عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18-05-2021, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم

- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير سورة النساء - (83)
الحلقة (305)
تفسير سورة النساء (86)



نهى الله عز وجل أهل الكتاب عن الغلو في الدين من التكلف والتنطع، والرهبنة واعتزال النساء، وغير ذلك من البدع التي حملهم عليها الغلو، كما حذرهم من قول غير الحق من زعم وجود الولد لله سبحانه وتعالى، مبيناً لهم أن هذا الذي ادعوه ولداً له سبحانه وهو عيسى عليه السلام لن يستنكف عن عبادة الله وحده، فهو عبده ورسوله وكلمته ألقاها على مريم، لأن كل من يستنكف عن عبادة الله فإن مصيره العذاب الأليم في نار الجحيم.
تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، فهيا نتغنى بها بعض الدقائق ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها، فإن كان عقيدة عقدناها في نفوسنا فلا تنحل بإذن ربنا حتى نلقى الله مولانا، وإن كانت أمراً من أوامره من أجل إسعادنا أو إكمالنا، فإننا نعزم على النهوض بهذا الواجب والقيام بهذا الأمر الإلهي، وإن كانت تحمل منهياً عنه؛ لأنه ضار ومفسد، عزمنا على التخلي عنه والابتعاد من ساحته، وإن كانت تحمل نوراً وهداية سألنا الله تعالى تحقيقها لنا، وأصبحنا من أهل النور والهداية، وإن كانت تحمل آداباً رفيعة وسامية، عزمنا على التأدب بها والتزامها؛ لنسمو ونكمل بين الناس، وإن كانت تحمل خلقاً أحبه الله ورسوله ورغب فيه، عزمنا على التخلق به مادمنا قادرين نعي ونسمع ونقدر على أن نفعل ونترك، ولذا فمن أجل هذا يُدَّرس كتاب الله عز وجل، وتلاوة هذه الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:171-173]، إنه كلام عالي وسامي، ولا عجب إذ إنه كلام الله رب العالمين.
النهي عن الغلو في الدين
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]، من القائل؟ إنه الله عز وجل الذي أنزل هذا القرآن الكريم، على من أنزله؟ على نبيه ومصطفاه ومختاره الذي اختاره من بين البشر وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وها نحن في مدينته النبوية وفي مسجده وذاك قبره الشريف في حجراته الطاهرة، وكلنا يقين على ذلك، وما عندنا أدنى شك ولا وهم. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [النساء:171]، ومن هم أهل الكتاب؟ غالباً هم اليهود والنصارى، لكن في هذا السياق هم النصارى، واليوم النصارى هم المسيحيون أو الصليبيون، فيناديهم الرب تبارك وتعالى في كتابه ليبلغهم رسوله ما دعاهم الله إليه وأمرهم به ونهاهم عنه، وذلك من أجل أن يكملوا ويسعدوا لأنهم عبيد الله تعالى. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]، والغلو من غلا يغلو، إذا تجاوز الحد وازداد وابتعد، والغلو في الدين حرام، وهو الزيادة في الدين؛ لأن الدين إذا زيد فيه أو نقص منه فقد بطل مفعوله، فلا يزكي الأرواح البشرية ولا يطهرها ولا يحقق أمناً ولا طهراً ولا محبة؛ لأنه قد فسد بالزيادة أو النقصان.فأما اليهود فقد غلوا في سب عيسى وشتمه وانتقاصه، إذ رموه بالسحر، ورموا والدته بالزنا، فأفرطوا -والعياذ بالله- في الغلو، أو فرَّطوا أعظم تفريط في شأن عيسى عبد الله ورسوله، وأما النصارى فقد غلوا في عيسى حتى جعلوه هو الله، وجعلوه ابن الله، وجعلوه ثالث أقنوم من الأقانيم الثلاثة التي تكوِّن الله، وهذا كفر -والعياذ بالله- بشع قذر، إذ إن الله رب العالمين، ومالك الملك، وهو الذي أوجد العوالم كلها وأدارها ونظمها في الأكوان كلها، فهل يحتاج إلى ولد فينسب إليه فيقال: عيسى ابن الله؟ وهل هذا الرب العظيم الجليل يتكون من عناصر ثلاثة حتى يكون الإله الرب؟ لقد عبث بهم اليهود، فهم الذين أفسدوا عقيدة المسيحيين، وحسدوهم وأبغضوهم، إذ كيف يظفرون بعيسى وباتباعه والهداية على يديه؟ وما هي إلا فترة سبعين سنة واحتالوا على النصارى وجعلوهم من أبشع المشركين والكافرين والعياذ بالله رب العالمين.فاسمع الله عز وجل وهو يناديهم فيقول: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [النساء:171]، وأهل الكتاب المفروض فيهم أن يكونوا علماء صلحاء عرفاء عدولاً أوعياء مستقيمين. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [النساء:171]، ناداهم لينهاهم عن الغلو في الدين، فقال: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]، ونحن مثلهم، فلا يحل لنا أن نغلو في ديننا بزيادة كلمة أو حركة، واسمعوا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( إياكم -احذروا- ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة )، أحدثت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعملها رسول الله وأصحابه، ولم يبينها لأمته، فاحذروا المحدثات، ( فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، فإياكم يا معشر المسلمين! ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، فهاهو تعالى ينهى أهل الكتاب عن الغلو في الدين، فهل يسمح لنا بذلك؟ معاذ الله عز وجل.مرة أخرى: يا معشر المستمعين والمستمعات! إن الدين عبارة عن قانون أنزله الله عز وجل ووكل إلى رسوله بيانه، وهذا القانون أُنزل وشرع من أجل أن يسعد الإنسان عليه في هذه الدار، ويكمل ويسعد عليه في الدار الآخرة، فمن هنا إذا زاد فيه من زاد فقد أفسده، ومن نقص منه شيئاً فقد أفسده أيضاً.وعندكم مثال محسوس لا يجهله إلا من لا عقل له، وتأملوه: صلاة المغرب ثلاث ركعات، فقد نزل جبريل وعلم رسول الله في مكة وصلى به ثلاث ركعات، فلو قال قائل: نحن في فراغ وفي شوق إلى لقاء الله فنصلي المغرب أربع ركعات! وصلى أربع ركعات، فهل يفتيه عالم فقيه في المسلمين ويقول: صلاتك صحيحة؟ والله ما كان، بل كل فقيه يقول له: صلاتك باطلة؛ لأنك زدت فيها ركعة، وكذلك لو قال قائل: نحن في شغل وفي تعب، وسوف نصلي العصر ثلاث ركعات! وصلوا العصر فعلاً ثلاث ركعات، فهل يوجد عالم في الإنس في بني آدم من فقهاء الإسلام من يقول: صلاتكم صحيحة؟ الجواب: لا والله، ولو قال آخر: يا معشر المسلمين! إننا في شوق إلى عبادة الله، وطالما كنا مفرطين، فهذه السنة نصوم واحداً وثلاثين يوماً! وفعلاً صمنا واحداً وثلاثين يوماً، فهل يوجد فقيه فيقول: لا بأس وصيامكم صحيح؟ لا والله، بل صيامكم باطل فاسد، أو لو قلنا: إن هذا العام نكتفي بتسعة وعشرين يوماً، وصمنا تسعة وعشرين يوماً وأفطرنا وما زال من رمضان يوم، فهل يوجد من يقول: صيامكم صحيح؟ والله ما يوجد، بل باطل، ومعنى بطلانه: أن هذه العبادة لا تزكي النفس ولا تطهرها ولا تؤهل الإنسان للكمال والإسعاد إلا إذا أداها كما نزلت من السماء وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن هذه العبادة لا تزكي النفس، أو لا توجد الطهارة والصفاء في الروح البشرية التي بين جنبينا، ومن هنا فالزيادة في الدين كالنقصان، فإن قال قائل: يا شيخ! إن هذا بعيد، فأقول: أرأيتم من قال: أنا لا أغسل وجهي إلا أربع فقط ما نكتفي بثلاث، فيزيد غسلة رابعة متعمداً، فهل تجد فقيهاً يقول له: لا بأس؟ لا والله؛ لأنها عبادة مقننة بتقنين حكيم، فالزيادة تبطلها والنقص يبطلها، فإما أن تؤدى كما هي وإلا ما تنتج أو ما تولد النور للقلب البشري.وها نحن نسمع ما يقول تعالى لأهل الكتاب فيقول: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]، أي غلو، وأي زيادة.
حرمة القول على الله بغير علم
قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [النساء:171]، أي: الثابت القطعي الثبوت بوحي الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو الثابت بالعقل السليم الصحيح، فلا تقولوا على الله قولاً إلا أن يكون حقاً ثابتاً، أما أن نقول: الله له ولد أو له زوجة! فبأي حق أثبتنا هذا؟ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [النساء:171]، أي: لا تكذبوا على الله فتقولون: قال الله كذا وهو ما قال، ولا حرم الله كذا والله ما حرم، ولا أحل الله كذا والله ما أحل، ولا شرع الله كذا وهو ما شرع، إذ لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يقول كلمة عن الله إلا إذا علمها يقيناً في كتابه وفي هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [الصف:7]، فهل يوجد من هو أظلم ممن يكذب على الله؟ لا والله، والذين يكذبون على الله إنما يكذبون لأجل تحقيق مصالح، أو لأجل الدينار والدرهم، أو من أجل حب العلو والرياسة والسلطان، أو من أجل أن يحصلوا على مادة فاسدة في هذه الحياة الدنيا.ونحن معاشر المؤمنين والمؤمنات! لا نكذب على إنسان فكيف نكذب على الله الرحمن؟! إذ الكذب حرام، فلا يحل لمؤمن أن يقول: قال فلان وهو ما قال، أو يقول: رأيت كذا وهو ما رأى، أو فعل فلان وهو ما فعل، فكيف إذاً يكذب على الله؟!
المعتقد الحق في عيسى عليه السلام
ثم قال تعالى مبيناً غلوهم وباطلهم: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [النساء:171]، والمسيح هو عيسى عليه السلام، وسمي بالمسيح لأنه ممسوح الذنوب، إذ إنه لم يقارف ذنباً قط، وقد عاش ثلاث وثلاثين سنة ولم يذنب ذنباً قط، وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا في حديث الشفاعة الكبرى أو العظمى يوم القيامة، إذ يأتي الناس إلى آدم وهم في عرصات القيامة في ساحة فصل القضاء، فيعتذر آدم على أن يكلم لهم الله ليقضي بينهم ويحيلهم إلى نوح، ونوح يحيلهم إلى إبراهيم، وإبراهيم يحيلهم إلى موسى، وموسى يحيلهم إلى عيسى، فكل من أحيل إليه ذكر ذنباً وقال: كيف أكلم ربي اليوم وقد غضب غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله؟ عليكم بفلان، ثم قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( إلا عيسى فإنه لم يذكر ذنباً قط )، ومع هذا قال: عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم.وإذا نزل من السماء -ولا ندري متى ينزل غداً أو بعد غد؟- فإنه يحج ويعتمر، والحبيب يقول: ( كأني بابن مريم في فج الروحاء ملبياً بحج وعمرة أو بعمرة أو حج )، لكن لا يفرحن النصارى واليهود بنزوله فيقولون: حينئذ نسلم، إذ لن يجزهم إسلام ولم ينفعهم إيمان؛ لأن الساعة قد دقت وانتهى العمل، فالمؤمن مؤمن والكافر كافر، قال تعالى في هذه الحقيقة، وهي إذا ظهرت علامات الساعة أغلق باب التوبة: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158]، فيؤمنون، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158]، عز وجل فيؤمنون، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، فيؤمنون، ثم ماذا قال تعالى؟ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، ونزول عيسى من العلامات الكبرى.والمسيح عيسى بن مريم ليس له أب، إذ لو كان له أب لسماه الله عز وجل، وإنما له أم اسمها مريم بالعبرية، وبالعربية: خادمة الله.قال تعالى في الإخبار عنه: رَسُولُ اللَّهِ [النساء:171]، وليس هو ابن الله، وإنما رسول الله أرسله إلى اليهود فقط، فرسالته خاصة وليست عامة كرسالة الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، فلهذا ناداهم فقال: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف:6]، أما محمد: أَيُّهَا النَّاسُ [الأعراف:158]، أبيضهم وأسودهم.ثم قال تعالى أيضاً في الإخبار عنه: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ [النساء:171]، ما هذه الكلمة التي ألقاها إلى مريم؟ اللفظ يدل دلالتين سليمتين صحيحتين: الأولى: اقرءوا من سورتها: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا [مريم:16-19]، إذاً فهذه الكلمة هي كلمة الله عز وجل التي بعث بها عبده ورسوله جبريل فبلغها مريم، أي: ألقاها إلى مريم.والثانية: كلمة التكوين؛ لأن عيسى كان بكلمة الله (كن)، إذ بعث الله جبريل عليه السلام وأمره أن ينفخ في كم درعها، فنفخ فسرت النفخة الهوائية فدخلت في بطنها وقال الله لعيسى: كن، فكان. إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ [النساء:171]، وهذا أولاً، وثانياً: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ [النساء:171]، وثالثاً: وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171]، أي: روح من الله عز وجل، فجبريل هو الذي نفخها، والذي أمره أن ينفخ هذه الروح هو الله عز وجل.وهنا النصارى قالوا: إن كلمة (منه) في الآية: وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171]معناها: أن عيسى جزء من الله عز وجل! وقد حدث على عهد الرشيد العباسي أن طبيباً نصرانياً كان عنده في مجلسه وهناك عالم جليل، فقال هذا النصراني: سبحان الله! الله يقول في كتابه العزيز: وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171]، وأنتم تقولون: ليس هو بجزء من الله! فكيف ذلك؟ فألهم الله ذلك العالم الجليل فقال له: اسمع قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]، ثم قال: إذاً هذه الأكوان كلها جزء من الله أو عيسى وحده فقط؟! فأسكته وأسلم وتاب إلى الله عز وجل ونجا من عذاب الله.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]