عرض مشاركة واحدة
  #610  
قديم 05-06-2021, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,255
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (8)
الحلقة (318)

تفسير سورة المائدة (16)


إن قتل النفس البشرية وإزهاق الروح الآدمية لهي جريمة شنعاء، لذلك فقد بين سبحانه وتعالى أن من قتل نفساً واحدة فكأنما قتل الناس جميعاً، إلا أن الله عز وجل أباح القتل في ثلاثة أحوال؛ فمن قتل نفساً ظلماً وعدواناً جاز قتله، والثيب الزاني سواء كان رجلاً أو امرأة يجوز قتله، والمرتد عن دينه والخارج عن جماعة المسلمين وإمامهم.
تفسير قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وأخرى -يا معشر المؤمنين والمؤمنات- هي قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، فاللهم حقق لنا هذا الخير إنك ولينا وولي المؤمنين.ما زلنا مع سورة المائدة المباركة المدنية الميمونة، ومعنا هذه الآية المباركة الكريمة، هيا نتلو هذه الآية متأملين فيما تحمله من هدى ونور.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:32]. ‏
صلة الآية الكريمة بما قبلها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32]، الإشارة هنا عائدة إلى قتل قابيل هابيل ؛ إذ تقدم في الآيات السابقة أن ابني آدم -وهما قابيل وهابيل- تقرب منهما هابيل إلى الله بقربان فقبله الله منه، وآية ذلك -أي: علامة قبول الله له- أن ناراً تنزل من السماء وتحرقه، وأن قابيل تقرب بقربان فلم يقبل منه، ولماذا تقبل من هابيل ولم يقبل من قابيل ؟ لأن هابيل اختار أطيب ما عنده وقدمه لله ونفسه طيبة مطمئنة راضية بهذا التقرب إلى الله، والآخر ما كانت نفسه طيبة ولا مطمئنة ولا اختار أطيب ماله ولا أجوده، بل اختار أفسده، وقيل: رأى سنبلة فيها حب جيد فأكلها ولم يقدمها، فلم يتقبل الله تعالى منه قربانه، فحمل الحسد قابيل على قتل هابيل وقال: لم يتقبل الله منك ولم يتقبل مني؟ فقتله. وهنا عرفنا أن الحسد أول معصية وأنها فتنة لا نظير لها، ما هناك داء أضر على البشرية من الحسد، وهو داء الأمم كلها، وقد عرفناها فينا، هذا الداء الخطير حمل قابيل على قتل أخيه هابيل، فلما قتله وكان أول ميت لم يدر ماذا يصنع؟ فحمله على ظهره فحيثما مشى كان معه، حيثما نزل ونام كان معه، إذاً: فبعث الله برحمته وحكمته وإحسانه إلى عبيده بعث غراباً يبحث في الأرض ليدفن غراباً من الغربان، وهذا الآدمي قابيل يشاهد، فلما رأى الغراب قد حفر الأرض ودفن أخاه الغراب فعل هو بأخيه كذلك.واسمعوا قول الله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي [المائدة:31]، أي: يدفن ويستر سَوْأَةَ أَخِيهِ [المائدة:31]، أي: جثة أخيه.إذاً: اسمعوا الآيات مرة أخرى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:27-31]، قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32]، ماذا فعل الله من أجل ذلك؟ قال: كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:32]، من هم بنو إسرائيل؟ عرفناهم: أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، فيعقوب يلقب بإسرائيل.وهم اليهود، وقد علمتم أنهم ما زالوا إلى الآن منحازين متكتلين متجمعين متوالين لا يتزوجون نساء غيرهم، ولا يزوجون نساءهم لغيرهم؛ ليبقى هذا الشعب كما هو على مر الأجيال والقرون، وعرفوا باليهود، من هاد يهود هوداً: إذا رجع؛ لأنهم لما ارتكبوا تلك العظيمة قالوا: هدنا إليك، فتابوا إلى الله، أي: من عبادتهم العجل.
الأسباب المبيحة للقتل
والشاهد عندنا في قول ربنا جل ذكره: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:32]، و(كتبنا) بمعنى: أوجبنا وفرضنا، عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:32]، ماذا كتب عليهم؟ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ [المائدة:32]، ما معنى قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ [المائدة:32]؟ قتل نفساً بدون مقتضي قتلها، بدون موجب القتل، وهل هناك ما يوجب قتل النفس؟ أي نعم. ثلاث خصال يجب أن نحفظها وأن تكون عندنا من البدهيات، ثلاث يقول فيهن الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث )، أي: بواحدة من ثلاث، ما هي يا رسول الله؟! قال: ( النفس بالنفس )، من قتل نفساً يستباح قتله، يجوز قتله، من قتل نفساً ظلماً وعدواناً استوجب القتل واستحق أن يقتل وقتله مشروع جائز مأذون فيه من الملك جل جلاله وعظم سلطانه، عبده قتل عبده، فأذن في قتله.قال: ( والثيب الزاني )، الثيب: هو غير البكر، هو من تزوج وماتت زوجته أو طلقها أو كانت عنده، الثيب: من تزوج زواجاً شرعياً، عقد على امرأة وبنى بها وخلا بها فأصبح ثيباً، هذا الثيب إذا زنى بامرأة جاز قتله، استحق القتل، هذا الثيب الزاني.أما البكر الذي لم يعرف الزواج وزنى فإن الحد هو أن يجلد مائة جلدة على ظهره أمام المسلمين، ويغرب سنة من بلده إلى بلد آخر حتى يمحى ذاك السواد الذي على وجهه، سنة لا يراه من أهل القرية أحد، وفيه حكمة أخرى أيضاً؛ لأن وجوده بين المواطنين يذكر الناس بالزنا، وذكر الباطل يهيج عليه ويدفع إليه، فأبعدوه سواء في صحراء أو في جبل، ويغرب سنة.والمرأة المؤمنة لا تغرب، فمن يقوم بشأنها إلا إذا كان لها مولى كعم وأخ فممكن أن تبعث إليه، لكن بوصفها محجوبة ما هناك من يقول: هذه زنت ورجمناها. والجلد هو جلد بالعصا مائة جلدة، ودليل ذلك ما هو معلوم لديكم: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لا يرجمون في الخفاء أو يجلدون بالخفاء، أما الثيب فيرجم حتى الموت، وإذا رجم ومات طهر ونظف، كالثوب إذا تلطخ بالقاذورات والأوساخ وغسلته الغسل الحقيقي فإنه ينظف، كذلك الحد إذا أقيم على مؤمن طهره، فمن حكم مشروعية إقامة الحد تطهير النفس، زيادة على ما لذلك من آثار طيبة في المجتمع.قال: ( والتارك لدينه المفارق للجماعة )، هذا هو الحق الثالث، ( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث ) خصال، ( الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة )، التارك لدينه: هو المرتد، مسلم وضع برنيطة على رأسه وصليباً في عنقه وقال: أنا تنصرت، أو قال: أنا لا أؤمن بالله ولا برسوله، أو قال: هو مجوسي، فيستتاب ثلاثة أيام، فلعله مرض لعله كذا، فإن أصر أعدم، وهل هذا الإعدام يكفر ذنبه؟ الجواب: لا، فإلى جهنم؛ لأنه كفر باختياره وإرادته. والمفارق للجماعة الذي يخرج على إمام المسلمين، الذي يخرج على إمام المسلمين ويتحزب مع جماعة ويعلنون الحرب لإثارة الفتنة والشغب والتعب والخلاف بين المسلمين، هذا الباغي بغيه يوجب قتله ويستحق القتل.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]