رد: الغزو الفكري في المجالات التربوية والتعليمية
الغزو الفكري في المجالات التربوية والتعليمية
صفا مصطفى عبدالفتاح
ثانيًا: الطب:
يُعتبر الطب مِن أكرم المهن الإنسانية، وأرقى المهن من حيث المستوى والثقافة، ولكن كيف يكون موجودًا ولا يستغله المنصرون في نشر تنصيرهم يقول المنَصِّر الطبيب "بول هاريسون": "إن المنصر لا يرضى عن إنشاء مستشفى... لقد وجِدْنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى"، ويقول المنصر موريسون: "نحن متفقون بلا ريب على أن الغاية الأساسية من أعمال التنصير بين المرضى الخارجين في المستشفيات: أن ندخلهم أعضاء عاملين في الكنيسة المسيحية الحية"، وتقول المنصرة إيراهايس ناصحة الطبيب النصراني الذاهب في مهمة تنصيرية: "يجب أن تنتهز الفرصة لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فتكرّز - فتبشر - لهم بالإنجيل.
لقد أنشأ المنصرون في كثير من ديار الإسلام المستشفيات والمستوصفات ودور العلاج، يعالجون المرضى باسم المسيح، ويخبرونهم أنه الشافي لهم، وأن الإيمان به شفاء ونجاة!
ومن عَجَب أنَّ المنصرون القساوسة في مصر يحثون أبناءهم على دخول كليات الطب، فتجد أن كثيرا من الطلاب النصارى يدخلون كلية الطب، والصيدلة! فأين نحن يا مسلمون؟!
ثالثًا: المَطْبُوعات والصُّحف والنشرات والمطابع:
اهتَمَّ التنصير بالمطبوعات والنشرات وإصدار الجرائد والمجلات التنصيريَّة، فأنشؤُوا مطابع نصرانيَّة خاصَّة بهم؛ كدار النَّشر الأسقُفية، وكدار الكتاب المقدس، والمطبعة الأمريكية في بيروت، والمطبعة الكاثوليكية في بيروت أيضًا، ودعموها بأقل الأسعار حتى إن المرء ليزهل من قلة أسعار الكتب!
كذلك عملوا على إصدار جرائد يومية خاصة بهم؛ كالجريدة التي تصدرها دار النشر الأسقفية في مصر، والتي يكتب بها أراذل الناس من البشر؛ كفاطمة ناعوت (المسلمة اسمها، الكافرة اعتقادًا)!
وقد جاء في تقرير للندوة العالمية للشباب الإسلامي عن النشاط التنصيري في إفريقيا: لقد تمّ توزيع 610 عنوانًا لكتب تنصيرية مطبوعة بلغات مختلفة، ومئات الملايين من الكتب المطبوعة والتي تم نشرها، و24.900 مجلة متنوِّعة يُوَزَّع منها ملايين النسخ، ووزعوا 112 مليون نسخة إنجيل في عام 1987م، وتم ترجمة الإنجيل إلى652 لغة ولهجة إفريقية مقابل سبع لغات تم ترجمة القرآن لها فقط، و5445 لغة ولهجة تم ترجمة وتسجيل الإنجيل في أشرطة، وتم توزيع عشرات الملايين من هذه الأشرطة.
رابعًا: استخدام وسائل الإعلام:
يَستخدم المنصرون وسائل الإعلام في تحقيق أغراضه التنصيرية، ومنها: الإذاعة المسموعة والمرئية، والصحافة، والمسرح، وشرائط الفيديو والإنترنت ونحوها، ومن أشهر الإذاعات التنصيرية إذاعة منتوكارلوا الفرنسية، وحسب إحصائية عام 1416هـ يملك المنصرون (52) إذاعة في إفريقيا.
وقد أُنشِئَتْ قنوات نصرانية تُذاع من الكنيسة مباشرة، وتقدم برامج تنصيرية مثل قناة: (v†c) وهي قناة الكنيسة القبطية، والرجاء، والكرمة، والحياة، ومعجزة، وأغابي الأرثوذوكسية، ونور سات، الطريق... وغيرها.
خامسًا: الجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية، ودور العجزة والمسنين:
إن الجمعيات ودور الخدمة الاجتماعية من أخطر الوسائل التي يستخدمها المنصرون في نشر تنصيرهم على المسلمين؛ فقد جاء في كتاب مؤتمر العاملين المسيحيين بين المسلمين ما يلي: "نحن نعني بالعمـل الاجتماعي المسيحي تطبيـق مبادئ يسوع المسيح في جميع الصلات الإنسانيـة، إن المسلمين يدَّعون أن في الإسلام ما يلبي كل حاجة اجتماعية في البشر، فعلينا أن نقاوم الإسلام دينيًّا بالأسلحة الروحية، فالنشاطُ الاجتماعي يجب أن يوافقَ التعليم المباشـر للإنجيل ويُساعده ويُتمِّمه.
من أجل ذلك ننصح بالسَّيْر في الأعمال الاجتماعية على الأسس التالية: إيجاد بيوت للرجال والنساء، خصوصًا الطلبة منهم ومنهن، وإيجاد أندية للاعتناء بالتعليم الرياضي وبأعمال الترفيه، وحشد المتطوعين لأمثال هذه الأعمال، وبما أن جمعية الشباب المسيحية وجمعية الشابات المسيحيات قد نصَّبتا نفسهما للوصول إلى الشباب المسلم، فالواجب يقضي أن تشجعا فتتسع دائرة عملهما فتشمل الجماعات المسؤولة عن المسلمين"، ويقول المنصر أديسون: "إن فروع جمعية الشبان المسيحية قد نشرت في الشرق الإسلامي لتكون عونًا على تغلغل التنصير المسيحي".
كذلك يدخل في هذا دور الأحداث الصغار، وهي خطيرة جدًّا، وقد حُكِي لي أن أحد الدعاة ذهب لزيارة إحدى هذه الدور فوَجَد القساوسة تتردد على الدار، فطلب منه مأمور (السجن) أو الدار أنْ يكثف المشايخ زيارتهم هنا لأن القساوسة تُحاوِل تَنْصير الأطفال داخل الدار، ويَتَعَلَّقون بالقساوسة جدًّا؛ لأن يغدقون عليهم المال، والملابس، ويعدونهم بعمل بعد الخروج، كذلك يعطونهم الهدايا.
ويَدْخُل في ذلك أيضًا زيارة المرضى في المستشفيات، وإغداق الهدايا والأموال عليهم، ووعدهم بالعمل بعد الشفاء!
سادسًا: تقديم المساعدات والمعونات للفقراء والمحتاجين:
استغل المنصرون الفقر والجوع أسوأ استغلال فقاموا بتقديم المساعدات المالية والعينية لفقراء المسلمين فها هو المنصر دوغلاس يعترف أن الجماعات التنصيرية قد استغلت تقديم الطعام والكساء للفقراء المسلمين وخاصة الأطفال منهم في إبعادهم عن الإسلام، وما نراه من منظمة الصحة العالمية وما تفعله أكبر دليل على ذلك.
كذلك ما نراه في الصومال وما يحدث فيها من كرب وشدة ليُعْلِمَنا أن التنصير لا يترك حادثة صغيرة ولا كبيرة إلا استخدمها.
سابعًا: البعثات الجامعية والمنح والقروض للطلاب المحتاجين:
استغل المنصرون الشباب المسلم وأغووهم ببريق البعثات الأمريكية والمنح التعليمية، وقاموا باختيار بعض الطلاب المسلمين لإرسالهم إلى أوربا وأمريكا كي يُكْسِبوهم شيئًا من أساليب الحياة الغربية، والاتجاهات الفكرية الغربية، ثم ما يلبث هؤلاء إما أن يكونوا نصارى بالفعل، أو ممالئين لهم، وهذا قديم من أيام محمد علي - عليه من الله ما يستحق - ورفاعة الطهطاوي، وغيرهم وغيرهم، وما طه حسين عنا ببعيد!
كانت هذه أهم وسائل التنصير، والتي يجب أن يَعْلَمَها الجميعُ لنحذر أننا على شفا حفرة من نار التنصير في بلادنا العربية. فاللهُمَّ سَلِّم.
• • •
ثانيًا: الاستشراق:
قالوا: حركة علمية! وقد كذبوا والله!
إنه لمن الخطأ الفاحش أن نطلق على الاستشراق حركة علمية، لا تهدف إلى شيء إلا أنها تدرس تراث شرقنا؛ اعتقاده ولغته وأدبه وتاريخه، بل هي حركة استعمارية تتخذ من التراث ساترا لمحاربة الإسلام، غرضها التشكيك في مصادره، ووضع السم في العسل لنظل تابعين قابعين لهم!
إن الاستشراق في حقيقته غزو فكري، وامتداد للاحتلال، احتلال الأرض، واحتلال الفكر، فمن ظن أن الحرب انتهت فقد أخطأ، ومن ظن أنهم لا يكيدون لنا فهذا نائم؛ فبماذا نفسر احتلال العراق، وأفغانستان! إن الغرب بالغزو الفكري يجعل الشعوب تعيش في وهم كبير.
أما المستشرقون فكما سلف فهم امتداد للحروب الصليبية، وهي شكل من أشكاله، فالمستشرق يجيء إلى الإسلام لابسا ثوب العلم - زُورًا وبهتانًا - ومدعيًا البحث عن الحقيقة، ولكن النية قد عقدت وبُيِّتَتْ على الطعن في الإسلام ومصادره.
ورَحِم الله حَبَنَّكَة الميداني عندما وضعها في أجنحة المكر الثلاثة، فقال رحمه الله (1 / 120): "الاستشراق تعبير أطلقه غير الشرقيين على الدراسات المتعلقة بالشرقيين: (شعوبهم وتاريخهم وأديانهم ولغاتهم وأوضاعهم الاجتماعية وبلدانهم وسائر أراضيهم وما فيها من كنوز وخيرات وحضاراتهم وكل ما يتعلق بهم)، وكان هدفُ الغربيين من هذا الإطلاق العام الذي يشمل كل الشرق والشرقيين، مسلمين أو غير مسلمين، أن يكون غطاءً للهدف الأساسي، الذي هو دراسة كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين لخدمة أغراض التبشير من جهة، وأغراض الاستعمار الغربي لبلدان المسلمين من جهة أخرى، ثم لإعداد الدِّراسات اللازمة لمُحارَبة الإسلام، وتحطيم الأمة الإسلامية وتجزئتها، وتفتيت وحدتها، ثُمَّ تَوَسَّعَت الدِّراسات الاستشراقيَّة بعد توسُّع الاستعمار الغربي في الشرق، فتناولتْ جميع ديانات الشرق وعاداته وحضاراته وجغرافيته وتقاليده ولغاته وكل ما يتعلق به".
دوافع المستشرقين:
يمكن تقسيم دوافع المستشرقين إلى دوافع خمسة هي:
1- دافع ديني.
2- دافع استعماري.
3- دافع تجاري.
4- دافع سياسي.
5- دافع علمي.
أولاً: الدافع الديني:
إنَّ الحِقْدَ الدَّفينَ المُتَجَذِّر داخل الرهبان حسرة على انتشار الإسلام ليظهر بقوة على وجوههم قبل ألسنتهم، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]، فالرهبان النصارى الذين اشتغلوا بالدراسات الاستشراقية كان همهم أن يطعنوا في دين الإسلام، ويشوهوا محاسنه، ظنًّا منهم أن ذلك ممكن؛ يقول لورنس براون: "إن دين المسلمين دين دعوة، إن الإسلام انتشر بين النصارى وغير النصارى، ثم إن المسلمين كان لهم كفاح طويل في أوربا، فأخضعوها في مناسبات كثيرة"، ويقول مصطفى السباعي[14]: "فقد بدأ بالرهبان - كما رأينا - واستمر كذلك حتى عصرنا الحاضر - كما سنرى - وهؤلاء كان يهُمُّهُمْ أنْ يطعنوا في الإسلام، ويُشَوِّهُوا محاسنة، ويُحَرِّفُوا حقائقه؛ ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لزعامتهم الدِّينِيَّةِ أنَّ الإسلام - وقد كان يومئذٍ الخصم الوحيد للمسيحية في نظر الغربيِّين - دينًا لا يستحق الانتشار، وأنَّ المسلمين قوم همج لصوص وسفَّاكُو دماء، يحثهم دينهم على الملذات الجسدية، ويبعدهم عن كل سمو روحي وخلقي. ثم اشتدَّتْ حاجتهم إلى هذا الهجوم في العصر الحاضر، بعد أنْ رأوا الحضارة الحديثة قد زعزعت أسس العقيدة عند الغربيِّين، وأخذت تشككهم بكل التعاليم التي كانوا يتلقونها عن رجال الدين عندهم فيما مضى، فلم يجدوا خيرًا مِن تشديد الهجوم على الإسلام لصرف أنظار الغربيِّين عن نقد ما عندهم من عقيدةٍ وكُتُبٍ مُقَدَّسةٍ، وهم يعلمون ما تركتْهُ الفتوحات الإسلامية الأولى، ثم الحروب الصليبية، ثم الفتوحات العثمانية في أوروبا بعد ذلك في نفوس الغربيِّين من خوف من قوة الإسلام وكرهٍ لأهله، فاستغلوا هذا الجو النفسي، وازدادوا نشاطًا في الدراسات الإسلامية، وهناك الهدفُ التبشيري الذي لَم يتناسَوه في دراساتهم العلميَّة، وهم قبل كلِّ شيء رجال دين، فأخذوا يهدفون إلى تشويه سُمعة الإسلام في نفوس رُواد ثقافتهم من المسلمين؛ لإدخال الوهن إلى العقيدة الإسلامية، والتشكيك في التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية وكل ما يتَّصل بالإسلام من علم وأدب وتراث" ا. هـ.
قال حَبَنَّكَة الميداني: "فهدف هذا الدافع - أي: الدافع الديني - هو إخراج المسلمين عن دينهم، فإن أمكن تنصيرهم فذلك، وإلا فإبقاؤهم لا دين لهم مطلقًا هدف مرجو يحقق للنصارى منافع ومصالح سياسية واقتصادية واستعمارية وغير ذلك.
ولإخراج المسلمين عن دينهم وسائل كثيرة، منها:
1- تنفير المسلمين من دينهم وحملهم على كراهيته.
2- تشويه الإسلام، والتشكيك في أسسه، وتوجيه المطاعن له.
3- تشويه التاريخ الإسلامي، وتشويه حضارة المسلمين، وكل ما يتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث.
4- نبش الحضارات القديمة، وإحياء معارفها، وبعث الطوائف الضالة والحركات الهدامة القديمة.
5- تزيين ما في المسيحية من تعاليم وأحكام.
6- استدراج المسلمين للأخذ بالحضارة المادية الحديثة، وما فيها من مغريات.
7- ادعاء أن الفقه الإسلامي مقتبس من القانون الروماني.
8- ادعاء أن أحكام الشريعة الإسلامية لا تتلاءم مع التطور الحضاري.
9- الدعوة إلى نبذ اللغة العربية وتبديل طريقة كتابتها"[15].
10- الانتقاص من الإسلام حتى لا يلتفت النصارى إلى نقد العقيدة النصرانية التي لا يقبلها العقل، ونقد الكتب المقدسة المحرَّفة عندهم.
11- إثارة الشبهات والشكوك في مصادر التشريع الإسلامي، والزعم بأن أصوله ومبادئه مستمدة من اليهودية والنصرانية.
ثانيًا: الدافع الاستعماري:
بعد أن خيب الله تعالى آمال النصارى أصحاب الصليب وهزموا من المسلمين شر هزيمة، وطردوا شر طردة من ديارهم، بدؤوا يدرسون البلاد دراسة عميقة لاحتلالها من جديد، فكانت الدراسات الاستشراقية بغية تحقيق ما يلي[16]:
1- اكتشاف مواطن القوة في الشعوب المسلمة - عناصر المقاومة الإسلامية الروحية والمعنوية- التي تقف حائلاً أمام السيطرة الاستعمارية، ثم بث عوامل الوهن والارتباك في تفكير المسلمين، لإفقادهم الثقة بأنفسهم وتراثهم، وتنمية مواطن الضعف التي تجعل في المسلمين قابلية للاستعمار بأشكاله وأساليبه الحديثة والمعاصرة.
2- العمل على ارتماء الشعوب المسلمة في أحضان الغرب الاستعماري، والإقبال على الأفكار والثقافات الغربية المادية اللادينية.
4- إحياء الدعوات والنعرات الجاهلية، وإحلال المفاهيم القومية والوطنية الضيقة، ومن ثم تشتيت شمل الأمة المسلمة الواحدة التي تجمعها رابطة: وحدة العقيدة وأخوة الإيمان.
يقول القس سيمون: "إنَّ الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السمر وتساعدهم على التملص من السيطرة الأوربية"، ويقول لورانس بروان: "الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قوته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي"، ويقول غاردنز: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا".
ثالثاً: الدافع السياسي:
"قبل الاستعمار وبعد تحرُّر البلاد الإسلامية منه، رأت الدوائرُ الاستعمارية أن حاجتها السياسية تقضي بأن يكون لها في قنصلياتها، وسفاراتها ومندوبيها في الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية، من لديهم زادٌ جيد من الدِّراسات الاستشراقية، ليقوم لهم هؤلاء بمهمات سياسية متعددة مرتبطة بالشعوب الإسلامية، وبلدان العالم الإسلامي، ومنها ما يلي:
1- الاتصال بالسياسيين والتفاوض معهم، لمعرفة آرائهم واتجاهاتهم.
2- الاتصال برجال الفكر والصحافة للتعرف على أفكارهم وواقع بلادهم.
3- بث الاتجاهات السياسية التي تريدها دولهم، فيمن يريدون بثها فيهم، وإقناعهم بها.
4- الاتصال بعملائهم وأجرائهم الذين يخدمون أغراضهم السياسية داخل شعوب الأمة الإسلامية.
وكم بثَّ حاملو هذا الدافع في شعوب المسلمين من أفكار؟! وكم دسوا من دسائس؟! وكم استخدموا من أجراء لإثارة الفتن، وإقامة ثورات وانقلابات عسكرية؟! إلى غير ذلك من أعمال.
فهدف هذا الدافع: تحقيق غايات سياسية، تريد تحقيقها الدول الموجهة لهذا النوع من الدراسات لتسيير دول العالم الإسلامي في أفلاكها"[17].
رابعًا: الدافع الاقتصادي والتجاري:
كان أهم دافع بعد ما سبق الدافع الاقتصادي؛ إذ إن البلاد الإسلامية ملآنة بالأسواق التجارية والمؤسسات المالية والخيرات الوفيرة، لذا أراد الغرب الكافر أن يكون مسيطرًا على خيراته وموارده، ليكون صاحب الأمر والنهي، صاحب القوة، وهذا ما نشاهده الآن في العراق وليبيا وغيرهما من البلدان الإسلامية.
لذا "وَجَّهَت المؤسساتُ الاقتصادية الغربية مَن يهتمون بالدراسات الاستشراقية، ليكونوا وسطاءهم ورسلهم ومستشاريهم والمترجمين لهم في مهماتهم ومطالبهم الاقتصادية أو أبدت استعدادها لاستخدام من يعمل لهم في هذا المجال، فاتجه فريق من الغربيين لهذه الدراسات، طمعًا بأن يجدوا أعمالاً لهم لدى المؤسسات الاقتصادية"[18]، ويقول السباعي في هذا الصدد: "ومن الدوافع: رغبة الغربيِّين في التعامل معنا لترويج بضائعهم وشراء مواردنا الطبيعية الخام بأبخس الأثمان ولقتل صناعتنا المحلية التي كانت لها مصانع قائمة مزدهرة في مختلف بلاد العرب والمسلمين"[19].
خامسًا: الدافع العلمي:
من المستشرقين - وهم قلة - مَن أقبلوا على الاستشراق بدافع من حب الإطلاع على حضارات الأمم وأديانها وثقافاتها ولغاتها، وهؤلاء كانوا أقل من غيرهم خطأً في فهم الإسلام وتراثه؛ لأنهم لم يكونوا يتعمَّدون الدَسَّ والتحريف، فجاءت أبحاثهم أقرب إلى الحق وإلى المنهج العملي السليم من أبحاث الجمهرة الغالبة إلى المُسْتَشْرِقِينَ، بل إنَّ منهم من اهتدى إلى الإسلام وآمن برسالته. على أنَّ هؤلاء لا يوجدون إلاَّ حين يكون لهم من الموارد المالية الخاصة ما يمكنهم من الانصراف إلى الاستشراق بأمانة وإخلاص؛ لأنَّ أبحاثهم المُجَرَّدة عن الهوى، لا تلقى رواجاً، لا عند رجال الدين، ولا عند رجال السياسة، ولا عند عامة الباحثين، ومن ثمة فهي لا تَدُرُّ عليهم ربحاً ولا مالاً؛ ولهذا ندر وجود هذه الفئة في أوساط المُسْتَشْرِقِينَ[20].
"وقد أعلن بعض هؤلاء إسلامه، ومن هؤلاء: المستشرق النمساوي ليوبلد فايس الذي تسمى بـ: محمد أسد، والشاعر الألماني جوتيه، والفرنسي واتين وانيه الذي تسمى ب ناصر الدين، والدكتور جرينيه الذي كان عضواً بمجلس النواب الفرنسي، وروجيه جارودي الذي دوَّن عدة كتب يدافع فيها عن حق الفلسطينيين العرب في وطنهم. ولقد تحوَّل هؤلاء بعد إسلامهم إلى جنود مدافعين عن الإسلام وقضاياه، وعن العالم الإسلامي وقضاياه ومشكلاته، غير أن بعضاً منهم قد وقع في أخطاء علمية بسبب حداثة إسلامهم، وجهلهم بأساليب اللغة العربية وطرائق التعبير فيها"[21].
• • •
ثالثا: التغريب:
ترك المستشرقون في ديار الإسلام بعد طرد المسلمين لهم من ديارهم جيشا لا حصر له، يعمل ليل نهار على إكمال دور الاحتلال، ولكن دورهم كان السطو الفكري، وبث حضارة الغرب في عقول الشباب شيئًا فشيئًا، وذلك من خلال تلميعهم وتقديمهم في وسائل الإعلام على أنهم هم المفكرون، المثقفون، النخبة، ثم تنشر هذه الأسماء على مرآى ومسمع كل شباب؛ فينخدع الشباب بهم، وما أمثال: طه حسين، ونجيب محفوظ، وقاسم أمين، وغيرهم عنا ببعيد!
ولكن لما وقف لهؤلاء جيش عاقل، يفهم أساليبهم وطرقهم، غيروا طريقهم ومن ذلك أنه: "لما ثار نقاش في الأزهر حول الإمام الزهري عام 1360 هـ قال الدكتور أحمد أمين للدكتور علي حسن عبد القادر وهو الذي أثيرت الضجَّة حوله: "إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبًا من أقوال المستشرقين ألا تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريين على أنها بحث منك، وألبسها ثوبًا رقيقًا لا يزعجهم مسها، كما فعلت أنا في "فجر الإسلام"، و"ضحى الإسلام"، هذا ما سمعتُه من الدكتور علي حسن يومئذٍ نقلاً عن الأستاذ أحمد أمين"[22].
فمثل هذا الكلام يلفت الأنظار إلى مدى اللف والدوران، ومدى الإخفاء والتمويه الذي يمارسه دعاة التغريب على بلادنا، ممن يتسمون بأسمائنا، ويدينون بديننا!
ثم يأتي بعضهم ويقول: لا يوجد ما يسمى باسم التغريب، وهذا محض خرافة! ويرد الأستاذ أنور الجندي على أمثال هؤلاء قائلاً: "إنَّ التغريب لَم يَعُدْ بعدَ هذا الوقت الطويل مَوْضِع تساؤل أو تشكيك، وربما كان كذلك في الثلاثينيات؛ حيث كان يُغطي العالم الإسلامي والأمة العربية ظلامٌ كثيفٌ، وكانت هناك حقائقُ كثيرة ما تزال محجوبة، ولعل أهمها: بروتوكولات صِهْيَوْن التي ظهرتْ في العالم كله عام 1902 م حتى عام 1952 م تقريبًا، وإلى ما بعد أن قامتْ إسرائيل في قلْبِ الأمة العربيَّة.
ولقد كشفَ هذه الحقيقة دعاةُ التغريب أنفسُهم، ولعل أول وثيقة في هذا المجال هي كتاب: (وجهة الإسلام)، الذي ألَّفَه "هاملتون جب" مع جماعةٍ من المستشرقين، وأعلن فيه صراحةً أنَّ هدف البحث هو معرفة: "إلى أيِّ حدٍّ وصلتْ حركة تغريب الشرق، وما هي العوامل التي تَحُول دون تحقيق هذا التغريب"، وذلك للقضاء عليها!
ويُمكن لقارئ الكتاب أن يستكشفَ مناهج التغريب واضحةً، كالسهام تَنْدَفِع في أعماق العيون الضالة والمضللة؛ لتسقط عنها غشاوات الغَباء والجَهْل، وجاء بعد ذلك كثيرون؛ فأشاروا إلى ذلك وأوردوا المصادر والوثائق: من العرب الدكتوران عمر فروخ والخالدي في كتابهم "التبشير والاستعمار"، ومن الغرب: المؤرخ العالمي توينبي في كتابه: (العالم والغرب).
وهناك عشرات الأدلة والوثائق التي تضَعُ الحقيقةَ ناصعةً أمام مَن يُريدها لِوَجْه الحق، ولا يُمالئ فيها خاصَّة لأقطاب التغريب، ودعاة الجنس، وعَمَالِقة الغزو الثقافي[23].
فالتغريبُ في حدِّ ذاته - كما يقول علي جريشة -: هو إحداثُ التغيير الاجتماعي والأخلاقي والفكري في حياة المسلمين، مما يجعلُهم بعيدين عن دينهم، وخاضعين في ذلك للجاهلية الغربية، ومُقتفين آثارها الخلقية والاجتماعية؛ أي: يُصبح المسلمُ غربيًّا أوربيًّا في سُلُوكه وأخلاقه، وقيمه وحياته الاجتماعية[24].
الأسباب التي أدَّتْ إلى تغريب كثير من المسلمين:
1- وُقُوع البلاد الإسلامية تحت سيطرة الغربيين فترة طويلة، ومحاولة الاستعمار الأوربي إحداث التغريب بكلِّ ما يملك من إمكانات، كما فعلتْ فرنسا في كل من الجزائر وسوريا ولبنان.
2- تولية الاستِعمار الغربي أبناءَ النصارى والمنافقين مِن أبناء المسلمين المراكز والمناصِب المهمَّة ذات التأثير في حياتهم.
3- الضَّعف السياسي الذي أصاب المسلمين بعد رحيل عساكر الاحتلال، وفقدان المسلمين الثِّقة بأنفسِهم وبما عندهم.
4- تخلُّف العلوم الإسلامية، وجمود المنهج الدِّراسي على خطه القديم، ووقوف الفكر الإسلامي عن التجديد والابتكار، ومعالجة شؤون العصر.
5- أخْذ المجتَمَعات الإسلامية بنُظُم التعليم الغربيَّة، ففي مصرَ فرَض اللورد كرومر المعتمد البريطاني وبمساعدة من القس دنلوب منهج التعليم والتربية الغربي على الدارسين، ولقد بقي هذا المنهج سائدًا فيها حتى يومنا هذا، وقد تأثَّرَتْ به كثير من البلدان العربية.
6- جهل مُعظم المسلمين بحقائق الإسلام ومفاهيمه، وقلة الدعاة المخلصين الذين يقومون بواجبهم تجاه هذا الدين وأهله[25].
إن حركات التَّغْريب التي مارَسَها الغربُ ومارَسها مُعاوِنوه لَتَدُلُّك على مدى حرص هؤلاء على تحقيق أهدافهم؛ حتى في عمليات السطو الفكري والسرقة على أفكار وأعمال المسلمين، لذا نجد الدكتور محمد ياسين عريبيي يضع نموذجًا لتغريب العقل التاريخي العربي.
قال الدكتور محمد ياسين عريبيي:
نموذج لتغريب العقل التاريخي العربي:
1- نعتمد في تثبيت العقل والفهم العربيين من ديكارت في الفكر الأوروبي الحديث إلى الفكر المعاصر على مطابقة النظريات والنتائج المترتبة عليها، والتركيب فيما بينها، ولا نأبه بالإقرار التاريخي الذي يطالب به المستشرقون ومن في حكمهم، وتكفي الإشارة إلى أن العقل التاريخي العربي تملكه الغرب عن طريق الترجمة اللاتينية وثم تمثله من خلال الصراع معه لمدة تزيد عن خمسة قرون، وهو العقل المكتوب الذي اعتمدت عليه الجامعات الأوروبية كما هو معروف، وللتحقيق يمكن الرجوع لمحاولة فهم هذا العقل من خلال مؤلفات العصر الوسيط بصورة خاصة التي تذكر فيها أسماء الكتب العربية وأسماء أصحابها.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 01-12-2024 الساعة 05:48 PM.
|