التفكير الإبداعي
د. موسى نجيب موسى معوض
تعريف التفكير الإبداعي:
التفكير الإبداعي نشاط عقلي مركَّب وهادف توجِّهه رغبة قوية في البحث عن حلول أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة سابقًا، ويتميَّز التفكير الإبداعي بالشمولية والتعقيد؛ لأنه ينطوي على عناصرَ معرفية وانفعالية وأخلاقية متداخلة، تشكل حالة ذهنية فريدة، ويستخدم الباحثون تعبيراتٍ متنوعةً تقابل مفهوم "التفكير الإبداعي"، وتلخصه من الناحية الإجرائية؛ مثل "التفكير المنتج" Productive، و"التفكير المتباعد" Divergent، و"التفكير الجانبي" Lateral؛ (جروان، 1998).
مهارات التفكير الإبداعي:
إن مراجعةً لأكثر اختبارات التفكير الإبداعي شيوعًا، وهي اختبارات تورنس (Tor - rance, 1966) واختبارات جيلفورد (Guilford, 1967)، تُشِيرُ إلى أهم مهارات التفكير الإبداعي أو قدراته التي حاول الباحثون قياسها، وهي:
أولاً: الطلاقة Fluency:
وتعني القدرة على توليد عددٍ كبير من البدائل، أو المترادفات، أو الأفكار، أو المشكلات، أو الاستعمالات عند الاستجابة لمثير معين، والسرعة والسهولة في توليدها، وهي في جوهرها عملية تذكُّر واستدعاء اختيارية لمعلومات أو خبرات أو مفاهيم سبق تعلمها، وقد تَمَّ التوصل إلى عدة أنواع للطلاقة عن طريق التحليل العاملي، وفيما يلي تفصيل لهذه الأنواع مع أمثلة عليها:
أ- الطلاقة اللفظية أو طلاقة الكلمات؛ مثل:
• اكتب أكبر عدد ممكن من الكلمات التي تبدأ بحرف "م"، وتنتهي بحرف "م".
• اكتب أكبر عدد ممكن من الكلمات التي تضم الأحرف الثلاثة التالية: "ك، أ، ن".
• هات أكبر عدد ممكن من الكلمات المكونة من أربعة أحرف، وتبدأ بحرف "ج".
ب- طلاقة المعاني أو الطلاقة الفكرية؛ مثل:
• اذكر جميع الاستخدامات الممكنة لـ "علبة البيبسي".
• اذكر كل النتائج المترتبة على زيادة عدد سكان الأردن بمقدار الضعفين.
• أعطِ أكبر عدد ممكن من العناوين المناسبة لموضوع القصة.
• اكتب أكبر عدد ممكن من النتائج المترتبة على مضاعفة طول اليوم ليصبح 48 ساعة.
ج- طلاقة الأشكال:
هي القدرة على الرسم السريع لعدد من الأمثلة والتفصيلات أو التعديلات في الاستجابة لمثير وضعي أو بصري؛ مثل:
كوِّن أقصى ما تستطيع من الأشكال أو الأشياء باستخدام الدوائر المعلقة أو الخطوط المتوازية التالية:
ثانيًا: المرونة:
وهي القدرة على توليد أفكار متنوعة ليست من نوع الأفكار المتوقعة عادة، وتوجيه أو تحويل مسار التفكير مع تغير المثير أو متطلبات الموقف، والمرونة هي عكس الجمود الذهني، الذي يعني تبنِّي أنماط ذهنية محددة سلفًا وغير قابلة للتغير حسب ما تستدعي الحاجة.
ومن أشكال المرونة:
المرونة التلقائية، والمرونة التكيفية، ومرونة إعادة التعريف أو التخلي عن مفهوم أو علاقة قديمة لمعالجة مشكلة جديدة، ومن الأمثلة عليها:
• اكتب مقالاً قصيرًا لا يحتوي على أي فعل ماضٍ.
• فكِّر في جميع الطرق التي يمكن أن تصمِّمها لوزن الأشياء الخفيفة جدًّا.
ويلاحظ هنا أن الاهتمام ينصبُّ على تنوع الأفكار أو الاستجابات، بينما يتركز الاهتمام بالنسبة للطلاقة على الكم دون الكيف والتنوع.
ثالثًا: الأصالة Originality:
الأصالة هي أكثر الخصائص ارتباطًا بالإبداع والتفكير الإبداعي، والأصالة هنا بمعنى الجدة والتفرد، وهي العامل المشترك بين معظم التعريفات التي تركز على النواتج الإبداعية كمحكٍّ للحكم على مستوى الإبداع، ولكن المشكلة هنا هي عدم وضوح الجهة المرجعية التي تتخذ أساسًا للمقارنة: هل هي نواتج الراشدين؟ أم نواتج المجتمع العمري؟ أم النواتج السابقة للفرد نفسه؟ كيف لنا أن نعرف أن فكرة أو حلاًّ لمشكلةٍ ما يحقق شرط الأصالة؟
وماذا لو توصَّل اثنان في بلدين متباعدين إلى حل إبداعي لمشكلة ما في أوقات متقاربة؟ ألا يستحق الثاني وصف المبدع؛ لأنه جاء متأخرًا في إنجازه؟
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتجاهات الإنسانية والبيئية تتبنَّى وجهة النظر القائلة باعتماد الخبرة الشخصية السابقة للفرد أساسًا للحكم على نوعية نواتجه؛ بمعنى أن الأصالة ليست صفة مطلقة، ولكنها محدَّدة في إطار الخبرة الذاتية للفرد.
رابعًا: الإفاضة Elaboration:
تعني القدرة على إضافة تفاصيل جديدة ومتنوعة لفكرة أو حل لمشكلة أو لوحة، من شأنها أن تساعد على تطويرها وإغنائها وتنفيذها.
خامسًا: الحساسية للمشكلات Sensitivity to Problems:
يقصد بها الوعي بوجود مشكلات أو حاجات أو عناصر ضعف في البيئة أو الموقف.
ويعني ذلك أن بعض الأفراد أسرع من غيرهم في ملاحظة المشكلة والتحقق من وجودها في الموقف، ولا شكَّ في أن اكتشاف المشكلة يمثِّل خطوة أولى في عملية البحث عن حلٍّ لها، ومن ثَمَّ إضافة معرفة جديدة أو إدخال تحسينات وتعديلات على معارف أو منتجات موجودة، ويرتبط بهذه القدرة ملاحظة الأشياء غير العادية أو الشاذَّة أو المحيِّرة في محيط الفرد، أو إعادة توظيفها أو استخدامها وإثارة تساؤلات حولها من مثل: "لماذا لم يقم أحد بإجراءٍ حيالَ هذا الوضع؟"، أو "لماذا لا يكون جهاز (الهاتف مثلاً) بهذا الشكل؛ حتى يسهل على الأطفال استخدامه لطلب النجدة مثلاً؟".
عقبات التفكير الإبداعي:
أشارت مراجع عديدة إلى وجود عقباتٍ كثيرة ومتنوِّعة تقف في طريق تنمية مهارات التفكير الإبداعي والتفكير الفعَّال، وربما كانت الخطوة الأولى التي يجب أن ينتبه إليها المعلِّمون والمدرِّبون والآباء هي تحديد هذه العقبات؛ حتى يمكن التغلب عليها بفاعلية عند تطبيق البرنامج التعليمي أو التدريبي الذي يستهدف تنمية مهارات التفكير الإبداعي، وقد صنَّف الباحثان إساكسن وترفنجر (Isaksen & Treffinger, 1985) عقبات التفكير الإبداعي في مجموعتين رئيستين، نوجزهما فيما يلي:
أولاً: العقبات الشخصية:
ضعف الثقة بالنفس: الثقة بالنفس عامل مهمٌّ في التفكير الإبداعي؛ لأن ضعف الثقة بالنفس يقود إلى الخوف من الإخفاق، وتجنُّب المخاطرة والمواقف غير المأمونة عواقبها.
الميل للمجاراة Conformity:
إن النزعة للامتثال إلى المعايير السائدة تُعِيق استخدام جميع المدخلات الحسية، وتحدُّ من احتمالات التخيل والتوقع، وبالتالي تضع حدودًا للتفكير الإبداعي.
الحماس المفرط: تؤدي الرغبة القوية في النجاح والحماس الزائد لتحقيق الإنجازات إلى استعجال النتائج قبل نضوج الحالة، وربما القفز إلى مرحلة متأخِّرة في العملية الإبداعية دون استنفاذ المتطلبات المسبقة التي قد تحتاج إلى وقت أطول.
يتبع