عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24-05-2021, 05:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,160
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ...)
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88]. فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88]، سبق أن من المنافقين من كان يثبط عن القتال ويقول: دعنا أياماً أو أعواماً حتى نستعد ونتسلح، وآخرون قالوا كذا، وجاء السياق كاملاً في هذا الباب، حتى الشفاعة فيشفع لآخر فيقول له: ما هناك حاجة إلى أن تخرج أنت، دعهم يموتون، وآخر يقول كذا، والآن هذه (الفاء) لها علاقة بما تقدم، وإنما جملة: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، ذكرت لبيان أن الله سيجزينا يا أهل الإحسان على إحساننا، وسيجزي أهل الإساءة على إساءتهم؛ لأنه العدل الرحيم، وذلك يوم القيامة الذي لا ريب فيه. فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88]، أي: جماعتين، ففئة تقول: ارحموهم والطفوا بهم، وفئة تقول: شددوا عليهم واضربوهم واقتلوهم، وهذا قد حصل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تظن غير هذا، إذ الحماس والاندفاع موجود في المؤمنين دائماً، فالله عز وجل يقول: فَمَا [النساء:88]، أي: أي شيء جعلكم تختلفون؟ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88]، والارتكاس كالانتكاس، فالأعلى يصبح أسفل، أَرْكَسَهُمْ [النساء:88]، أي: انتكسوا، فقد كانوا مؤمنين وأصبحوا كافرين، وقد كانوا عابدين وأصبحوا ظالمين، وقد كانوا رحماء وأصبحوا قساة، فالانتكاس والارتكاس هو الانقلاب، وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ ، بسبب ماذا؟ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88]، لا أنه ظلمهم ومسخ قلوبهم ونكس رءوسهم، لا أبداً، وإنما بِمَا كَسَبُوا [النساء:88]، فهذه (الباء) السببية، أي: بسبب كسبهم الباطل، وكسبهم الشر، وكسبهم النفاق، وكسبهم الظلم والاعتداء، وكسبهم بغض الله ورسوله والمؤمنين، فمن ثم نكس الله قلوبهم. ثم قال لنا: أتريدون أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [النساء:88]، يا عمر؟! يا فلان؟! أتريدون أن تهدوا إلى الإيمان والإسلام والصراط المستقيم من أضله الله؟! إن ذلك ليس بممكن، إذ إن الذي أضله الله لا يقوى البشر على هدايته، إذاً فكيف ندعو إلى الهداية وإلى الإسلام؟ ندعو، لكن إذا عرف شخص الحق وتعمد خلافه، وأعلن حربه، فمثل هذا لن يهديه الله، وذلك عقوبة له؛ لأن الظلم والشرك والكفر أصبح وصفاً لازماً له لا ينفك. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88]، إلى هدايته أبداً، والخطاب لرسول الله، ومن يضلل الله حسب سنته في الإضلال فلن تجد له يا عبد الله سبيلاً، أي: الطريق إلى هدايته، وذلك مهما بذلت واحتلت وتصرفت.وهنا أذكركم بأن من استمر على المعصية يوماً بعد يوم، وشهراً بعد آخر، وعاماً بعد عام، فسيأتي يوم يصبح عبد الله أو أمته لا يستطيع أن يترك تلك المعصية، حتى لو يسمع كل ليلة القرآن بكامله، فقد انتهى أمره، ولهذا قال العلماء: التوبة تجب على الفور، فلا يصح أن تقول لأخيك: تب غداً إن شاء الله، أو خليك كما أنت عليه حتى تتزوج، أو حتى تتوظف، أو حتى تكمل دراستك، أو ابق على ما أنت عليه حتى أعود إليكم من سفري، فهذا كله باطل، إذ التوبة التي فرضها الله عندما تقع في الذنب تقول: أستغفر الله، أما أن تؤجل فيا ويلك، فإن التأجيل يورثها في نفسك وتستقر، وتصبح إذا قيل لك: اتق الله، تسخر وتضحك، فالتوبة تجب على الفور، كإنسان سقط في الطريق أو عثر، فلا يقول: غداً نقوم، وإنما على الفور يقوم ويواصل مشيه.فيا عباد الله! ويا أولياء الله! التوبة تجب على الفور، فمتى شعرت بارتكاب الذنب وعلمت، فالهج بكلمة: أستغفر الله، وإن ذرفت الدموع فذلك خير، وأنت عازم على ألا تعود خشية أن تتوالى السيئات ويطبع على القلب، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو المبين المفسر لكتاب الله يقول: ( إذا أذنب العبد ذنباً وقع نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن لم يتب وزاد ذنباً آخر نكت في قلبه نكتة سوداء إلى جنب الأولى وثالثة إلى جنب الثانية ورابعة حتى يختم على القلب، وذلكم الران الذي قال الله تعالى فيه: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ).وعندنا مثل حي فأين الذين يعون؟ وهذا المثال هو: لو أن امرأة أو فتاة مسلمة عاشت زمناً على لباس إلى نصف الساق أو إلى الركبتين، والرأس مكشوف وهي تحمر وتحسن وتخرج في الشوارع، وفي يوم من الأيام مرت بك وقلت لها: يا أمة الله! أما تستحين من الله؟ فكيف تواجهك؟ تخرج لسانها وتضحك عليك، وتقول: هذا رجعي، ولن تتوب، بينما فتاة منذ أسبوعين غرر بها الساقطات والهابطات، لم أنتِ متململة في هذا الإزار الأسود؟ اكشفي عن وجهك، أخرجي فأنتِ حرة، واستجابت لهن وخرجت، فلقيتها في الشارع وقلت لها: أما تخافين الله يا أمة الله؟ فهل تخرج لسانها وتضحك منك؟ لا، بل تهرب أو تغطي وجهها، ومثال آخر: لو عثرت على ولدك وهو يدخن، كأن دخل المدرسة الثانوية ولاقى الأصحاب فأصبح يدخن معهم، فهل يستطيع أن يدخن أمامك؟ ما يستطيع أبداً؛ لأنه يخجل ويستحي منك، لكن إذا واصل التدخين وأنت تراه، بل وتعطيه السيجارة، أو تقول له: اشتري علبة لي وأخرى لك، فهذا بعد فترة من الزمان يصعب عليه أن يترك التدخين. ولذلك كل من رأى أنه يباشر ذنباً من الذنوب أن يعزم من هذه اللحظة عن التخلي عنه وتركه، وإلا ستمضي فيه سنة الله ولا يستطيع أن يتوب، وهذا قوله تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88]، فكيف يضله الله؟ بالقهر؟! إنما حسب سنته تعالى، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، فهذه سنن لا تتبدل، وكذلك مواصلة الجريمة وألفتها واعتيادها يوماً بعد يوم يجعلك لا ترجع عنها أبداً، لا سيما من كان يحارب الله علناً، كأن يدعو إلى الكفر والنفاق والباطل والشر والفساد، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88].
تفسير قوله تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ...)
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89].ثم قال لنا: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا [النساء:89]، من يخبر بهذا الخبر؟ خالق القلوب، وَدُّوا ، أي: أحبوا، لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، فالحشاشون واللوط والمجرمون كلهم يودون أن يكون كل الناس مثلهم، وكذلك الضالعون في الفساد يودون أن يكون كل الناس مثلهم، وهذا واضح من قوله: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89].والآن الثالوث المكون من المجوس واليهود والنصارى يعملون الليل والنهار كادحين عاملين من أجل إطفاء نور الإسلام؛ ليكون البشر مثلهم، بل والله الذي لا إله غيره يريدون ألا يبقى إسلام ولا مسلمون، كما كانت الشيوعية تدعو، وقد فشلت وتحطمت، وهذه سنة الله عز وجل، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، أما أن تبقوا بأنواركم ودعوتكم وسيادتكم وجهادكم فما يريدون هذا.ثم قال تعالى: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89]، من هم الأولياء؟ الذين تحبونهم وتنصرونهم، وقد تقررت هذه الحقيقية يا أبناء الإسلام! فما هو الولاء؟ الحب والنصرة، فمن لم يحب المسلمين والله ما هو بمسلم، ومن لم ينصر المسمين والله ما هو بمسلم، فالحب والنصرة ذلكم هو الولاء، واقرءوا قول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فمن قال: لا فقد كذّب الله تعالى، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فما معنى أولياء بعض؟ أي: يحبون بعضهم بعضاً، وينصرون بعضهم بعضاً، فالذي لا يحب المؤمنين والله ما هو بمؤمن، والذي لا ينصرهم ويرى العدو يهزمهم ويكسرهم وهو فرح بذلك، والله ما هو بمؤمن.قال تعالى: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89]، أي: تحبونهم وتوالونهم وتنصرونهم، حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، وهنا مجموعة كانت في مكة قد تظاهرت بالإيمان، أو مجموعة كانت خارج مكة من جهة الشمال، أو من جهة أي بلد آخر، وكانت تأتي إلى المدينة لتستفيد، وأنهم يعملون على الهجرة لكن منعوا، وإذا عادوا إلى مكة يسجدون للصنم ويوافقون المشركين في شركهم، وبينهم وبين المؤمنين المهاجرين في المدينة صلات، فقال تعالى في شأن هؤلاء: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، أي: حتى يهاجروا في سبيل الله، لا للمادة والمال أو للنجاة بالنفس والأولاد، وإنما الهجرة في سبيل الله تعالى، فإن تولوا بعد الهجرة وعادوا إلى الشرك والكفر، فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89]، إذ ما هم أهلٌ لأن يوالوكم وتوالوهم، أو تنصرونهم وينصرونكم، والموضوع ذو أثر كبير، وغداً إن شاء الله نواصل الحديث في هذا.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]