البرنيطة ورؤيا الشيخ رسول الله في المنام
إذاً: معاشر المؤمنين والمؤمنات! الله يأمر رسوله أن ينادي أهل الكتاب؛ لأنه رسول الله إليهم، وإلى الإنس والجن عامة، يقول لهم: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ )[النساء:171]. فيا شيطان.. يا صاحب البرنيطة! اذهب عنا وانزعها من رأسك، أرأيتم كيف يصنع العدو بكم؟ أسألكم بالله: أيجوز هذا لأولادنا؟
أقص عليكم رؤيا صادقة، منذ ثلاث وأربعين سنة لما أسقط عرش فاروق مصر، وحكم نجيب وعبد الناصر ؛ فماذا فعل الجهل فينا لما صرخ نجيب بالعروبة؟
يوجد خياط في باب المجيدي يخيط بدلة صغيرة تسمى بدلة نجيب، والبدلة هي السروال والقميص والبرنيطة.
وكنا قبلها في ديار المغرب، علماؤنا كعوامنا ما يضع برنيطة على رأسه إلا كافر فقط، وكانت الحكومة كافرة، ففرنسا كانت تحكم شمال إفريقيا، فالبوليس المسلم يعمل طربوشاً أحمر وهو بوليس، والبوليس الكافر يعمل برنيطة، حتى في الجيش الفرنسي المسلم يعمل طربوشاً والكافر يعمل برنيطة؛ إذ هي الحد الفاصل بين الكفر والإيمان، فلما جئت مهاجراً من هناك دخلنا المدينة في صفر أو في محرم، وجاء رمضان، فرجالات المدينة وأعيانها يأتون بأطفالهم يوم العيد لزيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم، يأتي أحدهم وهو بعمامته وطفله كهذا الشيطان يلبس البرنيطة والبدلة، يسمونها بدلة نجيب.
البرنيطة كما هي كأنها كابيتان فرنسي أو يطنان، وتألمت وتمزق قلبي: كيف هذا؟ يتحدون رسول الله، يأتون بأطفالهم هكذا يتبجحون؟ ما عرفوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال قاعدة لن تخرق أبداً: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، ليستقل المسلم استقلالاً كاملاً، حتى لا يختلط بأهل الكفر في الزي والمنطق والحال، ( من تشبه بقوم فهو منهم )، لو اجتمع علماء الطبيعة والكون والنفس والسياسة فبالله الذي لا إله غيره ما استطاعوا ولن يستطيعوا أن ينقضوا هذه القاعدة المحمدية: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، يعني: من أراد أن يكون مثل فلان في زيه، في منطقه، في أكله، في مشيته والله لا يبرح حتى يكون مثله، فمن القائل؟ أستاذ الحكمة ومعلمها، أما قال تعالى: ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[البقرة:129]، فكان المسلمون مستعمرين ويحافظون على إسلامهم بالزي، ما يلبس كما يلبس اليهودي أو النصراني؛ ليبقى مستقلاً بدينه.
وتألم الشيخ وتحرق، ويومها كان شاباً، وبدأنا بالتدريس والحمد لله، رحم الله الملك سعود وتغمده برحمته، قدمنا له معروضاً فقال: باسم الله درس، وإذا بي في رؤيا منامية واحفظوها: رأيتني أمام باب السلام هذا الموجود، ولكن كان بين الباب وبيني حفرة واسعة وعميقة، وفي وسطها جنازتان، نعشان مسجان، وأنا واقف، وإذا بإحدى الجنازتين تجلس على النعش، ألا وهو أحمد الزهراني حبيبنا من شرطة المسجد، يجلس بعمامته الخضراء على رأسه، فقلت: سبحان الله! إذا كان الشرطي حياً فالرسول من باب أولى، ففهمت أن النعش الآخر للرسول صلى الله عليه وسلم، فجأة وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم واقفاً وتلك الحفرة قد انتهت، وأنا أقول: يا رسول الله! استغفر لي.. يا رسول الله! استغفر لي، والله إني لفي رعشة وعجب في ذلك الموقف، فنظر إلي بوجهه النوراني وقال: أرجو، فما تبينت هل هذا فعل مضارع أو فعل أمر؟ إذا كان أمراً يقول لي: ارج، أي: أنا أرجو أن يستغفر لي، وإذا كان الفعل مضارعاً فهو صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أرجو أن نستغفر لك.
وفجأة وإذا كرسي حجري طويل أبيض إلى جنب باب السلام والرسول صلى الله عليه وسلم جالس عليه كالبدر، وأنا واقف مندهش، وإذا بطفل من هؤلاء يقف بيني وبينه ببدلة نجيب وبرنيطة نجيب، فوالله الذي لا إله غيره لقال بيده هكذا: أبمثل هذا يبتغون العزة؟ والاستفهام للإنكار والتعجب، ومن ثم فالعرب في مهانة وذل، واليهود يذلونهم في كل معركة؛ لأن عبد الناصر ونجيباً فرضا على العرب أن يوحدوا جيوشهم بالبرنيطة، ومن ثم هل أعزنا الله؟ هل انتصرنا على اليهود؟ فكم من معركة نخرج منها مهزومين، وهذه عبرة أم لا؟ والحمد لله، فترك أهل المدينة تلك البرنيطة لأولادهم، ما إن سمعوا الرؤية وتكررت كذا يوماً أو شهراً حتى انتهت، وفجأة الآن وجدناها تظهر من جديد، من هم الشياطين؟ الذين يوردونها من التجار ويبيعون لأطفال المسلمين، هم لا يعدون هذا شيئاً أبداً، ولكن أهل البصيرة يعرفون أنهم يريدون أن ينزلوا بنا من علياء السماء إلى هذه الأرض الهابطة شيئاً فشيئاً حتى يصبح نساؤنا كنسائهم، ورجالنا كرجالهم، وحكامنا كحكامهم، وجيوشنا كجيوشهم، إذاً: ماذا بقي للإسلام؟ انتهينا، فزغردي يا إسرائيل فقد انتصرتِ. فهل تذوقتم هذا؟ هل حفظتم القاعدة المحمدية: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، أحب أم كره، يوماً فيوماً وهو يتشبه حتى يصبح على مستواهم العقلي والذوقي في الحياة كلها، فلا إله إلا الله، محمد رسول الله، متى نفيق من صحوتنا؟ متى نرجع إلى طريقنا؟ كبلونا، قيدونا، أبعدونا، هل تقوم لنا الحجة يوم القيامة على الله؟ إذا قلنا: يا رب! هم فعلوا بنا هذا؟ فهل سيقول: لا بأس فأنتم ظُلِمتم، أنتم مقهورون، ادخلوا الجنة؟ والله ما كان، الذي يعذر هو المضطهد المعذب بالحديد والنار على أن يقول كلمة الكفر، أو على أن يسلك سبيل الشياطين بالحديد والنار، هذا معذور، قال تعالى: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ )[النحل:106]، أما نحن فنجري وراء الغرب، وراء شهواتهم ولذائذهم، ونتفنن بفنونهم في الملبس والمأكل والمشرب والمنكح والمنطق والذوق والعمل ثم نقول: نحن مقهورون! أيقبل هذا الكلام؟
من قهرنا؟ من أذلنا؟ قلت لكم: فرنسا كانت حاكمة وبريطانيا، وما استطاعت أن تجبرنا على النصرانية أو على اليهودية حتى في الزي، فهيا نخرج من هذه المحنة، باسم الله، وقد يقال: لا نستطيع؟ لم؟ هل هناك أغلال في أرجلنا وأعناقنا؟ لا والله أبداً، بل حرية كاملة، اعبد الله في العالم بأسره، ما هناك من يطردك أو يبعدك عن عبادة الله، لا في أوروبا ولا أمريكا فضلاً عن عالم الإسلام والمسلمين، فقط سحرونا فاستجبنا.
المخرج من أزمة المسلمين المعاصرة
هيا نبحث عن المخرج، ولندع الجماعة الهائجة الذين يبحثون عن الحاكمية والخلافة، يحلمون، ولو جاء عمر بن الخطاب أيستطيع أن يفعل شيئاً؟ لا يستطيع، حتى يهذبنا ويربينا وحتى يرانا مؤمنين موقنين مستقيمين، ذكرنا لله، وقلوبنا مع الله، حينئذٍ إذا أمر يطاع، فالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة، فهل أمر بأن تقام دولة الإسلام أو يقام حد في مكة؟ هل أذن لأصحابه أن يغتالوا كافراً؟ والله ما أذن. هل أذن لأصحابه أن يلعنوا ويسبوا الكفار والمشركين؟ ما أذن في هذا، واقرءوا سورة الأنعام: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ )[الأنعام:108]، في مكة ما أذن الله ولا رسوله لمؤمن من أولئك المؤمنين وهم يعذبون ويضطهدون أن يغتالوا أو يقتلوا أو يسبوا أو يشتموا ثلاث عشرة سنة، ولما نزل المدينة النبوية هل أمرهم أن يغتالوا واحداً أو يقتلوا مشركاً أو كافراً أو منافقاً؟ حتى وجدت الأمة وأصبحت قادرة على أن تقاوم الكفر والكافرين، فنزل قول الله تعالى: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ )[الحج:39-40].إذاً: الذين يطالبون بالجهاد والخلافة والله إنهم لمخطئون، بالله الذي لا إله إلا الله غيره! إنهم لواهمون، والله! إنهم ليعيشون في متاهات، وقد ذقنا المرارة وآلام من هذه الصيحة في عدة بلاد حتى هبطنا.
الطريق: هو أن نؤمن إيماناً حقاً، وأن نجتمع في بيوت ربنا، نبكي بين يدي مولانا، لا نسب ولا نشتم ولا نعير ولا نقبح ولا نكفر ولا نسخر ولا نستهزئ بكافر ولا بمؤمن، ولكن نجتمع في بيوت ربنا نستمطر رحماته نتعلم الكتاب والحكمة، نساءً ورجالاً وأطفالاً، فإذا أهل البلد أو الإقليم عرفوا الله عز وجل معرفة يقينية وأعطوه قلوبهم ووجوههم واستقاموا على منهجه الحق عقيدة وسلوكاً؛ فحينئذٍ طابوا وطهروا، والله لو رفعوا أكفهم وسألوا الله أن يزيل الجبال لأزالها، لو قالوا: الله أكبر ودخلوا فلسطين لشرد اليهود وهربوا ولو بغير سلاح، أما ونحن كل يوم نزداد هبوطاً، العقائد تذوب وتتحلل، الأخلاق تذوب، الأطماع تزداد، الشره والطمع والتكالب على الدنيا وشهواتها، فكيف نعالج، كيف نعود؟
من أين نبدأ؟ نبدأ بما بدأ الله به ورسوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ )[النور:36-37]، من هنا نبدأ، أهل القرية يوسعون جامعهم حتى يتسع لأفرادهم نساءً ورجالاً وأطفالاً، أهل الحي في المدن، كل مدينة فيها أحياء، أهل الحي يوسعون جامعهم حتى يتسع لأفرادهم نساءً ورجالاً وأطفالاً، وإذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، وتطهر النساء والرجال وجاءوا إلى بيت ربهم يبكون بين يديه، يصلون المغرب هكذا كما صلينا، والنساء وراء ستارة والفحول أمامهن والمعلم يجلس لهم كمجلسنا هذا، والتعليم: قال الله وقال رسوله، لا مذهبية ولا طائفية ولا حزبية ولا وطنية، مسلمون أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، نور الله بين أيدهم وبرهانه فيهم، هذا رسول الله، وهذا كتاب الله، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا )[النساء:174-175].
سنة واحدة في القرية أو في الحي وأهله يجتمعون يتعلمون فما تبقى فوارق ولا نزعات أبداً، لا تقل: أنا مالكي ولا شافعي ولا حنبلي ولا إباضي ولا زيدي ولا إثني عشري، بل مسلم تدرس كتاب الله، قال الله جل جلاله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا )[آل عمران:102-103].
ولا تسألني عن نتائج هذا الاجتماع على الكتاب والسنة، والله ما يبقى مظهر من الفقر المدقع ولا الظلم ولا العبث ولا الجهل ولا الشرك ولا الخرافة ولا الضلالة، وتصبح تلك القرية كأنهم أسرة واحدة يعيشون كأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما هناك من يفتح عينيه ظلماً أو يقول كلمة سوء أو يمد يديه اعتداء على إخوانه، والله ما كان ولن يكون، ثم ماذا يظهر؟ تتجلى حقائق الرحمة الإلهية في عباده، وفي يوم من الأيام نقول: الله أكبر فتسقط الدنيا أمامنا، وغير هذا الطريق والله لا طريق، وكل يوم نزداد هبوطاً، فهيا نرجع إلى الله يا عباد الله.
أسألكم بالله: أي بلد إسلامي منع أهله أن يجتمعوا في بيت الله يدرسون كتاب الله وسنة رسوله؟ نعم وجد الآن في بعض البلاد، لكن بعد أن أوقدنا نار الفتنة وأججناها وأشعلناها فينا، لا بد أن نصلح أولاً، أن نعلن عن خطئنا وزلاتنا ونتوب إلى ربنا في صدق، ويومها يفتح الله أبواب السماء، أما هكذا فسنزداد كل يوم هبوطاً، وفساداً في العقائد، في الآداب، في الأخلاق، تسيطر الشهوات وأطماعها واللذات والملاهي، فلا إله إلا الله! من ينقذنا؟ ما يبقى إلا أن نقول: النجاة.. النجاة. يا عبد الله! اطلب النجاة لنفسك وإن هلك أهل القرية كلهم، يا عبد الله! اطلب النجاة لنفسك وإن هلك كل من في البلاد، اطلب النجاة لنفسك، قل: أنا مسلم فقط، واسأل كيف تعبد ربك وكيف تتملقه بطاعته وعبادته، على ضوء (قال الله قال رسوله)، وانتظر الموت لتنجو من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة، هذا هو الطريق، هذا سبيل الله، هذا سبيل النجاة، يا علماء! أين أنتم؟ اجمعوا أمتكم على كتاب الله وسنة رسوله، علموهم الآداب والأخلاق السامية، لا سب ولا شتم ولا تعيير ولا تكفير ولا نقد ولا طعن، ليس من شعارنا هذا أبداً، المسلم لا يقول كلمة السوء طول حياته، المسلم لا يمد يده بسوء أبداً لأي أحد كان إنسياً أو جنياً، لو قام العلماء بهذا ونهضوا، وقد قدمنا لهم رسالة بعنوان: (كتاب مفتوح إلى علماء الأمة وحكامها)، يا علماء! زوروا حكامكم وتفاهموا معهم، واجمعوا أمتكم في بيوت الله هذه الساعة والنصف، وباقي الساعات في المزارع والمصانع، اشتغلوا وأنتجوا، زكوا أنفسكم وطيبوا أرواحكم وتهيئوا للملكوت الأعلى دار السلام؛ فإن الله قد أصدر حكمه: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10].
اللهم أعنا على تزكية أنفسنا وتطهير قلوبنا وتطهير أرواحنا، واجمعنا مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يا رب العالمين.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.