شيعة اليوم ليسوا بشيعة
ناصر بن عبد الله القفاري
إن من أسوأ أنواع التضليل «خداع المصطلحات»، وهو من لبس الحق بالباطل الذي هو في الأصل من صفات اليهود، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71].
خداع الناس باسم التشيع:
ولعل من أبرع الطوائف استعمالًا للمصطلحات الخادعة هم الرافضة الإثنا عشرية، وأشهر هذه المصطلحات هو اتخاذهم لقب «الشيعة» للترويج لنحلتهم وخداع الجهلة عن حقيقة ديانتهم، وهذا ديدنهم من قديم، كما أشار إلى ذلك ابن حزم والمقريزي[1]، وذلك لإيهام الناس أنهم شيعة لعلي رضي الله عنه ومن أنصاره وأتباعه، مع أن عليًّا هو أول المنكرين عليهم المعاقبين لهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين رضي الله عنه، فحرق منهم طائفة بالنار، وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار، وتوعد بالجلد طائفة مفترية فيما عرف عنه من الأخبار»[2].
معنى الشيعة في الصدر الأول:
لقد كان لقب الشيعة في الصدر الأول لا يستعمل إلا وفق معناه اللغوي، والذي يعني: «أتباع الرجل وأنصاره»، فالأصل في معنى التشيع هو المتابعة والمناصرة، والشيعة هم الأتباع والأنصار[3].
وكان هذا المعنى هو المعروف في الأحداث التاريخية التي جرت بين الخليفة علي ومعاوية - رضي الله عنهما - في صدر الإسلام، ويشهد لذلك ما جاء في صحيفة التحكيم من إطلاق لقب الشيعة على كل من أتباع علي وأتباع معاوية - رضي الله عنهما - حيث جاء فيها ما نصه: «هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وشيعتهما»، ومنها: «وأن عليًّا وشيعته رضوا بعبد الله بن قيس، ورضي معاوية وشيعته بعمرو ابن العاص»، ومنها: «فإذا توفي أحد الحكمين فلشيعته وأنصاره أن يختاروا مكانه»، ومنها: «وإن مات أحد الأميرين قبل انقضاء الأجل المحدود في هذه القضية فلشيعته أن يختاروا مكانه رجلًا يرضون عدله»[4].
وقد استشهد شيخ الإسلام ابن تيمية بما ورد في صحيح مسلم من قول حكيم بن أفلح: «لأني نهيتها - يعني عائشة رضي الله عنها - أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا»[5].
وأخذ منه دلالة تاريخية على عدم اختصاص أتباع علي رضي الله عنه باسم الشيعة في ذلك الوقت، وجاء في التاريخ أن معاوية قال لبسر بن أرطأة حين وجهه إلى اليمن : «امض حتى تأتي صنعاء فإن لنا بها شيعة»[6]. ثم غلب استعمال هذا اللقب – كما يقول صاحب اللسان – على من يتولى عليًّا وأهل بيته[7]، ولقب الشيعة لم يختص بعلي وأتباعه إلا بعد مقتل علي رضي الله عنه كما يرى بعض الباحثين[8]، أو بعد مقتل الحسين كما يرى آخرون[9].
وكان من يحمل هذا اللقب في مبدأ الأمر هم من يطلق عليهم في الصدر الأول «الشيعة الأولى»، وكانوا لا يذهبون في التشيع إلا إلى تفضيل علي على عثمان، ولذلك قيل: شيعي وعثماني[10]، فالشيعي هو من يفضل عليًّا على عثمان، والعثماني هو من يفضل عثمان على علي رضي الله عنه، ولم تكن هذه المسألة من المسائل التي يضلل فيها المخالف[11]، وقد كان هؤلاء الشيعة على السنة لم يبتدعوا في الدين، ولم يحدثوا فُرقة بين المسلمين، ولم يبدلوا سنة سيد المرسلين، وكانوا لصحابة رسول الله محبين، ولأبي بكر وعمر مفضلين، قال ليث بن أبي سليم: «أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدًا»[12].
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن الشيعة الأولى الذين كانوا على عهد علي كانوا يفضلون أبا بكر وعمر»[13]، وذكر صاحب «مختصر التحفة» أن الذين كانوا في وقت خلافة الأمير[14] رضي الله عنه من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، كلهم عرفوا له حقه، وأحلوه من الفضل محله، ولم ينتقصوا أحدًا من إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلًا عن إكفاره وسبه[15].
وذكر الشيخ موسى جار الله صفتهم، فقال: «هؤلاء الشيعة هم شيعة علي كانوا يعرفون بالورع والاجتهاد، واجتناب الصغائر والعداوة، وكان لهم محبة أول الأمة، دين هؤلاء الشيعة كان هو التقوى لا التقية، دين هؤلاء الشيعة كان هو الولاية لله الحق، لنبيه، لأهل بيته، ولصحبه، وللمؤمنين والمؤمنات كافة»[16].
إن التشيع الشرعي لأهل البيت هو ما قرره أئمة الإسلام، مثل قول الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته»[17]، ومثل قوله أيضًا رضي الله عنه: «والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ أن أصل من قرابتي»[18]، ومثل ما قرره أئمة الإسلام عند تقرير اعتقاد أهل السنة بأنهم «يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم»[19].
ألقاب مدعي التشيع في عصرنا:
أما أولئك الذين دينهم التقية والنفاق وعداوة الصحابة وبعض آل البيت والغلو في بعضهم الآخر فليسوا بشيعة، وإنما لقبوا أنفسهم بالشيعة لإخفاء هويتهم المذهبية.
وكانوا يلقبون قديمًا بالسبئية؛ لاتباعهم لابن سبأ، ثم سموا بالروافض لرفضهم زيد بن علي[20]، ثم لحقهم اسم الصفوية، وقد تعددت ألقابهم حتى ذكر الشهرستاني أن «لهم بكل بلد لقبًا»[21]، فإذا انكشف حالهم في بلد تستروا باسم آخر، وقد يستترون بألقاب لا صلة لها بالتشيع كما فعلوا في عصرنا حين تقمصوا رداء البعث، أو شعار القومية، وركبوا كل موجة سائدة لاستغلالها لصالح طائفتهم، وهذا ديدن غالب النحل الباطلة الماكرة[22].
ثم لقب هؤلاء أنفسهم في عصرنا بـ «الشيعة»، وهم في حقيقة الأمر ليسوا بشيعة، بل لا يوجد اليوم على ظهر الأرض ممن ينتسب إلى التشيع من هو من الشيعة الأولى؛ لأن الشيعة المعاصرين لا يمتون للشيعة الأولى بصلة.
بل إن الشيعة الأولى تركوا لقب الشيعة لما غلب إطلاقه على الغلاة المخالفين لأهل البيت، كما بين ذلك صاحب «التحفة الإثني عشرية» فقال: «إن الشيعة الأولى تركوا اسم الشيعة لما صار لقبًا للروافض والإسماعيلية، ولقبوا أنفسهم بـ أهل السنة والجماعة»[23]، ومع ذلك فإن لقب «الشيعة» انفردت طائفة الإثني عشرية اليوم باتخاذه لقبًا، كما يلقبون أيضًا بالجعفرية، والإمامية، والرافضة، وما سواهم إما زيدية وإما إسماعيلية.
وقد ذهب جملة من الباحثين إلى أن لقب الشيعة إذا أطلق اليوم لا ينصرف إلا إليهم[24].
وهؤلاء اتخذوا لأنفسهم مصادر تفصلهم عن الأمة سموها «صحاح الإمامية»[25]، أو «سنة المعصومين»[26]، وهي من جمع الغلاة السابقين، وقد تم اعتماد هذه المصادر من العصر الصفوي إلى اليوم.
إن شيعة علي رضي الله عنه ومن كانوا على هديه كانوا يستنكرون إطلاق لقب «الشيعة» على الذين يفضلون عليًّا على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما – فكيف بهؤلاء؟! كما أثر ذلك عن شريك بن عبد الله حينما سأله سائل: أيهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر، فقال السائل: تقول هذا وأنت شيعي! فقال له: نعم من لم يقل هذا فليس شيعيًّا، والله لقد رقى هذه الأعوادَ عليٌّ فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، فكيف نرد قوله، وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذابًا[27].
تكفير الشيعة للرافضة:
ولذلك تجد أعلام الشيعة الأوائل يكفرون هؤلاء الروافض ولا يرونهم على الإسلام، يقول الإمام عبد الرزاق الصنعاني الذي يعد من الشيعة[28]: «الرافضي عندي كافر»[29].
ولهذا نقول: إن إطلاق لقب الشيعة في عصرنا على الروافض، ودعوى أنهم شيعة لعلي رضي الله عنه أو لأهل البيت أو لآل محمد يؤدي إلى نتيجة خاطئة تخالف إجماع الأمة كلها، وهذه النتيجة أن يكون علي رافضياً يرى ما يراه الروافض، وعلي رضي الله عنه بريء من الرافضة وممن يتسمى بالشيعة من الرافضة وممن ينتسب إلى شيعة علي من الرافضة، وبريء مما يعتقده هؤلاء فيه وفي بنيه، ولذلك لا بد أن يقال: الرافضة أو الروافض كما سماهم الإمام زيد بن الحسين رضي الله عنه، أو يقال: مدعو التشيع، أو «الرافضة المنسوبون إلى شيعة علي»[30]؛ لأنهم ليسوا على منهج شيعة علي المتبعين له بل هم أدعياء ورافضة، وهم لم يتبعوا عليًّا في الحقيقة، وليس أمير المؤمنين على ما يعتقدون.
ولخفاء هذه الحقيقة على كثير من الناس يتعجب بعضهم كيف يكون من رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شيعة، ظنًّا منهم أن الشيعة هم الروافض، كما أن الروافض استغلوا هذا اللبس فادعوا أن منهم رواة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[31].
تفريق السلف بين الشيعة والرافضة:
أما سلف الأمة وأئمتها فهم يفرقون بين الشيعة والرافضة، وقد بين ذلك الإمام الذهبي في الميزان غاية البيان فقال: «إن البدعة على ضربين، فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو، فهذا كثير في التابعين وأتباعهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة، ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، وأيضًا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلًا صادقًا، ولا مأمونًا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله؟! حاشا وكلا، فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير، وطلحة، ومعاوية، وطائفة ممن حارب عليًا رضي الله عنه وتعرض لسبهم، والغالي في زمننا وعُرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين فهذا ضال مفتر»[32].
غلاة الروافض:
وأضيف لكلام الذهبي حقيقة أخرى، وهي أن شيعة عصرنا المتبعين للكليني والمجلسي وأضرابهما ليسوا رافضة أيضًا بحسب مفهوم الرفض عند السلف، بل هم غلاة في الرفض؛ لأن عقائدهم هي عقائد غلاة الرافضة، فشيعة عصرنا مثلًا يفضلون الأئمة على الأنبياء، ويجعلون ذلك من ضرورات مذهبهم، حتى قال كبيرهم في هذا العصر: «إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل»[33].
وقد قرر أهل العلم بالمقالات أن هذا المعتقد هو نحلة غلاة الروافض، يقول الإمام عبد القاهر البغدادي: «وزعمت الغلاة من الروافض أن الأئمة أفضل من الأنبياء»[34]، ويقول القاضي عياض: «وكذلك نقطع بتكفير غلاة الروافض في قولهم: إنّ الأئمة أفضل من الأنبياء»[35].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والرافضة تجعل الأئمة الاثني عشر أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وغلاتهم يقولون إنهم أفضل من الأنبياء»[36].
كما أنهم يعتقدون أن الأئمة يوحى إليهم[37]، ويأتيهم أعظم من جبريل وميكائيل[38]، وقد نسب الإمام الأشعري هذه المقالة إلى الصنف الخامس عشر من أصناف الغالية من الشيعة - حسب تقسيمه - فهم الذين «يزعمون أن الأئمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم الملائكة، وتظهر عليهم الأعلام والمعجزات ويوحى إليهم»[39].
وقد أشار أبو جعفر النحاس (المتوفى سنة 338ه) إلى هذه المقالة ولم ينسبها لأحد فقال: «وقال آخرون: باب الناسخ والمنسوخ إلى الإمام، ينسخ ما يشاء»[40]. وعد ذلك من عظيم الكفر، ثم بين بطلانه بقوله: «لأن النسخ لم يكن إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالوحي من الله - جل وعز - إما بقرآن مثله على قول قوم، وإما بوحي من غير القرآن[41] فلما ارتفع هذان بموت النبي صلى الله عليه وسلم ارتفع النسخ»[42].
وشيخ الإسلام ابن تيمية صنف الشيعة إلى ثلاث درجات، شرها الغالية وهم الذين يجعلون لعلي شيئًا من الألوهية أو يصفونه بالنبوة، والدرجة الثانية وهم الرافضة، والدرجة الثالثة المفضلة من الزيدية وغيرهم الذين يفضلون عليًّا على أبي بكر وعمر، ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما[43].
وشيعة عصرنا (باستثناء الزيدية المعتدلين) هم بحسب هذا التقسيم من الدرجة الأولى.
وقد قرر الحافظ ابن حجر أن علامة الغلو في الرفض القول بالرجعة، فقال: «التشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيعه، ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السب أو التصريح بالبغض فغالٍ في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشد في الغلو»[44].
روافض عصرنا غلاة عند أسلافهم:
وثمة مفاجأة غريبة وهي أن شيعة عصرنا هم من غلاة الرافضة بحسب مقاييس رافضة القرن الرابع، كما قرر ذلك شيخهم ابن بابويه (المتوفى سنة 381هـ) حيث نص في كتابه «من لا يحضره الفقيه» على أنّ نفي السّهو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو مذهب الغلاة والمفوّضة، يقول: «إنّ الغلاة والمفوّضة - لعنهم الله - ينكرون سهو النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولون: لو جاز أن يسهو في الصّلاة لجاز أن يسهو في التّبليغ؛ لأن الصلاة فريضة كما أن التبليغ فريضة.. وليس سهو النبي صلى الله عليه وسلم كسهونا؛ لأن سهوه من الله عز وجل وإنّما أسهاه الله ليعلم أنّه بشر مخلوق فلا يتّخذ ربًا معبودًا دونه، وليعلم النّاس بسهوه حكم السّهو، وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أوّل درجة في الغلو نفي السّهو عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب مفرد في إثبات سهو النّبيّ والرّد على مُنكريه»[45].
فأنت ترى أن ابن بابويه وهو رئيس الشّيعة - كما يسمّونه - ينكر على من نفى السّهو عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن هو أقل منه كالأئمة؟! ويعدّ نفي السّهو علامة الغلو، ويشير إلى أن هذا القول من مذاهب الغلاة.. ويلمح إلى ما ينطوي عليه نفي السهو من تشبيه المخلوق بالخالق جل شأنه.
ولكن شيعة عصرنا يجعلون نفي السهو عن الأئمة من ضرورات دينهم[46]، بل إن الخميني في كتابه «الحكومة الإسلامية» ينفي مجرد تصور السهو في أئمته[47].
شيعة عصرنا ونحلة المشركين:
ولم يقتصر الأمر لدى هؤلاء الغلاة على ذلك، بل إنهم أعادوا نحلة المشركين ودعوا إلى عبادة الأموات من دون الله رب العالمين، ولذا قرر أهل العلم أنهم أول من أحدث عبادة المشاهد في أمة محمد صلى الله عليه وسلم[48]، ثم صارت كعبتهم العظمى كربلاء وفضلوها على بيت الله الحرام، بل لا يرون بيت الله حرمة، وليس له في نفوسهم مكانة، بل بلغ الأمر بهم إلى وصفه في نصوصهم بأنه «ذَنَب متواضع ذليل مهين» لكربلاء، ويردد مرجعهم المعاصر مفتخرًا بهذه الوثنية الجاهلية هذا البيت[49]:
ومن حديث كربلا والكعبةِ
لكربلاءَ بان عُلْوُ الرتبة
وهو يشير إلى حديث لهم وأسطورة من أساطيرهم تقول: «إن الله أوحى إلى الكعبة: لولا تربة كربلاء ما فضلتكِ، ولولا ما تضمه أرض كربلاء ما خلقتكِ، ولا خلقت البيت الذي به افتخرتِ، فقرِّي واستقري، وكوني ذنبًا متواضعًا ذليلًا مهينًا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سُختُ بكِ وهويتُ بكِ في نار جهنم...»[50].
وهذه وثنية ظاهرة، وقبورية شركية، ولهذا قال الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ: «رافضة هذه الأزمان مرتدون عبدة أوثان»[51].
ومن هنا يتبين أن هذه الطائفة التي تلقب نفسها بالشيعة ليسوا من الشيعة، بل لا من الرافضة بحسب مفهوم الرفض لدى السابقين.
الغلو عند الرافضة السابقين أصبح اليوم من ضرورات مذهب المعاصرين:
لقد صدر إقرار خطير من أكبر شيوخهم المعاصرين في علم الرجال يتضمن الاعتراف بتغير المذهب واتجاهه نحو الغلو.
وهذا الإقرار جاء على لسان شيخهم المعاصر عبد الله الممقاني[52]، وذلك في معرض دفاعه عن المفضل بن عمرو الجعفي - أحد غلاة الرافضة - فيما رمي به من قبل بعض علماء الشيعة القدماء من الغلو، حيث قال: «إنا قد بينا غير مرة أن رمي القدماء الرجل بالغلو لا يعتمد عليه ولا يركن إليه لوضوح كون القول بأدنى مراتب فضائلهم - يعني الأئمة - غلوًّا عند القدماء، وكون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب التشيع غلوًّا عند هؤلاء، وكفاك في ذلك عدُّ الصدوق نفي السهو عنهم غلوًّا، مع أنه اليوم من ضروريات المذهب، وكذلك إثبات قدرتهم على العلم بما يأتي - أي: علم الغيب - بتوسط جبرائيل والنبي غلوًّا عندهم، وهو من ضروريات المذهب اليوم»[53].
ولعل هذه الظواهر هي التي دعت الشيخ محب الدين الخطيب - رحمه الله - إلى أن يحكم بأن مدلول الدين عند الشيعة يتطور، وأشار في هذا الباب إلى كلام الممقاني السالف الذكر، ثم قال: «هذا تقرير علمي في أكبر وأحدث كتاب لهم في الجرح والتعديل، يعترفون فيه بأن مذهبهم الآن غير مذهبهم قديمًا، فما كانوا يعدونه قديمًا من الغلو، وينبذونه وينبذون أهله بسبب ذلك صار الآن - أي: الغلو - من ضروريات المذهب، فمذهبهم اليوم غير مذهبهم قبل الصفويين، ومذهبهم قبل الصفويين غير مذهبهم قبل ابن المطهر، ومذهبهم قبل ابن المطهر غير مذهبهم قبل آل بويه، ومذهبهم قبل آل بويه غير مذهبهم قبل شيطان الطاق، ومذهبهم قبل شيطان الطاق غير مذهبهم في حياة الحسن والحسين وعلي بن الحسين»[54].
يتبع