عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 19-06-2021, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (23)
الحلقة (333)
تفسير سورة المائدة (3)


أحل الله عز وجل لعباده بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، إلا أنه حرمها عليهم في بعض أحوالها؛ وهي الميتة، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع إلا ما أدرك منها حياً وتمت تذكيته، كما حرم منها ما ذبح وفق طقوس وشرائع الكفار، وحرم إضافة إلى ذلك الدم المسفوح ولحم الخنزير، واستثنى سبحانه وتعالى من احتاج لشيء من ذلك في شدة الجوع والهلكة أن يأكل منه على قدر حاجته ولا يزيد.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
مجمل الأحكام الواردة في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ...)

وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ودرسنا منها آيتين يوم أمس، ومجمل ما احتوت عليه الآيتان من أحكام شرعية: أولاً: وجوب الوفاء بالعهود والعقود، عقود إيجار أو بيع أو شراء، أو عقود نكاح؛ إذ قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[المائدة:1].

ثانياً: إعلان الله تعالى لنا عن حله لنا بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، هذه منته وعطيته فله الحمد وله الشكر؛ إذ قال تعالى: ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ )[المائدة:1]، ثم استثنى عز وجل عشراً من المحرمات فقال: ( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1]، وهو موضوع درسنا اليوم: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] إلى آخر ما جاء في تلك الآية.

ثالثا: تحريم الصيد على المحرم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، فأعلمنا أنه لا يحل لمحرم أن يصيد وهو محرم ولو كان خارج المملكة، أحرم في القدس أو في غيرها بحج أو عمرة فبمجرد أن يقول: لبيك اللهم لبيك يحرم عليه أن يصيد، سواء الغزلان، الأرانب، الطير وكل صيد، اللهم إلا صيد البحر، إذا أحرم في السفينة ورأى أن يلقي بشبكته في البحر ليصيد فله ذلك، أذن الله فيه، أما صيد البر فحتى الأرانب واليرابيع لا يحل له أن يصيدها؛ إذ قال تعالى: ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ )[المائدة:1] لا تحلوا الصيد فإنه حرام، ( وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، هذه الجملة حالية: والحال أنكم محرمون، و(حرم) بمعنى محرمين، أنت حرام وهؤلاء حرم.

رابعاً: ثم أعلمنا أن له الحق في أن يحل أو يحرم، لا أحد له في ذلك حق، هو الخالق وهو المالك وهو العليم بما يحتاج إليه خلقه، وبما ينفع ويضر، أما غيره فكيف يحل أو يحرم؟ إياك أن تعترض على الله فإنه الكفر؛ إذ قال: ( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1] إن الله يحكم ما يريد أن يحكم، وليس لغير الله ذلك، لماذا؟

أولاً: لأنه الجبار القهار بيده كل شيء.
ثانياً: لأنه المالك، والمالك يأذن ولا يأذن بما يريد.
ثالثاً: أنه عليم بمنافع الناس ومضارهم، حكيم لا يضع الشيء إلا في موضعه.

تحريم استحلال شعائر الله والشهر الحرام والهدي والقلائد وبيان ما نسخ من ذلك

ثم جاء النداء الثاني: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، حرام على مؤمن أو مؤمنة أن يحل شعيرة من شعائر الله، إن كانت واجبة لا يحل أن يتركها أو يأذن بتركها، وإن كانت محرمة لا يحل أن يفعلها أو يأذن في فعلها؛ إذ كل العبادات علامات على عبادة الله عز وجل.وقوله: ( وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ )[المائدة:2] هذا منسوخ، أذن الله لأمة رسوله أن يقاتلوا أعداءهم في الشهر الحرام إذا قاتلوهم فقال: ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )[البقرة:194]، لكن في الجاهلية قبل ألا تكون دولة للإسلام والمسلمين كانوا يحترمون الأشهر الحرم الأربعة، ليتم فيها هدنة عالمية لا يعتدي فيها أحد على أحد.

(وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ )[المائدة:2]، ما زلنا نهدي إذا استطعنا أن نهدي، أنت في المدينة تشتري بقرة أو تشتري بعيراً وتجرحه من جهة اليمين في سنامه، وتلطخه بالدم وتبعث به إلى مكة ليؤكل في الحرم، والقلائد مثل الكبش تقلده قلادة وتقول: هذا مهدى إلى الله إلى الحرم، فلا يعترضه أحد.

وكان المشركون يحترمون الهدي والقلائد، لا إيمان بالله ولا بلقائه، بل جهل وكفر، ومع هذا من تدبير الله لسكان حرمه وحماة بيته أن ألقى في قلوب العرب في أطراف الجزيرة وفي داخلها أن من قلد هدياً لا يؤذى أبداً ولا يمس بسوء، بل إذا أخذ أحد قشرة من لحاء شجر الحرم وعلقها فإنه يمشي إلى ما وراء البحرين ولا يخاف أحداً، إذ يقال: هذا كان في الحرم، ويسوق قطيع الغنم أو قطيع البقر والإبل فمتى قلدت الغنم أو أشعرت الإبل فإن أعداءه لا يلتفتون إليها، بل يمر الرجل بقاتل أبيه فلا يعرض له، وهل هناك أكبر من قتل أبيه؟ إذا وجده في الحرم أو في الشهر الحرام يلوي رأسه ولا ينظر إليه، واقرءوا في آخر هذه السورة المدنية المباركة: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ )[المائدة:97] فمعايشهم عليها بسببها وبسبب الهدي والقلائد، وهذا تدبير الله، ولما جاء الإسلام ولاحت أنواره، وارتفعت رايته، وكان العدل وكان الحكم بشرع الله نسخ الله هذا.


تحريم اعتراض قاصدي البيت الحرام ونسخ ذلك في حق المشركين

كذلك عرفنا أن الذين كانوا يؤمون البيت الحرام من أطراف الجزيرة لا يعترض عليهم، يتركون: ( وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا )[المائدة:2]، ولهذا هذا فنحن لا نؤذي مشركاً أو كافراً، ولكن لا يحل لنا أن نسمح لكافر أو مشرك أن يدخل الحرم، يقول: أنا قاصد بيت الله! نقول: لا يحل لك أن تدخلها وأنت نجس مشرك؛ لأن الله قال في سورة التوبة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )[التوبة:28]. هذه الآية تقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ )[المائدة:2]، لا تحل أذيتهم ومنعهم من دخول مكة، ( يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ) هذا الجزء من هذه الآية منسوخ، فلا يحل لكافر أن يدخل الحرم، لا يحل لمشرك أن يدخل الحرم، ( وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ )[المائدة:2]، هذا قبل قيام دولة الإسلام، ( يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ )[المائدة:2] التجارة، يأتون حجاجاً وعماراً ويتجرون: يشترون البضائع ويبيعون، ويبتغون رضواناً من ربهم، كانوا يدعون الله ليحفظهم في أموالهم وأبدانهم.


الإذن بالصيد بعد الفراغ من الإحرام

ثم جاء الإذن بالصيد إذا حللنا من الإحرام، فقال تعالى: ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا )[المائدة:2]، إذا حللتم من الإحرام، فإذا انتهت عمرتك أو حجك وتحللت فاصطد، لكن أين تصيد؟ هل في داخل الحرم؟ الجواب: لا. لا يحل صيد الحرم إلى يوم القيامة، وأرض الحرم معروفة، الرسول الكريم يقول: ( إن إبراهيم حرم مكة وأنا أحرم المدينة )، ويقول: ( المدينة حرام من عير إلى ثور )، وثور جبيل صغير وراء أحد من الجهة الشمالية الشرقية، وعير: جبل في جنوب غرب المدينة. فالمدينة هذه حرام لا يصاد صيدها ولا يقتل، ومكة حدودها بينها جبريل لإبراهيم عليهما السلام، كان جبريل يمشي مع إبراهيم ويقول له: ضع علامة هنا، من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأقرب حل إلى مكة هو جبل التنعيم الذي هو ميقات من أراد أن يحرم بعمرة.


النهي عن العدوان على من صد المسلمين عن البيت وهو في الحرم

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ )[المائدة:2] أي: بغضهم ( أَنْ صَدُّوكُمْ )[المائدة:2] لأنهم صدوكم ( عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2]، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعتدي أبداً لا على مؤمن ولا على كافر، فالكافر عبد الله أم لا؟ ملك الله أم لا؟ فإذا لم يأذن لك أيجوز أن تمسه بسوء؟ فلا يحملنكم بغض إنسان آذاكم أذى أن تعتدوا عليه لأنه آذاكم وهو في الحرم: ( أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2].


الأمر بالتعاون على البر والتقوى

وأخيراً جاء الأمر الباقي إلى يوم القيامة لا ينسخ: ) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ([المائدة:2]، من هم الذين يتعاونون؟ الذين أصبحوا كرجل واحد، الذين زالت بينهم الفوارق الحزبية والوطنية والطرقية والمذهبية، وأصبح منهجهم منهج رسول الله، هؤلاء يقدرون على أن يتعاونوا، أما المتعادون المتقاطعون فكيف يتعاونون؟ إذاً: هل هذا يبرر لنا عدم التعاون؟ لا يبرر، يجب أن نتعاون على الخير وفعله، وعلى تقوى الله حتى لا يعصى الله بيننا بأية معصية، ولا يحل أن نتعاون على الإثم وإشاعة الذنوب والآثام والأذى والظلم بيننا، ولا الاعتداء على أموالنا أو أعراضنا أو أبداننا. (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:2] اتقوا الله: خافوه، اجعلوا بينكم وبين غضبه وعذابه وقاية، وتلك هي طاعته وطاعة رسوله فيما يأمر الله به وينهى عنه، فبم يتقى الله عز وجل؟ هل بلباس قوي؟ بحصون عالية؟ بجيوش جرارة؟ بم يتقى الله وهو فوقنا ونحن أقل من بعوضة بين يديه، بم نتقيه؟

لا يتقى إلا بطاعته، إذا قال: اسكت فاسكت، إذا قال: تكلم فتكلم، قال: كل فكل، قال: اشرب فاشرب، قال: لا تأكل ولا تشرب فلا تأكل ولا تشرب، إذا قال: اركع فاركع، قال: اسجد في الأرض وضع جبهتك على التراب فاسجد، بهذا فقط يتقى الله، أما السلاح والرجال والحيل فلا شيء منها يقيك من عذاب الله؛ لأنه قاهر فوقك وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:18].


قيمة التقوى وثمرتها

إن قيمة التقوى تكمن في تحصيل ولاية الله تعالى، وقد قررنا أن ولاية الله حيث تصبح ولياً لله لا خوف عليك ولا حزن في الحياة كلها في الدنيا والأخرى، هذه الولاية لا تتحقق إلا بتقوى الله عز وجل، من لم يتق الله لن يكون له ولياً أبداً، الإيمان أولاً، ثم التقوى ثانياً، فمن منكم يرغب أن يكون من أولياء الله أفضل من عبد القادر الجيلاني ؟ إذاً: آمنوا واتقوا فقط، لا دينار ولا درهم، ولا سلاح، ولا رجال، ولا حيل، ولا نسب ولا شرف، آمن واتق تكن -والله- ولياً لله، والدليل القرآني قوله تعالى من سورة يونس عليه السلام: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62] وما معنى (ألا)؟ استبدلناها بـ(ألو)، ألو معروفة عندنا حتى الأطفال يعرفونها، لأننا هجرنا (ألا) وأقبلنا على (ألو) فأصبحت (ألو) من ذوقنا! إن معنى (ألا): انتبه! هل أنت تسمع؟ هل أنت واع للخطاب؟ هل أنت تفهم ما أقوله لك؟ وحينئذ يعطيك الخبر: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62] لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة.

من هم أولياؤك يا رب الذين أخبرتنا أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63].

الإيمان ينطبع في قلوبهم مرة واحدة فلا يزول ولا يمحى، أما التقوى فتتجدد، كلما أمر الله بأمر فاتق وافعله، وكلما بلغك نهي فاتركه واجتنبه، وهكذا طول حياتك، فلهذا التقوى تتجدد: ( وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63].

فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وهل يمكن لإنسان أن يتقي الله وهو لم يعلم أوامره ولا نواهيه؟ والله ما يمكن، مستحيل، إذا لم تعرف أوامر الله ما هي، وكيف تؤديها وما أوقاتها، ولم تعرف نواهيه وما هي؛ فكيف ستتقيه؟ مستحيل، فلهذا بمجرد أن تؤمن وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ تقرع أبواب العلماء: علموني كيف أعبد ربي، علموني بم أطيعه. لا في عامين، بل في أسبوع أو أسبوعين تعرف ما حرم الله وما نهى الله عنه، وما أوجب الله وما أمر به، أما بدون علم فمستحيل أن تكون ولي الله.
ولهذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس شرطاً أن تأخذ القلم أو الورق، المهم أن تسأل وتعلم وتعمل، والله يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، اسأل في صدق في جد: أريد أن أغتسل فكيف أغتسل؟ يعلمك ذلك فعلى الفور تحسنه وتعيش عليه، أردت أن أعتمر فكيف أعتمر؟ افعل كذا وكذا. في صدق تفهم ذلك وتعمل، وهذا هو العلم، ليس شرطاً الكتاب ولا القلم؛ لأنه علم عملي، ما هو بعلم خيالي.




التحذير من عقاب الله تعالى
ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:2] والعلة ما هي؟ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، أنقذوا أنفسكم، اتقوه لا تخرجوا عن طاعته، فإنه إذا عاقب فعقابه شديد، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] والعقاب: المعاقبة على الذنب، مأخوذ من العقب، لا يؤاخذك الله على الذنب قبل أن تفعله أبداً، لا يعاقب الله إلا بعد أن يذنب العبد فيأخذه من عقبه، لا أنه يعلم أنه يزني فيسلط عليه البلاء قبل أن يفعل! لا؛ لأن الله يعاقب بعد وقوع الجريمة والذنب: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].
تفسير قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ...)
تلك الآيتان درسناهما بالأمس، والآن مع هذه الآية، وليس بالإمكان دراستها كاملة، فنأخذ بعضها، وأولاً نسمعكم تلاوتها تبركاً بها:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3].
تحريم الميتة والدم المسفوح وبيان علته

في الآية السابقة قال تعالى: ( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1]، وهنا بين ذلك فقال تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] من حرمها؟ مالكها. لم حرم الميتة؟ لأنها تحمل ضرراً لعبد الله العابد الذاكر الشاكر، الميتة فيها جراثيم وميكروبات؛ لأنها ما ذكيت ولا طهرت بإخراج دمها بما فيه من الجراثيم، ماتت هكذا، فمولانا وسيدنا وربنا تعالى قال: لا تأكلوا الميتة، لم يا رب؟ لأنها تضركم وتؤذيكم، وأنا لا أريد لعبيدي أن يتأذوا، فكيف يعبدونني إذا تأذوا؟ فالمريض لا يحج ولا يعتمر، فالميتة سواء كانت من الأنعام أو كانت من اليرابيع والظباء والغزلان محرمة، وعلة تحريمها الضرر الذي يصيب عبد الله آكلها أو أمة الله آكلتها. وحرم تعالى الدم المسفوح السائل، كانوا يجمعونه ويغلونه على النار فيتجمد ويأكلونه، هذا فيه جراثيم وميكروبات قاتلة، أما الدم الذي يجري في العروق ومع العظام واللحم فلا، الممنوع أن تذبح الشاة وتجعل تحتها إناء وتأخذ ذاك الدم وتطبخه وتأكله، هذا حرام، ولم حرمه الله على أوليائه؟ لأنه يضر بأبدانهم، وهو خلقهم ليذكروه ويشكروه، فإذا مرضوا فكيف يعبدونه؟
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]