عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26-04-2021, 03:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (51)
الحلقة (274)

تفسير سورة النساء (56)

إن الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى مرتبة عظيمة ومنزلة رفيعة، وقد نفى الله سبحانه وتعالى أن يستوي في الأجر والمنزلة من يجاهد بنفسه وماله من المؤمنين، ومن يقعد عن الجهاد بخلاً بماله وضناً بنفسه أن يقدمها لله عز وجل، ولكن الله استثنى من الذين لم يجاهدوا أولي الضرر، فجعل لهم أجر المجاهدين رغم قعودهم عنه لصلاح نياتهم ورغبتهم في الجهاد لولا وجود ما يعيقهم، وحتى مع وجود العذر فإن المجاهد يفضل على من لم يجاهد لعذر درجة في الجنة، لما حازه من سبق، وما قدمه من تضحيات.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر جميعاً بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، ومعنا آيتان كريمتان قبل الشروع في تلاوتهما ثم في تفسيرهما أذكر الناسين بما جاء في الآيتين السابقتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94].
هداية الآيات
قال المؤلف: [ من هداية الآيتين: أولاً: مشروعية السير في سبيل الله غزواً وجهاداً ] وذكرنا أيضاً أن السير إلى الحج، أو إلى العمرة، أو إلى طلب العلم، أو لزيارة الأرحام وصلتهم، أو لزيارة الصالحين الأحياء لا الأموات، كل هذا يعتبر سيراً في سبيل الله عز وجل، لكن المقصود هنا بـ(في سبيل الله): الغزو والجهاد في سبيل الله.قال: [ ثانياً: وجوب التثبت والتبين في الأمور التي يترتب عليها الخطأ فيها ] أي: ينبغي لنا معشر المستمعين والمستمعات! أن نتثبت ونتبين في الأمور التي إذا وقع فيها خطأ كان الضرر والألم الكبير. ومن أقرب ما أشير إليه: يا سائقي السيارات! تثبّتوا في سياقتكم! وتأملوا واحترسوا؛ لأنكم تحملون أرواحاً، ويمر بين أيديكم أرواحاً، وقتل النفس خطأ قد عرفتم ماذا يترتب عليه؟ الدية وعتق رقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين؛ لأنه ما تحفّظ وما تثبّت وما تبيّن.فعلينا معاشر المؤمنين! أن نتبيّن وأن نتثبت في الأمور كلها، فلا نصدر حكماً إلا على علم، ولا نتحرك حركة إلا على بينة وعلم.قال: [ ثالثاً: ذم الرغبة في الدنيا إذا كانت تتعارض مع تقوى الله عز وجل ] أي: ذم الدنيا من مال وجهاه وسلطان إذا كانت تتعارض مع تقوى الله عز وجل، أما قال تعالى: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ [النساء:94]؟ فهم قتلوا هذا العبد وقد سلّم عليهم ليدلل على أنه مسلم، ولكن لاحت الرغبة في نفوسهم في الغنيمة والمال، فقالوا: ما قال: السلام عليكم إلا تقية فقط لنفسه، فهو حقيقة من قوم كافرين محاربين، لكن من كان معه فقد هرب، وهو ثبت على أنه مسلم، لكن الأصحاب رضي الله عنهم تعرضوا لهذه المحنة، ونزل فيهم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: أنتم.قال: [ رابعاً: الاتعاظ بحال الغير والاعتبار بالأحداث المماثلة ]، أما كنتم يا أصحاب رسول الله كافرين مشركين؟ من أنعم عليكم بالإيمان والإسلام؟ فكذلك أيضاً هذا مثلكم كافر وقد أنعم الله عليه بالإسلام والإيمان، أما كنتم تخافون من المشركين وترهبونهم ولا تعلنون عن إسلامكم؟ فكذلك هذا أيضاً كان مع قوم كافرين مختفياً، ما استطاع أن يظهر إسلامه، وهذا هو التأديب الإلهي، فيا ليتنا نأخذ به.
تفسير قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ...)
ونعود إلى الآيتين الكريمتين اللتين وصلنا إليهما، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:95-96].يروى أن عبد الله بن أم مكتوم لما نزلت هذه الآية بهذه الصيغة: ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ )، جاء عبد الله بن أم مكتوم -أمير المدينة-ذاك الذي نزل فيه قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [عبس:1-3]، فعاتب الله تعالى رسوله في عبد الله بن أم مكتوم الأعمى، إذ كان الرسول يتصدى لرجالات قريش في مكة ليدعوهم إلى الإسلام، فجاء هذا المؤمن الأعمى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مشغول بصناديد قريش، وقال: يا رسول الله! علني، فعبس الرسول في وجهه، فنزل هذا القرآن الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم، عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:1]، ولو قال: عبست وتوليت فقد يغمى على الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لا يطيق ذلك، لكن رحمة الله بأوليائه وصالح عباده جاء بصيغة الماضي فقال: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا.. [عبس:1-11].أريتم هذا؟! انظر إلى الكمال المحمدي، ثم أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء ابن أم مكتوم الأعمى يقف له ويجلسه على فراشه ويقول: ( مرحباً بالذي عاتبني فيه ربي )، فهل فينا من يفعل مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألسنا أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألسنا مأمورين بالتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه؟ فإن قيل: يا شيخ! ما تعلمنا هذا ولا عرفناه، وبالتالي فنحن معذورون، لا والله، لم لا نتعلم ونعمل؟نعود فنقول: لما نزلت هذه الآية بهذه الصيغة: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ...) الآية، أتى عبد الله بن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف وأنا أعمى يا رسول الله؟ فما برح مكانه حتى نزلت: غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ [النساء:95]، استثناء على قراءة النصب، وهي قراءة سبعية، والأصل: ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ )، إذ كيف يستويان؟! هذا ضن بماله وبخل بنفسه، وهذا أنفق ماله وخرج بنفسه، وبالتالي فكيف يستويان؟!(لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ)، أو غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ [النساء:95]، فإن قرأنا بالنصب فاستثناء ويصلح حالاً، وإن قرأنا بالرفع فهو نعت للفظ (القاعدون).وأصحاب الضرر هم العميان، والمرضى، والعرج، فالأعرج معذور، والأعمى معذور، والمريض معذور، وابن أم مكتوم رضي الله عنه كان أعمى، وفي آية الفتح يقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [الفتح:17]. قال: فلما اشتكى عبد الله بن أم مكتوم وقال: وكيف وأنا أعمى؟ نزل قوله: غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ [النساء:95]، فأدخلت بين جملتي: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ )، وهذا يدل دلالة قطعية على أن الله هو الذي ينزل هذا الوحي، وأنه هو الذي يوحي به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الكلام كلام الله عز وجل وليس كلام بشر. لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:95]، وسبيل الله هو الطريق الموصل إلى رضاه، وذلك بعبادته وحده دون من سواه، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، والسير في طريقه إلى آخر نفس للإنسان، وذلك لإقامة دينه وشرعه، ولإبعاد الضرر والأذى والألم عن أوليائه الذين يضطهدون ويعذّبون ويقاتلون.قال: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ [النساء:95]، من أولي الضرر دَرَجَةً [النساء:95]؛ لأنهم قعدوا فهم معذورون، ولهم أجرهم لكن مستواهم دون ذلك، وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [النساء:95]، أي: المجاهدون بأموالهم وأنفسهم، والقاعدون للضرر، الكل وعده الله بالجنة، وفسرت الحسنى بالجنة، ولهذا فرح ابن أم مكتوم رضي الله عنه. ثم قال تعالى: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ [النساء:95]، و(القاعدين) هنا من غير أولي الضرر، إذ إن القاعدين هنا الذين ضنوا بأموالهم وبخلوا بأنفسهم وما خرجوا في سبيل الله تعالى.
تفسير قوله تعالى: (درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً)
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:96]. دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً [النساء:96]، والدرجات: جمع درجة، ولنستمع إلى هذا الخبر، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم: ( من رمى بسهم فله أجره درجة )، فقال رجل: يا رسول الله! وما الدرجة؟ فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أما إنها ليست بعتبة بابك )، أي: ليست مثل درجة الباب، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( ما بين الدرجتين مائة عام )، أي: ليست رفع رجل فقط، وإنما بين الدرجة والدرجة الأخرى مسافة مائة عام، وقد علمنا سابقاً: أن أهل الجنة يتراءون منازلهم كما نتراءى الكواكب في السماء، وروي أيضاً في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ).

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]