميزة في المنهج الجديد ترفع الحواجز بين دائرة الأدب بمعناه الضيق، وسائر فنون المعرفة الإِنسانية، وتعمل على إِغناء الأدب بثمار الفكر بمختلف ألوانه من جهة، وعلى إِكساب الإِبداع الفكري في كل العلوم الإِنسانية نكهة الأدب ورواء أسلوبه وأناقة مظهره من جهة أخرى.
ولقد ازداد تشبع الأجواء الثقافية والأكاديمية العربية خلال السنوات الأخيرة بمختلف ألوان المعارف الأجنبية. فازدانت المكتبة العربية بأعداد من الأعمال المترجمة والمؤلفة في مجالات: نظرية الأدب، والمناهج الأدبية، والأدب المقارن، والنقد الأدبي. وظهرت مناهج جديدة في دراسة النص الأدبي من مثل: الألسنية، والأسلوبية، والبنيوية، أو الهيكلية، أو السيميائية[1] وغيرها. كما صدرت كتب تحمل عناوين مثل: ((مشكلة البنية)) لزكريا إِبراهيم، ((والأسلوب والأسلوبية)) للدكتور عبدالسلام المسدي، و((الألسنية والنقد الأدبي)) لموريس أبو ناضر، و((في تاريخ الأدب: مفاهيم ومناهج)) لحسين الواد، و((في معرفة النص)) ليمنى العيد، وغير ذلك كثير جدًا.
ولاشك أن هذه الإِسهامات الجديدة تتفاوت فيما بينها جدة، وابتكارًا، واتصالاً بالتراث والمعاصرة، وتطرفًا واعتدلاً. وهي اتجاهات ذات مزايا إِيجابية، وذات مزالق قد تجنح بالدراسة إِلى التطرف المسرف، خصوصًا إِذا تناست طبيعة الأدب العربي وعالجته من خلال المعايير الأجنبية المحضة.
إِن مناهج دراستنا الأدبية الراهنة، خصوصًا ما يتصل منها بالمناهج التعليمية، هي في حاجة ماسة إِلى إِصلاح جذري جاد. إِنها لا تزال أسيرة المدرسة التقليدية - في الغالب - بكل ما لها من عيوب كما قدَّمنا، ولقد آن الأوان أن نستبدل بها منهجًا جديدًا على ضوء الحقائق التي انتهينا إِليها من خلال هذا العرض الموجز. إِننا نتطلع إِلى منهج يناسب الوعي الثقافي المعاصر وما وصلت إِليه الأذواق والأفهام الأدبية الحديثة.. منهج متكامل يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويتميز بشخصيته المستقلة ومعاييره الخاصة.
[1] السيميائية: هي تطوير للبنيوية وتنويع لها. وهي تستمد أدواتها من علم اللغة، وتعتبر علمًا استقرائيًا يوضح العلاقة بين مبادئ تنظيم اللغة، أي الثقافة المادية (تنظيم المكان)، والقيم العقلية والأخلاقية (وتعني علاقة الزمن بعلم الأخلاق)، وتهدف السيميائية اللغوية إِلى دراسة اللغات الطبيعية وأساليبها.