عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30-05-2021, 03:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدب الحرب في الإسلام



ولو مضَيْنَا نستَقصِي الأدبَ الذي قيلَ في فتوحات المسلمين، لتجمَّع لدينا من ذلك مجلداتٌ، وحسبُنا أنْ نسوقَ أمثلةً من هنا وهناك تبيِّنُ لنا دورَ الكلمة الشريفة في المعركة، ففي معركة القادسية الْتَحَمتْ جيوشُ المسلمين بجيوش الفُرْسِ الأكاسرة، وتحقَّق لهم انتصار حاسمٌ كان فَيْصَلاً بيْن عهْدِ الأكاسرة وعهْد الحُكْم الإسلامي، وسقَطَ "رُسْتم" - القائد الفارس المحنَّك - صريعًا تحتَ سنابك خَيْل المسلمين، فوقَف قيسُ بن المكشوح المرادي يتغنَّى بالنصر، مزهوًّا بما فتحَ اللهُ على المسلمين من تأييد وظفرٍ:









جَلَبْتُ الْخَيْلَ مِنْ صَنْعَاءَ تَرْدَى

بِكُلِّ مُدَجَّجٍ كَاللَّيْثِ سَامِ







فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُ الْخَيْلَ جَالَتْ

قَصَدْتُ لِمَوْقِفٍ الْمَلِكِ الْهُمَامِ



فَأَضْرِبُ رَأْسَهُ فَهَوَى صَرِيعًا

بِسَيْفٍ لاَ أَفَلُّ وَلاَ كَهَامِ



وَقَدْ أَبْلَى الإِلَهُ هَنَاكَ خَيْرًا

وَفِعْلُ الْخَيْرِ عِنْدَ اللهِ نَامِ










وكانَ للكلمة أثرُها في فتوح الشام، وكانَ أبْرَزُ فرسان الحلْبة وشعرائها هناك القعقاع بن عمرو، الذي مَضَى يصفُ لنا عددًا من المعارك بَدْءًا بمعركة (مرج الصُّفَّر)؛ حيث تمَّتْ هزيمة الغساسنة، ثم معارك (بُصْرَى)، ثم معركة (اليرموك) الكبرى؛ حيث أظهرَ اللهُ خالد بن الوليد على أعدائه، وكتَبَ الفتحَ للمسلمين، وكانَ القعقاعُ معه يخوض إلى جانبه المعركة يدًا بيد وكتفًا بكتف، وكان شعر القعقاع - كسيفه - يدوِّي في هذه المعارك جميعها، فيلهب الحماسةَ، ويشحذ العزيمةَ، كقوله:









أَلَمْ تَرَنَا عَلَى الْيَرْمُوكِ فُزْنَا

كَمَا فُزْنَا بِأَيَّامِ الْعِرَاقِ



قَتَلْنَا الرُّومَ حَتَّى مَا تُسَاوِي

عَلَى الْيَرْمُوكِ مَفْرُوقَ الْوِرَاقِ










ولعبتِ الكلمة دورًا عظيم الأثرِ في الحروب الصليبيَّة، وما كانَ أعظمَ الحاجةَ إلى دورِها يومذاك! فقد سقطَ بيتُ المقدس بأيدي الصليبيين الكَفَرة بسبب تفرُّق المسلمين، وضَعف وحدتِهم، وكانتْ كارثةً فادحة، ومصيبة جُلَّى، فوقَف الشعراء يصوِّرون النكْبَة بقصائد تَفَطَّرُ لوعةً وأسًى، وتحثُّ المسلمين على الجهاد، وتوقظُهم من سُبَاتِهم، وتُنذِرُهم بالخطر الذي يتهدَّدُهم، ومِن ذلك - على سبيل التمثيل - قصيدة الأبيوردي المشهورة:









وَشَرُّ سِلاَحِ الْمَرْءِ دَمْعٌ يُفِيضُهُ

إِذَا الْحَرْبُ شَبَّتْ نَارُهَا بِالصَّوَارِمِ



فَإِيهًا بَنِي الإِسْلاَمِ إِنَّ وَرَاءَكُمْ

وَقَائِعَ يُلْحِقْنَ الذُّرَا بِالْمَنَاسِمِ



أَرَى أُمَّتِي لاَ يُشْرِعُونَ إِلَى العِدَا

رِمَاحَهُمُ وَالدِّينُ وَاهِي الْعَزَائِمِ



وَتِلْكَ حُرُوبٌ مِنْ يَغِبْ عَنْ غِمَارِهَا

لَيَسْلَمَ يَقْرَعْ بَعْدَهَا سِنَّ نَادِمِ



أَتَرْضَى صَنَادِيدُ الأَعَارِيبِ بِالأَذَى

وَيُغْضِي عَلَى ذُلٍّ كُمَاةُ الأَعَاجِمِ



فَلَيْتَهُمُ إِذْ لَمْ يَذُودُوا حَمِيَّةً

عَنِ الدِّينِ ضَنُّوا غَيْرَةً بِالْمَحَارِمِ










وبعْدَ أنْ مَنَّ الله على المسلمين باستعادة بيت المقدس، توافدَ المسلمون على الحرم الشريف من سائر الأطراف؛ ليفوزوا بالزيارة، ويحظوا بالمشاهدة للفتحِ، واجتمعَ في بيت المقدس المحرَّر عددٌ عظيمٌ لا يقعُ الإحصاء عليهم، وكان اليومُ يومَ جمعة، وقد خطَبَ القاضي محيي بن زكي الدين في هذا الموقف الْمَهِيب خطبة بليغةً تُعَدُّ من عيون أدبِ الجهاد، هنَّأ فيها المسلمين بالفتحِ، وذكَّرهم مكانة بيت المقدس، ثم حَثَّ الناسَ على تقوَى الله حتى يحافظوا على هذا الفتح، فقال لهم: "احفظوا - رحمكم الله - هذه النعمةَ عندَكم بتقوى الله، التي مَن تمسَّك بها سَلِمَ، ومن اعتصم بعُرْوتِها نجا وعُصِمَ، واحذروا من اتِّباع الهوى، ومواقف الرَّدى، ورُجوع القهقرى، وجاهِدوا في الله حقَّ جهاده، وإيَّاكم أن يستبدَّ بكم الشيطانُ، وأن يتداخلَكم الطُّغْيانُ، فيخيَّلَ إليكم أنَّ هذا النصرَ بسيوفكم الحِداد، وبخيولِكم الجِياد، وبجلادِكم في موضع الجلاد، واللهِ ما النصرُ إلا من عند الله؛ إنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم".









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]