عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25-03-2021, 10:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (25)

الأحكام الفقهية من قصة شعيب -عليه السلام


د.وليد خالد الربيع







قال -تعالى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (سورة الأعراف:85).

ذكر الله -تعالى- في سورة الأعراف أنباء كثير من الأنبياء والمرسلين، لما في قصصهم من المواعظ والفوائد والأحكام الفقهية، ومنهم شعيب -عليه السلام-، حيث دعا قومه إلى أداء حق الله -تعالى- وحقوق العباد، فحق الله -سبحانه- أن يفرد بالعبادة ولا يشرك به شيء، وأن يطاع فلا يعصى -سبحانه-، وأمام حقوق العباد فأمرهم شعيب -عليه السلام- بالعدل في المعاملات بتوفية الكيل والميزان، ونهاهم عن البخس والفساد.



ويوضح الراغب الأصفهاني معنى البخس فيقول: «البَخْسُ: نقص الشيء على سبيل الظلم».

وقال القرطبي: «البخس: النقص، وهو يكون في السلعة بالتعييب والتزهيد فيها، أو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيد في الكيل والنقصان منه. وكل ذلك من أكل المال بالباطل، وذلك منهي عنه في الأمم المتقدمة والسالفة على ألسنة الرسل».

البخس من جهة المشتري

والبخس قد يكون من جهة المشتري بأن يقلل من قيمة ما يريد شراءه ليحظى بثمن أقل من قيمته الحقيقية كما قال ابن عاشور: «وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْبَخْسُ مُتَعَلِّقًا بِالْكَمِّيَّةِ كَمَا يَقُولُ الْمُشْتَرِيَ: هَذَا النِّحْيُ لَا يَزِنُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ يَزِنُ اثْنَيْ عَشَرَ رِطْلًا، أَوْ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى هَذَا النَّخْلِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ قَنَاطِيرَ تَمْرًا فِي حِينِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ عِشْرِينَ قِنْطَارًا.

وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالصِّفَةِ كَمَا يَقُولُ: هَذَا الْبَعِيرُ شَرُودٌ وَهُوَ مِنَ الرَّوَاحِلِ، وَيَكُونُ طَرِيقُ الْبَخْسِ قَوْلًا، كَمَا مَثَّلْنَا، وَفِعْلًا كَمَا يَكُونُ مِنْ بَذْلِ ثَمَنٍ رَخِيصٍ فِي شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَاعَ غَالِيًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْبَخْسِ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَاخِسُ الرَّاغِبُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبْخُوسَةِ بِأَنْ يَصْرِفَ النَّاسَ عَنِ الرَّغْبَةِ فِيهَا فَتَبْقَى كَلًّا عَلَى جَالِبِهَا فَيَضْطَرُّ إِلَى بَيْعِهَا بِثَمَنٍ زَهِيدٍ، وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْهُ إِلْقَاءُ الشَّكِّ فِي نَفْسِ جَالِبِ السِّلْعَةِ بِأَنَّ سِلْعَتَهُ هِيَ دُونَ مَا هُوَ رَائِجٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَدْخُلُهُ الْيَأْسُ مِنْ فَوَائِدِ نِتَاجِهِ فَتَكْسَلُ الْهِمَمُ».

والبخس قد يكون من البائع وهو ما يسميه الفقهاء الغبن، وهو: بيع السلعة بأكثر مما تعارف الناس على التسامح بمثله.

حكم الغبن

وأما حكم الغبن:

فقد قسم الفقهاء الغبن إلى نوعين: يسير وفاحش، ويرجع في تعيين الحد الفارق بينهما إلى العرف أو لأهل الخبرة، لأن ما لم يرد له تقدير في الشرع يرجع فيه إلى العرف.

وأما حكم الغبن: فالغبن الفاحش الكثير وهو الذي لا يتسامح بمثله فحكمه التحريم لما فيه من التغرير بالمشتري والغش المنهي عنه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: «من غشنا فليس منا» أخرجه مسلم.

الغبن اليسير

وأما الغبن اليسير وهو الذي يتسامح الناس بمثله فهو جائز، لأنه لا يمكن التحرز منه وهو مما تعارف الناس على التعامل به دون نكير، قال القاضي ابن العربي: «إن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدين، إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة، لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز منه لأحد فمضى في البيوع، إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا، لأنه لا يخلو منه، والفرق بين القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم».

وأما تأثير الغبن في صحة العقد، فالحكم يختلف بحسب نوع الغبن ومن وقع الغبن عليه:

فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن الغبن اليسير لا تأثير له في صحة العقود، وقد تقدم كلام القاضي ابن العربي في عدم تأثير الغبن اليسير في صحة العقد، وقال ابن هبيرة: «اتفقوا على أن الغبن في البيع بما لا يفحش لا يؤثر في صحته».

الغبن الكثير

أما الغبن الكثير في حق البائع بأن يبيع الشخص ماله بنقص كبير مع علمه ورضاه فهو جائز، لأن ثبوت الملك له على وجه مشروع يعطيه الحق في التصرف بماله استهلاكا واستعمالا واستغلالا في حدود المشروع، فله أن يبيع الشيء الغالي بالثمن البخس كما له أن يهبه بغير عوض ما دام أهلا للتصرفات المالية وهو عالم وراض بهذا البيع.

قال القرطبي: «والجمهور على جواز الغبن في التجارة، مثل أن يبيع رجل ياقوتة بدرهم وهي تساوي مائة فذلك جائز، وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله الكثير بالتافه اليسير، وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة لو وهب».

ومما استدل به قوله -عليه السلام- في حديث الأمة الزانية‏: «إذَا زَنَتْ أمَةُ أحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، ولَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، ولَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا ولو بحَبْلٍ مِن شَعَرٍ». متفق عليه

قال النووي: «فيه جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير، وهذا مجمع عليه إذا كان البائع عالما به».

أما الغبن الكثير إذا وقع على المشتري بأن اشترى شيئا بثمن يفوق قيمته الحقيقية بفارق كبير لا يتسامح بمثله عادة، فقد اختلف الفقهاء في تأثير الغبن الفاحش في صحة العقد، والأظهر أن الغبن إذا صاحبه تغرير فللمغبون إذا علم بذلك الخيار بين إمضاء العقد أو فسخه، وكذلك إذا لم يصحب الغبن تغرير، لأن الحق له ولا يجبر الشخص على فسخ العقد خاصة إذا لم يقع خلل في الأركان والشروط الشرعية، وإنما الخلل قد وقع من جهة اختلال رضا المشتري، حيث غبن بالثمن، والأدلة الشرعية تدل على اشتراط الرضا في صحة التصرفات كقوله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (سورة النساء:29) وقال -عليه السلام-: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» أخرجه أحمد، والمغبون لا يرضى بالغبن إذا علم به ولا تطيب نفسه به، مما يدل على عدم صحة هذا التصرف وثبوت الخيار للمغبون.


وأيضا لأن الغبن إضرار بالمغبون والضرر مرفوع في الشريعة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار» أخرجه ابن ماجه، مما يؤكد أن الغبن مؤثر في صحة العقود ويثبت الخيار للمغبون لمنحه فرصة لرفع الضرر إن أراد ذلك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]