
18-03-2021, 12:12 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي
شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(واجبات الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (96)
صـــــ(1) إلى صــ(10)
شرح زاد المستقنع - واجبات الصلاة
الواجب في الصلاة: هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، ومن تركه عمدا بطلت صلاته، وإن تركه سهوا جبر بسجود السهود على تفصيل في ذلك،
وواجبات الصلاة هي: لفظ التكبير عند الانتقال من ركن إلى ركن، وقول سمع الله لمن حمده، وربنا لك الحمد، والتسبيح في الركوع والسجود، والتشهد الأول والجلوس له.
واجبات الصلاة
[تكبيرة الانتقال]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وواجباتها التكبير غير التحريمة] الواجبات: جمع واجب، والضمير عائد إلى الصلاة،
أي: واجبات الصلاة، فعطف رحمه الله الواجبات على الأركان،
أي: إذا علمت أحكام الأركان فاعلم أن هناك أمورا واجبة، وأن للصلاة واجبات، ثم شرع في بيان هذه الواجبات، وهذا -كما يسميه العلماء- من باب التدرج من الأعلى إلى الأدنى.
وهذه والواجبات لها أحكام:
الحكم الأول: أنه يثاب فاعلها.
الثاني: يعاقب تاركها.
الثالث: من تركها متعمدا بطلت صلاته.
الرابع: أن من ترك هذا الواجب ساهيا فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون منفردا أو إماما، أو يكون مأموما، فإن كان منفردا أو إماما وجب عليه أن يجبر هذا الواجب بسجود السهو، وأما إذا كان مأموما فإن الإمام يحمل عنه الواجب، وبناء على ذلك اتفقت الأركان والواجبات في كون كل منهما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وانفردت الواجبات بأن تركها نسيانا يجبر بسجود السهو، والأركان إذا تركت نسيانا وجب جبرها بالفعل، فالواجبات تجبر بسجدة السهو والأركان لا تجبر، بل لابد من فعلها.ثم إن الواجبات يحملها الإمام إذا نسيت أو سهيت أو لم يمكنك فعلها، ولكن الأركان لا يحملها الإمام عنك البتة، بل ينبغي عليك فعلها، وإن لم تفعلها وجب عليك قضاء الركعة كاملة، فهذا بالنسبة للفرق بين الواجبات وبين الأركان في الصلاة.
قوله: [التكبير غير التحريمة] أي: من الواجبات التي أوجبها الله عز وجل في الصلاة التكبير غير التحريمة،
والتكبير لفظ: (الله أكبر)، وهذا التكبير يسميه العلماء بتكبير الانتقال،
أي: يجب على المصلي أن يكبر عند انتقاله من ركن إلى ركن،
فإذا أراد أن ينتقل من القيام إلى الركوع قال: الله أكبر.
وإذا أراد أن ينتقل بعد رفعه من الركوع إلى السجود قال: الله أكبر.وإذا أراد أن ينتقل من سجوده إلى الجلسة بين السجدتين كبر.وإذا أراد أن ينتقل منها إلى السجود كبر، وهكذا، فهذا التكبير الذي يقع بين الأركان لكي تنتقل به من ركن إلى ركن يسميه العلماء تكبير الانتقال.
وقوله رحمه الله: [التكبير غير التحريمة] المراد بالتحريمة تكبيرة الإحرام، وهي ركن وليست في مرتبة الواجبات، وإنما هي في مرتبة أكبر، فالتكبير من غير تكبيرة الإحرام واجب.فلو أن إنسانا كان يصلي لوحده فقرأ الفاتحة، ثم قرأ السورة، ثم ركع ونسي أن يكبر فإنه يجبره بسجود السهو لأنه واجب عليه، فإن تعمد فركع دون أن يكبر قاصدا ترك التكبير بطلت صلاته فرضا كانت أو نفلا.
فهذا معنى قولهم: (التكبير غير تكبيرة الإحرام) أي: يلزمك إذا صليت فريضة أو نافلة أن تكبر تكبيرة الانتقال، فلا تنتقل من ركن إلى ركن إلا بهذا التكبير، فلو حصل أن تركت هذا التكبير قاصدا ومتعمدا بطلت صلاتك نفلا أو فرضا، ولو حصل أن تركته سهوا قلنا: إن كنت منفردا تجبره بسجدتي السهو قبل السلام لمكان النقص،
وإن كنت مع الإمام حمل الإمام عنك هذا السهو لقوله عليه الصلاة والسلام: (الإمام ضامن) كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وأحمد في مسنده، فقد دل هذا الحديث على أن الإمام ضامن، والمراد بضمانه ضمان صلاة من وراءه، وذلك بحمل الواجبات دون الأركان، كما هو معلوم ومقرر عند العلماء.
وهكذا الحكم لو أن إنسانا بدلا من أن يكبر للركوع قال: سمع الله لمن حمده، فأبدل ذكرا مكان ذكر في الانتقال،
أو أراد أن يسجد فقال: (ربنا ولك الحمد) سهوا، فإنه حينئذ يمكنه التدارك إن أمكنه، وإن لم يمكنه التدارك فإنه لابد وأن يأتي بسجدتي السهو على التفصيل الذي ذكرناه.
أما دليل وجوب التكبير فقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا كبر فكبروا)، وهذا أمر، وشمل تكبيرة الإحرام وغيرها للإطلاق، ولكن خصت تكبيرة الإحرام بالزيادة لورود النصوص فيها،
كقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير)، ونحوه من النصوص التي ذكرنا، ودلت السنة على وجوب تكبير الانتقال، وبناء على ذلك فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بالتكبير يوجب علينا التكبير.
[قول: سمع الله لمن حمده]
قال رحمه الله: [والتسميع] أي: الواجب الثاني من واجبات الصلاة التسميع.والتسميع على وزن (تفعيل) والمراد به قول المكلف: سمع الله ولمن حمده أي: استجاب الله دعاء من حمده،
وقيل: معناهنا: سمع الله على الحقيقة من أثنى عليه سبحانه وتعالى، فلا يخفى عليه شيء وهي جملة متصلة ببعضها،
فلو قال: (سمع الله) لم يجزه، بل لا بد من تمام الذكر، فلا ينقص منه ولا يزاد عليه،
فلا يقال: سمع الله الجبار المتكبر من حمده.فلا تشرع الزيادة،
ولا يشرع النقص كأن يقول: (سمع الله)، ويسكت،
أو يقول: (سمع الله من)، ويسكت، فكل هذا لا يجزي، بل لا بد من تمام الجملة؛ لأنه ذكر توقيفي، فوجب البقاء على حده دون زيادة ولا نقصان.
[قول: ربنا لك الحمد]
قال رحمه الله: [والتحميد] التحميد على وزن (تفعيل) من الحمد،
أي قولك: (ربنا ولك الحمد)، أو (ربنا لك الحمد)، فكلاهما وارد ومأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلت: (ربنا ولك الحمد)،
أو: (ربنا لك الحمد)، فقد فعلت ما أوجب الله عليك من التحميد.والتحميد يتعلق بالمأموم، والتسميع يتعلق بالإمام والمنفرد فيجمعان بين التسميع والتحميد،
أما المأموم فيقتصر على قوله: ربنا ولك الحمد.
أما دليل الوجوب فما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: (وإذا قال -أي الإمام- (سمع الله لمن حمده) فقولوا: (ربنا ولك الحمد))،
فقوله: (فقولوا) أمر، والأمر يدل على الوجوب، وقد قاله عليه الصلاة والسلام في معرض التقسيم،
وكونه يقوله في معرض التقسيم فقد خص الإمام بالشرط في قوله: (إذا قال)، فإذا كان التحميد واجبا كان موجبه واجبا، فأصبح التسميع والتحميد واجبين من واجبات الصلاة،
فلابد من قول المكلف: (سمع الله لمن حمده.ربنا ولك الحمد) إن كان إماما أو منفردا،
أما إذا كان مأموما اقتصر على قوله: (ربنا لك الحمد).ومكان هذا التسميع والتحيمد مختص بما بعد الرفع من الركوع، فيقول: (سمع الله لمن حمده) في حال الرفع،
فإذا استتم قائما قال: (ربنا ولك الحمد)؛ لأنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم،
فلا يشرع له أن يقول: (ربنا ولك الحمد) قبل أن يستتم قائما،
وإنما يقول: (ربنا ولك الحمد) إذا انتصب عوده واستقام ظهره،
وبناء على ذلك فإن السنة أن يبتدئ بالتسميع عند ابتداء الرفع حتى إذا استتم قائما قال كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة قال: (ربنا ولك الحمد)، وقاله عليه الصلاة والسلام وهو قائم.قال العلماء: في هذا فائدة لطيفة، وهي أن التسميع ذكر الانتقال من الركوع إلى القيام الذي هو الوقوف، فيشرع له الذكر المقارن كالتكبير، ثم إذا استتم قائما كان ذكر ما بينهما -
أي: ما بين الرفع وبين سجوده-
أن يقول: (ربنا ولك الحمد)، كما هو الحال فيما بين السجدتين، فتقول التكبير عند الانتقال من السجود إلى الجلوس، فإذا جلست قلت: (رب اغفر لي).بين السجدتين،
كذلك هنا يكون تسميعك عند الانتقال وقولك: (ربنا ولك الحمد)، عند استتمامك قائما، كأنهم نظروا أن التحميد ذكر لما بين الركنين، والتسميع ذكر انتقال.
[تسبيحتا الركوع والسجود]
قال رحمه الله: [وتسبيحتا الركوع والسجود] هذان واجبان،
أي: قوله: (سبحان ربي العظيم) في الركوع،
وقوله: (سبحان ربي الأعلى) في السجود،
وأما دليل وجوب التسبيح في الركوع فإنه لما نزل قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة:74] قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوها في ركوعكم)،
فإن قوله: (اجعلوها) أمر،
والقاعدة تقول: الأمر يدل على الوجوب إلا إذا قام الدليل على صرفه.فوجب على المكلف أن يمتثل هذا الأمر على سبيل اللزوم،
وبناء على ذلك فإذا ترك التسبيح لا يخلو من حالتين: إما أن يتركه ناسيا، وإما أن يتركه متعمدا، فإن ترك تسبيح الركوع أو تسبيح السجود متعمدا فإنه تبطل صلاته إماما كان أو منفردا أو مأموما، سواء أكان في فريضة أم نافلة،
وإن تركه ناسيا فإنه إن كان وراء إمام قلنا: حمل الإمام عنه التسبيح، كأن يكون نسي، أو اقتصر على تعظيم الله عز وجل بغير التسبيح سهوا ونسيانا، أو ركع ولم يتكلم لمكان السهو، فرفع الإمام ولم يتدارك التسبيح،
فحينئذ نقول: هذا السهو وراء الإمام يحمله الإمام عنه؛ لأن الإمام ضامن، وإن كان إماما أو منفردا فإنه يسجد للسهو.
وأما التسبيح في السجود فالدليل على وجوبه في السجود ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما نزل قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1] قال: (اجعلوها في سجودكم)،
فدل قوله: (أجعلوها) على الأمر، والأمر يقتضى الوجوب،
وبناء على ذلك يجب على المكلف أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود،
وأن يقول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، فلو أبدل اللفظين فجعل (سبحان ربي الأعلى) في ركوعه، و (سبحان ربي العظيم) في سجوده، فإنه إن تقصد وتعمد فقد أساء، وذلك لمخالفته للسنة.وأما بطلان صلاته فالذي يظهر أن التسبيح قد حصل،
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم في ركوعه يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)،
فدل على أن قوله: (أما الركوع فعظموا فيه الرب) يشمل التسبيح الذي يكون للسجود، ويكون اختلاف التسبيحين تنوعا لا يوجب بطلان الصلاة بترك التسبيح المأمور به في الأصل، وبناء على ذلك يجزيه، ولكن لا يخلو من الإثم لمكان التعمد بالعصيان، وأما لو ترك ذلك سهوا فإنه يجزيه ويصح منه، ولا يلزم بسجود السهو، وإن سجد للسهو فحسن.
[سؤال الله تعالى المغفرة بين السجدتين]
قال رحمه الله: [وسؤال المغفرة مرة، مرة ويسن ثلاث] التسبيح في الركوع والسجود الواجب منه مرة، ولا حرج أن يزيد المكلف، فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يزيد،
وكان يقول: (سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى)، وكان يسمع تسبيحه صلوات الله وسلامه عليه في صلاته.
وقوله: [وسؤال المغفرة مرة مرة]،
أي: بين السجدتين، وهذا واجب آخر،
أي: ويجب على المكلف أن يقول: (رب اغفر لي بين السجدتين)،
وقد صح عنه أنه قال: (رب اغفر لي رب اغفر لي)، قاله مرتين صلوات الله وسلامه عليه بين السجدتين، فدل على مشروعية التكرار.وهذا الذكر الذي بين السجدتين يعتبر واجبا بناء على الأصل؛ لأننا عهدنا من الشرع أنه جعل الأذكار المتخللة بين الأركان واجبة فألحق النظير بنظيره، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك،
فقوي إلحاقه بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فألحق بالواجبات، فصار ذكرا لما بين السجدتين، وألزم به المكلف تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلو صلى المصلي ونسي أن يقول بين السجديتن: (رب اغفر لي)، وقال أي ذكر آخر، فحينئذ لا يخلو إما أن يكون منفردا أو مأموما، فإن كان منفردا وتعمد بطلت صلاته، وإن كان منفردا ونسي سجد للسهو، وإن كان مأموما فإن تعمد بطلت، وإن سها حمل عنه ذلك الواجب الإمام.
[التشهد الأول والجلوس له]
قال رحمه الله: [والتشهد الأول وجلسته] التشهد الأول وجلوسه كلاهما واجب،
أما دليل الوجوب فما ثبت في حديث عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم).وهذا الحديث في الصحيح، ومثله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في كونه رضي الله عنه وقع في نفس السهو، ولما سبحوا له أشار إليهم أن قوموا، ثم سجد قبل أن يسلم سجدتين، ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعل.فهذان الحديثان يدلان دلالة واضحة على أن هذا الجلوس واجب، أما دليل وجوبه فكون النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجدتي السهو، فدل على أنه دون الأركان؛ لأنه لو كان ركنا لرجع له النبي صلى الله عليه وسلم، فكونه لم يرجع له يدل على أنه ليس بركن، وكونه يجبره بالسجدتين يدل على أنه من الواجبات وليس من السنن والمستحبات، وبناء على ذلك ارتقى عن درجة السنن والمستحبات، ونزل عن درجة الأركان، فأصبح واجبا من واجبات الصلاة.ولما كان هذا الموضع يشتمل على فعل وقول قالوا بوجوب كل منهما؛ لأن الجبر وقع لهما معا، واستدل به على أن الواجبات تتداخل، فمن ترك أكثر من واجب جبره بسجدتين وكان ذلك كافيا له ومبرئا لذمته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الواجب الفعلي وهو الجلوس، وترك الواجب القولي وهو قراءة التشهد.
فأصبح عندنا واجبان: الواجب الأول: الجلوس للتشهد بعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة الثانية.
الثاني: قراءة التشهد.فإن تركهما جبرهما بسجود السهو، وإن ترك واحدا منها كأن يجلس وينسى أن يقول الشهد ثم يقوم، فإن كان وراء الإمام حمل الإمام عنه الذكر القولي، وإن كان منفردا ومتعمدا بطلت صلاته، وإن كان ناسيا جبره بسجود السهو.
[سنن الصلاة]
قال رحمه الله: [وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة] تقدم معنا ذكر المصنف شروط الصلاة من النية والوقت والطهارة، واستقبال القبلة، وغيرها مما ذكر من الشروط، وذكر لنا الأركان الأربعة عشر التي ذكرناها، وذكر لنا الواجبات الثمانية التي كنا بصددها.وعليه فما عدا هذه الأركان والواجبات والشروط فهو سنن، ومستحبات يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولو تركها عمدا فإن الشرع لم يلزم بها، والأصل أننا نعتبر ما اعتبره الشرع، فإن كان اعتباره على سبيل اللزوم ألزمنا،
وإن كان اعتباره على سبيل عدم اللزوم رخصنا وقلنا: الناس في سعة، فإن فعلوا أثيبوا، وإن تركوا فلا حرج عليهم.
ومن هذه السنن المستحبات قوله: (ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد) إلخ بعد قوله: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد).فهذا الذكر من المستحبات، وليس بواجب ولا لازم،
ولو قال بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني)، فهذا الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة وليس بواجب.
[حكم ترك بعض شروط الصلاة غير النية]
قال رحمه الله: [فمن ترك شرطا لغير عذر غير النية فإنها لا تسقط بحال] قوله: (فمن ترك) الفاء للتفصيل، فبعد أن ذكر الشروط والأركان والواجبات شرع رحمه الله في حكم ترك هذه الأمور، فابتدأ بالشروط، وقد سبق أن ذكر الشروط قبل الأركان، والسبب في هذا أن شروط الصحة والوجوب تكون قبل الأركان في غالب صور المصلي وأحواله، فإن الإنسان يتوضأ قبل الصلاة وقبل فعل أركان الصلاة، وهكذا بالنسبة لاستقباله القبلة يكون قبل تكبيره حتى يقع تكبيره وفعله للأركان في حالة استقباله للقبلة، وهكذا طهارته من الحدث وطهارته من الخبث.فلذلك ابتدأ بحكم ترك الشروط، فالتارك للشرط إما أن يتركه معذورا فحينئذ يسقط عنه لمكان العذر، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، إلا شرطا واحدا من شروط الصحة وهو النية.فلو ترك المكلف الوضوء والتيمم لعدم وجود الماء وعدم وجود ما يتيمم به -وهي مسألة فاقد الطهورين- فإنه تصح صلاته وتجزيه؛ لأنه ليس بإمكانه إلا ذلك،
والقاعدة تقول: (التكليف شرطه الإمكان) لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286].
فإذا كان المكلف عاجزا عن تحصيل الشرط الذي هو طهارة الحدث فإننا نعذره ونقول: صلاته صحيحة، والدليل على ذلك ما ذكرناه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمستحاضة أن تصلي والدم يجري معها، فدل على أنها معذورة، وأن من كان في حكمها معذورا أنه يرخص له في صلاته.ولأنه عليه الصلاة والسلام أقر الطائفة التي صلت قبل فرضية التيمم بدون وضوء، مع أن الوضوء كان لازما، وقد ثبت اعتبار لزومه بالشرع، ومع هذا صحح صلاتهم ولم يأمرهم بالإعادة، وذلك لعدم إمكانهم أن يتوضأوا، فدلنا ذلك على أن من ترك الطهارة من الحدث لوجود العذر فصلاته صحيحة.ولو ترك شرط طهارة الخبث لعذر فالحكم كذلك، كأن تركه نسيان، كما لو صلى ولم يعلم أن بثوبه نجاسة، فلما سلم اطلع على النجاسة فإن صلاته صحيحة، والدليل حديث أنس في الصحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم،
فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟
فقالوا: يا رسول الله! رأيناك خلعت فخلعنا فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا).ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد الصلاة من بدايتها؛ لأنه فعل أركانا كتكبيرة الإحرام، وربما قرأ الفاتحة، وقد يكون ركع عليه الصلاة والسلام، أو فعل أكثر من ركعة، ومع هذا لم يعد ولم يستأنف الصلاة، وإنما اعتبر الأركان السابقة، وذلك بسبب وجود العذر من النسيان.فدل على أن من ترك طهارة الخبث لمكان النسيان أنه معذور وصلاته صحيحة، وهكذا لو ترك استقبال القبلة لعذر يعذر به شرعا، ألا ترى المسافر عذره الشرع في استقبال القبلة، فلو اجتهد ثم تبين له أن اجتهاده خاطئ فإن صلاته صحيحة، فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان مع الصحابة في ليلة مغيمة، فصلوا وهم على غير قبلة، فلما أصبحوا تبينوا أنهم على خطأ،
فقال عليه الصلاة والسلام: (قد مضت صلاتكم)، فدل على أن من فقد هذا الشرط معذورا -وهو استقبال القبلة- الذي يشترط لصحة الصلاة أنه يعذر وتصح صلاته.ويستثنى من سقوط الشروط بالعذر النية؛ فإنه لا تصح الصلاة إلا بها، والدليل على هذا أن النية دل الشرع على عدم الاعتداد والاعتبار بالعبادات إلا بها، فدل على أن الأصل عدم صحة العبادة إلا بالنية.أما الشروط الأخرى فقد جاءت النصوص تستثني بعضها، كاستقبال القبلة، والطهارة من الحدث والخبث، ونحوها من الشروط، فتلك الشروط من تركها لعذر عذرناه لورود النصوص بالاستثناء، وبقي شرط النية على الأصل الموجب لعدم الاعتداد بالعبادة إلا بها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|