معنى قوله تعالى: (فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً...)
ثم قال تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] هذا قيل للرهبان، للربانيين والأحبار من أهل الكتاب، نهاهم أن يخشوا الناس ويخافوهم، وأوجب عليهم خشيته وخوفه، وحرم عليهم بيع الأحكام الشرعية بالأثمان المادية، عطشت، جعت، مرضت، إياك أن تتنازل عن آية واحدة من أجل صحتك أو شبعك. وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا [المائدة:44]، وليس المعنى أنه يبيع الآية، بل يبيع حكمها ومعناها، يجحد معناها، فيحل ما تحمله من حرام من أجل مصلحة دنيوية، وهذا معروف. وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، هذا نزل في التوراة وعرفه الله الربانيين والأحبار ودعاهم إلى القيام به وعرفوه، وبعد ذلك ما الذي حصل؟ اشتروا بآيات الله تعالى ثمناً قليلاً، باعوا الآخرة بالدنيا، إذاً: فهم في ذلك كافرون: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقد بعثوا من فدك أو خيبر بعثاً يحاولون أن يطبقوا أهواءهم على الشريعة وينكروا الرجم الموجود في التوراة، وعلى كل حال نذكر هذا ونحن نشاهد واقع المسلمين وما هم فيه.قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:44] فاعتاض عنه غيره أو حوله وبدله وغيره لمنافع مادية فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] حقاً وصدقاً.
تفسير قوله تعالى: (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة...)
ثم يقول تعالى: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ [المائدة:46]، والحديث كله عن بني إسرائيل، فمن عند قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41] وهو يعلمه، وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة:46]، قفينا على آثار الأنبياء والأحبار والربانيين بعيسى ابن مريم، وعيسى ابن مريم لا أب له، وإنما كان بكلمة (كن) الإلهية فكان، هذا هو روح الله، وكلمة الله التي ألقاها إلى مريم ، عيسى ابن مريم، ومعنى مريم: خادمة الله، يا من يسمي ابنته مريم! لتعلم أن معناها خادمة الله وعابدته. وهل تعرفون عن مريم هذه شيئاً؟ النصارى يعرفون عنها الترهات والأباطيل، واليهود يعرفون عنها الكذب والضلال والبهتان، ونحن نعرف عنها أنها بنت عمران، أمها حنة عليها السلام كانت لا تلد، فيها عقم أو عقر، وتاقت نفسها إلى الولد كسائر النساء اللائي لم يلدن إلى اليوم، فشاء الله أن تدخل حديقة المنزل وإذا بها تشاهد عصفوراً يزق أفراخه، العصور الصغير يأتي بالطعام في فيه ويصبه في أفواه أفراخه، فجاشت نفسها وهاجت من ذلك المنظر، وقالت: يا رب! إن أعطيتني ولداً فهو لك، خاص بعبادتك، نذرت لربها هذا النذر، وشاء الله أن تحمل، وحملت بـمريم ، وقالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا [آل عمران:36] خادمة الله مَرْيَمَ [آل عمران:36]، استعجبت من كونها ولدتها بنتاً، هي نذرت الولد لله يخدمه، بالجهاد، العلم، التعليم، ما يخدمها في شيء أبداً، ولا يأتيها بالماء، لكن البنت كيف تخدم الله إلا إذا حبست في مقصورة تعبد الله.وهذه الربانية وضعتها في قماطة وقالت لخادمة: اعرضيها على علماء بني إسرائيل من يأخذها؛ فهذه نذيرة الله، أنا نذرتها لله، فعرضتها على علماء بني إسرائيل الربانيين، وعلى رأسهم زكريا أبو يحيى، فكل تاقت نفسه لأن يأخذها؛ لأنها بنت رجل صالح توفي وهي في بطن أمها يتيمة، وقبل ذلك هي نذيرة، أي: منذورة لله، فمن يكرمه الله بأن تتربى في بيته؟ فاضطروا إلى القرعة، اضطروا إلى استعمال القرعة أو الاستهام، فجمعوا أقلامهم، هاتوا أقلامكم الطاهرة التي تكتب التوراة وتكتب العلم الرافع للإنسان والمطهر له، فجمعوا أقلامهم، وقالوا: نلقيها في النهر، فالذي وقف قلمه في الماء هو الذي أعطاه الله هذه النذيرة، أخذوا القلم الأول فكان يدحرجه الماء، والثاني يدحرجه الماء، ولما جاء قلم زكريا وقف كأنما غرس بالطين، قال تعالى: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]، من الذي كفلها زكريا؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه، أخذها زكريا، وزوجته أخت لـمريم ، فهي عند خالتها، وزكريا نبي لله وأب لرسول الله، فماذا يصنع؟ تركها في مقصورة في المحراب في المسجد، ويأتيها بالطعام والشراب، وهي تتوضأ وتصلي، ما هناك مهمة إلا هذه، تذكر الله وتسبحه وتظل راكعة ساجدة، لهذا خلقت، ولهذا نذرتها أمها، وسبحان الله! كان إذا جاءها بالغداء والعشاء يجد عندها فاكهة في الشتاء وهي فاكهة الصيف، يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، فتعجب وقال لها: أَنَّى لَكِ هَذَا [آل عمران:37] يا مريم ؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37] هذه ربانية أم لا؟ قالت: هُوَ [آل عمران:37] أي: هذا اللون من الطعام من عند الله عز وجل، لا إله إلا الله، الله يخرق السنة ويبطلها إذا شاء، يبطل العادات، ففاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38]، أفاق من غفلة ما كانت تخطر على باله: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] ماذا قال؟ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:38-39]، أين وجدته؟ هل في الحفل؟ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39] بلغته رسالة الله: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39]، هذا يحيى، مصدقاً بكلمة من الله، أول من آمن بعيسى هو، قال: عيسى عبد الله ورسوله. إذاً: فلما بلغت الملائكة البشرى لنبي الله زكريا عليه السلام قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [آل عمران:41]، حتى أعرف الخبر هذا كيف يتم، ومتى يتم، اجعل لي علامة يا رب؟ قال: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41]، آيتان في هذا الباب، ثلاث ليالٍ سوياً ما يستطيع أن يتكلم مع أحد ولكن يذكر الله بأعلى صوته، في ذكر الله وتسبيحه وتقديسه تجد لسانه منطلقاً أفصح منا، لكن: أعطني الماء، صب كذا كل ذلك لا يستطيعه إلا رمزاً بالإشارة، فهل هذه أعظم آية أم لا؟ الفصيح البليغ يتكلم بما شاء وهنا ما يستطيع أن يتكلم بغير ذكر الله أبداً، ويطلب حاجته بالإشارة! إذاً: هذه بشرى الله لزكريا، وزكريا هذا دخل تحت شجرة هرب إليها وفتحت الشجرة أغصانها ودخل فيها فنشره اليهود بالمنشار مع الشجرة، ماذا فعل اليهود؟ قتلوا والده زكريا أولاً وقتلوا ولده يحيى، رسولان نبيان، ومريم العذراء البكر عليها السلام وهي في محرابها تبشر أيضاً ويأتيها رسول الله جبريل يبشرها فتتعجب: قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [مريم:20] كيف؟ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ [مريم:21].وما هي إلا أن هزها الطلق فلجأت إلى نخلة، وما إن وضعت حتى نطق عيسى: إني عبد الله. هذه هي مريم، ولدت عيسى من بطنها، نفخ جبريل في كم درعها فسرت النفخة إلى بطنها فقال الله: كن فكان، ففي ساعة واحدة وهي تبحث عن موضع الولادة، فَانتَبَذَتْ بِهِ [مريم:22] على الفور مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم:22-25] في الشتاء تتساقط عليك الرطب.والشاهد عندنا ذكر عيسى بن مريم، فاليهود يقولون: عيسى ساحر لأنه يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأعمى والأبرص، هذا من سحره، وأمه يقولون عنها: فاجرة عاهرة إلى الآن، والنصارى قالوا: هذا ابن الله. وبعضهم قالوا: لا. هذا هو الله، هو الإله. وتخبطوا وضلوا لأن نور الله عموا عنه وأبوا أن ينظروا إليه، فالقرآن الذي أنزله الله هو الذي فيه بيان الحق في عيسى وأمه، عيسى عبد الله ورسوله وأمه مؤمنة طيبة صديقة، هكذا وصفها الله بالصديقية: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75].
معنى قوله تعالى: (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة...)
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ [المائدة:46] أولئك الأنبياء والرسل والربانيون والأحبار بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [المائدة:46]أي: من التوراة، وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ [المائدة:46] الإنجيل كتاب الله رابع الكتب الأربعة المعروفة عندنا في عقيدتنا: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فالقرآن الكريم هو الفرقان. ماذا في الإنجيل؟ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ [المائدة:46] لا يتنافى أبداً مع التوراة إلا ما نسخه الله من بعض الأحكام، وفيما عدا ذلك الإنجيل يوافق التوراة مثل القرآن مصدق الذي بين يديه من الإنجيل والتوراة. قال: وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [المائدة:46] فيه الهداية لسبل الرشد والخير، وفيه المواعظ للمتقين ينتفعون بها، الإنجيل أكثره مواعظ وحكم.
تفسير قوله تعالى: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه...)
ثم قال تعالى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ [المائدة:47] أيضاً، فكما على أهل التوراة أن يحكموا بالتوراة كذلك على أهل الإنجيل أن يحكموا بالإنجيل. أولاً: أين الإنجيل؟ أصبح خمسة أناجيل فكيف يعرف الحق فيه؟ الإنجيل كان إنجيلاً واحداً فزيد فيه أربعة أناجيل أخرى فضاع الحق وما أصبح له وجود، لكن لو حكموه لوجدوا نعوت الرسول وصفاته، وأن من لم يؤمن بالنبي الخاتم هو كافر، ولكانوا آمنوا، فوالله إن به لنعوتاً لرسول صلى الله عليه وسلم وصفات له، وفيه الأمر بالإيمان به والدخول في دينه، وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه لا بما افتراه المفترون وكذب به الكاذبون. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] الخارجون عن طاعة الله ورسوله البعيدون عن الحق وأنواره، هذا قضاء الله تعالى وحكمه عليهم.
طريق العودة إلى تحكيم شرع الله تعالى
والآن المسلمون من إندونيسيا إلى موريتانيا -باستثناء هذه البلاد- لم لا يحكمون القرآن؟ لم يتحاكمون إلى غيره؟ ماذا نصنع؟ نقول: الجهل، جهلوهم وأضلوهم وأبعدوهم عن طريق الله فهم في متاهاتهم. لو عادوا إلى الكتاب والسنة في يوم ما لحكموا شرع الله، وهنا بلغوا أنه لو أراد أهل بلد من بلادنا الإسلامية -لا أقول: أهل إقليم ولا دولة- أهل بلد فقط لو أرادوا أن يحكموا شرع الله فما أيسر ذلك وأسهله، يجتمعون في مسجدهم الجامع بنسائهم وأطفالهم، كل ليلة يصلون المغرب والعشاء ويتعلمون الكتاب والسنة، عام واحد وإذا بهم أطهاراً أصفياء أرقاء القلوب أزكياء الأرواح والنفوس، ومن ثم إذا حصل خلاف بين مؤمن وآخر فبدل أن يذهبوا إلى الشرطة أو الحاكم يأتون إمام المسجد يعرضون عليه القضية ويحلونها بالموعظة الحسنة، ويعيشون دهوراً لا يحكمون غير كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. لو أن أهل بلد من البلاد أخذوا على أنفسهم أن يجتمعوا كل ليلة طول عمرهم في بيوت الله التي بنوها بأيديهم، يصلون المغرب كما صليناها ويجلسون جلوسنا هذا ويتلقون الكتاب والحكمة حتى يؤذن العشاء فيصلون العشاء، أقول: والله بعد عام فقط يندر أن تظهر بينهم معصية، لا شرب خمر ولا حشيشة ولا زنا ولا لواط ولا ربا ولا كذب ولا قتل ولا اعتداء. وإن حصل شيء من هذا النوع مرة في مسجدهم فترفع قضيته إلى إمامهم ومربيهم ويصلح ما بينهم ويتسامحون، وما هم في حاجة إلى أن يقدموا قضيتهم إلى حاكم يحكم بغير ما أنزل الله، فلم لا نفعل هذا؟ لأن العدو من الإنس والجن لا يريدون أن يسعد المسلمون ويكملوا، وإلا فهذا الطريق ماذا يكلفهم؟ يعملون لدنياهم من بعد صلاة الصبح إلى قبل غروب الشمس في المصانع والمتاجر والمزارع، مالت الشمس إلى الغروب في الساعة السادسة فتوضئوا وتطهروا وغيروا ملابس العمل وجاءوا بأطفالهم ونسائهم إلى بيت ربهم الأطفال صفوف والنساء وراءهم والرجال والفحول أمامهم، بعد الصلاة مباشرة يأخذون ليلة آية من كتاب الله وأخرى حديثاً من أحاديث الرسول، العام فيه ثلاثمائة وستون ليلة، فيحفظون ثلاثمائة وستين آية وحديثاً، ويفهمون معانيها ويطبقونها كل ليلة، ما إن يعلموا الحكم في تلك الليلة حتى يطبقوه على أنفسهم ويتحلوا به على الفور، سواء كان أدباً أو خلقاً أو عقيدة أو عبادة. أسألكم بالله! بعد عام واحد كيف يكون أهل القرية؟ هل يبقى فيهم اللصوص والمجون والكذب والخيانة؟ هل تصدر فتيا من إمام المسلمين بأن الدش حرام ويعملونه؟ والله ما يعملونه. فهذا مثال. ومن ثم لا يحكمون غير شرع الله وغير كتاب الله أبداً ولا يلتفتون إلى حكومتهم ولا إلى باطلهم، مؤمنون مسلمون يتسامحون، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، يقول: تصدقت بدمي على أخي، ويباركه أهل الحي كلهم ويكبرون ويهللون. فكيف نعود؟ ما هناك طريق يا أبناء الإسلام إلا أن علماءنا يحملون هذه الرسالة ويتحولون إلى ربانيين، فيجمعون أهل القرية ويأتون إلى غنيهم وفقيرهم وإلى عالمهم وجاهلهم ليجمعوهم في بيوت الله في هذه الساعة من الليل ما بين المغرب والعشاء. ويأخذون بتزكية أنفسهم وتهذيب أرواحهم وتهذيب آدابهم وأخلاقهم، وهم يشاهدون ذلك يوماً بعد يوم، ما يسمعون بحادثة وقعت في القرية، ما يشاهدون جائعاً ولا عارياً ولا مظلوماً؛ لأنهم كجسم واحد ثبتت لهم ولاية الله، لو رفعوا أيديهم إلى الله أن يزيل الجبال لأزالها، ما المانع من هذا؟ سواء كنا في فرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا أو بلجيكا وأمريكا، أبواب الله مفتوحة لا منع أبداً، فكيف ببلاد المسلمين وحكومات المسلمين، هل يمنعونهم أن يجتمعوا في بيوت الله؟ على سبيل المثال: أنصار السنة في الديار المصرية هل أغلقت مساجدهم؟ هل حوربوا؟ هل سجنوا؟ هل قتل منهم أحد؟ لم؟ لأن المسلك رباني، يتعلمون كيف يعبدون الله، هذا مثال فقط. أما الإثارات والتكالب على الدنيا وما إلى ذلك فهو الذي يسبب تلك الفتن، ومع هذا أقول: في أي مسجد يجتمع المسلمون على كتاب الله وسنة رسوله لا يؤذيهم أحد أبداً. وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.