عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 18-06-2021, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حروف الهجاء من خلال الشعر

وفي منتصف القصيدة، يوضِّح الشاعر أن ثروة هذا التاجر ليست كلُّها من الحلال، يقول:















(مَسْرُورٌ) سَارَ بِثَرْوَتِهِ




لِيُضَاعِفَهَا فِي سَفْرَتِهِ




نِصْفُ الثَّرْوَةِ حَقٌّ وَحَلاَلْ




وَبَقِيَّتُهَا غِشٌّ وَضَلاَلْ












وفي نهاية القصيدة يأتي الدرس المفيد:















يَبْقَى مَا تَجْمَعُ مِنْ أَمْوَالْ




بِالْجُهْدِ، وَمِنْ خَيْرِ الأَعْمَالْ




وَسَيَمْضِي لِفَنَاءٍ وَزَوَالْ




مَا يَأْتِي مِنْ غِشٍّ وَضَلاَلْ












وهكذا، يضع "شعراوي" رؤيتَه للموقف من خلال القوافي المُحْكَمة، الدالَّة على تمكُّنِه من نواصي البيان والأوزان الشعريَّة، وما يجب أن يبثَّ للأطفال.









والفارق بين قصَّة فرعون في الجزء الرابع، وقصة التَّاجر في الجزء الثاني: أنَّ فرعون مضى في استكباره وظُلمه إلى أبعد حدٍّ، فلقي مصيره غرقًا، أما التَّاجر فقد استدرك خطأه، وتعلَّم من القرد، وعاد إلى حظيرة الحقِّ ملتزمًا، فاختلفَت المصايرُ، وهذا المنهج لا بدَّ منه؛ لتوضيح قيمة الرُّجوع عن الخطأ، عند أوَّل فرصةٍ أو تنبيه.









وإذا كانت قصَّة التاجر تعلِّم الأطفال فضيلةَ الرُّجوع إلى الحقِّ، والرِّضا بالحلال، فيما رزق الله؛ فإنَّ هناك نَمُوذجًا آخرَ يعلِّم الطفل أن الاعتراف بالخطأ سمةٌ من سمات المسلم.









ونحو بثِّ هذه القيمة الإنسانية الغالية في نفوس الصغار، تأتي قصيدة "الراعي والغربان"، وذلك في الجزء الثالث من ديوان "حكايات وأغانٍ"، وتحكي قصَّة راعٍ صغير كان يسير في الغابة وهو يرعى أغنامه، ورأى مجموعة من الغربان فوق أغصان الشَّجر، فقذفها بالحجارة إلى أن ثارت الغربان وكادت تُهاجمه، فانصرف الرَّاعي سريعًا وهو يقول كما جاء في نهاية القصيدة:















أَنَا لَسْتُ أَلُومُ الغِرْبَانْ




فَأَنَا البَادِئُ بِالعُدْوَانْ












ولا ننسى أن هذه القصيدة في معرض الحديث عن حرف (الغين)، وهي تحقِّق ما يدعو إليه العلماء المتخصِّصون في أدب الطفل، كما يقول الدكتور سعد أبو الرضا: "إنَّ أدب الأطفال يجب أن ينهض بما يدعو إليه الإسلامُ من قِيَمٍ ومبادئ؛ كحبِّ العلم، وأن السَّعادة في رضا الله وتَقْواه، وليس في التعلُّق بالمستحيلات، والسلبيَّة في مواجهة المشكلات، والاعتماد على مصباح علاء الدِّين، أو خاتَمِ سليمان، وإنَّما العمل الجادُّ هو الذي يحقِّق الآمالَ والطُّموحات"[3].









وهناك شكلٌ آخر من أشكال المعاملات التي يبثُّها "شعراوي" للصِّغار؛ ليعلمهم أنَّ هناك بعضَ العداوات لا سبيل إلى إزالتها، وواهمٌ من ظنَّ غير ذلك، وفي معرض حديثه عن حرف (الفاء) يَسْرد قصة شعرية أبطالها "فلاح وأفعى":









قتلَت الأفعى شقيقَ الفلاح بعضَّة سامَّة في مفصله، وحاول الفلاَّح أن يثأر لأخيه، فأخذ فأسه وضرب الأفعى ضربةً لم تَقْتُلها، وإنَّما قطعَتْ ذيلها فقط، وتوهم الفلاح أنَّ في الإمكان وضْعَ حدٍّ لهذه العداوة بينهما، ولكن الأمر كان غير ذلك، فتأتي النِّهاية المؤكَّدة لاستمرار العداوة الأبديَّة بين الأفعى والفلاح، كنموذج لما سيكون بين الإنسان والحشرات الضارَّة مستقبلاً:















قَالَ الفَلاَّحُ لَقَدْ أَخْطَأْ

تُ وَهَأَنَذَا أَطْلُبُ صَفْحَا




وَالأَفْعَى قَالَتْ: قَدْ أَفْسَدْ

تُ وَرُمْتُ الفَتْكَ، فَيَا وَيْلِي




(لاَ صَفْوَ) وَهَذَا أَثَرُ الفَأْ

سِ يَغُوصُ عَمِيقًا فِي ذَيْلِي










ولكن هذا لا يعني حجب الخير عن خَلْق الله؛ بِحُجَّة العداوات الأبديَّة؛ فقد ورد عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ امرأة دخلت النار في هِرَّة حبسَتْها، وكذلك عن رجلٍ دخل الجنَّة بسبب إعطائه الماء لكلب كان يأكل الثَّرى من العطش.









و"شعراوي" لا تفوته هذه المنهجيَّةُ وهو يعمل على تهذيب الأطفال، فيسرد قصَّةً خياليَّة عن علاقة نشأَتْ بين (زاهد وأسد)، وذلك في الجزء الأول من نفس السِّلسلة، وهو يتحدَّث عن حرف (الألف) وهي جاءت بحكم تسلسُلِ الحروف كأوَّل قصَّة يطالعها الأطفال في هذا الدِّيوان، ومن ثَمَّ فإنَّ جماليات هذه القصَّة هي التي ستَحْكم علاقة الأطفال بباقي محتويات الدِّيوان.









فالأسد هو ذلك الحيوان الذي اعتبَره الإنسانُ ملِك الغابة، وبذلك أصبحَتْ له مكانةٌ في قلوب الصِّغار؛ رمزًا للقوة والشَّجاعة، وهي صفات يحبُّها الأطفال، ويتمثَّلونها، أمَّا الزاهد فهو ذلك الإنسان الذي لم ينبَهِر بمباهج الحياة وزُخْرفها، والتزَم بمعاني الإيمان بالله سلوكًا ومنهاجًا، فأصبح مثالاً للوداعة والطِّيبة، وهي أيضًا صفاتٌ يرتاح إليها الأطفالُ وينشدونها.









والعلاقة بين مِثال الوداعة والطِّيبة وبين مثال القُوَّة والشجاعة لا بُدَّ أن يكون لها شكلٌ يتناسب مع الطَّرَفين، بالإضافة إلى خيال الطِّفل، وأرى أنَّ "شعراوي" نجح في وضع الإطار المنهجيِّ الصحيح عندما سردَ هذه القصة شعرًا، كما أنَّ صياغتها على حرف (الألف)، ووَضْعَها في بداية الدِّيوان كان توفيقًا من الله له، فالزَّاهد يسير وحيدًا إلى الغابة، يملَؤُه الإيمانُ بالأمن:















وَهُنَاكَ رَأَى أَسَدًا يَزْأَرْ




يَتَلَوَّى، يَصْرُخُ، يَتَوَجَّعْ









يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]