عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24-05-2021, 05:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,160
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

القرآن نور لما يحصل به من الاهتداء إلى سبيل النجاة
ثم قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء:174]، فالنور المبين الذي أنزله الله تعالى هو القرآن العظيم، فإن قيل: بين لنا وجه النور؟ فأقول: ما من عبد إنسياً كان أو جنياً آمن بالقرآن، وفهمه وعمل بما فيه، والله ما شقي ولا ضل أبداً، بل ما من أمة أو ما من جيل أو ما من شعب أو ما من قرية أخذوا بالقرآن إلا استنارت الحياة أمامهم، وانتهى الظلم والظلمات، وكانوا أطهر الناس وأعزهم وأشهدهم، وأكبر دليل وأقوى برهان على أن القرآن نور: كيف كان العرب في الجاهلية؟ كانوا قبائل شتى، وكيف كانت ديارهم؟ كانت ظلاماً فوق ظلام، فالغزو والقتل وسفك الدماء والوثنية بأبشع صورها، فما من بيت إلا وفيه صنم يُعبد، بل يحملون الأصنام على الإبل حيثما نزلوا في شعب أو وادي وعبدوه، ولنذكر ذلك الأعرابي الذي كان له صنم يعبده، فجاء يوماً لعبادته وهو في شعب من شعاب الأرض، فوجد ثعلباً رفع رجله ويبول عليه كشأن الثعالب والكلاب، فنظر الأعرابي نظرة فاحصة واندفع فقال: رب يبول الثعلبان برأسهلقد ذل من بالت عليه الثعالبوتركه ولم يرجع إليه قط، وأدرك هذا بالفطرة، كما أنهم كانوا يقتلون أطفالهم ويذبحونهم، وذلك مخافة الفقر والجدب والقحط، بل ويقتلون بناتهم خشية العار، وما إن شاعت في تلك البلاد أنوار القرآن الكريم حتى أصبحت مضرب المثل في الكمال البشري، ولم تكتحل عين الوجود بمثلها في الكمال والعز والطهر أبداً، وقد أخفى هذا المغرضون وحرفوا التاريخ الحق لهذه الأمة، وفي الحقيقة والله ما رأت الدنيا أمة أطهر ولا أصفى ولا أعدل ولا أعز ولا أكرم ولا أرحم ولا أعلم من تلك الأمة في قرونها الثلاثة، بسبب ماذا؟ بالاشتراكية؟ بالشيوعية؟ بالفلسفات الكاذبة؟ باليهودية؟ النصرانية؟ بالمجوسية؟ بماذا؟ بالقرآن العظيم، بنور الله تعالى.ومن الأمثلة التي تحضرنا الآن: أن علياً رضي الله عنه ادعى أن الدرع التي مع اليهودي هي درعه، وحاكمه إلى القاضي شريح، فقال القاضي لـعلي : من يشهد لك على أن الدرع درعك؟ فقال: ولدي الحسن أو الحسين، فقال القاضي: الابن لا يشهد لأبيه، وحكم بالدرع لليهودي، وما إن صدر الحكم حتى قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والدرع درعك يا علي، ودخل في رحمة الله، فتأمل كيف أن السلطان أو الملك يحكم عليه قاضيه بأن هذا الدرع لفلان اليهودي، ولا يقبل شهادة ابنه وولده؟! وخلاصة القول: والله ما عرفت البشرية كمالاً بمعناه إلا بأنوار القرآن الكريم.
حرص أعداء الإسلام على إطفاء نور القرآن وانتزاعه من صدور المسلمين
وبرهنة أخرى: لما عرف العدو المكون من المجوس واليهود والنصارى أن هذا النور هو الذي أحيا هذه الأمة قالوا: يجب أن نقطع هذا النور عنهم وأن نطفئه، ففي مؤامرات سرية خلال سنين متعددة قالوا: إن هذا القرآن أو هذا النور هو الذي أحياهم، وهو الذي أنار الحياة لهم، ولن نفلح معهم إلا إذا أطفأناه، واجتهدوا وعملوا وعقدوا مؤتمرات لذلك، وفي الأخير قالوا: نحوله ليقرأ على الموتى، فصرفوا المسلمين عن قراءة القرآن إلا على الموتى، وبالتالي لا تجد اثنين تحت شجرة أو تحت جدار أو تحت ظل يقول أحدهما للآخر: اقرأ علي من القرآن، بل ولا تجدهم في بيت أو في مسجد يقول أحدهم للآخر: أسمعني شيئاً من كلام الله، وإنما إذا سمعت قراءة القرآن فاعلم أن هناك ميتاً، ووالله العظيم لقد أصبح القرآن لا يقرأ إلا على الأموات، ولا يصح لواحد أن يقول: قال الله، إذ قالوا: تفسير القرآن الكريم صوابه خطأ وخطؤه كفر، وراجعوا حواشي المصنفات الفقهية تجدون هذا الكلام، ومعنى ذلك أنك إذا فسرت آية وأصبت فأنت مخطئ، إذ لا حق لك في التفسير، وإن أخطأت فقد كفرت والعياذ بالله، فألجموا الأمة وكمموها، وما أصبح من يقول: قال الله، إذاً ماذا يصنعون بالقرآن؟ قالوا: يقرءونه على موتاهم فقط.ومن قال: كيف هذا يا شيخ؟ فالبرهان: أما أذلونا وسادونا واستعمرونا وحكمونا من إندونيسيا إلى موريتانيا؟ ثم كيف يحكمون المسلمين ويسوسونهم ويسودونهم ويذلونهم؟ وهل لو كانوا أحياء والنور بين أيديهم يُفعل بهم ذلك؟ لا والله، إذ إن القرآن روح ونور، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، وإلى الآن لو أن أمة من الأمم أو بلداً من البلاد أو قرية فقط أقبلت على القرآن تدرسه وتقرؤه وتعمل به لأصبحت ككوكب في السماء بالنسبة إلى البلاد الأخرى.
سيادة دولة الإسلام بتمكين شرع الله وحفظ كتابه
والشاهد عندنا فلا ننكره ولا نجحده، بل حرام علينا إن فعلنا ذلك: ألا وهو هذه الدولة المسلمة، أي: دولة عبد العزيز رحمه الله تعالى، فتصفحوا التاريخ قبل ثمانين سنة كيف كانت هذه الديار؟ والله هنا في مدينة الرسول يأتي الرجل فيأخذ باب بيتك ويبيعه في السوق ولا تستطيع أن تتكلم، بل لا تتصوروا الظلم والفساد الذي كان في العالم بكامله، لكن هذه الديار بالذات ما إن رفعت فيها راية لا إله إلا الله محمد رسول الله وهي تقول: إن أرضاً تظللها كلمة لا إله إلا الله لا يُعبد فيها إلا الله، فما ترك عبد العزيز ورجاله قبة ولا شجرة ولا قبراً ولا في كامل هذه الديار إلا أزالوها، ولم يبق يعبد إلا الله فقط.ثم ماذا تم؟ ساد هذه البلاد أمن وطهر ما رأتهما إلا في القرون الذهبية الثلاثة، وأقسم بالله على ذلك، وسبب هذا هو القرآن، وجربوا ذلك أيها المسلمون، وقد وضع الله للدولة الإسلامية أربع دعائم، قال تعالى في بيان ذلك من سورة الحج: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ ، أي: حكموا وسادوا، أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، فقوله: (أقاموا الصلاة)، كيف يقيمونها؟ يقيمونها بحيث يؤدونها في بيوت الله، فلا يتخلف رجل إلا مريض أو ممرض، والصبح كالظهر وكالعصر وكالمغرب وكالعشاء، وقد طبق هذا عبد العزيز وأولاده بصورة عجب، ووالله لو أن الإمام في القرية لا في مدينة الرسول فقط، عنده قائمة بأسماء أهل القرية كلهم، فيتفقدهم في أوقات الصلوات، فإذا ما أجاب واحد منهم عند التحضير وسكتوا سأل: أين فلان؟ فيذهبون إلى بيته، فإن كان مريضاً أعادوه، وإن كان مسافراً عرفوا ذلك، وإن عبث به الشيطان أدبوه.(أقاموا الصلاة) بحيث إذا أذن المؤذن لا يمكنك أن ترى رجلاً إلا ذاهب إلى المسجد، وبذلك حصل الذي حصل من الأمن والطهر والصفاء. وأما هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل قرية، وليس في حاجة إلى بوليس، وإنما رجال يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا أطيل في هذا الباب، فالله يقول: نور، فماذا نقول؟ إذا لاح النور في أرض هل يبقى فيها ظلام؟ ومن هنا من أراد الله كماله وسعادته يقبل على هذا القرآن العظيم، فإنه نور الله وروح الله، فلا حياة بدونه ولا هداية بدونه. يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، لبيك اللهم لبيك، قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء:174]، فهو الذي قد أرسله، وهو الذي قد خلقه، وهو الذي أنعم به علينا، وهو الذي أوجده لنا، مِنْ رَبِّكُمْ ، أي: من خالقكم أيها المخلوقون، من رازقكم أيها المرزوقون، من مدبر حياتكم أيها المدبرون، ففوقكم الله هو الذي أنعم بهذا الإنعام عليكم من ربكم، وما أرسلته جهة من الجهات، ولا طائفة من الطوائف، وإنما مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء:174]، ألا وهو القرآن العظيم.وعندنا ما نقول به: أنتم تشاهدون العالم الإسلامي كيف هبط أولا ؟ أسألكم بالله، هل يوجد بلد ما يشكو أهله من الخبث ومن الظلم ومن الشر ومن الفساد ومن الجوع ومن الكذب ومن أنواع الهبوط البشري؟ فهيا نطبق القرآن الكريم حتى نرى هذا النور وهذه الروح، وتحيا بها أمة وتستنير بحياتها، فلو أن أهل قرية فقط في جبل أو في سهل يؤمنون ويعلنون عن إسلامهم الحق، أي: إعطاءهم قلوبهم ووجوههم لربهم، إذ الإسلام هو إسلام القلب والوجه لله تعالى، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125]، فأهل القرية عرباً كانوا أو عجماً فقط يعلنون عن إسلامهم الحق، وباسم الله يجتمعون في مسجدهم الجامع، فإن كان ضيقاً وسعوه، وإن كان ما عندهم القدرة على التوسيع فيوسعونه بالأخشاب وباللبن، وليسوا في حاجة إلى الحديد والإسمنت، والمهم أن يتسع لنسائهم وأطفالهم، وقد أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، فإذا دقت الساعة السادسة مساء ومالت الشمس إلى الغروب، فيغسلون أيديهم وينفضونها من العمل، فالصانع كالتاجر كالفلاح، ويتطهرون ويأتون بنسائهم وأطفالهم يريدون ربهم، وكلهم قلبه متعلق بربه، فيصلون المغرب ويجلسن النساء من وراء الستائر، والأطفال كالملائكة صفوفاً صغاراً لا يتكلمون ولا يتحركون، والفحول أمامهم، ويجلس لهم المربي العليم الرباني، وليلة آية من هذا النور الإلهي، كهذه الآية التي درسناها وندرسها، فيقرءونها بصوت عجيب، ويتغنون بها فتحفظ في ربع ساعة، ثم يأخذ المربي الحكيم فيبين لهم مراد الله منها، فإن كانت تحمل عقيدة اعتقدوها، وإن كانت تحمل واجباً عزموا على النهوض به، وإن كانت تحمل منهياً أو مكروهاً صمموا على تركه والتخلي عنه، وإن كانت تحمل أدباً من الآداب عزموا على التأدب بها، وإن كانت تحمل خلقاً من الأخلاق عزموا على التخلق به، والليلة الثانية يأخذون حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المبينة والمفسرة، فيحفظون ذلك الحديث، وتوضع أيديهم على ما يحمله من هدى وخير ونور، وهكذا يوماً بعد يوم، ووالله ما يبلغون السنة إلا وهم أشبه بالملائكة في السماء، فلا تسمع من أحدهم كلمة سوء أو نظرة شزراً أو معاملة سيئة، بل ولا يمكن أن ترى أو تسمع بخبث بينهم أو يظلم بعضهم بعضاً، أو جوع أو عري إلا إذا جاعوا كلهم أو عروا كلهم.ومن ثم توقن أن رسول الله برهان، وأن هذا القرآن نور، وصاحب النور لا يضل أبداً، ومن طلب برهنة فقد قدمنا، إذ كيف كانت ديار العرب؟! ما إن ارتفعت فيها راية لا إله إلا الله وسادتها حكومة القرآن حتى أصبحت مثلاً للكمال البشري.
تفسير قوله تعالى: (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ...)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:175]. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ [النساء:175] أي: آمنوا بالله واعتصموا بحبل الله وبنور الله وبالقرآن العظيم وبياناته النبوية، فهؤلاء يعدهم الرحمن وعد الصدق، ألا وهو فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ [النساء:175]، فهل يخلف الله وعده؟ مستحيل.إن البشرية كلها وليس العرب والمسلمون والعجم فقط، وإنما البشرية كلها من يرفع يده ويقول: إن الإقليم الفلاني في أوروبا الشرقية أو في الغربية، أو في أمريكا الشمالية، أو في الجنوبية، أو وراء الشرق الأقصى، أو الصين، أو اليابان، يدلنا على قرية أو مدينة سادها الطهر والعدل والمودة والإخاء والصفاء، فليرفع يده؟ لا يوجد أحد، إذ إن الدنيا قد تعفنت من الخبث والشر والفساد والعمى والضلال، فقد جربوا الشيوعية، وصاحوا وضجوا: الشيوعية! فماذا أكسبت أهلها ومعتنقيها ودعاتها؟ انفضحت سوأتها في خمسة وسبعين سنة، وهبطت وأصبحوا شر الخلق، ولطالما تبجح بها حتى العرب الهابطون، لكن ما أعطتهم طهراً ولا صفاء ولا مودة ولا محبة ولا إخاء ولا كمالاً بشرياً؟ إذاً فماذا أنتجت لهم؟ الطرق على اختلافها، من المتصوفة وغيرها، فماذا حققت لأمة الإسلام في بلادها؟ هل أطفأت نار الفتن؟ وهل أبعدت الزنا واللواط والجرائم والموبقات والسحر والتدجيل والتكذيب؟ ماذا فعلت؟!هيا نعود إلى الله تعالى، ووالله الذي لا إله غيره لا ترتفع أمة وهي هابطة إلا بهذا القرآن الكريم فقط، وما تأتي من طريق المتحمسين: الجهاد، الجهاد، وهم يوقدون في بلاد المسلمين أشر من الاستعمار، فوالله لن ينتج هذا نوراً ولا هداية، إذ إن الطريق الصحيح هو أن أهل القرية يؤمنون بالله، ويعطون وجوههم وقلوبهم لله، فيجتمعون في بيت ربهم يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم يوماً بعد يوم حتى تلوح أنوار الهداية بينهم، وحينئذ إذا قالوا: يا فلان! أنت إمامنا، قال: مرحباً، فيأمرهم بأمر الله فقد فيمتثلوا، وينهاهم بنهي الله فيمتثلوا، وكلهم مستعد لطاعة الله ورسوله وأولي الأمر.أما بهذه الصيحات وهذه الانتفاضات وهذه الدماء التي تسيل هنا وهناك، وهذا الترويع، فقد أصبح الكفار يضحكون علينا ويقولون: هل هذا هو الإسلام؟! يقتل بعضهم بعضاً؟! وهل المسلم يقتل مسلماً؟! فصرفنا قلوب البشر عن الإسلام بهبوطنا، وبذلنا وبفقرنا وبجهلنا، وبظلمنا وفسادنا، ولا سبب إلا أن العدو الماكر الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى قد عرفوا سبب حياتنا وسبب هدايتنا، فحالوا بيننا وبين سبب الهداية والحياة، فأبعدونا عن القرآن والسنة فمتنا، ولما متنا تمزقنا وتشتتنا، وأصبحنا أحزاباً وجماعات وطوائف، فالقرية الواحدة فيها العديد من الفرق، ولما استقللنا أصبحنا ثلاثة وأربعين أمة أو دولة، فلا إله إلا الله! يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أبيضكم وأسودكم، عربكم وعجمكم، قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، فلا توجد جهة بعثت به أبداً مع عميل لها، وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء:174]، أي: موضح للحياة بكاملها.أتعرفون هذا النور المبين؟ اسمعوا إلى أبي هريرة وهو يقول: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى علمنا كل شيء حتى الخراءة، أما كيف نجامع؟ أو كيف نقاتل؟ أو كيف نكتب؟ أو كيف نصلي؟ فلا تسأل، ولكن أبعدونا عن النور المحمدي وعن القرآن، فأصبحنا على ما نحن عليه اليوم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء:174]، ألا وهو القرآن. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ [النساء:175] رباً ولا رب سواه، وإلهاً ولا إله غيره، ولا معبود يعبد سواه، فآمنوا بأسمائه وصفاته وبحقه على خلقه من عبادته وحده دون من سواه، وَاعْتَصَمُوا بِهِ [النساء:175]، أي: بالقرآن، فالحلال ما أحله القرآن، والحرام ما حرمه القرآن، والواجب ما أوجبه القرآن، والمحرم ما حرمه القرآن.ثم قال تعالى في وعد الصدق: فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ [النساء:175]، والمراد من الرحمة هنا: الجنة دار السلام، والمراد بالفضل هنا: النظر إلى وجه الله الكريم، إذ لا أسعد أبداً من عبد لم ير وجه ربه، فلهذا لما ينعمون في ذات النعيم يناديهم ربهم ويرفع الحجاب عن وجهه وينظر إليهم ويسألهم، فما هناك أعظم من أن ينظر المؤمن إلى وجه الله الكريم، فتغمرهم فرحة ما عرفوها لا في الطعام ولا في الشراب ولا في اللباس ولا في الحياة بكلها. وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ [النساء:175]، فالذين اعتصموا بالقرآن يضلون؟ والله ما يضلون، ولذلك لما اعتصم السلف الصالح بالقرآن والله ما ضلوا، لكن لما تركوه وحولوه إلى أمواتهم ضلوا وما هداهم الله تعالى. وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:175]، أي: لا اعوجاج فيه ولا انحراف أبداً، وسكت تعالى عمن لا يؤمنون بالله ولا يعتصمون بحبله، إذ إن مصيرهم معروف، فماذا يقول فيهم؟ إذاً فسيدخلهم في جهنم ويزيدهم عذاباً فوق العذاب، ويحرمهم النظر إلى وجهه الكريم، ويخلدهم في عالم الشقاء، وهذا أمر ضروري، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، فهل هذه السنن تتبدل؟ يعني: أصبحنا في يوم الطعام لا يشبع؟! أعوذ بالله، الحديد أصبح ما يقطع؟! أبداً، وبالتالي فسنن الله لا تتبدل.إذاً فالأخذ بهذا الكتاب العظيم، بهذا الدين الإسلامي على النحو الذي عرفتم، وهو أن يجتمع أهل القرية، أو أهل الحي مقبلين على الله في صدق يتعلمون الكتاب والحكمة، يوماً بعد يوم، حتى تستنير قلوبهم وتتضح الحياة لهم ويصبحون ربانيين وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن ثم يعزون ويسعدون ويكملون، أما بدون الأخذ بهذا النور وهذه الهداية فهيهات هيهات أن تنفعنا النسبة: مسلمون أو مؤمنون، والله ما تجزئ إلا من استعصم وتمسك بهذا الحبل العظيم.وأخيراً أسمعكم الآيتين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء:174] وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء:174]، أي: القرآن الكريم فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:175]، وأما الذين لم يؤمنوا به، ولم يعتصموا بحبله، فسيدخلهم العذاب والشقاء والخزي والذل والعار في الدنيا، والخلود والبوار في دار البوار يوم القيامة.فالله تعالى أسأل أن يتوب علينا، وأن يرجع بنا إلى كتابه وأنواره حتى نكمل ونسعد، ونشعر بالطمأنينة والطهر، ونرضى بلقاء ربنا ونفرح به في دار السلام، اللهم حقق لنا ذلك يا رب العالمين.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]