عرض مشاركة واحدة
  #536  
قديم 03-05-2021, 02:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,336
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (58)
الحلقة (281)

تفسير سورة النساء (62)


فضائل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة، ومما تفضل الله به عليه أنه وقاه من الجور في الحكم في قضية بني أبيرق واليهودي الذي اتهموه بالسرقة، فبعد أن كاد النبي يحكم على اليهودي بعد شهادة الشهود عليه أنزل الله عز وجل قرآناً يتلى، برأ فيه اليهودي وفضح طعمة بن أبيرق المنافق إذ كان هو الذي سرق ورمى بهذه التهمة اليهودي البريء، وبعد فضحه انقلب على عقبيه فاراً إلى مكة كافراً.
تفسير قوله تعالى: (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وما زلنا مع سورة النساء الميمونة المباركة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نتلو هذه الآيات ونتدبر معانيها وما تحمله من هدى، يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:110-113]. تأملوا هذا، الله يخاطب رسوله فيقول: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، وهذه عامة لكل مؤمن ومؤمنة. وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ [النساء:111]، لا على غيره، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:111]، لا يخفى عليه من كسب إثماً وجحده وغطاه، (حكيماً) يجزي بحسب ذلك العمل. وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112]، وتأملوا هذه الآية. ثم قال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]. وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، ماذا تفهم يا عبد الله ويا أمة الله من هذا الخبر؟ المخبر هو الله العليم الحكيم، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، والسوء كل ما يسيء إلى نفسك فيخبثها ويدرنها ويعفنها، وذلك كل إثم من الآثام، والإثم إما تركك واجباً وأنت قادر على فعله، أو ارتكابك محرماً من المحرمات. وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، أي: ما يسيء إلى نفسه، أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110]، أي: يعمل سوءاً مع غيره، كأن يكذب أو يضرب أو يظلم غيره، أو يظلم نفسه بارتكاب محرم، إما بترك واجب أوجبه الله، أو بغشيان محرم حرمه الله تعالى، عقيدة كان أو قولاً أو فعلاً، وتذكرون قصة بني أبيرق وعلى رأسهم طعمة، والآيات تدور عليهم. فانظر كيف تجلت رحمة الله تعالى فقال لهم: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110]، أي: منكم يا بني أبيرق ومن شارك في الإثم ووقف إلى جنبكم، فبابنا مفتوح فاستغفروا الله تجدوا الله غفوراً رحيماً. هذه الجماعة التي ارتكبت أكبر جريمة وهي السرقة، ثم اتهمت اليهودي بالسرقة، واستطاعوا أن يجذبوا رسول الله إليهم، وكاد أن يوافقهم على دعواهم ويقطع يد اليهودي، لكن الله سلم فأنزل هذه الآيات، وفضح أولئك المنافقين، ومع هذا فتح لهم باب الرحمة.و (مَن) في الآية تفيد العموم، سواء ارتكب هذا السوء أبيضاً أو أسوداً، ذكراً أو أنثى، عربياً أو أعجمياً، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، أي: مع أي مؤمن أو مؤمنة، كأن يأخذ ماله أو يسبه أو يشتمه أو يكذب عليه أو يفتري عليه، أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110] أي: بارتكاب محرم أو ترك واجب، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ [النساء:110]، أي: يتوب توبة نصوحاً، ويكثر من الاستغفار، ولا يفارقه الندم، ويطلب العفو ممن جنى عليه أو اعتدى عليه، وهذه التوبة عبر عنها بالاستغفار، فلا بد من التوبة والرجوع إلى الصواب، والرجوع إلى الحق، فإن كان بينه وبين أخيه يطلب سماحاً منه ومعذرة وعفواً، ويعطيه ما أخذه منه، يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، أي: من شأنه هذا فإنه يجد الله غفوراً رحيماً، وبالتالي لا تخف أن تقول: أغلق باب التوبة في وجهي، إذ ما من مؤمن ولا مؤمنة يعمل سوءاً وهو الإثم الضار الفاسد، أو يظلم نفسه بالذات، بأن يرتكب ما حرم الله، ثم يستغفر الله نادماً راجعاً إلى الصواب عائداً إلى الحق، ويواصل الاستغفار والتوبة، فإنه يجد الله غفوراً له رحيماً به، يغفر زلته ويرحمه، وعليه ففتح الله لهم باب التوبة إلا من رفض منهم.
تفسير قوله تعالى: (ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه...)
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:111].يقول تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا [النساء:111] من الآثام، والإثم كل ضار فاسد، أو كل ما يضر فهو إثم، أو كل ما هو فاسد فهو إثم غير صالح. فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ [النساء:111]، لا على غيره، فلو يقوم أحد منا الآن ويقول الباطل فإننا لا نتأذى به، وإنما يعود عليه هو وحده، وذلك لأن العمل يتولد أو ينتج عنه ظلمة النفس وخبث الروح وتدسيتها، فما تتدسى روحي ولا روحك بذنب ذلك الرجل، اللهم إلا في حال رضانا بالباطل وسكوتنا عنه، وحينئذ نكون قد ارتكبنا ذنباً آخر وهو أننا ما أمرنا بمعروف ولا نهينا عن منكر. وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:111]، عليماً لا يخفى عليه ذنب يرتكبه إنسان على وجه الأرض، فلا تفهم أنه لا يطلع الله عليك، أو لا يدري ساعة ما قلت أو فعلت، فالله مازال عليماً بالخلق كلهم، وعلمه تعالى تغلغل في كل ذرات الكون العلوي والسفلي، فلا يخفى عليه من أمرنا شيئاً، وحكيماً يضع الشيء في موضعه، فالذي أذنب هو الذي يؤاخذه، والذي لم يذنب لا يصيبه بالمصيبة ولا يحل به العذاب، بخلاف لو كان غير حكيم، فـعدنان يسرق وهو راض فتقطع يده، لكنه عليم عادل، فاطمئن إلى أنك لا تظلم أبداً، لا في حسنة تقوم بها ولا في سيئة ترتكبها. وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [النساء:111]، أي: بخلقه، حَكِيمًا [النساء:111]، في قضائه وتصرفاته وشرعه، فلتطمئن النفوس تماماً.
تفسير قوله تعالى: (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً)
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112].قال تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا [النساء:112]، ما الفرق بين الخطيئة والإثم؟ الخطيئة أن يفعل الإنسان شيئاً ضد أخيه كما فعل ابن أبيرق، والإثم مطلقاً، أي: ترك واجب أو فعل محرم، ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [النساء:112]، والبريء مأخوذ من البراءة، وهو الذي ما فعل، ما قال قولاً شنيعاً أبداً ولا سرق ولا كذب، بينما الآخر يرتكب الخطيئة أو الإثم ويقول: فلان هو الذي فعل ذلك، يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [النساء:112]، كما رمى بنو أبيرق اليهودي، فقد وضعوا الدرع في بيته وقالوا: هو الذي سرق. وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [النساء:112]، ما له؟ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112]، احتمل لأنه ما يطيق أن يحمل هذا، فهو احتمله بأمر فظيع، والبهتان هو الكذب الذي يبهت صاحبه فيتركه حيراناً، فالكذب كذب، ولكن إذا بهت مؤمناً ولم يسبق له هذا القول ولا هذا العمل، ثم واجهته وقلت له: أنت قلت كذا أو فعلت كذا، فإنه يحتار ويندهش، فهذا هو البهتان، أي: الكذب الذي ما له عامل أبداً يقتضيه أو سبب ممكن يوجد بسببه، فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112]، والجزاء عند الله إن تاب نجا؛ لأن باب التوبة مفتوح، لكن كرر الحادثة، وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا [النساء:112]، فهم سرقوا، لكن لما خافوا أن يفتضحوا رموا اليهودي، فارتكبوا بذلك خطيئة وإثماً، فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112].وهنا قد انتهى الكلام عن بني أبيرق ومن وقف إلى جنبهم من أهل الغفلة، وقد فتح الله لهم الباب وتاب على من تاب منهم، والآن الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
تفسير قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113].
امتنان الله على رسوله بأن حفظه وعصمه من الخطأ في الحكم
يقول تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ [النساء:113] يا رسولنا، لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ [النساء:113]، فقد جاءوا بمن ينطق ويحلف: السارق هو اليهودي، وهذا ما علمنا به، ولا يمكن أن يتم هذا بيننا، فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عصمه الله وحفظه قبل أن يصدر الحكم على اليهودي، فنزلت الآيات القرآنية ببراءة اليهودي، وهذا فضل الله ورحمته على رسوله صلى الله عليه وسلم. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ [النساء:113]، ما معنى: يُضِلُّوكَ [النساء:113]؟ أي: يوقعونك في الضلال وفي الخطأ، وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ [النساء:113]، أما أنت يا رسولنا فيحميك ربك ويصونك مولاك، وقد فعل ذلك، وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ [النساء:113]، فطمأنه وأمنه، وكيف لا وهو وليه، وهو من أرسله إلى الناس كافة، وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ [النساء:113] أبداً، بل أقل الضرر لا يمكن أن يصل إليك يا رسولنا.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]