عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-03-2021, 12:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ألم نجعل له عينين





وقال آخر: "أكثر فساد القلب من تخليط العين، ومادام باب العين موثقًا بالغض فالقلب سليم من كل آفة، فإذَا فُتِحَ طَارَ الطَّائرُ، وَرُبَّمَا لمَ يَعُد بَعدُ "[20].


إن الناظر نظرة الحرام لا يعود بفائدة، بل يعود بضرر كبير على نفسه يفسد قلبه وخاطره وجسده، وربما قاده إلى الفاحشة، قال الشاعر:


وكنتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رائِداً

لقَلْبِكَ يوماً أَتْعَبَتْكَ المَناظِرُ



رَأَيْتَ الذي لا كُلهُ أنتَ قادِرٌ

عليهِ، ولا عن بَعْضِهِ أنتَ صابِرُ[21]







وقال الآخر:


نظرُ العيونِ إلى العيون هو الذي

جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلا



ما زالتِ اللحظاتُ تغزو قلبه

حتى تشحّط بينهن قتيلاً[22]






إن العين كنز ثمين وُهِبه الناظرُ فكان يحتاج إلى حفظ وصيانة، وأعظم طريق لحفظه: غضه عن الحرام.
"وقد ثبت علمياً بالأبحاث والدراسات الطبية أن تكرار النظر بشهوة إلى الجنس الآخر وما يصاحبه من تولد رغبات جامحة لإشباع الغرائز المكبوتة، كل ذلك يفضي بالشخص إلى مشاكل عديدة قد تصل إلى إصابة جهازه التناسلي بأمراض وخيمة؛ مثل احتقان البروستاتا، أو الضعف الجنسي، وأحياناً العقم الكلي، كما أثبتت بعض الدراسات الاجتماعية في المجتمعات الغربية أن عدم غض البصر يورث الاكتئاب والأمراض النفسية، وأن التفسخ الأخلاقي والتحلل الجنسي في تلك المجتمعات إنما هي بعض من نتائج عدم وجود دستور ديني أو قيود أدبية أخلاقية ينظم عمل هذه الحاسة النبيلة، ويرشد استخدامها في الحياة بما يتوافق مع صحة الإنسان البدنية والنفسية"[23].


أيها الأحبة الفضلاء، إن مَن غض بصره عن حرمات الناس أورثه ذلك خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة؛ فبغض البصر يُحفظ البدن والروح، وتُصان النفس عن قالة السوء، ويسلم دين صاحبه من الآثام، ويسلم قلبه من سبب من أعظم أسباب فساده. هذا في الدنيا.


وأما في الآخرة: فغض البصر سبب من اسباب النجاة من النار والفوزِ بالجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله)[24].


وقال صلى الله عليه وسلم : (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا الأمانة إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم)[25].


أحبتي الفضلاء، إن تحريم النظر إلى النساء الأجنبيات يشمل النظر إلى الذوات والنظر إلى الصور الثابتة أو المتحركة، المعروضة على شاشات التلفاز أو الحاسوب أو الجوال أو في الصحف والمجلات، أو الصور الإعلانية في المحلات والشوارع، أو الملصقة على بعض المصنوعات، بل قد يكون النظر إلى الصور أشد فتنة من النظر إلى الذوات؛ لما في الصور من عوامل التحسين والتزيين، وكم تساهل بعض الناس في النظر إلى الصور أكثر من تساهلهم إلى النظر إلى الذوات الحقيقية، وأضرتهم أيما ضرر!


عباد الله، من سمات هذه الشريعة: التيسير، ومراعاة المصالح وأحوال النفوس، فإذا كان الأصل تحريم نظر الرجل إلى المرأة غير الزوجة أو المحرمة عليه إلا أنه يستثنى من هذا الأصل بعض الصور التي يجوز للرجل أن ينظر إلى غير زوجته وحرماته، فمن ذلك:
جواز النظر من أجل العلاج، فيجوز للطبيب أن ينظر من المريضة إلى الموضع الذي يحتاج إلى تطبيب، ولكن بشروط، فمن ذلك: أن لا يجاوز حدود الموضع المحتاج إلى علاج إلى غيره، وأن يكون بحضور محرم أو زوج، وأن لا يكون هناك طبيبة يمكنها أن تعالج ذلك المرض.


ومن الصور أيضًا: جواز نظر الخاطب إلى المخطوبة، والمخطوبة إلى خاطبها؛ لأن ذلك أدعى للقناعة والاتفاق. فعن المغيرة بن شعبة: أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه و سلم: (انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)[26].


وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)[27].


أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أيها المسلمون، ومما حرم الله النظر إليه: العورات، فلا يجوز أن ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة، ولا يجوز أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا الرجل، سواء كان ذلك رؤية حقيقية أو رؤية للصورة. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة)[28].


ومما حرم الله النظر إليه: خبايا الناس وخفاياهم، وذلك بتتبع عثراتهم والبحث عن عوراتهم، من أجل الإضرار بهم وهم أبرياء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)[29].


أيها الفضلاء، هناك نظرات يبغضها الله تعالى، على المسلم أن يبتعد عنها، فمن ذلك:
نظرة الحسد، فلا يحل للمسلم أن ينظر هذه النظرة إلى ما فضل الله غيره عليه ببعض النعم، بل عليه أن يصرف بصره، ويسأل الله من فضله. ويدخل في هذا نظرة العائن إلى الأجسام والأموال، وهذه النظرة الضارة تعدٍّ وإيذاء، فمن كان عائنًا أو يخشى أن يصيب غيره بعينه فليدعُ بالبركة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدعُ له بالبركة؛ فإن العين حق)[30].


ومن ذلك أيضًا: نظرة الاحتقار والاستهزاء، والتهوين من الشأن.
ومن ذلك: الإشارة بالعين إلى إيذاء مسلم بأي نوع من أنواع الأذى.
ومن ذلك أيضًا: نظرة الإعجاب بالدنيا، والافتتان بها، خصوصًا ما عند الكفار من متاعها؛ لأن هذه النظرة تؤدي إلى ازدراء نعم الله تعالى، وتسوق إلى اللهو بالحياة الفانية ونسيان الحياة الباقية، قال تعالى: ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].

ومن ذلك كذلك: النظر إلى المنكرات وهي تُعمل، وإلى حرماتِ الله وهي تنتهك، وإلى نفوسٍ بريئة تُظلم، فينظر الناظر إليها غير مبالٍ ولا مهتم، وعنده قدرة على تغيير المنكر ونصرة المظلوم، ولم يفعل!


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)[31].


عباد الله، لا يجوز للمسلم أن يحرف الحقائق فيكذب فيها زيادة أو نقصًا أو تبديلاً، ولا يجوز له أن يقول: إنه رأى كذا ولم ير، أو يقول: إنه لم ير وقد رأى، سواء كان ذلك في يقظته أو منامه، قال النبي صلى الله عليه و سلم: (من تحلَّم بحُلم لم يره كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل)[32].


أيها المسلمون، فبعد هذا علينا أن نشكر الله تعالى على نعمة العينين، ونعمة البصر بهما، ومن شكر الله: استعمال ذلك فيما يحب الله تعالى، والبعد عما يسخطه تعالى.


وأما من بُلي من المسلمين بالعمى فلا يحزن، بل عليه أن يصبر ويرضى بقدر الله؛ فإن الصبر على ذلك من أسباب دخول الجنة. وعليه أن يوقن بأن الخير فيما اختاره الله، ولعل في ذهاب بصره صيانة له عن إطلاق بصره في الحرمات، وقد يعوضه الله نوراً في بصيرته يغنيه عن نور البصر، كما قال ابن عباس:


إنِ يأخذ اللهُ من عينيَّ نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نورُ




قلبي ذكيٌّ وعقلي غير ذي دخل

وفي فمي صارم كالسيف مأثورُ[33].







هذا وصلوا وسلموا على خير البشرية....



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 24 /2 /1440هـ، 2 /11 /2018م.



[2] رواه البخاري.



[3] رواه ابن حبان، وهو حسن.



[4] قال ابن بطال: " هذا الحديث أيضًا حجة في أن الصبر على البلاء ثوابه الجنة، ونعمة البصر على العبد وإن كانت من أجل نعم الله تعالى فعوض الله عليها الجنة أفضل من نعمتها في الدنيا لنفاد مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا وبقاء مدة الالتذاذ به في الجنة. فمن ابتلي من المؤمنين بذهاب بصره في الدنيا فلم يفعل ذلك به لسخط منه عليه، وإنما أراد تعالى الإحسان إليه إما بدفع مكروه عنه يكون سببه نظر عينيه لا صبر له على عقابه في الآخرة أو ليكفر عنه ذنوبًا سلفت لا يكفرها عنه إلا بأخذ أعظم جوارحه في الدنيا ليلقى ربه طاهراً من ذنوبه أو ليبلغ به من الأجر إلى درجة لم يكن يبلغها بعمله وكذلك جميع أنواع البلاء، فقد أخبر عليه السلام أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه. وجاء عنه عليه السلام: (إن أهل العافية في الدنيا يودون لو أن لحومهم قرضت بالمقاريض في الدنيا؛ لما يرون من ثواب الله لأهل البلاء) فمن ابتلي بذهاب بصره أو بفقد جارحه من جوارحه فليتلق ذلك بالصبر والشكر والاحتساب وليرض باختبار الله له ذلك ليحصل على أفضل العوضين وأعظم النعمتين وهي الجنة التي من صار إليها فقد ربحت تجارته وكرمت صفقته، ولم يضره ما لقي من شدة البلاء فيما قاده إليها". شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال (9/ 377).



[5] رواه أبو يعلى، وهو صحيح.



[6] رواه الترمذي، وهو صحيح.



[7] تفسير الرازي: مفاتيح الغيب (2/ 91).



[8] رواه الترمذي، وهو صحيح.



[9] متفق عليه.



[10] صحيح البخاري (5/ 2299).



[11] الجواب الكافي (ص: 105).



[12] رواه الترمذي وأبو داود، وهو حسن.



[13] رواه مسلم.



[14] رواه البخاري.



[15] رواه البخاري.



[16] تفسير القرطبي (12/ 223).



[17] ( بد ) غنى عنه.



[18] متفق عليه.



[19] الجواب الكافي (ص: 106).



[20] المدهش (ص: 363).



[21] الحماسة البصرية (ص: 156).



[22] ديوان الصبابة (ص: 26).



[23] أسباب الشفاء من الأسقام والأهواء (ص: 251).



[24] رواه الطبراني، وهو حسن.



[25] رواه أحمد، وابن حبان، وهو حسن.



[26] رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو صحيح.



[27] رواه أبو داود والبزار، وهو صحيح.



[28] رواه مسلم.



[29] رواه أبو داود والترمذي، وهو صحيح.



[30] رواه الحاكم والطبراني، وهو صحيح.



[31] رواه مسلم.



[32] رواه البخاري.



[33] سير أعلام النبلاء (3/ 357).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]