تفسير قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ...)
ثم قال تعالى في الآية الأخيرة من الثلاث الآيات: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، الآيات في أهل الكتاب، الآيات الأولى كانت مع اليهود، والآن مع النصارى، فهذا الخبر خبر من؟ هل خبر عالم من علماء المسلمين؟ من قال هذا؟ إنه الله عز وجل. ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، المسيح: هو عيسى عليه السلام، ولقب بالمسيح لأنه يمسح على الأعمى فيعود إليه بصره، وعلى الأبرص فيطيب جلده، هذا المسيح هو عيسى بن مريم، واليعقوبيون -فرقة من فرق النصارى تعرف باليعقوبية- قالوا: اتحد عيسى الابن مع ربه، فأصبح عيسى هو الإله، هو الله، والاتحاد معروف، كأن تأخذ خشبتين فتدخل واحدة في واحدة، قالوا: دخل عيسى في الله، فأصبح عيسى هو الله!
ولا تعجب، أيخبر الله بغير الواقع؟ هؤلاء اليعقوبية وغيرهم من أصحاب الأقانيم الثلاثة: الأب والابن وروح القدس، الأب: هو الله. والابن: عيسى ولده. وروح القدس: هو جبريل، الثلاثة يكونون الله أو الإله، وسيأتي: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73].
وكما علمنا أن النصارى افترقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة، واليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، ولن يستطيع من تحت السماء أن يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: ( وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة )، والله لقد افترقت إليها وتم العدد بكامله!
اسمع ما يقول تعالى، بعدما بين حال اليهود عاد إلى النصارى وهم أهل الكتاب فقال: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، تعرفون من مريم هذه؟ سموا بناتكم مريم، مريم معناها: خادمة الله باللغة العبرية؛ لأن والدتها حنة عليها السلام لما نذرت لله ما في بطنها، واستجاب الله لها، ورزقها الطفلة سمتها: مريم بمعنى: خادمة الله. وبالفعل ما خدمت أمها أبداً، تركتها في المسجد تعبد الله؛ لأنها نذيرة لله عز وجل، هذه مريم البتول أنجبت عيسى، فسمي: عيسى ابن مريم؛ إذ لا أب له، وإنما كان بكلمة التكوين، قال الله: كن فكان، في ربع ساعة والمخاض يهزها وهي تحت الشجرة أو النخلة تتألم للوضع.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، والذي يشك في كفرهم كافر، فالله يقول: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، فالذي لا يقول هذا ولا يكفرهم كفر أحب أم سخط.
معنى قوله تعالى: (وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم)
ثم قال تعالى: ( وَقَالَ الْمَسِيحُ )[المائدة:72]، هم قالوا: المسيح هو الله، فالمسيح ماذا قال؟ قال في حفل عظيم، في حشد كبير هذه الكلمة المسجلة، من سجلها؟ الله جل جلاله، سجلها بالحرف الواحد، في ذلك الحفل قال: ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ )[المائدة:72]، يا أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل! ( اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )[المائدة:72]، هل قال: اعبدوني؟ ( اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي )[المائدة:72]، أي: خالقي ومالكي وإلهي الذي أعبده، وهو ربكم أيضاً، أي: خالقكم ورازقكم ومدبر أمركم وهو إلهكم الحق، ( اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )[المائدة:72].
معنى قوله تعالى: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة)
ثم علل وهو الحكيم يتلقى معارفه عن الله، فقال: ( إِنَّهُ )[المائدة:72]، أي: الحال والشأن ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )[المائدة:72]، من يشرك بالله إلهاً آخر يعبده معه بأي نوع من أنواع العبادة فقد حرم الله عليه الجنة تحريماً أبدياً ممنوعاً منها لا يدخلها أبداً، ( وَمَأْوَاهُ النَّارُ )[المائدة:72]، إذا حرم عليه الجنة فأين يذهب؟ ما هناك إلا عالمان علوي وسفلي، عالم السعادة علوي، وعالم الشقاء سفلي، ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )[الذاريات:49]، موت وحياة، صحة ومرض، غنى وفقر، عز وذل، إذاً: نعيم وشقاء، علوي وسفلي، فأين يذهبون إذا حرموا من الجنة؟ إلى جهنم إلى عالم الشقاء.
صور شركية في حياة المسلمين
والمسلمون يقرءون سورة المائدة ويعرفون عن عيسى ما قال، ويرضون بالشرك الأكبر، فلا إله إلا الله! أسألكم بالله: أليس بين المسلمين من يقول: هذه شاة سيدي عبد القادر . هذه نخلة مولاي فلان. هذه كذا.. يتقربون إلى الأموات، آلله أمرهم بذلك؟ الجواب: لا، وإنما الشيطان زين لهم عبادة هذه القبور فأصبحوا ينذرون لها النذور ويعكفون حولها، والله بعيني هاتين رأيت في بلاد المسلمين الرجال والنساء عاكفين حول القبور والأضرحة، يستمدون منهم الخير، ويستعيذون بهم من الشر.وأزيدكم علماً: الرجل منا المسبحة في يده: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، وحين تأخذه سنة النوم والنعاس فتسقط المسبحة يقول: يا رسول الله أو يا سيدي عبد القادر ! أين ذلك الذكر؟ أما كان يقول: لا معبود إلا الله، لا معبود إلا الله، لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله؟ لما سقطت المسبحة من يده بالنعاس ما قال: يا رب، بل: يا سيدي فلان.
وأزيدكم: كنت راكباً إلى جنب أخينا يقود بنا السيارة خارج ديارنا هذه، ما إن خرجت السيارة عن الخط حتى قال: يا رسول الله.. يا رسول الله.. يا رسول الله!
يا عبد الله! لو مت لهلكت، وهل تشكون في هذا؟ الذي يشك في أن مدرساً في المسجد النبوي يكذب يجب أن يعود إلى دياره، أعوذ بالله! هذا مثال، والله! إن المرأة يهزها الطلق وهي تكاد تضع فتمسك بحبل في العمود، وتقول: يا الله، يا سيدي فلان، يا الله، يا رسول الله! ما هو بإله واحد، فما سبب هذا؟ سببه الجهل؛ لأن القرآن نقرؤه على الموتى من إندونيسيا إلى موريتانيا، مضت قرون لا يجتمع المسلمون اجتماعنا هذا على تلاوة كتاب الله ولا دراسته وهم عوام ورجال ونساء ليتعلموا الهدى ويعبدوا الله على الحق، وإنما يجتمعون على القرآن على الميت، في حلقة كبيرة فيها الشاي أو الأرز، بعد ذلك نقرأ على الميت حتى يدخل الجنة، ولا نفكر في معنى آية أبداً، بل إذا قلت: قال الله قيل: اسكت، القرآن تفسيره خطأ وخطؤه كفر، لا تقل: قال الله، قل: قال سيدي فلان أو قال الشيخ الفلاني، هكذا فعلوا بنا خمسمائة سنة، فكيف نعرف؟ من أين تأتي المعرفة؟
تمر ببلاد -باستثناء هذه الديار طهرها الله على يد عبد العزيز تغمده الله برحمته- بلادنا الأخرى ما تمر فيها بجبل إلا وقبة عليه، أنا مع أمي أو مع عمتي طفل، فتمر فتقول: يا سيدي فلان! إذا نصر الله أخي في المحكمة فسنفعل لك كذا وكذا! وثنية عامة، وإلى الآن ما زلنا.
هذه الآية ما سمعنا بها، اسمع عيسى يخطب في بني إسرائيل: ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )[المائدة:72]، لم؟ ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )[المائدة:72]، وإن قلت: هذا تفسيرك أنت يا وهابي، قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صحابياً، والأصحاب ما تعلموا ولا درسوا مثلنا، هذا آمن منذ عام، وهذا أسلم اليوم، أميون، ( رأى في يده حلقة من نحاس )، حلقة من صفر يعملها الناس في أعناقهم عندنا وفي أيديهم وأرجلهم، ( فقال: ما هذه يا عبد الله؟ قال: من الواهنة يا رسول الله -أصاب بالوهن في يدي، فإذا جعلت هذه تنشط يدي- فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، ولو مت وهي عليك ما دخلت الجنة )، لأن القلب الذي يتعلق بالحديدة انتهى صاحبه، فماذا نقول؟
طريق النجاة من المصائب والنقم
وقد ذكرتكم بأننا تحت النظارة، لا تفهموا أننا استقللنا وسدنا وحكمنا، وأصبحت لنا مصانع ونطير في السماء، والله! إنه لكما قال تعالى: ( فَعَمُوا وَصَمُّوا )[المائدة:71]، إما أن نلجأ إلى الله في صدق، ونعود على الفور، وإما أن تنزل بنا محن وآلام ومصائب ما عرفها آباؤنا، وهل هناك ضمانة عندنا؟ فحالنا كحال بني إسرائيل، فهيا نتوب إلى الله. وهناك طريق واضح ومسلك نعم المسلك، والله ما يكلفنا ديناراً ولا درهماً ولا قطرة دم ولا ألماً ولا شقاء أبداً، وما هي إلا سنة واحدة وكلنا أولياء لله أفضل من عبد القادر ، ولكننا لسنا مستعدين لأن نعبد الله. وباسم الله أقول والله يعلم، وقد قررنا هذا وكتبناه في كتاب سميناه: (كتاب مفتوح إلى علماء الأمة وحكامها)، ووزع وقرأه العلماء ووضع تحت الكتب كأن شيئاً ما كان، بل بعثنا به إلى خادم الحرمين أيده الله وأطال عمره، فبعث به إلى الرابطة ليترجم ويطبع فدسته الرابطة تحت الكتب وما بلغنا شيء، فما هذا؟!
أقول: إن أردنا أن نعود إلى سبيل النجاة وساحة والأمن والطهر والصفاء فلنأخذ أنفسنا على أننا إذا دقت الساعة السادسة مساءً وفي ديارنا كلها في العرب والعجم نوقف العمل، أغلق مقهاك يا صاحب المقهى، يا صاحب الدكان! أغلقه، يا صاحب المكتب! أغلق المكتب، توضئوا وائتوا بنسائكم وأطفالكم إلى بيت ربكم، إي: إلى الجامع، المسجد الكبير الذي وسعناه في الحي أو في القرية؛ حتى أصبح يتسع لأهل القرية كلهم، أو لأهل الحي أجمعين، وسهل هذا، بالخشب والحطب نوسعه كما كان حال أجدادنا، ثم صلينا المغرب وما بقي في القرية خارج المسجد أحد، إلا مريض أو ممرض، كل أهل القرية في المسجد، كل أهل الحي في المسجد، نصلي المغرب كما صلينا الآن، ثم يجلس لنا مرب عليم بكتاب الله وهدي رسوله كجلوسنا هذا، وندرس آية كما درسناها الليلة، ونحفظها، نرددها حتى تحفظ، ثم نضع أيدينا على المطلوب منها كما علمنا، وغداً حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المفسرة المبينة لكتاب الله نردده حتى يحفظه نساؤنا وأطفالنا وفحولنا، ثم نعرف مراد الرسول منه، فنعزم على التطبيق والعمل، ويوماً بعد يوم، يوماً آية، ويوماً حديث، والله ما تمضي سنة حتى تلوح الأنوار إن صبرنا، مع أن هذا العمل لا يوقف شيئاً أبداً، اليهود والنصارى والمجوس إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل ويذهبون إلى المراقص والمقاصف والملاهي والملاعب، أليس كذلك؟
ونحن لأننا نريد أن نسود ونقود، لأننا أحياء وهم أموات، نحن مؤمنون وهم كافرون، إذاً: نصبر ساعة ونصف ساعة في بيت الرب، في سنة والله ما يبقى جاهل ولا جاهلة، ولسنا في حاجة إلى كتابة ولا إلى قلم، وإنما نتلقى العلم والحكمة كما تلقاها أصحاب رسول الله بدون قلم ولا دواة ولا كتابة، والعلم الذي في الكتابة نأخذه في النهار في المدارس، لكن هذا العلم الروحاني الرباني نتلقاه ليلاً للعمل به في النهار، في سنة واحدة والله ما يبقى في القرية من يعرف أنه يزني أو يكذب على إخوانه أو يمد يده ليضربهم أو يسرق مالهم، أو يرى من يتكبر عليهم أو يسخر منهم، والله ما كان، ولا يبقى فقير يتضور بالجوع أبداً، ويتوافر المال، والله ليتوافرن المال، فالذي كان راتبه عشرة آلاف سيستغني بألفين، والباقي ماذا يصنع به؟ وفوق ذلك يتكون في ذلك المسجد صندوق من حديد في المحراب، والمسئول العام هو إمام المسجد والمربي والمؤذن وشيخ القرية، فيقولون: يا معشر المؤمنين والمؤمنات! من زاد ماله عن قوته فليضعه في هذا الصندوق، في ستة أشهر يمتلئ الصندوق ويفيض، فماذا يصنعون به؟ انظروا: المنطقة تحتاج إلى مصنع، فانشئوا مصنعاً، تحتاج إلى مزرعة وأرض زراعية، ويبارك الله في ذلك المال وينمو ويفيض وما يبقى بنك ولا ربا، بل بتلفون: أعطوا لفلان من القرية الفلانية، وتصاب الماسونية بالجنون، ويصاب اليهود والنصارى بالعفن، فيقولون: ما هذا؟ كيف طلع هذا الفجر رغم أنوفهم ولا يستطيعون أن يزلزلوا أقدامنا؛ لأن الله أصبح ولينا، فماذا يكلفنا هذا؟ ما نستطيع أن نصبر لوجه الله ساعة نتعلم كتاب الله وهدي رسوله.
إن هذا الصوت إذا سمعته الماسونية والعلمانيون والمسيحيون يغضبون، كلما سمعوا الحق غضبوا، ولن نسكت، بل نقول: اغضبوا فما طالبناكم بشيء أبداً، فنحن في بيوت ربنا، وتنتهي الجهالات والشركيات والخرافات والضلالات والأحقاد والأحساد والأمراض كلها في سنة واحدة، فمن يبلغ؟ لا إله إلا الله! يا علماء، يا رجال السياسة، يا حاكمون! استجيبوا، جربوا، إخوانكم شاردون ضائعون في الباطل، اجمعوهم في بيت الرب ولقنوهم الكتاب والحكمة، أما قال تعالى فينا: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2]، تعلموا وفازوا أم لا؟ والله! ما اكتحلت عين الوجود بأمة أطهر ولا أعز ولا أكمل ولا أصفى من تلك الأمة في قرونها الثلاثة: الصحابة وأولادهم وأولاد أولادهم، كيف حصلوا على هذا الكمال؟ حصلوا هذا بالعلم بالكتاب والحكمة، بطاعة الله والانقياد له.
فهيا بنا، النجاة.. النجاة، يا عبد الله.. يا أمة الله! اطلب النجاة لنفسك، تعرف إلى ربك، تعرف على ما يحب ويكره وافعل المحبوب وتخل عن المكروه، واصبر على ما يصيبك، فما هي إلا ساعات وأنت في الملكوت الأعلى، اللهم حقق لنا ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.