عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 14-02-2021, 04:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,103
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(4)
د. محمد بن هائل المدحجي






الحلقة الرابعة: زراعة الأعضاء التناسلية
ما زال الحديث موصولاً مع الوسائل الحديثة لعلاج العقم،ومن هذه الوسائل (زراعة الأعضاء التناسلية) .
فمـــــــع تقـــــدم الطــــب في العصـــــــر الحــــــاضـــر أصبـــــــح زرع الأعضــــــاء في جسم الإنسان أمراً واقعاً وملموساً،والمقصــود بزراعة الأعضاء: " أخذ جزء من جسم إنسانٍ،ووضعه في موضع آخر من الإنسان نفسه أو غيره لمصلحة المنقول له".
وإن مما هو ظاهر أن هذه المسألة - أي حكم زراعة الأعضاء التناسلية - متفرعة عن مسألة (حكم زراعة الأعضاء بشكل عام) وهي مسألة مختلف فيها أصلاً، فالحديث عن حكم زراعة الأعضاء التناسلية إنما هو عند القائلين بجواز زراعة الأعضاء بشكل عام،أما القائلون بالتحريم فمن البدهي أنهم سيذهبون إلى حرمة زراعة الأعضاء التناسلية.
وقد صدرت قرارات وفتاوى من عدد من المؤتمرات،والمجامع الفقهية، والهيئات العلمية، ولجان الفتوى بجواز نقل الأعضاء بشكل عام،ومن أهمها: قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي رقم( 26 ) ،والذي جاء فيه :
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
ثانيًا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثًا: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر- كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية-.
رابعًا: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
خامسا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها - كنقل قرنية العينين كلتيهما - أما إن كان النقل يعطل جزءًا من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادسًا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته،أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعًا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها،مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو؛إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما،أما بذل المال من المستفيد ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة، أو مكافأة وتكريمًا فمحل اجتهاد ونظر.
ثامنًا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة مما يدخل في أصل الموضوع فهو محل بحث ونظر".
والخلاف الذي أشرت إليه في حكم زراعة الأعضاء إنما هو في نقل الأعضاء من شخص وزرعها في آخر، فلا يدخل فيه النقل والزرع الذاتي الذي هو:"أخذ جزء من جسم إنسانٍ،ووضعه في موضع آخر من الإنسان نفسه"؛إذ لا قائل- فيما أعلم - بحرمة هذا النوع من زراعة الأعضاء ، لكن لا بد من توفر شروط الجواز المشار إليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي جاء فيه: " يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضوياً".
ومن صور هذا النوع من الزراعة:نقل الجلد من الفخذ إلى العضد بسبب حرق أو مرض فيه، أو نقل وريد من الفخذ والساق إلى القلب، أو نقل العظام من موضع إلى آخر تهشمت فيه العظام أو أزيلت،أو نقل جزء من الأمعاء ليحل محل المعدة أو المريء،وكتبديل قرنية عين المصاب بالعمى إلى العين الأخرى التي تحتاج إلى القرنية لتبصر.
ومن صور الزراعة الذاتية في مجال زراعة الأعضاء التناسلية:
[1]انتزاع جزء يسير من الأمعاء الدقيقة وزرعه بدلاً من قناة المبيض في حال تلفها.
[2] بناء مهبل باستخدام الأمعاء أو الترقيع الجلدي.
[3] أخذ أنسجة من المبيض وتجميدها إلى حين الحاجة إلى الإنجاب،حيث يتم زراعة الأنسجة في المبيض مرة أخرى : وفكرة هذه العملية أن يقوم الأطباء بتجميد أجزاء من أنسجة المبيض التي تؤخذ من المرأة قبل الخضوع لعلاج السرطان، ومن ثَمَّ زرعها في المبيض بمجرد انتهاء العلاج، وقد تمت هذه الزراعة بنجاح في صفر( 1424هـ/أبريل 2003م ) لامرأة بلجيكية عمرها (32 سنة) أصيبت في عام (1417هـ/1997م) بنوع من مرض السرطان، وقبل أن تخضع للعلاج الكيميائي استؤصل منها نسيج مبيضي وجمد، وبعد أن شفيت بعد سبع سنوات زرع النسيج المبيضي مرة أخرى أسفل المبيض الذي كان في جسدها، وبعد أربعة أشهر من زراعة النسيج كانت عمليتا الطمث وإنتاج البويضات تسيران بصورة طبيعية، ثم حملت المرأة بعد مضي نحو( 25) أسبوعاً على عملية الزراعة، وأنجبت طفلة في رجب ( 1425هـ/سبتمبر 2004م).
[4] استئصال المبيض السليم من امرأة ستخضع لعلاج إشعاعي للسرطان وزرعه في ذراعها: وفكرة هذه العملية أن يقوم الأطباء بإزالة المبيض بأكمله وأوعيته الدموية وربطه بالأوعية الدموية في الذراع، وبهذه الطريقة يمكن المحافظة على قدرة هذه المرأة على الإنجاب، ومتى ما أرادت أن تحمل فإنه سيتم شفط إحدى البويضات من المبيض وتخصَّب خارج الرحم، ومن ثَمَّ يتم غرس البويضة المخصبة في رحم المرأة، وقد تمت هذه الزراعة بنجاح عام( 1407هـ/1987م ) لفتاة فرنسية عمرها (18 سنة)، وقد تم زرع المبيض في ذراعها الأيمن، ثم تم إجراء عملية أخرى ناجحة في هولندا عام (1425هـ/2004م) لامرأة تبلغ من العمر (29 سنة) تعاني من سرطان عنق الرحم،وقد تم زرع المبيض في المنطقة الأمامية من الجزء العلوي من ذراعها الأيسر.
وحكم الزرع الذاتي للأعضاء التناسلية هو الجواز - كسائر صور النقل الذاتي -،لكن إذا تحققت الشروط المشار إليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي سابق الذكر، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
[1] أن يكون هناك ضرورة أو حاجة لإجراء الزرع الذاتي للأعضاء التناسلية.
[2] أن تترجح مصلحة الزرع الذاتي للأعضاء التناسلية على عدمه.
[3] أن يغلب على الظن نجاح الزرع الذاتي للأعضاء التناسلية.
وحيث قلنا بالجواز فيجب أن يكون ذلك بما لا يتعارض مع الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها، ومن أبرز الأمثلة التي يمكن أن نسوقها في بيان ذلك، تلك الدراسات التي تهدف إلى بيان إمكانية جعل المرأة تحمل بعد سن اليأس باستخدام تقنية أخذ أنسجة من المبيض وتجميدها، ثم زرعها في مبيض المرأة بعد بلوغ سن اليأس لتحقيق رغبتها في الإنجاب.
ومثل هذه الزراعة لا شك في حرمتها من جهتين:
[1] لمصادمتها للفطرة وتضمنها لتغيير خلق الله عز وجل الذي يأمر به الشيطان من جهة، والله جل وعلا يقول:{... وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً*لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً* وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً}سورة النساء، الآيات (117-119).
[2] ولما يمكن أن تسببه هذه الزراعة من أضرار على هذه المرأة التي لم تعد أجهزة بدنها قادرة على تحمل متاعب الحمل من جهة أخرى، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ" رواه ابن ماجه.
ننتقل الآن لبيان حكم نقل الأعضاء التناسلية من شخص لآخر والذي يسميه الأطباء بـ (النقل المتباين).
لا بد من الإشارة أولاً إلى أن الأعضاء التناسلية يمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: ما له دخل في نقل الخصائص الوراثية للإنسان، وهو شيئان:
[1] الخصيتان: وهما مصدر الحيوانات المنوية التي تعتبر البذرة التي منها تنتقل خصائص الرجل وخصائص أصوله إلى ذريته.
[2] المبيضان: وهما مصدر البويضات التي تعتبر بذرة المرأة التي منها تنتقل خصائصها وخصائص أصولها إلى ذريتها.
القسم الثاني: ما ليس له دخل في نقل الخصائص الوراثية، وذلك كالذكر بالنسبة للرجل فإنه مجرد أداة لنقل المني، وكقناتي المبيض فإنهما مجرد طريق لنقل البويضات بعد تلقيحها، وكذلك الرحم فإنه مجرد محضن.
وبناء على هذا التقسيم يمكن أن نبين حكم الزرع المتباين للأعضاء التناسلية :
أولاً: حكم زراعة الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف (المبيضين والأنثيين):
يحرم زراعة الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف،والدليل على ذلك :
[1] إن الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف (المبيض و الخصية) إذا نقلت إلى المريض فإنها تستمر في إفراز الحيوانات المنوية والبويضات الحاملة للصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للشخص المنقول منه؛لكون هذه الغدد التناسلية تقوم بإنتاج النطف بواسطة خلايا ثابتة فيها تظل تابعة من الناحية الوراثية للمنقول منه؛فيكون الأبناء في الحقيقة تابعين لصاحب الخصية أو المبيض المنقول منه في الشبه وجميع الأوصاف الوراثية، ومن ثَمَّ يحدث اختلاط الأنساب.
[2] إن في زراعة الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف اطلاعاً على العورة بدون ضرورة شرعية معتبرة .
[3] إن زراعة الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف ما هو إلا صورة من صور الإخصاب لبويضة من حيوان منوي ليس من الزوج،أو إخصاب حيوان منوي من الزوج لبويضة ليست لزوجته فيكون محرمّاً.
ثانياً: حكم زراعة الأعضاء التناسلية غير المنتجة للنطف:
يجوز زراعة الأعضاء التناسلية غير المنتجة للنطف ما عدا العورات المغلظة.
ودليل جواز زراعة الأعضاء التناسلية غير المنتجة للنطف :
[1] أن الغرض من زراعة الأعضاء التناسلية غير المنتجة للنطف هو تحصيل النسل والاستمتاع والجمال المطلوب لكل إنسان،وهذه مصالح معتبرة شرعاً، فإذا كانت معتبرة شرعاً جاز السعي في تحقيقها.
[2] القياس على سائر الأعضاء التي تجوز زراعتها، بجامع أن الجميع عضو لا يوجب نقله انتقال الصفات الوراثية من المنقول منه إلى المنقول إليه .
[2] أما دليل عدم جواز زراعة العورات المغلظة، فذلك لما يلي:
(أ) أن الأصل في الفروج الاحتياط والتحوط والتورع والمنع، ومن قواعد الشريعة المقررة أن" الأصل في الأبضاع التحريم ".
(ب) إن مما تجافيه الأخلاق الإسلامية والأدلة العامة للشريعة الإسلامية أن يعاشر الإنسان امرأته بعضو غيره، أو يعاشر عضو غير زوجته، فيكون هذا من قبيل الوطء المحرم.
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم ( 57 ) بشأن زراعة الأعضاء التناسلية ، وفيه:
" أولاً: زرع الغدد التناسلية : بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلقٍّ جديد ، فإن زرعهما محرم شرعاً .
ثانياً: زرع أعضاء الجهاز التناسلي : زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية – ما عدا العورات المغلظة – جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم 26 (1/4) لهذا المجمع " .
وللحديث بقية بإذن الله تعالى...
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]