عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30-05-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,160
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (2)
الحلقة (312)

تفسير سورة المائدة (10)


امتن الله عز وجل على المؤمنين وذكرهم بنعمة عظيمة من نعمه، ألا وهي نجاة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم من القتل على يد أعدائهم اليهود، حينما ذهب إليهم ليطلب منهم معاونته في دفع دية قتل رجلين خطأ على يد أحد المسلمين، وهذا وفق ما كان متفقاً عليه في وثيقة العهد التي وقعها معهم، وعلى إثر محاولتهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم ثم إجلاؤهم من المدينة.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم لنا هذا الفوز فإنك ربنا وولينا.وها نحن ما زلنا مع سورة المائدة، ومع هذين النداءين الكريمين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:8-11].
الأمر بالقيام بعبادة الله تعالى والشهادة بالقسط
بالأمس تدارسنا النداء الأول، وخلاصته أن علمنا أن الله نادانا وهو مولانا وملكنا، ومن بيده أمرنا، نادانا ليأمرنا بأن نقوم لله عز وجل بعباداته خير قيام، من الوضوء إلى الصلاة، إلى كل العبادات: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ [المائدة:8]، كما أمرنا أن نشهد لله وأن نعدل في الشهادة، ولا نميل يميناً ولا شمالاً، لا حيف ولا جور، ولو كنا نشهد على أقرب قريب، إذ قال عز وجل: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ [المائدة:8]، أي: بعباداته وما فرض عليكم وما شرع لكم من سائر العبادات، منها الوضوء والتيمم والغسل، شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ [المائدة:8]، أي: بالعدل، ما من مؤمن يدعى لأداء شهادة على صديق أو على عدو أو على كافر، على قريب من أقربائه أو بعيد من الناس، إلا وعليه أن يعدل في شهادته، إن علم شيئاً يقوله كما علم؛ لأن الله أمرنا بأن نكون شهداء بالقسط، ومن حاف وجار وما عدل فقد فسق عن أمر الله وتعرض لعذابه وسخطه.ثم لفت نظرنا إلى أننا قد يكون بيننا وبين أفراد عداوة، فهذه العداوة لا تحمل على أن نشهد شهادة الزور، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ [المائدة:8]، أي: لا يحملنكم، شَنَآنُ [المائدة:8]، والشنآن: البغض والعداء، عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة:8]، ولا يحملنا بغض شخص على أن نشهد عليه بالباطل، سواء كان قريباً أو بعيداً، وقال: اعدلوا، وبين لنا أن هذه العدل يقربنا من تقوانا لله، إذ هدفنا في الحياة أن نحقق تقوى الله عز وجل، ومما يساعدنا على تقوى الله ملكة العدل في النفس، فالذي تكون له ملكة العدل ما يحيف في عبادة الله تعالى ولا ينقصها: هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]، ثم أمرنا مرة ثانية بتقواه: وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:8]، فيما علمتم، فيما أمرتم به، فيما نهيتم عنه، فيما دعيتم إليه، وعلل فقال: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8]، مطلع على أحوالنا الظاهرة والباطنة، في السر والعلن، في الجهر والخفاء، بل يعلم ذات الصدر، فإذا آمنت يا عبد الله بأن الله عليم خبير -والخبير: من يخبر الأشياء في بواطنها، والعليم قد يعلمها ظاهراً فقط- إذاً: فليتق الله عز وجل، فلا يفسق عن أمره ولا يخرج عن طاعته في كل ما أمر به ونهى عنه، وهكذا تكمل فينا هذه الأخلاق الفاضلة ونصبح أمناء سعداء أطهاراً أصفياء في الحياة.
الوعد العظيم للمؤمنين بالأجر والمغفرة
ثم من باب الترغيب والترهيب ليزيد في إقبالنا عليه وفي بعدنا عن معاصيه قال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة:9]، وعدهم بأي شيء؟ ووعد الله لا يخلف، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:9] أولاً وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة:9] ثانياً، وعدهم بماذا؟ بين لنا يا ربنا ما وعدتهم به؟ قال: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة:9]، هذا أبلغ من جملة: وعدهم مغفرة وأجراً عظيماً، فهي جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً، كأن السائل يقول: بم وعدهم؟ نريد أن نطلع على هذا، ماذا يحمل هذا الوعد؟ فقال: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة:9]، يغفر ذنوبهم ويدخلهم الجنة، يغسلهم ويطهرهم وينظفهم ويطيبهم ويزفهم كالعرائس إلى دار السلام، هل هناك أعظم من هذا الأجر؟ والله لا أعظم منه، من هؤلاء الذين فازوا بهذا بالعطاء الإلهي والوعد الرباني؟ إنهم مؤمنون عملوا الصالحات، ما عملوا الطالحات، والصالحات: الأعمال المزكية للنفس المطهرة لها، وضدها الأعمال الفاسدة الملوثة للنفس والمخبثة لها، والصالحات فاض بها الكتاب الكريم، وبينتها سنة سيد المرسلين، اسأل الكتاب يخبرك عن الصالحات ويخبرك عن الطالحات، فالصالحات: اعملوا، والطالحات: لا تفعلوا.
تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)
ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:10]، عرفنا جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات: تطهيرهم وإدخالهم الجنة، وَالَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:10]، ما آمنوا، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [المائدة:10]، فلم يعملوا بما فيها من العبادات؛ لأن الآيات تحمل بيان العبادات وأنواعها، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [المائدة:10]، (الْجَحِيمِ): شدة التهاب النار وعظم حرارتها، واقرءوا قول الله تعال: فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ [الصافات:97].فالبابليون لما حكم سلطانهم على إبراهيم بالإعدام قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ [الصافات:97]، فبنوا بناية ضخمة وملئوها بالحطب والفحم وأشعلوها، حتى صارت سوداء مظلمة، فالجحيم شدة التهاب النار، وَالَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:10]، ما آمنوا، وَكَذَّبُوا [المائدة:10]، ما عملوا، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [المائدة:10]، أي: أهل النار الملتهبة التي لا يفارقونها ولا يخرجون عنها، متى هذا؟ يوم موتهم. وهكذا بشر المؤمنين وأنذر وخوف الكافرين. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة:9]، وتوعد الذين كفروا وما آمنوا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [المائدة:10]، الذي كذب بالشريعة التي يعبد الله بها، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [المائدة:10]، أهله الذين لا يفارقونه.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم...)
النداء الثاني: يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:11]، يأمرنا بذكر النعم، لماذا؟ من أجل أن نشكره عليها، اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:11]، لم نذكر النعمة؟ حتى نشكرها، فالذي لا يذكر النعم هل يشكرها؟ كلا.ولذا تجد في القرآن الكريم: يا بني إسرائيل اذكروا نعمة الله إذ كنتم كذا وكذا. فلماذا يطالب بذكر النعمة؟ من أجل أن يشكروها، فالذي لا يذكر نعمتك عليه والله لا يشكرها أبداً، والذي يذكر فيقول: فلان أعطانا، حملنا، أركبنا؛ مستعد أن يشكر، ولكن إذا كان يقول: ما عندنا شيء، ما نعرف عنه شيئاً، فهل سيشكر؟ وكيف حالنا مع نعم الله، أنفاسنا التي نرددها من نعم الله عز وجل، نظرة ببصرك من نعم الله، إصغاء وسماع بأذنك من نعم الله، نطقك، كل حياتك نعمة الله، فأين الشكر؟ فلهذا لو لم نعص الله أبداً إلا بتقصيرنا في الشكر لكنا عرضة للعذاب.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]