عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14-02-2021, 04:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,912
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(2)
د. محمد بن هائل المدحجي

علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(2)


(الحلقة الثانية)
الأصل في العلاج والتداوي هو الجواز،وقـــد أجمع أهل العلم على مشروعية العلاج والتداوي ، وقد دل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلمما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً) رواه البخاري،وقوله صلى الله عليه وسلملكلّ داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء بَرَأَ بإذن الله عز وجل) رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلمتداووا عباد الله ؛ فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهَرَمَ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، وقوله صلى الله عليه وسلمإن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فَتَدَاوَوْا وَلا تَدَاوَوْا بحرام) رواه أبو داود.
وقد يصل حكم التداوي في بعض الأحوال إلى الوجوب قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والتحقيق: أن منه ما هو محرم ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح ; ومنه ما هو مستحب وقد يكون منه ما هو واجب وهو: ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره كما يجب أكل الميتة عند الضرورة "[مجموع الفتاوى (18/12)]،وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم(69):«الأصل في حكم التداوي أنه مشروع، لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والعملية، ولما فيه من (حفظ النفس) الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع.وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص:
- فيكون واجبًا على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية.
- ويكون مندوبًا إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق في الحالة الأولى.
- ويكون مباحًا إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين.
- ويكون مكروهًا إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها ".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه:هل العقم مرض حتى يمكن تطبيق النصوص السابقة عليه؟
والجواب:أن المرض هو:"خروج الجسم عن اعتداله الطبيعي" وهذا ينطبق إلى حد كبير على العقم باعتبار أن القدرة على الإنجاب هي الحالة السوية للإنسان، أضف إلى هذا أن العقم وإن لم يسبب ضرراً مادياً ظاهراً في الجسم إلا أن مضارّه النفسية والاجتماعية تفوق كثيراً من الأمراض العضوية ؛ ومن ثَمّ فإن كثيراً من الباحثين المعاصرين لم يترددوا في اعتبار العقم مرضاً.
والذي يبدو - والله أعلم - أن العقم لا يمكن عده مرضاً بإطلاق، ولكنه حالة غير سوية قد تكون ناتجة عن أسباب مرضية - وهذا هو الغالب -، وقد تكون أحياناً محض قضاء وقدر كما قال تعالى: {... وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }(الشورى:50)يقول أحد الأطباء:"ومن الجدير بالملاحظة أنه في حياتنا العملية ودراستنا الطبية في علم الذكورة والعقم، نجد أنه بالرغم من سلامة كلّ من الزوجين من الناحية الإنجابية لا يحدث إنجاب على الإطلاق، وذلك على الرغم من سلامة الأعضاء التناسلية عند كلّ من الزوجين حسب المقاييس العلمية الحديثة"(عقم الرجال لعبد الخالق يونس ص100 ) ، لكنّ هذا لا يمنع من القول بمشروعية علاج العقم ؛ إذ إن أغلب أسبابه مرضية، أما حالات العقم التي لا يعلم الأطباء أسبابها فنسبتها قليلة (10-15%)،فإعمال قاعدة"العبرة بالغالب والنادر لا حكم له"يقتضي القول بمشروعية علاج العقم كسائر الأمراض.
إذن الحديث عن علاج العقم هو حديث عن علاج الأسباب المرَضية التي أدت إليه، وهي كثيرة ومتنوعة، ولا يمكن البدء بعلاج العقم إلا بعد فحص المريض، وتشخيص الأسباب التي أدت إلى إصابته بالعقم.
وتشخيص أسباب العقم الأصل جوازه ؛ وذلك لأنه وسيلة للعلاج، فإذا كان علاج العقم مشروعاً من حيث الأصل - كما تقدم - فيكون تشخيص أسبابه جائزاً كذلك عملاً بالقاعدة الشرعية "الوسائل لها أحكام المقاصد" .
لكنّ القاعدة السابقة مشروطة بأن تكون الوسيلة في ذاتها مباحة، وتشخيص أسباب العقم يقتضي الاطلاع على العورات المغلظة لكل من الرجل والمرأة بل ومَسّها أيضاً، وكشف العورات أو النظر إليها محرم إجماعاً ، لكن بالنظر إلى أقوال الفقهاء المتقدمين نجد أنهم رخصوا في النظر إلى العورات لمصلحة التداوي، وهذا الترخيص مبني على القاعدة الشرعية"الحاجة تنزل منزلة الضرورة" وحاجة الناس إلى التداوي ظاهرة، ويدخل في ذلك علاج أسباب العقم، وأيضاً فإن تحريم كشف العورة والنظر إليها هو مما حرم سداً للذريعة،و"ما حرم سداً للذريعة يباح للمصلحة الراجحة" ولا شك أن حصول الذرية للزوجين من أعظم المصالح المطلوبة لهما، وعليه فيكون من الجائز شرعاً كشف المريض عن عورته واطلاع الطبيب عليها لتشخيص أسباب العقم ومن ثَم علاجه.
لكن من المقرر شرعاً أن نظر الجنس إلى جنسه أخف من نظر الجنس إلى غير جنسه ، ومن ثَمّ فقد اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن إباحة مداواة الرجل للمرأة - إذا كان يستدعي ذلك النظر إلى عورتها أو مسها - مشروطة بعدم وجود امرأة تداويها ، فلا بد من مراعاة هذا الشرط في تشخيص العقم وعلاجه كسائر الأمراض، وليس الأمر كما توهمه بعض الأطباء من أن مجرد التداوي ضرورة تبيح النظر إلى العورات مطلقاً ولو اختلف الجنس ، بل لا يجوز للرجال أن يقوموا بفحص وتطبيب النساء ولا العكس إلا إذا تعذر وجود جنسه الذي يمكنه أن يقوم بذلك، كما لا يحل للطبيب أن يطالب المريض بالكشف عن عورته إلا إذا تعذر وجود الوسائل التي يمكن بواسطتها تحقيق الفحص والتشخيص بدون كشف العورة.
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (85):
1.الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
2.ويوصي المجمع أن تولي السلطات الصحية جل جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية، والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء ".
وبعد بيان الحكم العام لتشخيص العقم وعلاجه، نقف مع أبرز أنواع علاج العقم وما يتعلق بها من أحكام شرعية ، وذلك كما يلي :
العلاج الجراحي للعقم:العلاج الجراحي هو فن من فنون الطب يعالج الأمراض بالاستئصال أو الإصلاح أو الزراعة أو غيرها من الطرق التي تعتمد كلها على الجَرْح والشَّق والخياطة، وتنقسم الجراحة العلاجية إلى قسمين:
[1]الجراحات الصغرى:وهي العمليات البسيطة التي تجرى عادة تحت التخدير الموضعي، وتقتصر غالباً على الأعضاء الظاهرة كالجلد والنسيج الدهني.
[2]الجراحات الكبرى:وتشمل مختلف أنواع الجراحات التي تُجْرى على الأعضاء الحيوية، و تُجْرى عادة تحت التخدير العام أو الجزئي.
والعلاج الجراحي للعقم نوع من الجراحة الحاجية، والعلاج الجراحي للعقم المتعلق بالرجل له صور متعددة، منها:
(أ) إجراء عملية لعلاج دوالي الخصية في حال كانت هي المسببة للعقم.
(ب) إجراء عملية لعلاج انسداد البربخ، سواء كان الانسداد خلقياً أو ناتجاً عن التهاب.
(جـ) إجراء عملية لعلاج انسداد الحبل المنوي، وذلك بقطع الجزء المسدود، ثم إعادة توصيل الطرفين السليمين منه.
وأما العلاج الجراحي للعقم المتعلق بالمرأة فله صور متعددة أيضاً ، منها:
( أ ) معالجة الانسدادات والالتصاقات في قناتي المبيض.
(ب) معالجة حالات مرض انتباذة البطانة الرحمية.
(جـ) معالجة حالات وجود حاجز أو التصاقات أو ألياف في داخل الرحم.
( د ) إزالة الأورام من الرحم والمبايض بالجراحة.
والعلاج الجراحي للعقم هو نوع من التداوي، فيكون داخلاً في عموم الأدلة الدالة على مشروعية التداوي - والتي تقدم ذكرها - وأيضاً هو نوع من العلاج الجراحي فيكون داخلاً في الأدلة الدالة على مشروعية العلاج الجراحي بشكل عام ، ومنها:
[1] أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب رضي الله عنه طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه(رواه مسلم ). فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر الطبيب على قطعه للعرق،وهذا ضرب من ضروب العلاج الجراحي، فدل ذلك على مشروعيته.
[2] ومن الأدلة أيضاً الأحاديث الدالة على مشروعية الحِجامة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"إن أفضل ما تداويتم به الحجامة" (رواه البخاري ومسلم) .والحجامة تقوم على شق موضع معيَّن من الجسم لمصّ الدم الفاسد واستخراجه، وهي بهذا المعنى تعد نوعاً من الإجراءات الجراحية العلاجية لتخليص الجسم من المواد الضارة، فتُعد أصلاً في مشروعية العلاج الجراحي.
لكن لا بد من مراعاة الشروط العامة لجواز أي جراحة طبية، والتي من أهمها في مجال العلاج الجراحي للعقم شرطان هما:
[1]ألا يوجد البديل الذي هو أخف ضرراً من الجراحة: فإذا وجد بديل يمكن بواسطته علاج المريض - بإذن الله تعالى - كالعقاقير والأدوية لزم المصير إليه صيانةً لأرواح الناس وأجسادهم لئلا تتعرض لأخطار الجراحة ومضاعفاتها المحتملة، وهذا مما اتفق عليه الأطباء قديماً، وأكد عليه الأطباء المعالجون للعقم حديثاً.
[2]أن تتوفّر الأهلية في الطبيب الجراح ومساعديه: ويتحقَّق ذلك بأمرين:
الأول:المعرفة النظرية: فيجب أن تتوفر لدى الطبيب معرفة المهمة الجراحية التي يقدم عليها، والإحاطة بكافة تفاصيلها، فلا يجوز أن يتولى إجراء العملية الجراحية غير المتخصِّص.
الثاني:القدرة العملية على إجراء الجراحة على الوجه المطلوب: وهذا يحصل بالمران والتدريب الطبي على إجراء العمليات الجراحية تحت إشراف المتخصصين ذوي الخبرة الواسعة.
ونظراً إلى أن العلاج الجراحي للعقم بالنسبة للمرأة يعتبر من أدق أنواع الجراحة الطبية، فقد أكد كثير من الأطباء المعالجين للعقم إلى أهمية اختيار الطبيب المناسب الذي عنده القدرة والكفاءة على إجراء مثل هذه العمليات الدقيقة؛ وذلك لأن إجراءها عند طبيب غير متقن قد يترتب عليه ضرر أكثر من النفع المرجو، ومن هنا تأتي أهمية استشارة أكثر من طبيب قبل الإقدام على مثل هذا النوع من العلاج للعقم بالنسبة للمرأة .
وللحديث بقية بإذن الله تعالى...

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]