
14-02-2021, 04:41 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,913
الدولة :
|
|
رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية
علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(3)
د. محمد بن هائل المدحجي
العلاج الهرموني والنفسي للعقم3
سبق الكلام في الحلقة الماضية عن حكم التداوي عموما،وعن حكم تشخيص العقم وعلاجه،وعن حكم علاج العقم بالوسائل الجراحية، وفي هذه الحلقة سنتكلم عن حكم العلاج الهرموني والنفسي للعقم.
أولاً :العلاج الهرموني للعقم:
الهرمون: مادة كيميائية تنظّم وتسير سلسلة من العمليات الحيوية في جسم الإنسان،تفرزها الغدد الصماء -الموزعة في مختلف أنحاء الجسم- في الدم مباشرة ،والاختلال الهرموني يعد من الأسباب الرئيسة المسببة للعقم- خاصة عند النساء -.
وعلاج هذا الاختلال يكون عن طريق العلاج الهرموني المتمثل في إعطاء أدوية مركبة من الهرمونات الطبيعية المستخلصة أو المصنعة من أجل إعادة التوازن الهرموني إلى طبيعته،وهذه الأدوية منها ما يؤخذ عن طريق الفم، ومنها ما يحقن في العضل،ومنها ما يكون على هيئة تحاميل مهبلية،ومنها ما يزرع تحت الجلد فيظل يفرز الكمية المطلوبة من الهرمون لعدة أشهر.
أما الحكم الشرعي للعلاج الهرموني للعقم فيختلف باختلاف مصدر هذه الهرمونات والتي قد تكون مصنعة وقد تكون طبيعية مستخلصة،والطبيعية قد يكون مصدرها إنسانياً أو حيوانياً،وبيان حكم استعمال كل نوع منها كما يلي:
أولاً:حكم الأدوية الهرمونية المصنعة:
تستخدم الأدوية الهرمونية المصنعة على نطاق واسع في علاج العقم، وبدأ حديثاً تصنيع الأدوية الهرمونية بطريقة الهندسة الوراثية،واستعمال الأدوية الهرمونية المصنعة الأصل فيه الحل والجواز، عملاً بالقاعدة الشرعية"الأصل في الأشياء الإباحة"التي دلّ عليها قوله جل وعلا:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً...}(البقرة:29)
ثانياً:حكم الأدوية الهرمونية الطبيعية إنسانية المصدر:
إن استخلاص الهرمونات من الإنسان وتصنيع الأدوية منها لا يختلف حكمه عن حكم نقل الأعضاء المتجددة من الإنسان مثل الدم، وهذا مما نقل بعض الباحثين اتفاق الفقهاء المعاصرين على جوازه،وصدر قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الرابعة المنعقدة في جدة في المدة من (18-23) جمادى الآخرة 1408هـ الموافق (6-11) فبراير 1988م بجواز ذلك، ونصه:"يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا كالدم والجلد،ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية،وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة".
لكن مما يشكل على هذا الحكم أن بعض هذه الأدوية يتم استخلاص هرموناتها من بول النساء الآيسات مثل عقار (البروجينال)أو(الهوميجون) أو من بول الحوامل مثل عقار(البريجنيل) أو (البروفازي)،ومعلوم نجاسة بول الآدمي .
والجواب عن هذا الإشكال أن هذه الهرمونات لا تدخل في تركيب البول،بل هي عبارة عن مواد كيميائية مستقلة يكون البول حاملاً لها فقط،وبالتالي إذا تم استخلاصها فإنه لا يكون لها حكم البول من جهة النجاسة.
وحيث قيل بالجواز فإنه لا بد من التنبيه إلى أنه لا يجوز بيع البول لنجاسته، وإنما يبذل من غير عوض،والذي يظهر أنه يمكن للمستشفيات أن تستفيد من عينات بول الحوامل المأخوذة للتحليل دون الحاجة إلى استئذان في هذا؛ وذلك لأن هذا البول عديم المالية، وحقه أن يتلف،فيكون الاستفادة منه في استخلاص الهرمونات محض مصلحة لا ضرر فيه، فلم يفتقر إلى إذن،والله تعالى أعلم.
ثالثاً:حكم الأدوية الهرمونية الطبيعية حيوانية المصدر:
في أول أمر صناعة الأدوية الهرمونية لعلاج العقم كانت الهرمونات المستخدمة في العلاج حيوانية المصدر،حيث كانت تستخلص من خصي الثيران،أو من مخ الخنازير،ثم حلت الأدوية الهرمونية المصنعة وإنسانية المصدر محلها.
وهذه الأدوية الهرمونية حيوانية المصدر وإن لم يعد لها استعمال في الواقع العملي إلا إنه لا حرج في الإشارة إلى حكم استعمالها باختصار،والذي يمكن تلخيصه في النقطتين التاليتين:
أولاً: استعمال الأدوية الهرمونية المستخلصة من خصي الثيران الأصل فيه الحل والجواز،عملاً بالقاعدة الشرعية "الأصل في الأشياء الإباحة"ولا يرِد على هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"ما قطع من البهيمة و هي حية فهو ميتة"(رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه)؛وذلك لأن المراد بالحديث الأجزاء التي تحلها الحياة،قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:"والخبر أريد به ما يقطع من البهيمة مما فيه حياة;لأنه بفصله يموت, وتفارقه الحياة"(المغني:1/57)،والهرمونات مواد كيماوية لا تحلها الحياة،فلا تكون داخلة في دلالة الحديث،والله أعلم.
ثانياً:استعمال الأدوية الهرمونية المستخلصة من الخنازير محرم لا يجوز؛وذلك لأن تناول شيء من أجزاء الخنزير محرم إجماعاً،قال النووي رحمه الله تعالى:"وقد أجمع المسلمون على تحريم شحمه،ودمه،وسائر أجزائه"(المجموع: 9/7).
ومن الأدلة على تحريم تناول شيء من أجزاء الخنزير:
[1]قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ...}البقرة173
[2]قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ... }المائدة3
[3]{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ... }الأنعام145
قال الجصاص رحمه الله تعالى في قوله تعالى:{...أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ...}الأنعام145﴾:"فإنه قد تناول شحمه،وعظمه، وسائر أجزائه...ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك,وإنما ذكر اللحم؛لأنه معظم منافعه"(أحكام القرآن:2/430).
وبناء على ما تقدم فإنه لا يجوز صناعة أدوية مستخلصة من الخنازير لعلاج العقم أو غيره؛ويضاف إلى ما تقدم من الاستدلال أمرين مهمين:
[1]إن في صناعة الأدوية التي تحتوي على مواد مستخلصة من الخنازير تكثيراً للخنازير،وتربيتها،والعناية بها، والمحافظة عليها،وهذا أمر مناف لمقصود الشارع المتمثل في إتلاف الخنازير،فقد قال صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده،ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب،ويقتل الخنزير"الحديث(رواه البخاري ومسلم)،وعيسى علي السلام إنما يحكم بشريعة الإسلام،فدل ذلك على أن الخنزير لا قيمة له؛لأن الشيء المنتفع به لا يشرع إتلافه.
[2]إن صناعة الأدوية التي تحتوي على مواد مستخلصة من الخنازير تؤدي إلى التجارة فيها بالبيع والشراء،وهذا أمر محرم لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"(رواه البخاري ومسلم)،قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:"وأجمعوا على أن بيع الخنزير وشراءه حرام"(الإجماع ص 90).والله تعالى أعلم.
ثانياً:العلاج النفسي للعقم
العلاج النفسي هو:معالجة الاضطرابات الذهنية والانفعالية باستخدام وسائل علم النفس،وعلم النفس هو العلم الذي يهتم بدراسة السلوك أو الطبيعة البشرية.
وقد تطور العلاج النفسي تطوراً كبيراً في العصر الحديث،وأنشئت عيادات متخصصة في علاج الأمراض النفسية،وتنطوي المعالجة النفسية في معظم الحالات على تبادل الحديث بين المعالج والمريض،وأحياناً يعطى المريض أدوية مهدئة للأعصاب ومزيلة للتوتر.
وقد تقدم في حلقة سابقة بأن الأسباب النفسية قد تكون من أسباب العقم في بعض الحالات،فينصح الأطباء في هذه الحالات المريض بالعلاج النفسي وبمراجعة الطبيب النفسي.
وهذا النوع من المعالجة هو نوع من التداوي،فيكون داخلاً في عموم الأدلة الدالة على مشروعية التداوي،ولكن مع مراعاة الضوابط الشرعية العامة،والتي من أهمها في مجال العلاج النفسي عدم الخلوة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها المتمثل في خلوة الطبيب بالمريضة أو الطبيبة بالمريض؛وذلك لأن هذا مما جاءت نصوص الشريعة بتحريمه والتحذير منه،ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"(رواه البخاري ومسلم)،وقوله:"ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"(رواه الترمذي).
وللحديث بقية بإذن الله تعالى...
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|