هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: وجوب توحيد الله تعالى في عبادته ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، أي: لا معبود بحق إلا هو، وقد سرحنا النظر والعقل في الملكوت كله، والله لا يوجد من يستحق أن يعبد إلا الله، فمن يدلل على هذا أو يبرهن؟ لا خالق للخلق ولا مكون للكون إلا الله، إذاً فكيف يعبد مخلوق مكون والخالق المكوِّن لا يُعبد؟! بأي عقل هذا؟! سرح النظر في الملكوت كله والله لن تجد من يستحق أن يعبد إلا الله عز وجل، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، أي: لا معبود بحق يقتضي أن يعبد إلا الله عز وجل، وحق الله علينا لنعبده مقابل خلقنا ووهبنا حياتنا كلها، ووهب لنا الكون كله، ومع ذلك ننكر فضله ولا نطيعه؟! وأخرى أيضاً: هل الله عز وجل في حاجة إلى عبادتنا؟ لا والله، إذاً لم يكلفنا، هذا حرام، وهذا حلال، وقم بكذا، وافعل كذا؟! والجواب: والله لمن أجل إسعاد الإنسان وإكرامه، ولو عرف هذا البشر ما كفر أحد، فاليهود والنصارى والمشركون والمجوس لمَ هم هاربون من عبادة الله تعالى؟ ما فهموا، ولذلك هذا الإسلام من أجلكم لتكملوا آداباً وأخلاقاً وأبداناً وعقولاً، وتسعدوا في حياتكم هذه، وفي الحياة الأبدية الباقية، لكن ما فهموا هذا، والذين ما فهموا هذا ودخلوا في الإسلام يتألمون من هذه الواجبات ويشمئزون وينقبضون، ويقولون: كيف نصوم؟ كيف نصلي؟ لن تكمل ولن تسعد ولن تفضل ولن تشرف إلا بهذه العبادات، فهل يستطيع كائن من كان أن يقول: إن العبادة الفلانية ضارة غير نافعة؟ أو يقول: إن المحرم الفلاني ضار تحريمه، إذ لو أحل لكان أنفع؟ اترك علماء النفس والاجتماع والدنيا كلهم، ما حرم ولا أحل ولا أوجب إلا من أجل إسعاد البشرية وإكمالها، وهو في غنى مطلق عن الخلق، إذ كان ولم يكن شيء غيره.قال: [ وجوب توحيد الله عز وجل ]، في أي شيء؟ باللسان أو بالقول والعمل؟ الجهال عندنا المسبحة في يده: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لما يأخذه النعاس وتسقط المسبحة يقول: يا سيدي عبد القادر! والله قد عايشناهم ولا تقولوا: إن هذا الكلام باطل، فهو يذكر: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وجزاه الله خيراً، ونعم الذكر هذا، لكن ما فهم معنى لا إله إلا الله، إذ تسقط المسبحة من يده فيقول: يا رسول الله! وقد قلت لكم: إني كنت مع سائق من السلفيين، لكن ما انشرح صدره بعد، فخرجت السيارة عن الطريق فقال: يا رسول الله! يا رسول الله! هل الرسول ينقذك؟ وهل يسمعك ويراك؟ وهل يمد يده إليك؟ لم تلعب يا عبد الله؟ إذ لو وقفت أمام قبر ألف سنة وأنت تدعوه والله ما رد عليك بشيء أبداً، وإن قلت: لا، فامش إلى سيدي البدوي، أو عبد القادر الجيلاني، وادعوه كم عاماً، والله لن تسمع صوته ولن يرد عليك، ولا قضى حاجتك أبداً، مع ما أفرغته على نفسك من غضب الله وسخطه، إذ ما يريد الله لك وأنت عبده أن تضل عاماً كاملاً ولا تعرف الطريق إليه.وقد بينا للصالحين والصالحات أمثلة حية: فلو مررت يا أخي أو يا بني برجل أمام دار خربة، فالباب والسقف موجود لكن ما فيها سكان، إذ إنها متهدمة، فرأيته يقول: يا أهل الدار! إني جائع، يا أهل البيت! أخوكم ظمآن، ومررت به، فأسألكم بالله تقولون: دعه يدعو أو ماذا تقولون؟ تقول: يا بني! يا أخي! ما في الدار أحد أبداً، لكن امش إلى دار فيها سكان، أليس هذا هو؟ والآن يمر إخواننا بالواقفين على الأضرحة والقبور: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان! وليس هناك من يقول لهم: يا جماعة أنتم غالطون، إن هؤلاء أموات لا يمدونكم بشيء أبداً، ولا يقدرون عليه، بل ولا يعرفون نداءكم ولا طلبكم، فهل عرفتم معنى التوحيد؟ أي: توحيد الله في العبادة، بحيث لا يعبد معه غيره بأي نوع من أنواع العبادة، فالذي تعبدنا الله به معروف، وقد جاء في الكتاب وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف العبادة. فهل الدعاء عبادة؟ فيه تعب؟ فيه أموال تنفقها؟ سفر تقطعه؟ إذاً كيف أن الدعاء عبادة؟ العبادة: الركوع، والسجود، والطواف، وإنفاق المال، والذكر، أما الدعاء فكيف يكون عبادة؟ أولاً: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الدعاء هو العبادة )، وهذه صيغة حصر، وورد بسند ضعيف: ( الدعاء مخ العبادة )، وهو كذلك؛ لأن الحيوان إذا نزع مخه هل يبقى حياً؟ وكذلك العبادة إذا أخذ منها الدعاء ماتت، وما بقيت صلاة ولا حج ولا جهاد، وإليكم الصورة لتعرفوا أن الدعاء هو العبادة: قم يا إسماعيل وارفع يديك، وأنا الآن أقرأ لكم حاله: هذا العبد فقير ومحتاج ومضطر، وهو في هم وكرب، ما الدليل؟ لولا فقره يمد يديه؟ والله لفقير، والله عز وجل هو الغني، فقد رفع يديه إلى الله، والله فوق سمواته، فهو رفع يديه فوق، ولو كان يعرف أن من يجيب دعاءه ليس بفوق، لنكس يديه إلى الأرض، أو لقال هكذا عن يمينه أو هكذا عن شماله، لكنه عرف أنه لا يجيب دعاءه إلا الله الذي فوق سماواته، فوق عرشه، بائن من خلقه، ولهذا رفع كفيه إليه يطلبه ويسأله حاجاته العاجلة والآجلة، وثانياً: أن هذا الذي رفع يديه يسأل ربه، هل سمعتم صوته؟ لا، إذاً كيف يسمع الله صوته؟ هذا لعلمه أن الله عز وجل لا يخفى عليه من أمر الخليقة شيئاً، فهو يعلم السر وأخفى، فقد أيقن هذا العبد أن الله قد سمعه ويسمعه وهو يناديه ويناجيه، وثالثاً: لو كان هذا العبد يعلم أن الله عز وجل لا يسمعه، فهل سيكلمه؟ لا، لكن هو يدعو: يا رب! يا رب! فمعناه إيمان يقيني أن الله يسمعه، كما لو كان هذا العبد أيضاً يعلم أن هناك من يقضي حاجاته ويعطيه سؤله، والله لما افتقر إلى الله ولا رفع كفيه إليه.وصورة حقيقية أخرى: أنت الآن تقول لأخيك: من فضلك ناولني عصاي، أو ناولني نعلي من فضلك، فهل يجوز هذا أو لا يجوز؟ يجوز، لم؟ لأنه يسمعك ويراك ويقدر على أن يعطيك، أو فلان من فضلك أعطني عشرة ريال نريد أن نتعشى بها، فهل هذا يجوز أو لا؟ نعم يجوز لأنه دعا حياً يسمع ويقدر على أن يعطي، أما دعاء الأموات من عيسى ومريم إلى العزير إلى عبد القادر إلى البدوي إلى رسول الله وفاطمة والحسين، كل هؤلاء كيف يعطونك؟! كيف يسمعون عنك؟! كيف يعرفون حالك يا عبد الله؟! إذاً عليك بالله عز وجل القائل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].فهل عرفتم أن الدعاء هو العبادة؟ أظهر فقره وربه هو الغني، وسأل ربه لعلمه بأنه يسمع صوته ويقدر على إعطائه، فأغمض عينيه عن الكون والحياة كلها، إذ لم يجد غير الله تعالى يرفع كفيه إليه.ولهذا فإن الدعاء هو العبادة، والحمد لله فهناك يقظة وعودة، وإلا قبل خمسين سنة والله لولا هذه الدولة القرآنية لرأيتم الركع والسجد والطائفين والسائلين بأعلى الأصوات: يا رسول الله! يا أبا فاطمة! يا كذا! وكأنهم ما قرءوا القرآن، وهكذا كانت أمتنا خلال ثلاث أو أربعمائة سنة بهذه الطريقة، تزور ضريح سيدي فلان الخميس أو الاثنين، نساء ورجالاً، بل وينقلون المرضى، ووالله لقد نقلت والدتي ابنتها سعدية وهي مصابة بمرض جنون إلى سيدي عبد الرحمن الأخضري على حمارة أكثر من ثمانية كيلو، ووضعتها في ضريح عبد الرحمن الأخضري للشفاء، وهذا قبل أن تتعلم والدتي من طريقي، وذلك أيام كنا يتامى، أما وقد تعلمت وأصبحت موحدة فإنها ماتت على لا إله إلا الله، فهذه أمور كالشمس، ومن أراد أن يتفضل فليذهب إلى الأضرحة في أي بلد، كالأضرحة الممتازة كسيدي أحمد البدوي، وكسيدي عبد القادر، وسيجد الآن أمماً جاثمة على ركبها تدعو وتسأل.ما سبب ذلك؟ والله إنه الجهل، حتى لو كان مضللين ما يستطيعون أن يضللوا العالمين أبداً، وإنما يضللون الجاهل، أما الذي عرف كيف يضللونه؟! فهيا نقضي على هذا الجهل، فما الطريق؟ وما السلاح الذي نقضي به على الجهل؟ بالأموال؟! والله لا مال ولا سلاح ولا هرج ولا مرج إلا فقط أن نسلم أنفسنا لله تعالى، فنقول: يارب! خذ قلبي ولساني ووجهي لك، وأهل القرية أو أهل مكان ما يجتمعون في بيت ربهم كاجتماعنا هذا، فالنساء وراءنا والرجال أمامنا، وليلة يأخذون آية كليلتنا، وأخرى حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وطول العام وهم كذلك، والله ما تمضي سنون إلا ولا يوجد جاهل ولا جاهلة، وذلك بدون كتابة ولا قلم، فيتعلمون ويعملون، ولا تسأل عن ثمار ذلك ونتائجه الطيبة، فينتهي الحسد والبغض والعداء والشرك والباطل، ويظهر الخير والولاء والصفاء والمحبة.فكم يكلفهم هذا؟ لا شيء، وقد قلنا لهم: إن اليهود والنصارى في أمريكا وأوروبا إذا دقت عندهم الساعة السادسة أوقفوا العمل والله العظيم، وذهبوا إلى دور السينما والمراقص والملاهي، وأنتم يا ربانيون لمَ لا توقفون العمل في السادسة وتأتون إلى بيوت ربكم بنسائكم وأطفالكم، فتتعلمون الهدى، وترتقون إلى سماء الكمالات من طريق قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم؟وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.