عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-06-2021, 02:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,114
الدولة : Egypt
افتراضي مقترحات عملية لاستغلال الإجازة الصيفية لصناعة الرسوخ العلمي

مقترحات عملية لاستغلال الإجازة الصيفية لصناعة الرسوخ العلمي
خباب بن مروان الحمد




الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا يليق به، وأصلي وأسلم على رسوله محمد صلاةً وسلامًا دائمين أبديين ما تعاقبَ الليلُ والنهار، وأترضَّى عن الصحابةِ الأخيار، الذين دعوا إلى الله - تعالى - فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، وأزكى تحيةٍ وسلامٍ ورضًا من القلب المحب لآل بيتِ رسول الله - رضي الله عنهم أجمعين - وجمعنا وإياهم في جنَّاتِ النعيم.

أمَّا بعد:
فليس هنالك شيءٌ أحلى، ولا وقتٌ أثمن، من قضاءِ الأوقات في مجالسةِ الكتاب، ودوام الاطِّلاع في كتب علماء الإسلام، وإنعاش النفسِ بعلمهم، وقضاء الساعات الطوال بقراءة معارفهم.

إنَّ الطالبَ النهم للعلمِ يعرفُ كيف يتعامل مع كتبِه ومدوناته، ويدركُ كيفية وضع الخطط العلميَّة التي يستفيدُ منها أمدَ الدهر في وقتِ حياته.

إنَّ تعاملَ طالبِ العلم مع كتب العلم يحتاجُ لصبرٍ ومُصابرة، وعزيمةٍ ومثابرة، وهو بحاجةٍ كذلك لأهلِ العلم الذين يفتحون له ما استغلقَ فهمه من الكتب، وإلى مدةٍ وطولِ زمان في النهلِ من هذه العلوم.
أَخِي لَنْ تَنَالَ الْعِلْمَ إِلاَّ بِسِتَّةٍ
سَأُنْبِيكَ عَنْ تَفْصِيلِهَا بِبَيَانِ

ذَكَاءٍ وَحِرْصٍ وَاجْتِهَادٍ وَبُلْغَةٍ
وَصُحْبَةِ أُسْتَاذٍ وَطُولِ زَمَانِ



وإنَّ ممَّا ينسب للإمام محمد بن إدريس الشافعي قوله: "العلم بطيء اللزام، بعيدُ المرام، لا يُدرك بالسهام، ولا يُرى في المنام، ولا يورث عن الآباءِ والأعمام، إنما هو شجرةٌ لا تصلحُ إلا بالغرس، ولا تغرس إلا في النَّفس، ولا تسقى إلا بالدَّرس، ولا يحصل إلا لمن أنفقَ العينين، وجثا على الركبتين؛ ولا يحصل إلا بالاستناد إلى الحجرِ وافتراشِ المدر، وقلة النوم، وصلة الليلِ باليوم، انظر إلى من شغلَ نهارَه بالجمْع، وليلَه بالجماع، أيخرجُ من ذلك فقيهًا، كلا والله حتَّى يعتضدَ الدفاتر، ويستحصلَ المحابر، ويقطعَ القفار، ولا يفصل في الطلبِ بين الليل والنهار".
مَا الْفَخْرُ إِلاَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ
عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ

وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ
وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ

فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَدًا
النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ



يكفي لطالب العلم شرفًا ما جاء عن قيسِ بن كثير قال: "قدم رجلٌ من المدينة على أبي الدَّرداء وهو بدمشق، فقال: ما أقدمك يا أخي؟ فقال: حديثٌ بلغني أنَّك تحدِّثه عن رسولِ - الله صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: أما جئتَ لحاجة؟ قال: لا، قال: أما قدمتَ لتجارة؟ قال: لا، قال: ما جئتَ إلا في طلبِ هذا الحديث؟ قال: فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنَّة، وإنَّ الملائكةَ لتضع أجنحتَها رضا لطالبِ العلم، وإنَّ العالم ليستغفرُ له من في السَّمواتِ ومن في الأرض، حتَّى الحيتان في الماءِ، وفضلُ العالم على العابد كفضلِ القمر على سائرِ الكواكب، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلمَ، فمن أخذَ به أخذ بحظٍّ وافر))"؛ أخرجه الترمذي بسند صحيح.

بيد أنَّ نيل لذَّة العلمِ لن تكون إلاَّ باختلاف الطرق والأساليب لتلقي العلوم بنهَمٍ ولذة، لكي تقبل قلوبُ الراغبين على هذا العلمِ الشريف، وترتقي به ليصلوا إلى المنارِ المنيف، وينهلوا من علومِه اليسير والثقيل والخفيف والظريف.

ولعلَّ من الأساليبِ التي يمكن أن تكون شكلاً من الأشكال العلمية، ومشروعًا من مشاريعِها الرائدة، التي يمكن أن تفيدَ طالبَ العلم فائدةً كبيرة؛ حيث مرَّ بها عددٌ من طلابِ العلم والعلماء، وقد أفدت من بعضِها، ورغبت أن أضعَها بين يدي إخواني من طلبةِ العلم لعلَّها تفيدهم، ولعلَّ من لديه مزيد فائدة يراسلني في ذلك ويقترح شيئًا مفيدًا من هذا القبيل، وعلى الله التكلان، ومنه الحول والطول، وهو الهادي جلَّ في علاه.

قبل كل شيء: العلم هو الخشية:
في كتاب الله - تعالى - آيةٌ فيها عظة لمن اتعظَ وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، تدلُّ على ضرورةِ مقارنة العلمِ بالخشية، فلا علم بالله إذا لم تكن معه خشية، فالله - تعالى - يقول: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر : 28]، وحينما امتدح الله - تعالى - أهلَ العلم قال في حقِّهم: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر : 9]، لكن السباق في هذه الآيةِ ضروري فكما يقول علماءُ التفسير: لن يُفهم السياقُ للآية كاملة حتَّى يُرى سباقها ولحاقها فيعلم حينئذٍ معنى سياقها، فالآيةُ الكريمة تبتدئ بقولِه تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر : 9]، فقرن الله - تعالى - العلمَ بخشيته - تعالى - وبعبادتِه - سبحانه - قائمًا بالليل قانتًا خاشعًا يرجو ما عند الله من رحمةٍ، ويحذر ما عنده من عذاب.

ولطالما سمعنا أقوالَ الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - حينما قالوا: "كفى بخشيةِ الله علمًا، وكفى بالاغترارِ به جهلاً"؛ كما يقولُه أبو الدرداء - رضي الله عنه - ويقول ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "العلم هو الخشية"، فهكذا عرف أهلُ العلم معنى العلم الحقيقي.

قراءة في كتاب مختصر نافع خلال جلسة حتى النهاية:
يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في آثاره (1/72): "إنَّ شبابنا المتعلِّم كسولٌ عن المطالعة، والمطالعةُ نصفُ العلم أو ثلثاه، فأوصيكم يا شبابَ الخير بإدمانِ المطالعة والإكباب عليها، ولتكن مطالعتكم بالنظامِ حرصًا على الوقتِ أن يضيع في غير طائل، وإذا كنتم تريدون الكمالَ فهذه إحدى سبلِ الكمال".

هنالك فكرةٌ جميلة، وطريقة علمية عمليَّة، يمكن بالفعلِ السير على منوالِها، والاستهداء بطريقتها، وهي أن يجتمعَ أربعةٌ من طلبةِ العلم نهاية أو وسط كلِّ أسبوع بحسبِ انتهاء مشاغلِهم، ويقعدوا خلال جلسةٍ واحدة لا تتعدَّى الخمسَ ساعات، ويقوموا أسبوعيًّا بقراءةِ كتابٍ كامل من كتب العلم؛ فمرَّة في التفسيرِ، وثانية في الحديث، وأخرى في العقيدة، ورابعة في الأدب، وخامسة في المصطلح.

ويمكن لعددٍ من الإخوة أن يتفقوا على قراءة كتاب الأسبوع في ليلةٍ مسائية جميلة وتحت ضوء القمر، أو على ضوء النَّارِ المشتعلة من الحطب، أو في مكتبة علمية.

ويقومُ طلبةُ العلم بوضع خطَّة مبرمجة، ويمكنهم أن يقرؤوا خلالَ هذه القعدة الطويلة كتابًا كاملاً، ولا يستغربنَّ أحدٌ ذلك، فهنالك عدَّة كتب يمكن مطالعتها ومراجعتها بهذه الطريقة.

ويمكن بعد الانتهاءِ من قراءة هذا الكتاب خروج الإخوة طلبة العلم منه بفوائد عدَّة ومنها: التعرف على الكاتب وعصره وأسلوبه في الكتابة - أهمية الكتاب ومكانته في العلم - منهج الكتاب - القيام بمناقشةِ الفوائد التي استفادوها أثناء مطالعتِهم مع ذكر النقاط والعناصر الأساسية التي يحتويها الكتاب - تركيز خلاصات الكتاب.

قراءة ومذاكرة لكتاب كامل من كتب المطولات:
إنَّ من الخططِ الجميلة لطالب العلم بعد أن يجاوزَ المرحلة الأولى في طلبه للعلم، أن يتفقَ مع عدد من طلبةِ العلم الأكابر أو المتقدِّمين لجرد المطوَّلات، واختيار يوم واحد يناسبُهم جميعًا وقراءة كتاب معًا، مع البحثِ معًا في ما يشكل عليهم أثناء وجودِهم في مكتبة أحدهم أو اصطحاب الأجهزة التقنيَّة الحديثة المحمولة (اللابتوب، آيبود، آيباد) لبحثِ ما يشكلُ عليهم.

ولقد كانت هذه سنَّة وطريقة لسلفِنا وعلماء المسلمين، فلقد ذكرَ في ترجمة "الفيروز آبادي" صاحبِ القاموس أنَّه قرأ صحيحَ مسلمٍ في ثلاثةِ أيام بدمشق وأنشد:
قَرَأْتُ بِحَمْدِ اللهِ جَامِعَ مُسْلِمٍ
بِجَوْفِ دِمَشْقَ الشَّامِ جَوْفٍ لإِسْلاَمِ

عَلَى نَاصِرِ الدِّينِ الْإِمَامِ ابْنِ حَنْبَلٍ
بِحَضْرَةِ حُفَّاظٍ مَشَاهِيرَ أَعْلاَمِ

وَتَمَّ بِتَوْفِيقِ الْإِلَهِ وَفَضْلِهِ
قَرَاءَةُ ضَبْطٍ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامِ



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]