عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 04-02-2021, 11:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: :: سلسلة رموز الإصلاح

ثانياً: مرحلة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة :

وهي على قصرها التي لم تتعدّ ثلاث سنوات (1381- 1383/ 1961-1963) تعد مرحلة هامة جداً في حياته، ذلك أنها أوجدت للشيخ تلاميذ حملوا دعوته لبلاد لم يزرها أو يعرفها، وأصبح هناك تيار ينسب للشيخ في العالم وليس سوريا فقط، لأنه درّس منهجه في علم الحديث عمليا وبطريقة أكاديمية للطلاب، وأحدث بذلك نقلة في شعبية علم الحديث في العالم بعد أن كان علماً نظرياً لا يعرفه إلا أفراد محدودون، ورسخ رؤيته الدعوية بين السلفيين. خاصة إذا علمنا أن الشيخ الألباني والشيخ محمد بن عبد الوهاب البنا هما اللذان رعيا في الجامعة الإسلامية الرحلة الأسبوعية للطلبة والتي كانت مدرسة دعوية علمية خرّجت العديد من العلماء والدعاة.

وكل من كتب عن الألباني في الجامعة الإسلامية ذكر نشاط الشيخ في التدريس حتى في الفسحة بين المحاضرات، وأما جلساته ولقاءاته بعد الدوام الجامعي فكانت دوما مناقشات وبحوث يدرب فيها الطلاب على النقاش وطلب الدليل للوصول للقناعة، وكانت هذه اللقاءات والجلسات سببا في تعرف الألبانى على كثير من العلماء والدعاة والمدرسين من السعودية وغير السعودية ومن السلفيين وغير السلفيين، وكانت سبباً أيضاً في التعريف به عندهم.

وقد سعد الشيخ بسكنى المدينة المنورة وقال: "وجدت مناخاً رائعاً جداً، لديهم استعداد لتقبل الدعوة أولاً، والمنهج العلمي الذي أنا فطرت عليه وظللت عليه ثانياً"، وقد طلب منه وزير المعارف السعودي – آنذاك- الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ في عام 1388هـ أن يتولى الإشراف على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة أم القرى بمكة، لكن حالت بعض الظروف دون ذلك، ولكن تم اختياره عضوا في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام 1395- 1398هـ.

وقد أوصى الشيخ أن توقف مكتبته الشخصية بعد وفاته لصالح مكتبة الجامعة الإسلامية، في رد للجميل للجامعة ومكتبتها والمكتبات العامة على الشيخ، وقال الشيخ في وصيته: "لأن لي فيها ذكريات حسنة في الدعوة للكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح يوم كنت مدرساً فيها راجياً من الله تعالى أن ينفع بها روادها كما نفع بصاحبها – يومئذ- طلابها"، وهذا تواصل مع منهج الإصلاح الذي أسسه طاهر الجزائري بتأسيس المكتبة الظاهرية والتي تعذر على الألباني إهداؤها مكتبته لها وهي تحت حكم العلويين البعثيين من آل الأسد الذين فر بنفسه وأهله وكتبه من بطشهم قبل 30 سنة.

ومن أبرز تلاميذ الشيخ في المدينة: الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، الدكتور الشيخ عمر الأشقر الذي كان أمين مكتبة الجامعة وجار الشيخ في السكن، الشيخ مقبل الوادعي، الشيخ ربيع بن هادي المدخلي.



ثالثاً مرحلة الإقامة بالأردن :

هذه هي المدة الأخيرة من حياة الشيخ، وقد بدأت سنة 1980م، وكان عمر الشيخ حينها يقارب 66 سنة، وامتدت هذه المرحلة حتى وفاته سنة 1999م، ويحدثنا الألباني عن فراره بدينه من سوريا وهجرته للأردن فيقول: "هاجرت بنفسي وأهلي من دمشق الشام إلى عمان، في أول رمضان سنة 1400هـ فبادرت إلى بناء دار لي فيها آوي إليها ما دمت حياً، فيسر الله لي ذلك بمنّه وفضله وسكنتها بعد كثير من التعب والمرض أصابني من جراء ما بذلت من جهد في البناء والتأسيس، ولا زلت أشكو منه شيئاً قليلاً".

جعل الشيخ أعماله العلمية خلال إقامته بالأردن أولوية شبه مطلقة، على حساب نشاطه الدعوي، فها هو يقول: "فإنه ما كاد بعض إخواننا في الأردن يشعرون بأنني استقررت في الدار، حتى بدؤوا يطلبون مني أن أستأنف إلقاء الدروس التي كنت ألقيها... وعلى الرغم من أنني ما كنت عازماً على شيء من الإلقاء، لأوفر ما بقي من نشاط وعمر لإتمام بعض مشاريعي العلمية"، ولهذا الموقف عدة أسباب منها: بلوغ الشيخ هذا السن، واضطراب الوضع السياسي في المنطقة، وتعرض الشيخ للطرد من الأردن بسبب وشاية المخالفين لدعوة الكتاب والسنة والذين يعرفون خطورة الشيخ عليهم، فالشيخ كان له زيارات سابقة للأردن لزيارة ابنته المقيمة بعمان، وكان يلقي بعض الدروس في زياراته، وبعضها كان يتمّ في مقر جماعة الإخوان المسلمين بمدينة الزرقاء، وكان الألباني قد زار الأردن بدعوة من جماعة الإخوان عام 1973م لمعالجة انشقاق في جماعة الإخوان نتيجة فكر تبنى تكفير المجتمع بكامله، وتمكّن الشيخ من معالجة هذه الفتنة والقضاء عليها.

هذا التغيير في حياة الشيخ وتقليل النشاط الدعوي كان لمجمل هذه الأسباب، ولكن مع هذا الاهتمام بالجانب التأليفي إلا أن الشيخ بقي على تواصل مع الناس والعامة من خلال اللقاءات العامة في المناسبات الاجتماعية، وكذلك من خلال تلقي الاتصالات الهاتفية، وقد سجلت هذه اللقاءات والاتصالات فبلغت أكثر من ألف شريط.

ومن أبرز تلاميذ الألباني في الأردن: الشيخ محمد إبراهيم شقرة، الشيخ علي حسن الحلبي، الشيخ مشهور حسن سلمان، الشيخ محمد موسى نصر، الشيخ حسين العوايشة، والشيخ عصام هادي، وغيرهم.

منهج الألباني:

الدعوة الإسلامية العلمية تشكل لب رؤية الشيخ المنهجية للتغيير والإصلاح، والتي تعد أساس الفكر السلفي المعاصر، وهو يؤمن أن هذه الرؤية هي الموصلة للدولة الإسلامية، فهو يقول: "الذين يشتغلون بالدعوة هم الذين يشتغلون بإقامة الدولة المسلمة، لكن لا يلهجون بهذا الكلام، ولا يستغلون عواطف الناس، وإنما يعملون على السكوت والصمت"، وقد تحققت هذه الرؤية في مصر حيث فاجأ السلفيون الجميع بتصدر المشهد السياسي اعتماداً على جهودهم العلمية الهادئة طيلة العقود الماضية، والشيخ يعتبر نفسه امتدادا لحركة مصلحي الشام الذين لم يشكلوا إطارا أو تنظيما لتجسيد هذه الرؤية والتي كان يعبر عنها الألباني بقوله: "دعوتنا ثقّف ثم كتّل"، بعكس الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي كان له سعي قوي للتحالف مع قوة سياسية لتجسيد رؤيته الدعوية.

لكن الألباني الذي عاصر ظهور الجماعات الإسلامية قام بتأطير الدعوة السلفية في نقاط محددة حتى تتبين معالم الدعوة السلفية ويسهل فهمها لدى الجيل الجديد الذي أصبح يرغب بالنقاط العملية والمركزة وينفر من البيانات الإنشائية والبلاغية، فصاغ الألباني خمس نقاط تحدد معالم منهجه ودعوته وهدفه، سماها (دعوتنا) هي:

1- الرجوع إلى الكتاب الكريم والسُّنَّة الصحيحة، وَفَهمُهُما على النهج الذي كان عليهِ السَّلَف الصالح رضوان الله عليهم.

2- تعريف المسلمين بدينهم الحق ودعوتهم إلى العمل بتعاليمه وأحكامه، والتحلي بفضائله وآدابه، التي تَكْفُلُ لهم رِضوانَ الله، وتُحَقق لهم السعادة والمجد.

3- تحذير المسلمين من الشِّرك على اختلاف مظاهره، ومن البدع والأفكار الدخيلة، والأحاديث المنكرة والموضوعة، التي شَوَّهَت جمال الإسلام وحالت دون تقدم المسلمين.

4- إحياء التفكير الإسلامي الحر في القواعد الإسلامية، وإزالة الجمود الفكري الذي ران على عقول كثير من المسلمين، وأبعدهم عن منهل الإسلام الصافي.

5- السعي نحو استئناف حياة إسلامية وإنشاء مجتمع إسلامي وتطبيق حكم الله في الأرض.

هذه دعوتنا؛ ونحن ندعو المسلمين جميعاً إلى مؤازرتنا في حمل هذه الأمانة التي تنهض بهم.

آليات الألباني :

ولتحقيق هذه الأهداف فقد اعتمد الألباني عددا من الآليات هي:

1- التصفية والتربية: وهي عند الألباني نقطة البدء بالإصلاح لحل مشكلة ضياع وتخلف المسلمين، والمقصود بالتصفية تقديم الإسلام إلى الشباب المسلم مصفى من كل ما دخله على مد هذه القرون والسنين الطوال من العقائد الباطلة ومن الخرافات والبدع والضلالات، ومن ذلك ما دخل فيه من أحاديث غير صحيحة وقد تكون موضوعة ... فالتصفية إنما يراد بها تقديم العلاج الذي هو الإسلام الصحيح الذي حقق للأمة من قبل العزة والرفعة، وحين تم خلطه بالبدع والشركيات تخلفت الأمة وانحطت بين الأمم؛ وقد تركز جهد الشيخ في هذا الباب وقد جعل مشروعه الشخصي لنهضة الأمة "تقريب السنة بين يدي الأمة" وقد وُفق توفيقا كبيراً بفضل الله.

أما التربية فالمقصود بها تنشئة الجيل على الإسلام الصحيح عقيدة وعبادة وسلوكاً، ولكن الشيخ لم يفصل كثيراً في تفاصيل تطبيق وتنفيذ الأمة ولذلك لا يزال كثير من أتباع الشيخ لا يفهم من العملية التربوية سوى عنوانها!!

2- من السياسة اليوم ترك السياسة: يكرر الشيخ الألباني أن السياسة جزء مهم من الإسلام، ولكنه يعتقد أن مشاركة السلفيين في السياسة ليس هذا أوانه بل في مرحلة تالية، وهو يشرح موقفه من السياسة بقوله: "نحن لا نشتغل في السياسة لكن ليس لأن الاشتغال في السياسة ليس من الإسلام لا، السياسة من الإسلام ... فنحن لا ننكر وجوب الاشتغال بالسياسة لكننا رأينا في هذا الزمان أن من السياسة ترك السياسة. والغرض الآن نوافق على عدم الاشتغال وقتياً وإلا فكيف يمكن إقامة الدولة المسلمة إلا بمثل هذه السياسة لكن الذين ينبغي أن يشتغلوا بالسياسة ينبغي أن يكونوا علماء أن يكونوا فقهاء أن يكونوا علماء بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح".

وفي الحقيقة أن هذا موقف سياسي من الشيخ فقد علّله بالسياسة وليس بالدين، وثانيا نحن اليوم نجد عددا من الحركات الإسلامية السياسسة تتخذ قرار المقاطعة والمشاركة في اللعبة السياسية لعدم الجدوى منها، وهذا هو لب موقف الشيخ من المشاركة السلفية السياسية: مطلوبة حين تكون مجدية سواء من صلاحية البيئة السياسية للمشاركة السلفية – كما حدث في مصر- ومن ناحية وجود قوة مؤثرة للسلفيين عند مشاركتهم.

3- دعوتنا ثقّف ثم كتّل: عايش الشيخ عددا من التكتلات الإسلامية في عصره (جماعة الإخوان، حزب التحرير، الجماعة الإسلامية الهندية، جماعة الدعوة والتبليغ ...) وأدرك خطورة سياسة التجميع دون تربية وتوعية، ولذلك كان يلخص الفرْق بين الدعوة السلفية وغيرها من الجماعات الإسلامية بقوله: "دعوتنا ثقّف ثم كتّل، وغيرنا كتل ثم ثقف ثم لا شيء".



الدور الإصلاحي الذي حققه الألباني:

يمكن أن نجمل دور الألباني في محورين هما: إنتاجه العلمي في المقالات والكتب والمحاضرات، وترسيخه لمنهج تحقيق السنة والفقه المقارن في العالم الإسلامي.

1- إنتاجه العلمي:

تميز إنتاج الألباني العلمي بكونه ينتظم ضمن مشروعه الكبير "تقريب السنة بين يدي الأمة"، وتميز بسهولة العبارة ووضوحها بخلاف الشائع في زمنه كأثر من آثار التخلف والجمود والتعصب الفقهي، وتميز بتلبية حاجات المجتمع الآنية وترسيخ منهج الدعوة للكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، وتميز أيضاً بالاختصار واليسر كما في كتابه "صحيح الجامع الصغير".

ومن يتأمل إنتاج الشيخ والذي بلغ 230 منتجا بين تأليف وتخريج وتعليق وفتوى بخلاف الأشرطة يجد أن الشيخ شارك في كافة المجالات تقريباً، وهذا التفصيل:

* فهو كتب وخرّج وحقّق في ما يخص تصحيح عقائد الناس مثل: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، التوسل أحكامه وأنواعه، الاحتجاج بالقدر لابن تيمية، أصول السنة واعتقاد الدين للحميدي (خ)، شرح العقيدة الطحاوية، العقيدة الطحاوية شرح وتعليق، وغيرها.

* كتب في علوم القرآن: معالم التنزيل للبغوي(خ)، بين يدي التلاوة(خ)، كيف يجب أن نفسر القرآن.

* وكتب في العبادات والمعاملات مثل: صفة الصلاة وله فيها ثلاثة كتب كبير وصغير ومختصر، وحجة النبي صلى الله عليه وسلم، أحكام الجنائز، أحكام الركاز (خ) حجاب المرأة المسلمة، حقيقة الصيام، آداب الزفاف، المسح على الجوربين، وإصلاح المساجد لجمال الدين القاسمي.

* كتب في السيرة : فقه السيرة للغزالي، دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور البوطي في فقه السيرة.

* كتب في تخريج أحاديث الفقه الحنبلي: ويعد كتابه (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل) أول كتاب حديثي يختص بالمذهب الحنبلي، ويلحق بهذا كتابه (الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد).

* كتب في فقه الدليل والفقه المقارن: التعليقات الرضية على الروضة الندية، تمام المنة، الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب.

* كتب في السنة النبوية تخريجاً وتحقيقاً وتأصيلاً مثل: مختصر البخاري ومسلم، وتخريج وتحقيق كتب السنن الأربعة، والسلسلة الصحيحة والضعيفة، العودة للسنة(خ)، الحديث حجة بنفسه، وغيرها.

* كتب في علم الحديث: الإكمال في أسماء الرجال للتبريزي، الباعث الحثيث، تاريخ دمشق.

* كتب في تصحيح المفاهيم: إرشاد النقاد في تيسير الاجتهاد للصنعاني(خ)، حقوق النساء لرشيد رضا، الدعوة السلفية أهدافها وموقفها من المخالفين(خ)، فقه الواقع، المصطلحات الأربعة للمودودي.

* كتب في تزكية النفوس: صحيح الكلم الطيب، رياض الصالحين، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، كلمة الإخلاص لابن رجب، لفتة الكبد في تربية الولد لابن الجوزي، مساوئ الأخلاق للخرائطي.

* فهارس علمية للكتب والمكتبات: أسماء الكتب المنسوخة من المكتبة الظاهرية(خ)، بغية الحازم في فهارس مستدرك الحاكم(خ)، فهرس كتاب الكواكب الدراري لابن عروة الحنبلي، فهرس المخطوطات الحديثية في مكتبة الأوقاف الحلبية، منتخبات من فهرس المكتبة البريطانية(خ).

* كتب في الرد على المنحرفين: الرد على التعقيب الحثيث للحبشي، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، الرد على أرشد السلفي، الرد على كتاب المراجعات لعبد الحسين شرف الدين الرافضي(خ).

تكامل الشيخ مع الجهود الإصلاحية الأخرى:

آمن الشيخ الألباني بتكامل الجهود في العمل الدعوي، وخاصة في مجال التثقيف والتأليف، وكان يرى أن من تطبيقات مبدأ "التصفية" الذي يؤمن به: المساهمة في تصفية بعض الكتابات العصرية المهمة لرموز الدعوة الإسلامية من الأحاديث الضعيفة، لما لها من دور مهم في "تربية" الصحوة الإسلامية ومن ذلك :

- تعقيبه على كتاب "الحجاب" وتخريج أحاديث كتاب "المصطلحات الأربعة في القرآن" لأبي الأعلى المودودي.

- كتاب "المرأة المسلمة" لحسن البنا، قام الألباني بمراجعته والتعليق عليه وتخريج أحاديثه.

- ألف الشيخ كتابا مستقلا هو "غاية المرام في تخريج أحاديث كتاب الحلال والحرام" للشيخ يوسف القرضاوي، وخرج أحاديث كتابه "علاج مشكلة الفقر".

- تخريج أحاديث كتاب "فقه السيرة" للشيخ محمد الغزالي.

- تخريجه لأحاديث كتاب "فقه السنة" للشيخ سيد سابق، وسماه "تمام المنة".

والمتأمل في هذه الكتب التي اعتنى الشيخ الألباني بها يجد بكل وضوح أنها كتب تخدم أهداف الشيخ في تربية المسلمين على الأحكام الشرعية الصحيحة، مما يحقق وجود المجتمع المسلم، الذي يعد بداية "السعي نحو استئناف حياة إسلامية وإنشاء مجتمع إسلامي وتطبيق حكم الله في الأرض" .

وعناية الشيخ بهذه الكتب التي ألفها قادة بارزون في جماعات غير سلفية ، تثبت جدية موقف الشيخ في التعاون بين الجماعات على ضوء الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة.



2- المحور الثاني للدور الإصلاحي للألباني: ترسيخ منهج تحقيق السنة والفقه المقارن في العالم الإسلامي

لقد وفق الله عز وجل الألبانى لترسيخ منهج تحقيق السنة حتى أصبح منهجاً راسخاً أكاديمياً وشعبياً فلا يقبل حديثا دون تحقيق وبيان صحته، ولا يقتصر هذا على السلفيين بل أصبح لكثير من خصومهم عناية بتخريج الأحاديث وتحقيقها، بعد أن كان هذا نسياً منسياً حتى عند علماء السعودية، يقول العلامة ابن عثيمين عن دور الشيخ في هذا الباب: "إن كثيرا من المشايخ قبل دعوة الشيخ ما كانوا يفرقون بين الحديث الصحيح والضعيف والموضوع، ومن المشايخ من كان يفتي ويبني فتواه على أحاديث ضعيفة بل بعضها موضوع، فبدأ الشيخ ينشر هذا العلم الشريف حتى تبصر الناس وعرفوا الصحيح من الضعيف، فجزاه الله خير الجزاء".

كما أن أبحاث الشيخ ومناقشاته للمسائل الفقهية على منهج اتباع الدليل ترسخ حتى أصبح هو المنهج المتبع في الجامعات باسم "الفقه المقارن"، وقد كان للشيخ دور بارز في ترسيخ هذا النهج من خلال تمييز صحة الأحاديث ونشر السنن العملية المجهولة لكثير من الفقهاء حتى أصبح الاعتماد على الآثار ركن أساسي في الأبحاث المعاصرة، ويندر أن تجد بحثا فقهيا لا يعتمد على تخريجات الألباني كأساس أو مساندة.

وهذا المنهج المقارن المعتمد على الدليل هو الذي فتح باب الاجتهاد المعاصر وقضى على الجمود والانغلاق وتخلص المسلمون من كثير من الفتاوى المتعنتة دون حق، مثل فتوى عدم طهارة الجنب الذي يضع حشوة في أسنانه، والتي تنازع فيها الألباني مع والده فيها، ومن ثم تراجع والده لرأيه.



وفاته رحمه الله تعالى:

كانت وفاته رحمه الله عصر يوم السبت 22 جمادى الآخرة 1420ه الموافق 2/11/1999م، في مدينة عمان بالأردن، وقد بلغ 85 عاماً، وصلى عليه وشيعه آلاف من محبيه وتلاميذه في نفس الليلة بحسب وصيته.

ولعل من الكلمات المختصرة التي وصفت الشيخ الألباني بعمق ما قاله الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق دفاعاً عن الشيخ ضد هجوم مجلة المجتمع الكويتية على الألباني:

"لم ينضم ناصر الدين طيلة حياته إلى جماعة معينة من جماعات الدعوة، ولم يعادِ أي مجموعة منها ونصح لها جميعاً، ولم يدخر وسعاً في تربية شباب أي مجموعة منها، وقام بنشر العلم الشرعي بكل طاقته في كل اتجاه، وتلامذة الشيخ من جميع الجماعات والتنظيمات الإسلامية فله تلاميذ وأحباب من جماعة الإخوان المسلمين ومن جماعة حزب التحرير ومن جماعة عباد الرحمن ومن السلفيين، ولم ينشء الشيخ تنظيماً خاصاً ولا أقام جماعة خاصة بنظام خاص، لا لعجزه عن ذلك ولا لأنه يرى أن هذا حرام وإثم، ولكن لأنه يرى أن الأولى به أن ينشر علمه للناس جميعاً وللجماعات كافة وذلك أنه يرى أن المنهج السلفي لفهم الدين هو المنهج الكفيل بعودة المسلمين إلى الدين الحق عقيدة وعبادة ومعاملة وأخلاقاً".


مراجع للتوسع:

· حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد إبراهيم الشيباني.

· علماء الشام في القرن العشرين، محمد حامد الناصر.

· محدث العصر الإمام محمد ناصر الدين الألباني كما عرفته، عصام موسى هادي.

· الألباني بقلمه، عصام هادي.

· الإمام الألباني دروس ومواقف وعبر، عبدالعزيز السدحان.

· محمد ناصر الدين الألباني محدث العصر وناصر السنة، إبراهيم العلي.


· مقالات الألباني، نور الدين طالب.

· علماء ومفكرون عرفتهم، محمد المجذوب.



[1] وفي آخر حياة والده لان الأب لدعوة الابن وأصبح يعترف له بصواب بعض ما يدعو إليه، وكانت علاقته به طيبة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]