ذكر بعض أحكام الديات
وهنا لا بأس أن نعلم بعض الأحكام، فالذي عليه أكثر أئمة الإسلام وهداته رحمهم الله أن المسلم لا يقتل بالذمي، المسلم لا يقتل بالذمي الكتابي اليهودي أو النصراني، فكلمة (النفس بالنفس) هذا اللفظ عام قيده رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوحى الله إليه إذ قال: ( لا يقتل مسلم بكافر )، وسر ذلك هو أن المؤمن يذكر الله ويشكره ويعبده ولذلك خلقه ربه، والكافر لا يذكر ولا يشكر، فعطل الحياة كلها فلا قيمة لوجوده. فلو سألتم وأنتم أهل الإسلام: ما السر في خلق هذا الوجود؟ فالجواب: أراد الله أن يذكر ويشكر فأوجد هذه الحياة وأوجد آدم وذريته وأوحى إليهم أن: اعبدوني بالذكر والشكر، فمن ذكر وشكر رفعه إليه وأسكنه بجواره بعد موته، ومن ترك الذكر والشكر وكفر أنزله إلى الدركات السفلى من عالم الشقاء، فالذي يذكر الله ويشكره هل يجوز أن توقف ذلك الذكر والشكر منه بقتله؟ الجواب: لا. والذي لا يذكر ولا يشكر ما فائدة وجوده؟ لا شيء، فيقتل، هل فهتم هذا السر؟ فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يقتل مسلم بكافر )، سواء كان ذمياً أو غير ذمي، إذاً: يعطى وليه نصف دية المؤمن وكفى. ثانياً: لا خلاف أن في العينين دية، فمن فقأ عيني إنسان مؤمن فعليه دية، والدية مائة بعير أو قيمتها بالدراهم والدنانير، إذا فقأ الاثنتين ففي العينين الدية، وفي الواحدة نصف الدية، فقأ عين مؤمن بأن ضربه، لكمه، بحربه، بعود فأصبح لا يبصر فعليه نصف الدية. وفي عين الأعور الدية كاملة، ما عنده إلا هذه العين، خلق أعور أو أصابه مرض فعميت عينه، فصاحب العين الواحدة إذا فقئت عينه وجبت الدية كاملة، بخلاف ذي العينين حيث بقيت له عين يبصر بها فيأخذ نصف الدية، هذا كله إن لم يعف ويتصدق. وفي الأنف إذا جدع -قطع من هنا إلى آخره- الدية كاملة، فالأنف هو مظهر جمال الإنسان، إذا جدع وقطع فيه الدية كاملة، هذا الذي عليه جمهور أئمة الإسلام عليهم السلام. والدية في ذهاب السمع،ى أما مع بقاء شيء من السمع ففيه حكومة، يعني: اللجنة المختصة بهذا تقدر وتحكم بشيء، فلو ذهب السمع كله فأصبح أصم لا يسمع وجبت الدية، لكن إذا كان بقي له السمع وأوذي في سمعه ففيه الحكومة، فالقاضي ورجاله يحكمون بما يجب له. وفي السن الذي نزع أو كسر خمس من الإبل، السن بخمس من الإبل، كسر سنه أو قلعها بخمس من الإبل، للحديث الصحيح في ذلك. وفي الشفتين -إذا نزع شفته العليا والسفلى وتركه بأسنانه- الدية، وفي الواحدة نصف الدية، في الشفتين معاً الدية كاملة مائة بعير أو قيمتها، وفي الشفة الواحدة العليا أو السفلى نصف الدية. واختلف في دية المرأة، والذي عليه أمر الأمة أن المرأة ديتها نصف دية الرجل، وفيما دون النفس أصبعها كأصبع الرجل وسنها كسنه، وهذا أحسن ما قيل، فإذا بلغت ثلث الدية عادت بعد ذلك إلى النصف من دية الرجل. هذا كله مأخوذ من قول ربنا عز وجل: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا [المائدة:45] أي: في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، في الموضحة وفي أنواع الجروح الأطباء يقدرون ذلك والقاضي يحكم. ثم قال تعالى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ [المائدة:45] لوجه الله فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، جرحتني أو كسرت مني سني فتركت ذلك لله، قتلت أبي فتنازلتُ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، كفارة لذنوبه، وقد ذكرت لكم أن القصاص كفارة، فمن قتل هل يبقى عليه إثم وقد قتل؟ القصاص كفارة لأصحابه، قطع يداً فقطعت يده فهل بقي عليه شيء؟ انتهى.لكن يحصل على الأجر إذا تقدم للمحكمة وقال: أقيموا علي الحد فإني تبت، أنا قتلت فلاناً والآن أطلب منكم القصاص. بعد هذا نعود إلى آياتنا المباركات فلنستمع إليها من الشرح.
هداية الآيات
الآيات التي درسناها بالأمس أشير إلى هداياتها، فقد كانت تتضمن هذه الهدايات. يقول المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات: أولاً: وجوب خشية الله بأداء ما أوجب وترك ما حرم ].في الآيات التي تدارسناها البارحة هذه الهداية، وهي وجوب خشية الله، وذلك بأداء وفعل ما أوجب والبعد عما نهى وحرم، فهذا أمر واجب، وجوب خشية الله أي: الخوف من الله بأداء ما أوجب وترك ما حرم، والذي يقول: أنا أخاف الله وأنا أخشاه ولا يفعل واجباً ولا يترك الحرام هل يصدق؟ لا يصدق؛ لأن الخشية خوف النفس وخوف القلب، فالذي خافت نفسه واضطربت ما يقدم على معصية الله فيتعرض لغضبه وعذابه. [ ثانياً: كفر من جحد أحكام الله فعطلها أو تلاعب بها فحكم بالبعض دون البعض ].كفر من جحد أحكام الله فقال: لا أعترف بهذه الشريعة ولا بما تحمله من أحكام في الدماء والحدود في الأموال في العبادات في العقائد، قطعاً هذا كافر، ومن يقول: ليس بكافر؟ كفر من جحد أحكام الله فعطلها، ولو وطبقها لكان الأمر غير هذا، لكن جحدها فعطلها أو تلاعب بها فحكم بالبعض دون البعض، فهذا كافر. [ ثالثاً: وجوب القود في النفس]، والقود هو قتل النفس بالنفس، [ والقصاص في الجراحات؛ لأن ما كتب على بني إسرائيل كتب على هذه الأمة ]، قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات:من هداية الآيات: أولاً: وجوب الحكم وفي كل القضايا بالكتاب والسنة ]، وجوب الحكم وفي كل القضايا حتى في سرقة مكنسة، ما هناك شيء لا يوجد له حكم في الكتاب والسنة، يجب الحكم في كل القضايا بماذا؟ بقانون فرنسا، إيطاليا، الأمم المتحدة؟ بل بالكتاب والسنة، قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. هل يضيق القرآن والسنة عن أحداث الناس؟ والله لا يضيقان أبداً، عرفنا هذا من قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، هذا أمر الله للرسول أم لا؟[ ثانياً: لا يجوز تحكيم أية شريعة أو قانون غير الوحي الإلهي الكتاب والسنة ]، لأن القوانين أهلها جهال عميان لا بصيرة لهم ولا عدل فيها ولا رحمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نحن عبيد الله فرض علينا وألزمنا أن نتقاضى ونتحاكم إليه، فإن قلنا: لا فقد كفرنا به وأعلنا الحرب عليه.وهل تتصورون أن هيئة من الهيئات العليا في العالم تستطيع أن توجد حكماً رحيماً عادلاً أكثر من أحكام الله؟ والله ما كان ولن يكون أبداً، فلا يجوز تحكيم أية شريعة أو أي قانون غير الوحي الإلهي الكتاب والسنة. [ ثالثاً: التحذير من اتباع أهواء الناس خشية الإضلال عن الحق ]، فالذي يتبع أهواء الناس وميولهم وما يريدون فإنهم -والله- يضلونه، فالرسول حذره الله أم لا؟ أما تآمروا وقالوا: هيا نقول له: نحن علماء، وإذا آمنا به اتبعك ناس وآمنوا، ولكن احكم بيننا بالباطل. فلو اتبعهم فماذا سيحصل؟ لكن حذره: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ [المائدة:49]. [ رابعاً: بيان الحكمة من اختلاف الشرائع وهو الابتلاء ]، لماذا يباح لهؤلاء كذا ويمنع عن هؤلاء كذا ويعطى هؤلاء ولا يعطى هؤلاء، لماذا؟ للامتحان للابتلاء، مولانا يبتلينا ليرى المطيع منا والعاصي، فيسعد ويكمل المطيع ويشقي ويعذب العاصي، فلهذا تجد الخلاف في الدول. [ خامساً: أكثر المصائب في الدنيا ناتجة عن بعض الذنوب ]، أكثر المصائب والويلات والفقر والمرض والذل والهون والحرب والفتن -والله العظيم- ناتجة عن الذنوب، أما قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة:49]، والأظهر من هذه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
[ سادساً: حكم الشريعة الإسلامية أحسن الأحكام عدلاً ورحمة ]، إي ورب الكعبة، إي والله، حكم الشريعة الإسلامية أحسن الأحكام عدلاً ورحمة، فلو حكمنا اليهود أو النصارى في قضايا لكان أعدل وأرحم لهم، لكن لا يحكمون ولا نحكم، لا نحكم عليهم ولا لهم حتى يذعنوا لله ويدخلوا في رحمته، أما وهم مصرون على الكفر والشرك والعياذ بالله فحسبهم ذلك. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.