عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25-03-2021, 11:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التأدب مع القرآن العظيم



وهُجِرَ القرآنُ المجيد استماعاً، وارتبط استماع القرآن في أذهان كثير من الناس بالأحزان والسرادقات التي تقام للمآتم! بل أقبل الناس على سماع اللهو والغناء ومزمار الشيطان وهجروا قرآن الرحيم الرحمن!







وهُجِرَ القرآنُ العزيز تدبُّراً، ولو أنزله الله تعالى على الجبال الرواسي الشَّامخات لتصدَّعت من خشيته، فقست القلوب، وتحجَّرت العيون، فلا قلب يتدبر فيخشع، ولا جوارح تنقاد فتخضع، ولا عين تتحرك فتدمع!







وهُجِرَ القرآنُ العظيم عملاً، فبدل أن يكون منهج حياة متكامل يصبح - في واقع الناس إِلاَّ من رحم الله - آيات تقرأ عند القبور، ويُهدى ثوابها للأموات، مع أن هؤلاء الأحياء أحوج منهم إلى ثوابها وجعلها منهجاً للحياة بشتَّى أشكالها وصورها، أو تصنع التَّمائم والأحجبة فتعلق على صدور الغلمان، أو يوضع في البيوت والمحلات والسيارت للحفظ والبركة زعموا!







وهُجِرَ القرآنُ العظيم تحاكماً، ووقع المسلمون في المنكر الأعظم، بتنحية كتاب الله عن الحكم بين الناس، واتُّهِم شَرْعُ الله بالضَّعف والعجز والقصور والتَّخلف عن ركب الحضارة، وحل محله القانون الوضعي الضعيف القاصر يحكم في الدِّماء والأموال والأعراض!







وهُجِرَ القرآنُ الكريم استشفاءً وتداوياً، ولجأ الناس إلى السَّحرة والعرافين والدجالين يطلبون منهم الشفاء والدواء لأمراضهم!



فهل من عودة وهل من أوبة؟ نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدُّنيا والآخرة [7].







3- التَّريُّث في قراءته: قال تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ﴾ [الإسراء: 106]. ومعنى ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ جعلناه فِرقاً؛ أي: أنزلناه منجماً مفرقاً غير مجتمع صَبرة واحدة. يقال: فَرَقَ الأشياءَ إذا باعد بينها، وفَرَقَ الصبرة إذا جزأها. «قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما: ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ فَصَّلْنَاهُ»[8].







ومعنى ﴿ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ أي: على مَهل وبطء وهي عِلَّةٌ لتفريقه. والحكمة في ذلك: أن تكون ألفاظه ومعانيه أثبت في نفوس السامعين [9].







وقال تعالى آمراً نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يقرأ القرآن بمهل وتبيين: ﴿ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ [المزمل: 4]. وقد امتثل صلّى الله عليه وسلّم أَمْرَ رَبِّه: فعن قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بنَ مالِكٍ عن قِراءَةِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «كان يَمُدُّ مَداً».







وعن قَتادَةَ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: كَيْفَ كانَتْ قِراءَةُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم؟



فَقَالَ: «كانَتْ مَدّاً، ثُمَّ قَرَأَ: «بِسْمِ الله الرحمنِ الرحيم» يَمُدُّ بِبِسْمِ اللهِ، ويَمُدُّ بِالرَّحْمنِ، ويَمُدُّ بِالرَّحِيمِ»[10].







وتَصِفُ حَفْصَةُ - رضي الله عنها - قِراءةَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فتقول: «كان يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُها، حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا»[11].







«والتَّرتيل: جَعْلُ الشيءِ مرتَّلاَ؛ أي: مفرقاً، وأصله من قولهم: ثَغْرٌ مُرَتَّل، وهو المفلج الأسنان؛ أي: المفرق بين أسنانه تفريقاً قليلاً بحيث لا تكون النواجذ متلاصقة، وأُرِيدَ بترتيل القرآن ترتيل قراءته؛ أي: التَّمهل في النُّطق بحروف القرآن حتى تخرج من الفم واضحة مع إشباع الحركات التي تستحق الإشباع...







وفائدة هذا أن يرسخ حفظه ويتلقاه السامعون فيعلَقُ بحوافظهم، ويتدبر قارئه وسامعه معانيَه كي لا يسبق لفظُ اللسان عملَ الفهم.







قال قائل لعبد الله بن مسعود: قرأتُ المُفَصَّلَ في ليلةٍ فقال عبدُ الله: «هَذّاً كَهَذِّ الشِّعْرِ»[12]؛ لأنهم كانوا إذا أنشدوا القصيدةَ أسرعوا لَيَظْهَرَ مِيزانُ بَحرِها، وتتعاقَبَ قوافيها على الأسماع. والهَذُّ: إسراع القطع»[13].







آداب تتعلَّق بالمصحف:



لما كان المصحف الكريم أشرف كتاب في الوجود لما تضمنه بين دفتيه من كلام الخالق المعبود جَلَّ جلاله، تأكدت في حقِّه جملة من الآداب المرعية المستلزِمة لطائفة من جوانب تعظيمه القولية والفعلية، فَمِنَ الآدابِ المُتأكَّدة في حَقِّ المُصْحَفِ ما يلي:



1- اشتراط الطهارة لملامسته، وتحاشي التَّصغير في اسمه ورسمه وحجمه، ويُطالب مَنْ يكتب القرآن العظيم بتحسين خَطِّه وتجميله، وأن يكتبه على ورق يليق بمقامه.







قال الحكيم التِّرمذي - رحمه الله -: «وَمِنْ حُرمته: أن تُجَلِّل تخطيطه إذا خططته. وعن أبي حُكيمة أنه كان يكتب المصاحف بالكوفة، فمرَّ عليٌّ - رضي الله عنه - فنظر إلى كتابته فقال له: أَجْلِلْ قَلَمَكَ، فأخذتُ القلمَ فقططتُ من طرفه قطّاً، ثم كَتَبْتُ وعليٌّ - رضي الله عنه - قائم ينظر إلى كتابتي؛ فقال: هكذا، نَوِّرْهُ كما نَوَّرَهُ اللهُ تعالى»[14].







ونحن في هذه الأزمنة لا نعاني كثيراً مما كان يعانيه السابقون بسبب نعمة الله علينا في وجود هذه المطابع الحديثة، وعلى رأسها مُجَمَّعُ الملك فهد لطباعة المصحف الشَّريف بالمدينة النبوية، وَفَّقَ اللهُ القائمين عليه إلى كل خير، ومع ذلك يوجد في بعض الطَّبعات التجارية شيء من الأخطاء المطبعية، فعلى دُور النشر أن تتَّقي الله تعالى في ذلك، فلا تُدْفَعُ المصاحِفُ إلى الأسواق إِلاَّ بعد تدقيقها والتأكد تماماً من خلوها من أية أخطاء. وهناك فئات ضالة كالقاديانية تطبع المصاحف المحرَّفة، ولهذا يجب على المسلمين التنبه لهذا المنكر العظيم ويتلفوا كلَّ نسخة تظهر فيها أخطاء قَلَّتْ أم كَثُرت، صَغُرت أم كَبُرت، سداً للذَّريعة.







2- الحذر من إضافة شيء إليه، أو زخرفته، أو تحليته، أو كتابته بأحد النَّقدين، أو كتابته بالأعجمية، أو اتخاذه مُتَّجَراً.



قال الحكيم التِّرمذي - رحمه الله: «ومِنْ حُرمته: أَلاَّ يُخْلَطَ فيه ما ليس منه. ومن حرمته أَلاَّ يُحلَّى بالذَّهب، ولا يُكتب بالذَّهب فتخلط به زينة الدُّنيا؛ عن أبي عوانة، عن مغيرة عن إبراهيم: أنَّه كان يكره أن يُحلَّى المصحف أو يُكتب بالذَّهب، أو يُعَلَّم رؤوس الآي أو يُصغَّر.







وعن أبي الدَّرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا زَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ وَحَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ فَالدَّبَارُ عَلَيكُمْ»[15].







وقال ابنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - وقد رأى مُصْحَفاً زُيِّنَ بِفِضَّةٍ: تُغْرونَ به السَّارق وزينته في جوفه»[16].







3- الحذر من استدباره، أو توسُّده، أو رميه عند وضعه أو مناولته، أو مَدِّ الرِّجْلين إليه، أو التَّروح به، أو استعمال الشِّمال في تناوله وأخذه، أو تصغير اسمه. وأَلاَّ يقال: سورة صغيرة.







قال القرطبي - رحمه الله: «ومِنْ حُرمته: أَلاَّ يتوسَّد المصحف، ولا يعتمد عليه، ولا يرمي به إلى صاحبه إذا أراد أن يتناوله. ومن حُرمته: ألاَّ يُصغِّر المصحف؛ عن عليٍّ - رضي الله عنه - قال: لا تُصَغِّرِ المُصْحَفَ»[17].







قال ابن المسيب - رحمه الله -: «لا تقولوا مُصيحف ولا مُسيجد، ما كان لله فهو عظيم حسن جميل»[18].







«وقاعدة الباب كما ذكرها أبو حيَّان - رحمه الله تعالى -: (لا تُصَغِّرْ الاسم الواقع على مَنْ يجب تعظيمه شرعاً، نحو أسماء الباري تعالى، وأسماء الأنبياء - صلوات الله عليهم - وما جرى مجرى ذلك؛ لأن تصغير ذلك غَضٌّ لا يَصْدُرُ إلاَّ عن كافر أو جاهل... وتَصْغِيرُ التعظيم لم يَثْبُتْ مِنْ كلامِهِم) [19].







«ومن حرمته: ألاَّ يُقال: سورة صغيرة. وكَره أبو العالية أن يقال: سورة صغيرة أو كبيرة؛ وقال لمن سمعه قالها: أنت أصغر منها؛ وأمَّا القرآن فكلُّه عظيم؛ ذكره مَكِّيٌّ رحمه الله»[20].







4- الحذر من وضعِ شيء فوقه، أو بين أوراقه، أو حمله حال دخول الأماكن الممتهنة، أو السَّفر به إلى أرض العدو، أو تعريضه لأيِّ نوع من أنواع الأقذار، كأن يَبُلَّ أصبعَه بالرِّيق عند تقليب ورقه. أو تعريضه لمظانِّ امتهانِه أو النَّيلِ مِنْ قُدسيَّته، كأن يُمَكَّنْ منه الصِّغار أو المجانين أو الكفار.







قال الحكيم التِّرمذي - رحمه الله -: «ومِنْ حُرمته: إذا وضع المصحف ألاَّ يتركه منشوراً، وألاَّ يضع فوقه شيئاً من الكتب حتَّى يكون أبداً عالياً على سائر الكتب. وأن يضعه في حِجره إذا قرأه، أو على شيءٍ بين يديه، ولا يضعه على الأرض. وألاَّ يمحوه من اللَّوح بالبزاق، ولكن يغسله بالماء. وإذا غسله بالماء أن يتوقَّى النَّجاسات من المواضع، والموضع التي تُوطأ؛ فإنَّ لتلك الغسالة حرمة، وأنَّ مَنْ كان قبلنا مِنَ السَّلف منهم مَنْ يَسْتَشْفِي بغسالته. وألاَّ يتَّخذ الصَّحيفة إذا بليت ودرست وقايةً للكتب؛ فإنَّ ذلك جفاء عظيم، ولكن يمحوها بالماء»[21].







5- الحذر من كتابته على الأرض، أو حوائط المساجد وغيرها، أو الكتابة في حواشيه، أو جلده، كما يفعله كثير من طلاَّب المدارس.



قال الحكيم التِّرمذي - رحمه الله -: «ومِنْ حُرمته: أَلاَّ يُكتب على الأرض، ولا على حائط، كما يُفعل به في المساجد المُحدثة... ورأى عمر بن عبد العزيز ابناً له يكتب القرآنَ على حائطٍ فضربه»[22].







وقد عمد بعض الحاقدين من أعداء القرآن في الآونة الأخيرة من اليهود والنصارى، أن يطبعوا بعض الآيات القرآنية على الملابس الدَّاخلية أو الأحذية أو الأوراق التي تُغلَّف فيها المشتريات كيداً بالمسلمين، ومحاولةً منهم الانتقاص من قدر هذا الكتاب الكريم. ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].







6- الحذر من استعماله في غير ما جُعل له، كالتَّثقيل به، أو تعليقه كحِرز، أو زينة، أو اقتنائه لمجرد التَّبرُّك به، إلى غير ذلك مِنْ أنواع الاستعمالات التي لم يأذن الشَّرع بمثلها[23].







[1] الفوائد (ص3).



[2] الفوائد (ص27).



[3] تذكرة السامع والمتكلم (ص67).



[4] التحرير والتنوير (22/ 159).



[5] أضواء البيان (6/ 317).



[6] الفوائد (ص156).



[7] نظر: فتح الرحمن في بيان هجر القرآن، (ص4، 5).



[8] رواه البخاري، (3/ 1624).



[9] انظر: التحرير والتنوير (14/ 181).



[10] رواهما البخاري، (3/ 1625)، (ح5045، 5046).



[11] رواه مسلم، (1/ 507)، (ح733).



[12] رواه البخاري بلفظ: جَاءَ رَجُلٌ إلى ابنِ مَسْعُود فقال: «قرأتُ المُفَصَّلَ الليلةَ في رَكْعَةٍ، فقال: هذّاً كَهذِّ الشِّعْرِ». (1/ 239)، (ح775)؛ ومسلم، (1/ 565)، (ح822).



[13] التحرير والتنوير (29/ 242، 243).



[14] نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم (3/ 255، 256).



[15] رواه الترمذي في «نوادر الأصول»، ووقفه ابن المبارك في «الزهد»، وابن أبي الدنيا في «المصاحف». انظر: فيض القدير (1/ 366)، (ح658)؛ وكشف الخفا (1/ 95)، (ح242). وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» (1/ 162)، (ح585).



[16] نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم (3/ 256). وانظر: تفسير القرطبي: (1/ 45).



[17] المصدر نفسه (3/ 256).



[18] رواه ابن سعد في «الطبقات» (5/ 137)؛ والذهبي في «السير» (4/ 338).



[19] معجم المناهي اللفظية، لبكر بن عبد الله أبو زيد (ص512). وأحال على: السير، للذهبي (4/ 238)؛ الطبقات، لابن سعد (5/ 137)؛ حلية الأولياء (4/ 230)؛ الحيوان، للجاحظ (1/ 336)؛ تذكرة النحاة، لأبي حيان (ص686)؛ المنهيات للحكيم الترمذي (ص76، 77).



[20] الجامع لأحكام القرآن (1/ 46، 47).



[21] نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم (3/ 254). وانظر: تفسير القرطبي (1/ 43).



[22] المصدر نفسه (3/ 257). وانظر: تفسير القرطبي (1/ 45).



[23] انظر: المُتْحَفُ في أحكام المُصْحَف، د. صالح بن محمد الرشيد (ص22، 23).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]