ضلال أهل الكتاب بغير إقامة ما أنزل الله تعالى عليهم
إذاً: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ )[المائدة:68]، وإن ادعيتم أنكم رهبان وربانيون وقسس وأحبار وأنكم على دين موسى، والله ما أنتم بشيء، من أخبر بهذا؟ الملك جل جلاله وعظم سلطانه، الذي بيده الإشقاء والإسعاد، ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى )[المائدة:68] إلى أن ( تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ )[المائدة:68]، تعبدون الله بها وتؤمنون بما فيها، وتبينوها للناس كما هي، ليس بالزيادة والنقص والتبديل والتغيير، تقيموا التوراة والإنجيل أولاً، ( وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )[المائدة:68] ثانياً، ألا وهو القرآن العظيم، فليقرأ اليهود التوراة ألف مرة في الأسبوع فما تغني شيئاً، فليتبجح المسيحي بالإنجيل ويضعه على رأسه وفي بطنه، والله إن لم يؤمن بالكتاب الأخير الخاتم القرآن العظيم ما نفعه شيئاً؛ لأن التوراة والإنجيل حرفوهما فزادوا ونقصوا منهما وبدلوا وغيروا، والله العظيم! لو آمنوا بالتوراة لا تلوح أنوار محمد حتى يجيئون يركضون من الشرق والغرب، فكيف يرسل الله رسولاً ولا تؤمنون به؟ فأنتم كافرون إذاً. ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )[المائدة:68] ألا وهو القرآن.
معنى قوله تعالى: (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً ...)
ثم قال تعالى: ( وَلَيَزِيدَنَّ )[المائدة:68] هذه اللام موطئة للقسم: وعزتنا وجلالنا ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:68]، نحن طامعون أن يؤمنوا بالقرآن، والرسول أمر بأن يبلغ وهو يبلغ، والله علام الغيوب غارز الغرائز وطابع الطباع أعلمه أن كثيراً منهم ما يزيدهم القرآن إلا كفراً وعناداً، أهل العناد والمكابرة وعدم الانصياع؛ لأن لهم أهدافاً فما تنفع فيهم الحجج ولا البراهين، ما يزدادون إلا عناداً وبعداً: ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:68]، فمن قال هذا؟ إنه خالق الغرائز وطابعها، خالق النفوس، فلا إله إلا الله! إذاً: ( فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )[المائدة:68]، لا تكرب ولا تحزن يا رسولنا على قوم كفروا عناداً ومكابرة دفاعاً عن مصالحهم وأطماعهم وشهواتهم، لا تأس عليهم أبداً ولا تأسف ولا تحزن، من قال هذا لرسولنا؟ إنه ربنا تعالى؛ رحمة به وتطييباً لخاطره وتهدئة لنفسه؛ لأنه في كرب، يقول الحق فيعرضون، يبين الدليل فيعمون، فماذا يصنع وهو مأمور: ( بَلِّغْ )[المائدة:67]، ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )[المائدة:67]، ويواجه هذه الصعاب، فماذا قال له؟ ( فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )[المائدة:67]، لا تحزن عليهم، هم أهل جهنم، أهل عالم الشقاء والخسران والعياذ بالله.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى ...)
وفي الآية الأخيرة: باب الله مفتوح، يا يهودي، يا مسيحي، يا صابئ، يا مشرك! تعالوا فربنا واحد والطريق إليه واحدة، لا فرق بين العرب والعجم ولا الأبيض ولا الأسود، ولا اليهودي ولا النصراني، الكل إذا أرادوا أن يقرعوا باب الجنة فاسمع ما يقول تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:69] وهم نحن والحمد لله، آمنا بالله ولقائه أم لا؟ آمنا بالله ورسله أم لا؟ آمنا بالله وكتبه أم لا؟ آمنا بالله وقضائه وقدره أم لا؟ آمنا باليوم الآخر وما فيه أم لا؟ آمنا، فنحن المؤمنون؛ بدأ بنا لأننا القادة والسادة والفائزون والمنعمون برحمة الله. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا )[المائدة:69] من هم هؤلاء؟ اليهود، عرفوا بهذا الوصف من قديم الزمان منذ عهد موسى، ( وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى )[المائدة:69]، النصارى نسبة إلى الناصرة أو إلى نصرة عيسى، المسيحيون.
(وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69]، الصابئون فرقة خرجت من المسيحية وكان لها مذهب خاص، من صبا يصبو، صبئوا عن دين اليهود وعن دين النصارى وصار لهم دين ثالث خاص مبتدع، فيعرفون بالصابئين.
لطيفة في رفع (الصابئون)
والآن قد يقول القائل: لماذا ما قال: والصابئين، بل قال: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69] وهو معطوف على (إن الذين آمنوا)، فالأصل أن يقول: والصابئين، والنصارى معطوف عليه. والجواب: بينا غير ما مرة بتعليم الله عز وجل وتفقيهه أنه إذا أراد أحدكم أن يمنع السيارة إذا جروا وراءه يطلبونه فإنه يضع حجارة في الطريق، يضع حجارة توقف السيارة، فينزلون ويفكرون، فسبحان الله! الصابئون ما عرفهم العرب كثيراً ولا المسلمون، لكن لما قال: ( وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69] يقف القارئ: لم ما قال: والصابئين؟ حتى يتفكر في الصابئين من هم، وكيف صبئوا وكيف كذا؟ وهذه نكتة بلاغية عجيبة، فالمفروض أن يقول: والصابئين، فقال: ( وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69]، معطوفاً على المنصوب وهو مرفوع، على تقدير: والصابئون كذلك، فنقدر له خبراً، لكن سره: أن تفكر؛ لأن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى معلومون لكم بالضرورة، ( وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69]، إذاً: تقف لحظة بعقلك تفكر.
شروط استحقاق الأصناف المذكورة في الآية الكريمة للجنة
الكل يخبر تعالى عنهم فيقول: ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )[المائدة:69] هذا أولاً، ( وَعَمِلَ صَالِحًا )[المائدة:69] ثانياً، ( فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[المائدة:69]، فيا بشراك يا بشرية! أبيضك كأسودك يهودك كنصرانيك الكل من آمن وعمل صالحاً، أي: زكى نفسه، أو لا؟ عدنا من حيث بدأنا: آمن وعمل صالحاً، استعمل أدوات التزكية، فزكى نفسه بالإيمان والعمل الصالح فطابت وطهرت فصار من أهل الملكوت الأعلى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )[الشمس:9]، هذه الآية تزن الدنيا بما فيها، أين الفلاسفة وأين الحكماء من اليهود والنصارى والصابئة والمؤمنين؟ يقول تعالى: ( مَنْ آمَنَ )[المائدة:69] بماذا آمن؟ بالبلشفية، بالاشتراكية، بالقومية، بالديمقراطية؟ ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ )[المائدة:69] أي: رباً لا رب غيره، إلهاً لا إله سواه، لا معبود غيره، وآمن بكل ما أمره أن يؤمن به من الغيب والشهادة وعمل صالحاً، أي: عبد الله بهذه العبادات من الوضوء إلى الغسل إلى الصلاة إلى الصيام إلى الرباط إلى الجهاد إلى الحج إلى العمرة، هذه العبادات هي والله أدوات التزكية كالماء والصابون للثياب والأبدان، على شرط أن تخلص فيها لله لا تلتفت إلى غير الله، وأن تؤديها كما بينها رسول الله، ما تمسح رأسك قبل أن تغسل وجهك، ولا تغسل رجليك قبل أن تغسل يديك، ولا أن تقف بعرفة قبل أن تطوف، كما أداها الرسول وبينها، هذه هي الأعمال الصالحة المزكية للنفس والمطهرة لها.
ولو كنا طول العام نجتمع في بيوت ربنا بنسائنا وأطفالنا هكذا نتلو كتاب الله ونتدارسه فكيف تكون حالنا؟ سنصبح كلنا أولياء لله، وإذا أصبحنا أولياء الله فمن يقدر على أذانا؟ أما قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )[المائدة:67]، هل يهديهم لإذلالنا وتعذيبنا؟ والله ما كان، لكن انقلوا هذه الفكرة فقولوا للعلماء عندكم والحكام: هيا نجتمع في بيت الرب ونتعلم الكتاب والحكمة النبوية المحمدية حتى ينتفي الفقر بيننا والخيانة والغش والحسد والكبر والزنا والجرائم والسب والشتم والتكفير، ونكون أمة واحدة كما أراد الله، ما بيننا مذاهب ولا طرق ولا اختلافات، أهل القرية في قريتهم يجتمعون لعبادة ربهم ويخرجون إلى جلب عيشهم في مزرعة أو مصنع وكلهم شباع بإيمانهم، وكلهم في غنى كامل، لا تكلف للشهوات ولا الأطماع ولا المادة، نصبح كالملائكة كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
فاسمعوا الآيات التي تدارسناها: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )[المائدة:67]، يا خلفاء رسول الله، يا علماء الكتاب والسنة! بلغوا كما أمر رسولكم أن يبلغ، وإن لم تفعلوا فما بلغتم رسالته، ألسنا خلفاء رسول الله يجب أن نبلغ كما بلغ؟ هل يجوز أن نكتم ونقول في الحرام: حلال وفي الحلال: حرام لمصلحة؟ لا يصح أبداً، ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )[المائدة:67]، ونحن إن عصمنا الله ففي صالحنا، وإن سلط علينا مشركاً منافقاً كافراً فليرفعنا إلى الدرجات العلى، أما قتل عمر في محرابه؟ أما قتل عثمان في بيته، أما قتل علي رضي الله عنه في باب مسجده؟ ليعلي درجاتهم ويعلي مقاماتهم، أما الرسول فمعصوم لأنه وحيد، ما هناك رسول ثان يبلغ عنه.ثانياً: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ )[المائدة:68] قولوها صراحة لليهود والنصارى والبوذيين والمشركين والصابئة: ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ )[المائدة:68] وتدرسونها وتطبقون ما فيها، ومن ثم تجدون الإيمان بمحمد ودخول الإسلام ضرورة من ضروريات حياتكم، ( حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )[المائدة:68] القرآن ما نزل على العرب فقط أو على المسلمين، هو للبشرية كلها، ولأن الرب واحد والبشرية عبيده.
(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:68]، من هؤلاء؟ أصحاب المادة، أصحاب الشهوات والأطماع، والرئاسة، الذين يستغلون الشعوب ليعبدوهم، هؤلاء ما يقبلون الحق فيزيدهم هذا طغياناً وكفراً وعناداً، سنة الله قائمة إلى الآن.
وأخيراً: هذه بشرى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ )[المائدة:69] لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا يوم القيامة، ( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[المائدة:69] في الحيوات الثلاث أيضاً، فالمؤمن الصادق ولي الله لا يحزن، يدفن ابنه وهو يبتسم، يجوع ويتألم بالجوع وهو يبتسم، لا حزن ولا خوف؛ لأن الله مولاهم.
أركان الحج
بعث إلي أحد المستمعين بكلمة يقول: لم تقول: أركان الحج أربعة وتنسى مزدلفة؟
أركان الحج: الإحرام: لبيك اللهم لبيك حجاً، هذه هي النية لا رياء فيه ولا سمعة، لبيك اللهم لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة، هذه النية، لبيك اللهم لبيك حجاً وعمرة، هذه هي النية.
ثانياً: عرفة ركن، ومزدلفة ما هي بركن، ووجد من الهابطين من يقول: هي ركن، لكن لا نأخذ نحن الأقوال الشاذة ونقدمها لأمة الإسلام لنزيد في محنتها، نحن في بيت الله، في مسجد رسول الله من نيف وأربعين سنة لا نتمذهب ولا ننقد مذهباً، ولا نطعن في أحد، ونبين للمسلمين ما هو الحق الوارد من النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب الله.
فمزدلفة المبيت فيها واجب، وعند العجز يرفع هذا الوجوب، ويكفيك أن تذكر الله فيها بأن تقيم صلاة المغرب والعشاء، وتبكي طويلاً بين يدي الله وتدعو، فإذا كنت مضطراً للرحيل لأطفال أو نساء فالرسول أذن للعباس بذلك، وقد أديت قول الله: ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )[البقرة:198]، ألا وهو مزدلفة.
والسعي ركن، والسعي لا يسقط بذبح شاة، السعي ركن نص الله عليه في كتابه: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )[البقرة:158]، فمن قال: أنا لا أريد أن أتعب فسنذبح شاة، قلنا: والله لو ذبحت مليون شاة ما قبلت، أو قلت: عندنا البقر فسنذبح بقرة، فما أنت بمؤمن.
والرسول يقول: أبدأ بما بدأ الله به، بعدما فرغ من الطواف وصلى خلف المقام ركعتين قال: ( أبدأ بما بدأ الله به. وتلا هذه الآية: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ )[البقرة:158] ).
نقول: الأركان الأخرى ممكن أن تقضيها، لكن ركن عرفة إذا فات فات، إذا ما دخلت عرفة بعد الزوال وبقيت إلى الليل ولو ساعة فحجك باطل وعليك أن تعيده، أما السعي والطواف فتأتي وتحرم بعمرة وتسعى أو تطوف وتذبح شاة.
نرجو أن يكون هذا الابن الصالح الذي انتقد هذا الانتقاد قد حضر الآن وفهم، أقول له: مزدلفة واجب النزول بها والمبيت فيها، والصلاة فيها والذكر والدعاء؛ لأن الله قال: ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )[البقرة:198]، ويستحب فيها عدم قيام الليل، يستحب فيها بعد صلاة المغرب والعشاء أن تستريحوا وتأكلوا وتشربوا الحلال إن وجدتم؛ لأنكم في ضيافة الرحمن، حبسكم يوماً كاملاً وأنتم قيام تذكرون أو تدعون، رفقة بكم، رحمة بنا والحمد لله، قال: بيتوا في مزدلفة على عشرة كيلو متر من عرفات، هذا من ألطاف الله ورحمته، ما قال: امشوا رأساً عشرين كيلو إلى مكة أو إلى منى.
ثم إذا صلينا الصبح دعونا الله ووقفنا، وقبل طلوع الشمس يجب أن ننفر إلى منى لنرمي جمرة العقبة لنخزي عدو الله إبليس، فإنه في كرب وهم، فإذا رمينا الجمرة تحللنا، احلق والبس لباسك وتطيب إلا امرأتك لا تقربها حتى تطوف طواف الإفاضة، فإن قدر الله وفعلت فيا ويحك، ائت بعمرة وطف طواف الإفاضة واذبح بقرة أو بعيراً، فإن لم تجد شيئاً فشاة من الضأن.
تحذير من التصوير والتدخين
والذين يشربون الدخان في المشاعر كالذين يصورون في المشاعر، واسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون )، فلا تحمل كاميرا ولا تصور أبداً، وإذا وجدت واحداً يصور فقل له: اتق الله يا عبد الله، أبطل هذه، انزعها من يدك، أنت واقف في عرفة وأنت تصور؟ تعصي رسول الله وتخرج عن طاعته؟ أما التدخين فنحن لا ندخن في عرفة ولا في باريس، لا يحل لعبد يذكر الله ويجري اسم الله على فمه، في كل لحظة: السلام عليكم، فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله، أراد أن يقف فيقول: باسم الله، هذا الذي يذكر الله كيف يخبث فمه ويلطخه بالروائح الكريهة، والرسول شرع السواك لأمته، وقال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) تطييباً لأفواههم من أجل أن يذكروا الله، وقال: ( من أراد أن يبصق فلا يبصق عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكاً )، فكيف تنفخ الروائح الكريهة في وجه ملكين يظلان معك ويبيتان معك؛ حماية لك من جهة وتسهيلاً لأعمالك.
اسمعوا: لا يحل لمؤمن أن يدخن، أما الكافر الفاسق خبيث النفس فهذا يفعل ما يشاء من التدخين، أما من يقول: باسم الله، والحمد لله، ويذكر الله فكيف يلوث فمه؟
في غزوة من الغزوات أكلوا الثوم والبصل للجوع، لما وصلوا إلى المدينة بلغهم رسول الله هذا الإعلان: ( ألا من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا )، لم يا رسول الله؟ علل وأنت الحكيم؟ قال: ( فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، أبعد هذا ندخن؟
والذي هبط بنا أن العلماء ماتوا وانقرضوا، ووجدنا في عصر ليس فيه من يعلم، فحصل هذا، وإلا فكيف ندخن؟ قف يا مدخن، أسألك بالله: كم ريالاً تستفيده في اليوم من دخانك؟ كم تزيد قوتك العقلية والبدنية؟ والله لا شيء، بل تهبط، ما هي النتائج إلا أن تغضب الله بأذية ملائكته وتقع في موقع الكفر أو تكاد، تخبث فماً يجب أن تطهره، تخبثه أنت بالرائحة الكريهة الخبيثة، لا لوم يا أبناء الإسلام؛ مات العلم وانقطع العلماء، وعشنا جهالاً في المقاهي والملاهي، فلهذا أروني واحداً جلس معنا سنة في هذه الحلقة يدخن، ما هو بموجود.
والله تعالى أسأل أن يتوب علينا وعليهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.