ذكر ما تنال به ولاية الله تعالى
بم ثبتت هذه الولاية؟ بالقبلية المعروفة؟! بالشيك والدينار والدرهم؟! يا زائري المسجد النبوي! مرحباً بكم في مسجد نبيكم، وهنيئاً لكم زيارتكم مسجد نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وعندنا لكم سؤال وهو: بم نلنا ولاية الله وأصبح الله ولينا ونحن أولياؤه؟قال أحد الأبناء: باتباع سنة الرسول، هذا فيه إجمال، وهذا آخر يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، وهذا لو سألنا وقلنا: ما هو الحكم الإلهي الذي أصدره الله على عباده؟ لقلتَ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].نحن نقول: بم تنال الولاية؟ كيف أصبحنا أولياء يا من يرغب أن يكون ولي الله الذي لا خوف عليه ولا حزن، لا في الدنيا ولا في الآخرة؟ بم نحقق ولاية الله تعالى؟ فالجواب: بالإيمان والتقوى تتحقق ولاية الله عز وجل للعبد، والدليل قول الله تعالى من سورة يونس عليه السلام: أَلا [يونس:62]، أتعرفون (ألا) هذه؟ ألو، فإن قيل: لمَ هذا الشيخ يقول في مسجد الرسول: ألو؟ فالجواب: لأننا اعتدنا ألو، ألو، حتى البنت التي تزحف تأخذ السماعة فتقول: ألو، وكذلك النساء والرجال والعوام كلهم تعودوا على ألو، وعندنا في القرآن (ألا) ما نفهم لها معنى أبداً، واسأل عامة الناس عن (ألا) ما يجيبك.إن (ألا) معناها: أأنت حاضر لتستمع وتتلقى عني؟ هل ألقي إليك بالخبر أو لا؟ فهذه (ألا) أخذوا منها (ألو)، ولم لا يقولوا: ألا؟ لأن (ألا) قرآنية ومن كلام الله، فجاءوا بألو فقط، وقد بحث أحد الإخوان قديماً خمسين سنة مع النصارى ومع اليهود عن معنى ألو؟ فقالوا: (ألو) هكذا وجدت مع التليفون، فلا نعرف لها معنى، فقلنا لهم: سبقكم سيبويه العالم اللغوي إذ سألوه عن (أي) في لسان العرب، فمرة تأتي مبنية ومرة معربة ومرة كذا، فما لها؟ فقال: (أي) هكذا خلقت، وكذلك (ألا)، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لو يأتي هذا برقية من حاكم من الحكام فإن أهل البلاد سيطيرون من الفرح بهذا النبأ.
أوصاف أولياء الله تعالى وذكر جزائهم
قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، فمن هم أولياء الله؟ الذين لا خوف عليهم لا في هذه الحياة ولا في البرزخ ولا يوم القيامة، ولا يحزنون اليوم ولا بعد اليوم أبداً، ووالله ليجوع ولا يحزن، ووالله ليمرض ولا يحزن، ووالله ليموت أولاده واحداً بعد الواحد ولا يحزن، لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62].وكأن سائلاً يقول: من هم يا رب أولياؤك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ فقال تعالى في الجواب: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، أي: آمنوا بالله رباً وإلهاً، وآمنوا برسله أنبياءً ورسلاً، وآمنوا بكتبه، وآمنوا بلقائه، وآمنوا بكل ما أمرهم الله أن يؤمنوا به، سواء أطاقته عقولهم أو لم تطقه، وَكَانُوا ، دائماً وأبداً، يَتَّقُونَ [يونس:63]، أي: يتقون غضب الرب وسخطه، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، إذ الله لا يتقى بالأسوار العالية، ولا أن تدخل في السراديب تحت الأرض، وإنما يتقى الله عز وجل بطاعته فيما أمر به ونهى عنه، فالمأمور يُفعل والمنهي يُترك، وبهذا يتقى الله عز وجل.ثم قال تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، وهذا خير عظيم، فبكم يقدر؟ لَهُمُ الْبُشْرَى [يونس:64]، الأخبار السارة المثلجة للصدر، والذي تجعل وجهك كأنه قمر من فرحه وسروره، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [يونس:64]، اليوم، وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64].وقد فسر الحبيب صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته البشرى فقال: البشرى في الحياة الدنيا هي: ( الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له )، فهل فهمتم معشر الأبناء والإخوان! البشرى العظيمة التي لهم من نصيبهم ومن حظهم أعطاهم الله إياها؟ فوالله لا تموتن يا ولي الله حتى تبشر، إما أن تراها أنت أو يراها عبد صالح ويقصها عليك ويقول لك: رأيتك في كذا وكذا. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [يونس:64]، وأخرى أيضاً عندما يكون الولي على سرير الموت في محط العناية كما يسمونها، وقد قال الأطباء: أخوكم قد انتهى أمره، وهو كذلك حتى يأتي فوج من الملائكة كله نور، أي: ملك الموت وأعوانه، فيشاهدهم ويبتسم في وجوههم ويكاد يطير من الفرح، وينسى الدنيا وما فيها، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، أي: ما اعوجوا، وما انحرفوا، وما مالوا، وما زاغوا، وإنما استقامة إلى باب دار السلام، إذ يفعلون أوامر في حدود طاقتهم، وينتهون عن المناهي، فهذه هي الاستقامة، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ بماذا؟ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].
سر تبشير المؤمن بالجنة عند موته
معشر المستمعين! يا أهل هذه الحلقة المباركة! ما السر في هذا الكمال والإسعاد؟ ألا إنه طهارة أرواحهم وزكاة نفوسهم؛ لأن فعل الأوامر آلة لتزكية النفس والله وتطهيرها، بل أعظم من الماء والصابون للأبدان والأجسام، ولأن المنهيات أوساخ وأدران تلوث النفس البشرية فتحولها إلى عفنة ومنتنة كأرواح الشياطين، وهم قد تركوا المحرمات فأبعدوا أنفسهم عنها، فبقي طهرها وصفاؤها، فتأتي الملائكة وكأنهم جنس واحد يتكلمون معها، ويتحدثون إليها، ويبشرونها، إذاً فطهارة الروح وزكاة النفس هو الذي أهلهم لهذا الكمال. وأعطيكم مسألة علمية أيها الزوار، لكن مع الأسف ما لا تبلغون، بل ما بلغنا أن زائراً فهم مسألة في المسجد النبوي وبلغها في بلاده أبداً، ولذا فاسمعوا، لقد عاشت أمتنا قروناً لا تعرف ولياً من أولياء الله يمشي في الشارع، أو يبيع ويشتري في السوق، أو يحرث الأرض، إذ ما تعرف الولي إلا الذي قد مات وبني على قبره قبة، ورفع فوق قبره تابوت من خشب، ووضع عليه الأزر الحريرية، وأصبح يزار فتوضع النقود إلى جنبه، وتوقد الشموع في قبره.واسلوا العجائز عندكم يخبرنكم بذلك، فتجد الواحد منهم يقول: وحق سيدي عبد القادر، وحق سيدي مبروك، وحق سيدي إدريس، وحق مولاي فلان، فما فيه ولي حي أبداً، لكن لما يموت يُعبد من دون الله، وأقول: هيا نمشي إلى قرية من القرى عرب وعجم، على شرط ما يكون قد بلغهم هذا الكلام، فندخل على القرية ونلقى أول رجل نقول له: يا سيد! أنا جئت من بلاد بعيدة وأريد أن أزور ولياً من أولياء هذه البلاد، دلني عليه؟ والله ما يأتي بك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن في القرية ولياً بين الناس، ومن أراد أن يجرب فليجرب، وقبل هذا والله لو تدخل إلى القاهرة المعزية وتقول: أنا الآن نزلت من الباخرة أو من الطائرة، وقد جئت فقط لزيارة ولي من أولياء هذه البلاد، فدلني يا فلان؟ والله ما يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، والملايين في السوق ما فيهم ولي! والسر في ذلك أن العدو الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والصليبية قد عزموا على إطفاء نور الله من قلوب الناس، وإبعادهم عن رحمة الله، إذ قالوا: لمَ يفوز المسلمون بدار السلام؟ لمَ يفوزون بالطهر والسلام؟ لم يفوزون بالعز والكرامة ونحن نعيش كالبهائم؟ إذاً يجب أن نسوي بيننا وبينهم.فاحتالوا على المسلمين وحصروا الولاية في الموتى، ومن ثم فإن الرجل المسلم في القرية أو في المدينة يزني بامرأة مسلم والله العظيم، أو يزني ببنت مسلم، أو مسلم في القرية يسرق مال مسلم، أو مسلم في القرية يسب آخر ويفلق رأسه لأجل كلمة قالها، ولا طهر ولا أمن ولا صفاء؛ لأنهم ما عرفوا أنهم أولياء الله، وأن الله يقول: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، ويدلك على أن الولي عندهم هو الميت أنهم ترتعد فرائصهم عند زيارته، إذ لا يستطيعون أن يقولوا كلمة سوء عند قبره، بل يعظمونه ويحترمون أهله وذويه لأنهم من إخوان الولي الفلاني، وأما عامة المسلمين فافجر بنسائهم، واسرق أموالهم، وسب واشتم ولا تخف؛ لأنهم ليسوا بأولياء الله! وبهذه الأذن سمعت في القرية مجموعة من الرجال يتحدثون كما تتحدث عوام الناس، فقالوا: فلان كان إذا زنا لا يمر بسيدي فلان، وإنما يمر من جهة أخرى في القرية حتى لا يمر بالولي وهو ملطخ بالزنا! يخون أخاه المؤمن في أهله، ويفجر عن طاعة ربه فيزني وقد حرم مولاه الزنا، ولا يبالي بالله ولا بشيء أبداً، ويخاف أن يمر على ضريح فلان! أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، فمن هم يا رب أولياؤك؟ عبد القادر الجيلاني؟ البدوي؟ العيدروس؟ إن أولياء الله هم المؤمنون المتقون، فلا يحل لك أن تنظر نظرة شزراً في وجه هذا المؤمن التقي، وحرام أن تقول فيه كلمة واحدة تزعجه، وحرام أن تنال منه ولو لطمة بإصبعك، ولو فلس من ديناره ودرهمه، فكيف تزني بامرأته أو تفجر بابنته؟!
سر انحطاط المسلمين في العصر الحاضر
لكن للأسف فعل بنا هذا الأعداء ومددنا أعناقنا وسكتنا، فما سر هذا؟ إنه الجهل، فمن جهلنا؟ هم حملونا على أن نبعد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة لن تعلم إلا إذا كانت في كل ليلة تجتمع في بيوت ربها بنسائها وأطفالها ورجالها، في قراها ومدنها، وطول العمر تشتغل من صلاة الصبح إلى غروب الشمس في دنياها، أما هذا الوقت فهو وقت التلقي للكتاب والحكمة وتزكية النفس البشرية، فيجب أن يكونوا في بيوت الله تعالى، كما كانت على عهد رسول الله، فهذا أبو بكر وعمر كانا يتناوبان هذه الجلسة.ونحن قد أبعدونا عن القرآن بالمرة، وحولوه إلى الموتى فمتنا، وذهب النور حتى كرامة المؤمن وولايته حصروا الولاية في الأموات فقط، إذ الأحياء ما فيهم ولي فافعل بهم ما شئت، وما أفقنا إلى الآن، فدويلاتنا عشرات، ومذاهبنا وطرقنا وأحزابنا عديدة، فلا مودة ولا إخاء، ولا تلاقي لا حب لا ولاء؛ لأننا لسنا بالفعل حقاً بأولياء الله، فأبعدونا عن ولاية الله تعالى.فنقول: إنا لله وإنا إليه راجعون للعزاء، لكن باب الله مفتوح، فمن أراد أن يحقق الولاية والله للباب الله مفتوح، فمن الآن يعزم كل مؤمن على أن يعرف الله معرفة حقيقية، ويؤمن الإيمان الصحيح كما هو في كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ويمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، ولا همَّ له إلا رضا ربه عز وجل، إذ هو ولي الله تعالى، فلو رفع يديه وسأل مولاه شيئاً لأعطاه إياه.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
نتلو الآيات: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].
هداية الآيات
قال [ من هداية الآية الكريمة: أولاً: جواز سؤال من لا يعلم من يعلم ]، بل وجوب سؤال من لا يعلم من يعلم، أما قال تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ [النساء:176]؟ فهذا جابر قد سأل، وهناك آيتين في كتاب الله توجب السؤال، وذلك من سورة النحل ومن سورة الأنبياء، قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم يجب عليه أن يسأل، ولو يركب ناقته ويرحل حتى يسأل، ومن ثم لا جهل في أمة الإسلام، وقد مضت فترة في القرون الذهبية لا جهل في النساء ولا في الخدم ولا في العبيد، وإنما كلهم علماء؛ لأنهم استجابوا لأمر الله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم يجب أن يسأل حتى يعلم، فهل يبقى إذاً جاهل أو جاهلة؟ مستحيل.قال: [ ثانياً: إثبات وجود الله تعالى عليماً قديراً سميعاً بصيراً، وتقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ سؤال الأصحاب وإجابة الرب تعالى بواسطة وحيه المنزل على رسوله يقرر ذلك ]، أي: وجود الله عليماً حكيماً سميعاً، وأن محمد نبي ورسول، وبعض الآية يقرر هذا بكامله، أي: إثبات وجود الله، أيكون الله معدوماً ويُسأل ويجيب؟ وهل هناك ميت تسأله ويجيبك؟ وهل هناك غائب تسأله ويجيبك؟ كيف يجيب وهو غير موجود؟!قال: [ ثالثاً: بيان قسمة تركة من يورث كلالة من رجل أو امرأة، فالأخت الواحدة لها من أخيها نصف ما ترك، والأختان لهما الثلثان، والإخوة مع الأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين، والأخ يرث أخته إن لم يكن لها ولد ولا ولد ولد، والإخوة والأخوات يرثون أختهم للذكر مثل حظ الأنثيين، إذا لم تترك ولداً ولا ولد ولد ]. وصلى الله على نبينا محمد.