عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 24-05-2021, 05:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (85)
الحلقة (307)

تفسير سورة النساء (88)


بين الله عز وجل في أوائل هذه السورة حكم من مات وخلف مالاً، وليس له آباء ولا أبناء ولا زوج وله إخوة من الأم فإنهم يرثونه، فإن كان واحداً فله السدس، وإن كانوا أكثر من واحد فهم شركاء في الثلث، أما في هذه الآية وهي آخر آية في السورة فقد بين نصيب الإخوة الأشقاء أو من أب، فالأخت الواحدة لها من أخيها نصف ما ترك، والأختان لهما الثلثان، والأخ يرث مال أخته كاملاً، والإخوة مع الأخوات يرثون الأخ أو الأخت فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم... ) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الفضل واجعلنا من أهله يا ذا الفضل العظيم.وها نحن مع آخر آية من سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، سورة الأحكام الشرعية، هذه الآية هي آية الكلالة، وقبل الشروع فيها أذكر نفسي والمستمعين والمستمعات بما اشتملت عليه الآيتان اللتان درسناهما بالأمس، وذلك بعد قراءتهما تذكيراً للناسين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:174-175].
هداية الآيات
قال الشارح: [ من هداية هاتين الآيتين الكريمتين: أولاً: الدعوة الإسلامية دعوة عامة، فهي للأبيض والأصفر على حد سواء ]، وأخذنا هذا من قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [النساء:174]، فلفظ (الناس) عام في البشر كلهم، لا فرق بين العرب والعجم، ولا بين الأبيض والأصفر، وإنما دعوة الإسلام دعوة عامة، وينبغي أن تنشر في العالم بأسره، وليست خاصة بجيل من الأجيال ولا بقبيلة من القبائل، وإنما هي دعوة الله للبشرية جمعاء من أجل أن تطهر وتكمل وتسعد في حياتها الدنيوية، ثم تسعد في الحياة الخالدة الباقية في العالم الأعلى.فقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [النساء:174]، أخذنا منه أن الدعوة الإسلامية دعوة عامة، فهي للأبيض والأصفر على حد سواء.قال: [ ثانياً: إطلاق لفظ البرهان على النبي صلى الله عليه وسلم ]، فنبينا اسمه محمد وأحمد، وقد سماه الله برهاناً، قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء:174]، والبرهان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ قال: [ لأنه بأميته وكماله الذي لا مطمع لبشري أن يساميه فيه، برهان على وجود الله وعلمه ورحمته ]، أي: أن محمداً صلى الله عليه وسلم برهان على أنه نبي الله ورسوله، فلا يحتاج إلى حجج أخرى تقوى أو تضعف، فهو أمي لم يقرأ ولم يكتب، فيخرج على البشرية بعلوم ومعارف ما كانت تعلمها ولا تحلم بها، فكيف لا يكون رسول الله؟!قال: [ ثالثاً: القرآن نور ]، إي والله فالقرآن نور، والنور يستفاد منه في الظلام، والحياة كلها ظلام، فلا شمس تغني ولا القمر، ولكن النور الذي به النجاة هو القرآن العظيم، فمن آمن به وقرأه وعرف ما يحمله من الهدى والنور، وأخذ يعمل به فقد نجا، واهتدى إلى دار الكمال والسعادة، ومن رماه وراء ظهره ولم يؤمن به ولم يقرأ ما فيه ولم يتعرف إلى ما يحمله من الشرع والهداية الإلهية، فهو والعياذ بالله في عداد الخاسرين.قال: [ ثالثاً: القرآن نور من أجل ما يحصل به من الاهتداء إلى سبل النجاة وطرق السعادة والكمال ]؛ لأن الله تعالى قال: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ ماذا؟ ما قال: قرآناً، وإنما قال: نُورًا مُبِينًا [النساء:174]، وفي آية أخرى قال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، فهيا نبلغ البشرية أنها إذا لم تؤمن بالقرآن وتعمل بما فيه فهي والله لفي الظلام، ولا يمكنها أن تهتدي لسعادتها وكمالها في الدارين إلا بهذا النور، والواقع شاهد على ذلك، فانظر إلى الشرق والغرب، وانظر إلى البشرية في عصور رقيها وحضارتها، هل تجاوزت موضع شبر البهائم؟ هل خلت من الخبث ومن الظلم ومن الشر ومن الفساد؟ والله لم تخلو منه ولن تخلو.قال: [ رابعاً: ثمن السعادة ودخول الجنة الإيمان بالله ورسوله ولقائه والعمل الصالح، وهو التمسك بالكتاب والسنة المعبر عنه بالاعتصام ]، إذ قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ [النساء:175]، ألا وهي الجنة دار السلام، وَفَضْلٍ [النساء:175]، أي: ويزيدهم من فضله من أنواع الإنعامات والإفضالات، ومن النظر إلى وجهه الكريم.
تفسير قوله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة...)
والآن مع آخر آية من سورة النساء، وتلاوة هذه الآية الكريمة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].
سبب نزول الآية
تسمى هذه الآية بآية الصيف، وقد ذكر أهل العلم أن سبب نزول هذه الآية الكريمة: أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وعن والده مرض كما يمرض الناس -ووالده هو عبد الله بن حرام، وقد استشهد في غزوة أحد- فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: زاره في مرضه، وزيارة المريض سنة، وتسمى بعيادة المريض، ولذلك إذا مرض أخوك ومضى على مرضه ثلاثة أيام فإنه يسن لك أن تزوره، إذ إن هذه الزيارة من حقه عليك، وعلى كل عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر، وأبو بكر هو خليل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فأغمي على جابر بن عبد الله من شدة المرض، والإغماء ينتاب المريض ساعة وساعة، وذلك أن المريض قد يفقد شعوره من شدة الألم، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب عليه من فضل وضوئه، أي: توضأ في إناء وبقي في الإناء شيء من الماء فأخذ منه وصبه على جابر رضي الله عنه، فأفاق فقال: يا رسول الله! اقض في مالي، أي: احكم يا سول الله! في مالي، وكان له تسع أخوات، فلم يرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزلت هذه الآية الكريمة.
ميراث الكلالة
قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ [النساء:176]، أي: يستفتونك يا رسولنا! من الذي يستفتيه؟ جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، أي: الله هو الذي يفتيكم فيها، والكلالة قد تقدم نوع منها في أول السورة مع آيات الفرائض، وهذه الآية أيضاً في الكلالة.فالكلالة: أن يموت إنسان ولم يترك ولداً، ولا ولد ولد، ولا أباً، ولا جداً، فيرثه إخوته الذين يحوطون به كالإكليل، فإن كان إخوته من أمه فالأخ له السدس، وإن كانوا اثنين فأكثر فلهما الثلث، وإن كان الإخوة من أب وأم، أو من أب كهذه الآية، إِنْ امْرُؤٌ [النساء:176]، إنسان ذكر أو أنثى، هَلَكَ [النساء:176]، يقال: هلك يهلك إذا مات، فكل من مات فقد هلك، لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176]، أي: ما له ولد، وليس له والد، إذ لو كان له والد فإن الوالد يرث ولده، ولا يرث معه أخ، لا ولد ولا والد ولا ولد ولد؛ لأن ولد الولد يقوم مقام الولد مباشرة، وَلَهُ أُخْتٌ [النساء:176]، أي: من أبيه أو شقيقة، فما لها من تركة أخيها الذي توفي وما خلف ولداً ولا ولد ولد ولا أباً؟ فلها النصف فرضاً خاصاً بها، والنصف الباقي للعصبة، قال تعالى: فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176] ولا ولد ولد، أيضاً أخوها يرث مالها كله إذا لم تترك ولداً ولا ولد ولد، وهو يرثها بشرط إن لم يكن لها ولد، وهذه هي الأخت.وإن فرضنا أنهما أختان، فقد قال تعالى: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ [النساء:176]، كأن مات إنسان وترك أختين له من أبيه وأمه أو من أبيه فقط، ولم تترك الأختان ولداً ولا ولد ولد، فقد قال تعالى: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176]، والثلث الآخر للعصبة كالأعمام وأبناء الأعمام أو لبيت المال. وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176]، إخوة: بنت وولد، أو بنتان وولدان، أي: خليط من الرجال والنساء، من الذكران والإناث، فهنا قال تعالى: فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، فالذكر يأخذ اثنين، والأنثى تأخذ واحداً.ثم قال تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ [النساء:176]، أي: هذا الذي يبين، أَنْ تَضِلُّوا [النساء:176]، أي: لئلا تضلوا أو خشية أن تضلوا، إذ الضلال هو أن توزعوا المال على غير الوجه الذي يرضي الله عز وجل، أو تعطوا المال لمن لا يستحقه فيكون هذا من الضلال قطعاً وعدم الهداية، فكراهة أن تضلوا أنزل الله هذه الآيات وبين هذا الحكم. يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء:176]، أي: كراهة أن تضلوا، أو لئلا تضلوا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176]، فلا يخفى عليه شيء، فاقبلوا إذاً بيانه وحكمه، وقسمته وارضوا بها، فإن الله عليم بأحكامه وقضائه.الآية مرة أخرى: يَسْتَفْتُونَكَ [النساء:176]، هذا الخبر من جاء به؟ الله عز وجل، يَسْتَفْتُونَكَ [النساء:176]، أي: يسألونك، فمن هو الذي يُسأل ويُستفتى؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً الله يكلم الرسول مباشرة؟ إي نعم، إذ كيف لا يكون رسول الله إذاً؟ أين يُذهب بعقول اليهود والنصارى والمجوس؟ أيكلمه مباشرة وتقول: ما هو برسول الله؟ والله ما نفوا رسالته ولا جحدوها ولا أنكروها ولا كذبوا بها إلا لجهلهم ومصالح دنياهم، إذ هل تشك في رجل يكلمه الله ويحدثه في مئات المواطن وتقول: ما هو برسول؟! يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا [النساء:174-175]، أي: بهذا الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم أهل الجنة ودار السلام، وأهل الإنعام الذي لا حد له في الملكوت الأعلى، ومن كفر وكذب وعاش على الشهوات والأهواء فمصيره معلوم، ألا وهو الخسران الأبدي في دار البوار والشقاء. يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، أي: أعلمهم يا رسولنا! بأن الله هو الذي يفتيكم؛ لأن الرسول ما عنده علم قبل أن يوحى إليه، قال: إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176]، ولا والد، ولا ولد ولد؛ لأنه يورث كلالة، وهو من الإكليل الذي يوضع على الرأس، فالذي يرثه إخوته يكونون قد أحاطوا به، إذ ما هم أسفل فيكونون أولاداً، ولا هم فوق فيكونون آباءً وأجداداً. إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ [النساء:176]، فما نصيب هذه الأخت من أخيها الشقيق أو لأب؟ ترث نصف ماله، وإن ماتت هي فأخوها يرث كل مالها، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، فما دام أنها ورثت النصف عند موت أخيها، فهو يأخذ نصفين، والنصفان هو كل المال. فَإِنْ كَانَتَا [النساء:176]، أي: الأختان، اثْنَتَيْنِ [النساء:176]، أو أكثر، فما القسمة؟ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ [النساء:176]، لا زيادة، مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176]، كأن هلك هالك وترك إخوة له خليطاً من النساء والرجال، أو من البنين والبنات، فكيف يقتسمون تركة أخيهم؟ للذكر مثل حظ الأنثيين.لماذا للذكر مثل حظ الأنثيين؟ تمشدق وتمنطق وتكلم الملاحدة والزنادقة والهابطون إلى الحضيض، ولو استحوا وخجلوا، بل لو كان لهم عقل لعلموا أن واهب المال يعطي ويمنع من شاء من ماله، فكيف يعترضون عليه فيقولون: لم تعط فلاناً كذا وكذا؟ إن هذا ليس مالك، بل هو مال الله تعالى، ثم هل يعقل أن رب الجلال والكمال الرحمن الرحيم يجور في قسمته ولا يعدل؟! من يخطر هذا بباله فهو كافر، ومع هذا فقد بين لهم أولو العلم والنهى، وعرفوا أن المرأة ما كانت ترث لا في الجاهلية ولا في الصين ولا في اليابان ولا في الروس وفي الأمريكان، بل ولا في العالم نهائياً، فجاء الإسلام فورثها وأعطاها نصيبها بحسب حالها، فالمرأة قد ضمن الله لها عيشها، فما دامت طفلة في حجر أبيها فيجب على أبيها أن ينفق عليها، حتى وإن جاع لتشبع هي، وإذا بلغت سن التكليف وتزوجت فيجب على زوجها أن ينفق عليها حتى وإن جاع وهي تشبع، وإن أصبحت أم أولاد ومات الوالد -أي: الزوج- فعلى أولادها أن ينفقوا عليها وجوباً وإن ماتوا جوعاً.إذاً: ضمن الله قوتها، وما كلفها أن تحمل المسحاة أبداً وتصبح فلاحة، ولا أن تحمل القدوم وتصبح نجاراً، ولا أن تحمل الدنانير وتصبح تاجرة جوالة في الأسواق، بل أراحها الله تعالى، ثم بعد هذا يقولون: لمَ يعطيها الثلث فقط؟ لم ما يسويها بأخيها؟ إن أخاها عليه تكاليف ينهض بها، ومنها أنه ينفق على أبويه وعلى امرأته وأولاده، وهي كذلك يُنفق عليها، فكيف تعطى ما يعطى الرجل الذكر؟! ولكن: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، وما هناك عمى إلا الحسد فقط، فقد حسدوا هذه الأمة على أنوار الله التي تغمرها في حياتها، فلم تسموا بهذا الكمال وتعز وتسود وهم يعيشون كالحيوانات؟ يَسْتَفْتُونَكَ [النساء:176]، يا رسول الله! قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، والكلالة هي أن يورث الرجل من قِبل إخوانه وأخواته، فأبوه غير موجود، وأولاده وأولاد أولاده غير موجودين كذلك، فالذي يرثه هم الذي يحوطون به كالإكليل، فإن كانوا إخوة لأم فالواحد له السدس، وإن كانوا اثنين فأكثر فلهم الثلث، وإن كانوا إخوة لأب أو أشقاء فقد بين تعالى ذلك، إذ قال تعالى: إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176]، ولكن له أخت، وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا [النساء:176]، في كل مالها، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، وإلا ليس هو إكليل، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ [النساء:176]، فأكثر، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، فالذي يقول: لم ما سوى الله بين البنين والبنات فأولاً: والله ما عرف الله ولا آمن به، وثانياً: لو فهم فقط فهم البادية أن الله هو رب هذا المال يعطيه من يشاء، فأي وجه له أن يعترض؟ إن هذا ماله يعطيه من أراد. وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ [النساء:176]، قولوا: الحمد لله، إذ الله جل جلاله، والغني عنا وعن وجودنا يتولى البيان لنا ولا نحمده؟! يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ [النساء:176]، كراهة، أَنْ تَضِلُّوا [النساء:176]، فتهلكوا، إذ ما يريد ضلالكم أبداً، بل يريد سموكم وكمالكم وعزكم؛ لأنه وليكم وأنتم أولياؤه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]