المنهج وطرق تدريسه ( رؤية )
د. ماجد بن سالم حميد الغامدي
عادة ما يتساوى الإنسان مع بني جنسه في الخَلق الظاهري، ولكنهم يختلفون كثيرًا في الصفات والتعامُل الخُلقي والمنطق والمستوى المعرفي؛ نتيجة عواملَ وعناصر شتَّى، ومما تميَّز به جنسُ الإنسان عن غيره نِعمة العقل والقدرة العقلية، كما يتميَّز أفراده بعضهم عن بعض في مستوى هذه القدرة، بل جعلت الشريعة الإسلامية العقلَ مناطًا للتكليف؛ فلا مؤاخذةَ على مسلوب نعمة العقل.
فالتعليم في الأساس مُنبثِق عن التربية، والتي تميَّز بها الإنسان عن غيره من مخلوقات الأرض، فالإنسان بطبيعته التي فطَره الله عليها قابِلٌ للتأثير والتأثر، والتعاملُ مع النفس الإنسانية هو الأصعب في هذه الحياة؛ إذ إن الإنسان ذو تَصرُّفات متقلِّبة تَبَعًا لما يتشكَّل في ذهنه من فِكْر بوعي أو بدون وعي لمصلحة قد يراها ليست في الأصل كذلك؛ ولذا لا زال أرباب التربية يتَّجِهون لاتجاهات مُتناقِضة أحيانًا للحكم على واقعة واحدة، كل ينظر إليها من جانب مختلف؛ ولأن نشأة الإنسان تَسير وَفْق مسارين اثنين:
الأول: الفطرة الطبيعية التي فطَره الله عليها بطبيعته قابِل للتغيُّر ومُتطوِّر، ويبحث عن الحياة والطعام والشراب.
الثاني: هو المسار الذي يَكتسِبه ممن حوله، ومما يؤثِّر فيه من مجتمع وأسرة وتربية وتعليم وإعلام، وهذا الجانب الذي تَقصِده التربية بشكل مقصود، وتَهدف كل الدول والمجتمعات لأن تَصِل بأفرادها إلى المستوى المرغوب ذي الفاعلية والأثر على كافَّة مستويات الحياة المتقدِّمة والمتطورة والمرفَّهة.
إلا أننا - نحن المسلمين - يُميِّزنا المربي الأول، المُنطلِق من الوحي، مُعلِّم البشرية - عليه الصلاة والسلام - النبي الأمِّي الذي جاء بتربية الرُّوح والجسد بالتوازي مع الحاجات وصولاً إلى الغايات تلك الغايات الكبرى التي لا يُدرِكها إلا المؤمنون بما جاء به، والتي لا تنفك عن أي وسيلة وأي أسلوب يَستهدِف التربية الأخلاقية أو الرُّوحية أو السلوكية، بجعلها غاية ومضلَّة لكل تصرُّفات الإنسان في هذه الحياة.
لم يكن العالم العربي والإسلامي بمعزِل عن العالم المتقدِّم، وما تبلور لديه من العلوم الحديثة التي تكوَّنت بناء على العديد من التجارِب والخبرات المجموعة تحت نظريات وفلسفات، اتفقنا معها أو اختلفنا؛ حيث تَمَّ انتقالها إلى العالم الإسلامي بطرق متعدِّدة، بَدءًا من الترجمة، وصولاً إلى الابتعاث، ولست بصدد الحديث عن الممانعة من عدمِها لهذا الانفتاح على علوم وحضارات الغرب؛ لأن الإسلام دين الجميع ومهْد الحضارات، لكن التأثر بهذه العلوم تارة ما يميل إلى الإيجابية وأخرى إلى السلبية، لكنه واقعٌ وقَعَ، شئنا أم أَبَيْنا!
ومن هذه العلوم علوم التربية بكل أقسامها وتَخصُّصاتها، ولست بصدد الحديث عن تاريخ التربية وتوجيهه إسلاميًّا؛ لكن اليقين الذي أعتقِده أنه من الممكن أن نكون تربيتنا وعِلْمنا التعليمي وأنظمتنا انطلاقًا من ثقافتنا وحضارتنا، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها.
ودخولاً إلى الموضوع الأساس، فإن عِلْم المناهج بمفهومه الواسع هو الوسيلة الأساس التي يَرتكِز عليها النظام التعليمي، بل لا أُبالِغ إن قُلتُ: إن منظومة التربية والتعليم ما هي إلا حوائط المنهج الذي يرتدُّ منها إليه كل تَقدُّم وتَطوُّر ودراسة وتَجرِبة.
ولأن عِلم المناهج أصبح عِلمًا له أصوله وفروعه، فقد حدَّد الكثير من المختصين في بنائه وتخطيطه العديد من الدرجات.
فأولها: التصميم للمنهج، وهذا عنصر إدراك العلاقات بين جميع عناصره، بحيث يعمل المصمم على رسْم الكروكي الهندسي الأشبه بالتصور الأولي للمنزل الذي يُريد صاحبه أن يَبنيه فيُحدِّد معالمه الأولى.
والثاني: المباشرة في التخطيط، بحيث يتم ضبْط التصور المستقبلي لخطوات صناعة المنهج وإخراج الوثيقة المرشدة والموجهة لعمليات البناء، وله العديد من النماذج، بَدءًا بالخطية إلى المنظومية.
والثالث: المباشرة في بناء المنهج وتحديد عناصره ومتطلِّباته.
والرابع: التنظيم واختيار القالب المناسب لإخراجه في ضوئه أيًّا كان، من مواد مُنفصِلة، أو أنشطة، أو وحدات، أو حلزوني، أو تكنولوجي.
والخامس: التنفيذ للمنهج تجريبيًّا ثم تنفيذه معممًا بعنصرين أساسين (التدريس - والإدارة).
والسادس: التقويم للمنهج، ويتمُّ في ضوء الأهداف والحُكْم بالنجاح والفشل، والقوة والقصور.
والسابع: التطوير في ضوء نتائج التقويم.
وحين نَنظُر إلى الظواهر الأساسية للمنهج، نجد التدريس هو العنصر الأساس مجانبة للإدارة والنظام الإشرافي على تنفيذ المنهج.
وحين ننزل إلى عمليَّة التدريس، فإن هذه العملية عمليَّة ذات أسس وفلسفات وتخطيط مُنظَّم، وإلا فالفشل سيكون مصيرها، وحينها فكل ما تَمَّ من خطوات لتكوين المنهج لن تكون ذات معنى، ومن أسس نجاح عمليَّة التدريس نجاح الاستراتيجية أو الطريقة أو الأسلوب التي سوف يكون التدريس باستخدامها؛ إذ هي الركن الذي يتم من خلاله الاتصال والتواصل، والتأثير والتأثر، والانفعال والتفاعل بين المعلم والمتعلم.
إننا لا نُبالِغ إذا قلنا: إن الخامة التي يحتاجها النجار هي الخشب، والحديد هو خامة الحداد، والبشر هم خامة المعلم، وعليه؛ فإن طرق واستراتيجيات التدريس هي ما يُقابِل أدوات الصقل والنحت والنقش التي يستعمِلها النجار والحداد ليُحقِّق الصناعة التي يَهدف إلى تحقيقها.
يتبع