الموضوع: لمحة
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-03-2021, 03:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لمحة

لمحة 2
مصطفى صلاح محمد


حسبي الله ونعم الوكيل


قلتُها أمامَ أحد زملائي مرَّةً، فنظر إلَيَّ وقال مستفهمًا ومتعجِّبًا: فيمَن؟!


وقلتُها مرَّةً أمامَ أمِّي - حفظها الله - فإذا هي تغضَبُ بشدَّة، وينقَلبُ مزاجُها، وتقول في عصبيَّة: فيمَن تُحَسْبِنُ يا ولد؟


مُعتادٌ أنا على قول: "حسبي الله ونعم الوكيل"، أكاد أُكرِّرها مئات المرَّات يوميًّا، حتى حين مزَحَ معي أحدُ زملائي مرَّةً وقلتُها كعادتي فإذا به ينقلبُ مزاحُه جدًّا، ويتغيَّر وجهُه، ويسألني إنْ كانَ أخطأ في حقِّي، ويَطلبُ مِنِّي الصفحَ والعفوَ!

لا يكاد النَّاس يقولون هذا الذكرَ العظيمَ إلا في مقام الدُّعاء على الظالمين، أو عند وَقْع البلاء، وشدَّة القضاء، أمَّا أنْ يقولوه مثلاً تسبيحًا وذكرًا، كما يقولون: سبحان الله، فلا.
لِكُلِّ خَطْبٍ مُهِمٍّ حَسْبِيَ اللَّهُ
أَرْجُو بِهِ الأَمْنَ مِِمَّا كُنْتُ أَخْشَاهُ[1]

وَأَسْتَغِيثُ بِهِ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ
وَمَا مَلاَذِيَ فِي الدَّارَيْنِ إِلاَّ هُو

ذُو المَنِّ وَالمَجْدِ وَالفَضْلِ العَظِيمِ وَمَنْ
يَدْعُوهُ سَائِلُهُ رَبَّاهُ رَبَّاهُ

لَهُ المَوَاهِبُ وَالآلاَءُ وَالمَثَلُ الْ
أَعْلَى الَّذِي لاَ يُحِيطُ الوَهْمُ عُلْيَاهُ



"حسبي الله..." يكفيني همِّي، ويَهدِيني طريقي، ويُنَوِّر بصيرتي، ويُنِير دربي.
"حسبي الله..." لا أحمل همَّ رزقٍ، فهو الرزَّاق.
"حسبي الله..." لا أخاف من أحدٍ بطشًا ولا ظلمًا، فهو المطّلعُ الخبير، مالكُ يومِ الدين.
"حسبي الله..." يَقبَل توبتي، ويجبرُ عثرتي، ويغفر ذنبي، ويستَجِيب دعائي.
"حسبي الله..." ألجأُ إليه في رغدِ العيش وفي قسوته، وأَضرَعُ إليه عند النعمة وعند النقمة، وألهَجُ بذكره في السرَّاء والضرَّاء.
"حسبي الله..." حين تُغلَق جميعُ الأبواب، وتُسدُّ كلُّ الطرق، ويغلبُ الهم، وينتصر الظلم.
مَنْ قَالَ حَسْبِي مِنَ الوَرَى بَشَرٌ
فَحَسْبِيَ اللهُ حَسْبِيَ اللهُ[2]

رَبِّي عَزِيزٌ فِي مُلْكِهِ صَمَدٌ
لاَ عِزَّ إِلاَّ لِمَنْ تَوَلاَّهُ

لَوْلاَهُ لَمْ تُوجَدِ السَّمَاءُ وَلاَ ال
أَرْضُ وَلاَ العَالَمُونَ لَوْلاَهُ

كَمْ آيَةٍ لِلإِلَهِ شَاهِدَةٌ
بِأَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّهُ



حين يشتدُّ بي الهمُّ، وينزلُ بي الكربُ، وتضيقُ عليَّ الدنيا بما رحبتْ، أقولُ: "حسبي الله ونعم الوكيل"، فكأنَّه ماءٌ يجلو صدأَ النَّفس، ويمحو رانَ القلب، ويُصفِّي كدَر الروح.

عندما أقولها أستشعرُ عظمةَ الله.
عندما أقولها أستشعرُ معيّة الله.
عندما أقولها أستشعرُ قربَ الله.
عندما أقولها أستشعرُ رحمةَ الله.
عندما أقولها أستشعرُ أمانَ الله.

قالها المؤمنون حين خوَّفهم النَّاسُ من النَّاسِ، فانقلب خوفُهم أمنًا، وفزَعُهم طمأنينةً، واضطرابهم ثَباتًا؛ ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173 - 174].

وقالها إبراهيم - عليه السلام - حين أُلقِي في النار؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((كان آخِرُ قول إبراهيم حين أُلقِي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل))؛ البخاري (ح4564).

ولَمَّا قد علمتُ واستقرَّ في ذهني أنَّ الشيطانَ - لعنه الله - إذا رأى أمرًا ميسورًا من العبادات يفعله الناس ويترتَّب عليه ثوابٌ كبير، فإنَّه يلهثُ خلف أنْ يصرفهم عنه، ويتفنَّن في ذلك.

انظر إلي الذكر بعد الصلاة مثلاً، وكيف يشغلُ الشيطانُ المسلمين عنه، فهذا ينصَرِف مسرعًا بعد الصلاة ليقضي حاجة أو ليلحق موعدًا، أو ليبحث عن شيءٍ نسيه... إلخ، وهذا يتكلَّم مع مَن بجواره، وهذا يقوم مسرعًا ليصلي السنَّة، وكلُّ ذلك من ألاعيب الشيطان، ليشغلَ الناس عن ثواب أذكار الصلاة، يَكفِي فيه قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن سبَّح في دُبُرِ كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، ثم قال تَمام المائة: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيءٍ قدير - غُفِرتْ له خَطاياه وإنْ كانتْ مثل زبد البحر)).

وانظر إلى الشيطان كيف يشغل الناس عن هذا الذكر بعد الصلاة فلا يَكاد يذكره أحد؛ عن معاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أخَذ بيده ثم قال: ((يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك))، فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبُّك، قال: ((أُوصِيك يا معاذ لا تدعن في دُبُرِ كلِّ صلاة أنْ تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).

لَمَّا علمتُ ذلك فهمتُ لِمَ ينفر الناس إذا سمعوا مَن "يُحَسْبِن" أمامَهم، ويطلبون منه الكفَّ والانتهاء، فهي عادة الشيطان في شغل الناس عن اليسيرِ عملُه من العبادات، العظيم فضلُه وأجرُه.

فحسبي الله ونعم الوكيل في المحيا وفي الممات.
حسبي الله ونعم الوكيل في كل وقت وحين.
حسبي الله ونعم الوكيل إذا كثُرَت الخطوب، واشتدَّت الأزمات، وقلَّ الأصدقاء.
حسبي الله ونعم الوكيل.
حسبي الله ونعم الوكيل.


[1] عبدالرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني.
شاعر، متصوف من سكان (النيابتين) في اليمن.
أفتى ودرَّس، وله ديوان شعر أكثره في المدائح النبويَّة.
والبرعي نسبة إلى "بُرع" وهو جبل بتهامة (كما ورد في "التاج").

[2] حازم بن محمد بن حسن، ابن حازم القرطاجني أبو الحسن، 608 - 684 هـ/ 1211 - 1285 م.
أديبٌ من العُلَماء له شعر، من أهل قرطاجنة شرقي الأندلس، تعلَّم بها وبمرسية، وأخَذ عن علماء غرناطة وإشبيلية، وتتَلمَذ لأبي علي الشلوبين ثم هاجر إلى مراكش ومنها إلى تونس، فاشتهر وعُمِّر وتُوفِّي بها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]