عرض مشاركة واحدة
  #540  
قديم 03-05-2021, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (60)
الحلقة (283)

تفسير سورة النساء (64)


الشرك بالله هو الظلم العظيم، والله عز وجل لا يغفر لمن أشرك به، فهو سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، فلا يقبل أن يشرك معه شيء في ألوهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته، أما ما عدا ذلك من المعاصي والآثام التي تقع من العبد فإن الله عز وجل إن شاء آخذه بها وإن شاء تجاوز عنه ما دام أنه سالم من الشرك.
تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن الليلة مع آية فقط من كتاب الله عز وجل، مع مراجعتنا للآيتين اللتين درسناهما في الليلة الماضية، وآيتنا الليلة التي نتدارسها ونقرؤها ونتلوها ويحفظها الكثير منا، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].أبنائي العوام! إخواني العوام! هيا بنا نحفظ هذه الآية ونرجع بها إلى بيوتنا محفوظة، إذ هي أولاً: كلام الله، وثانياً: نصلي بها النافلة والفريضة طول حياتنا، وثالثاً: أنه بحفظنا إياها نكتنز كنزاً نورانياً في صدورنا حتى تلقى ربنا، وإذا فهمنا معناها وحفظناها فقد خطونا أكبر خطوة إلى ظلال العلم الوارف.فما المانع أن نحفظها؟ هيا نكررها: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، قال علي بن أبي طالب صهر النبي وابن عمه رضي الله عنه كما جاء عند الترمذي في جامعه: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية. وسوف يتضح لكم سبب هذا الحب، وتعرفون مقام علي في العلم، إذ إنه بحر زاخر. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:116]، أي: ما دون الشرك، لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، أتعرفون الضلال البعيد؟ لو أن رجلاً أراد أن يذهب إلى مكة، ومكة كما هو معلوم توجد جنوباً، فأخطأ ومشى شمالاً، ومشى أربعين يوماً في الشمال، فهل يستطيع أن يرجع إلى مكة؟ ما يستطيع، فقد نفد الزاد، وتعب وعيي، لكن لو مشى فقط كيلو أو اثنين أو ثلاثة، أو يوماً واحداً، فيمكن أن يرجع؛ لأن الضلال قريب، لكن إذا كان الضلال بعيداً، ووصل إلى أوروبا، فكيف يرجع؟ هلك، وهذا تفسير الضلال البعيد في كلام الله، فقد انتهى عمره وانتهت حياته.ومعنى هذا يا عبد الله! يا أمة الله! لا تتوغل في الشر والفساد والظلم والخبث والكفر، فإن التوغل في ذلك كالضلال البعيد، بخلاف من زنى أو سرق أو كذب أو ضرب أمه أو عق والده، ثم رجع فيمكنه أن يرجع، لكن إذا توغل في ذلك الظلم العام بعد العام، وما ترك جريمة إلا ارتكبها، فمثل هذا لن يعود، بل يطبع على قلبه، وتتغير طبيعته، ويفسد قلبه، ولا يصبح أبداً يؤمل أن يعود إلى الحق والخير، ولهذا فالقاعدة عند أهل الإسلام: أن التوبة تجب على الفور، ولا يجوز تأخيرها عاماً أو شهراً أو أياماً، فإذا وقعت يا عبد الله في معصية الله فأعلن عن توبتك وقل: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، يمحى ذلك الأثر ولا يمكن أن تعاوده، وإن عاودته مثلاً فأنت متهيئ للتوبة دائماً، فلا يجيء ختم ولا طبع على قلبك، أما إذا استمريت في هذه الجريمة يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، فلا يمكن أن ترجع. هل تريدون أن تعرفوا كيف تكون التوبة؟ كان هناك سوق المدينة لبيع التمر، فجاءت مؤمنة -زوجها في الجهاد-لتشتري شيئاً من التمر لها ولأولادها، فمرت بالبائع واشترت منه فرأى كفها، إذ لم يكن عندها قفاز، فأعمى الشيطان ذلك العبد فقبل كفها، فقالت له: أما تتقي الله؟ فما الذي حصل؟ والله العظيم خرج من مكانه ذاك وهو يصرخ، وينتف في شعره، ويرمي بالتراب على وجهه حتى وصل إلى أحد، ثم عاد من أحد كأنه فاقد عقله، ودخل على الرسول في صلاة المغرب، وأراد أن يتكلم مع أبي بكر فرفضه، ومع عمر كذلك، وانتظر حتى صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب بالمؤمنين وأخبره، فعرف الرسول توبته التي لا تعادلها توبة، فقال: ( هل صليت معنا المغرب؟ فقال: نعم، فقرأ عليه: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] )، أما أن يواصل العبد الجريمة بعد الأخرى فأنى له أن يتوب؟!واسمع إلى أستاذ الحكمة ومعلمها صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( إذا أذنب العبد ذنباً وقع نكتةً سوداء على قلبه، فإن تاب ونزع انمحت وذهب أثرها، فإن لم يتب وزاد ذنباً آخر إلى جنب الأولى وثالثة ورابعة يختم على قلبه، وذلكم الران الذي قال تعالى فيه: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] )، وهؤلاء ما يستجيبون لنداء الحق ولا يقبلونه.معاشر المستمعين! حفظتم هذه الآية أو تعدونها رخيصة؟ والله لحفظها خير من خمسين ألف ريالاً، وليسمح لي ربي إذا ما أعطيتها حقها، والله لأن يحفظها مؤمن أو مؤمنة، ويصلي بها النوافل والفرائض ويذكرها دائماً وهي نور في قلبه؛ فتبعده عن ساحات الشرك والعياذ بالله، لكان ذلك خيراً له من الدنيا وما فيها.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء

النهي عن النجوى وبيان مواطن جوازها
يقول تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، والمناجاة هي الكلام السري في المخابئ أو في البيوت أو تحت أي شيء، فإذا لم تكن من هذه الثلاثة فهو باطل وصاحبه هالك والعياذ بالله، فلا بد أن تكون ظواهرنا كبواطننا، وقد قلت لكم يوم أمس: والله إن الكلام الذي لا أستطيع أن أقوله في المسجد لا أقوله في البيت، إذ كل ما فيه أذى فهو حرام، وكل ما فيه رضا الله فهو حلال، وقله وتبجح به، وما كان به سخط ربنا ويحمل أذية للمؤمنين والمؤمنات، فلا يحل أبداً أن تقوله لا في السر ولا في العلن. وفي حديث الأنبياء كلهم: ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )، ونحن نستحي من الله أن نقول كلمة تغضبه، نستحي من الله أن نجحد كلمة جحودها يغضبه، وبالتالي فما كان حقاً وخيراً فقله في السر والعلن، وما كان شراً فلا تقله لا في السر ولا في العلن، وهذا نظام حياتنا معاشر المؤمنين. لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، والجزاء: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، ألا وهو الجنة دار السلام، فأي أجر أعظم من الجنة؟! وهذا قد علمناه وعزمنا على أن نعمل به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، وقال تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10]، فيا إخواننا! تخلوا عن التحزب والتجمع والطائفية والكلام السري والتآمر على بعضكم وإخوانك، إذ هذا ليس من شأننا، فنحن أولياء الله عز وجل.
النهي عن مشاقة النبي صلى الله عليه وسلم
وبعد ذلك ماذا؟ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، وهذا الخبر صاحبه الله تعالى، وهو يحمل حكماً إلهياً لا ينقض، ومن هنا فإن أهل القرية وأهل المدينة وأهل الإقليم، ومن سكنوا في جبل أو في أي مكان من الأرض، إخوان متحابون متعاونون، لا يحل لك أن تقول كلمة تؤذي أحداً منهم، ومن هنا فلا حزبية ولا طائفية ولا وطنية أبداً، وإنما مسلمون أولياء الله تعالى، وهذا ممكن، فقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرين سنة ولم يكن عنده تحزب عنده أبداً، وإنما مسلمون فقط، وولي الخلافة من بعده أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وفي أربعين سنة لم يكن هناك في المسلمين حزب كذا أو جماعة كذا.نعم خرج الخوارج على علي فقتلهم وقاتلهم، وهذه الآية بالذات أحبها علي؛ لأنها تغلق الباب في وجوه الخوارج الذين يكفرون المؤمنين بذنب من الذنوب، وما زالوا يتواجدون، فعندهم إذا ارتكب المؤمن كبيرة كزنا أو رباً أو عقوق الوالدين أو سرقة ومات بدون توبة فإنه يخلد في جهنم، فيكذبون على الله ورسوله وعلى شرع الله، مع أن هذه الآية الكريمة تقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]، ولا خلاف في هذا، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك [النساء:116]، أي: دون الشرك، فكل المؤمنين والمؤمنات من مات منهم على كبيرة من كبائر الذنوب دون الكفر أو الشرك، فإنه تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له، وإن شاء أدخله النار، أما أن نحكم بالخلود في النار لكل من أذنب، فهذا المذهب مذهب الخوارج وعلي قد قاتلهم وقتل منهم آلاف. وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ [النساء:115]، فهل فهمتم معنى مشاقة الرسول أو لا؟ الرسول يقول: ( إذا أكلت فقل: بسم الله )، وأنت تقول: لا نقول: بسم الله، الرسول يقول: ( إذا أكلت فكل بيمينك )، وأنت تقول: لا، فتأكل بشمالك، الرسول أوصى رجاله بأن يعفوا لحاهم، وأنت تقول: ما هذا؟! ولا تعفي لحيتك، أو لا تبقي مظاهر الرجولة فيك فقط، الرسول يأمر الناس بأن يصلوا في بيوت الله، وأنت تقول: لا، ثم تصلي وحدك، فهذه هي المشاقة للنبي صلى الله عليه وسلم.والشاهد عندنا في مشاقة الرسول كمعاداة الرسول، يقال: عادى فلان فلاناً، بمعنى: وقف في عدوة وذاك في عدوة أخرى، وعدوة الوادي، أي: جانبي الوادي، فهذه الجهة تسمى: عدوة، والأخرى: عدوة، وكذلك المشاقة، فهو في شق وأنت في شق، وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ [النساء:115]، بمعنى: يقف بعيداً عنه، فلا يواليه لا في فريضة ولا نافلة ولا في شيء، وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا [النساء:115]، عرف الحلال والحرام، الحق والباطل، الخير والشر، الإيمان والكفر، الصدق والكذب، ثم يفضل المشاقة والبعد عن الرسول، فيواصل جرائمه وأطماعه وهواه، فيموت والعياذ بالله على ذلك.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]