يقظــــــــــــــــــة الضمــــــــــــــــير
✍ إحسان الدبش:
جذور الإنتماء الصحيح إن بقيت في أعماق الذاكرة تبقى كنزاً مخفياً ، عند من ضل الطريق ، ولو طال به المسير ، وعند من بقيت بقايا جذور الفطرة السليمة في نفسه حية لم تمت . تنتظر مناسبة يهيئها صانع القدر ليزهر الهدى من جديد في جذور الفطرة ، فيستيقظ الضمير وإذ بصاحبه إنسان جديد ، غير الذي كان ، وقد أصبح في الدنيا كما هوالآخرة : ﴿نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم﴾ ( التحريم 8 )كما قال رب العالمين . وهكذا كان حال الفضيل بن عياض . أحد كبار علماء التابعين.
جرف تيار اللهو الفضيل منذ مطلع شبابه ، ألقاه هذا التيار بين مجموعة من العابثين في قطع الطريق بين مدينتين في المشرق بالقرب من سمرقند هما " بيبورد وسرخس " وهو من أصل عربي من بني تميم ، حط الرحال بجده مع فتوحات الهدى في مدينة بيورد ، لكن شيطان اللهو صرفه فأنساه انتماءه ، فعبث به ومن كان معه وكما يقال: الصاحب ساحب . وفوق ذلك أحب جارية ، فأراد أن يتسلق إليها ليلاً . ولما همَّ بالدخول سمع نداءً ربانياً ، من تالٍ يتلوا القرآن في الليل ، هذا النداء جرف اللهو بعيداً عن نفسه ، وجد هذا النداء صداه في أعماق قلبه حرك كل مشاعره ، وكأن رجفة أصابته ، هذا النداء قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ (الحديد 16)
وكأن قوة خفية أوقفته في مكانه ، ودفعته ليقول: « بلا يارب آن الأوان أن يخشع
قلبي لذكرك ، ولما نزل من الحق...» . ثم لينسحب عائداً أدراجه ، متوجهاً إلى رب الكعبة وليقول ايضاً
« اللهم تبت إليك توبة نصوحة فاغفر لي ذلاتي » ...
ثم ذهب إلى رفاق الأمس ليقول لهم وداعاً : « هجرت الضلال إلى الهدى ».
التوبة وحدها لاتكفي ، النفس الأمارة بالسوء دائمة التضليل تحاول أن تدفع التائب إلى الخلف وهو يريد أن يتقدم إلى الأمام . فما العمل؟ فلابد من العلم وتحصيله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
« وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ »1
فالعلم يدعم الإيمان بشكل مستمر . ورغم أنه قطع شوطاً في عمره فلم يثنه ذلك عن طلب العلم . وكما هجر الفضيل اتباع الهوى ، هجر بلده إلى مواطن العلم ينهل من علماء تلك المدن حتى حط رحاله في مكة المكرمة فأخذ العلم عن علمائها . ولما امتلأ علما ً، وقد طَهُرَ قلبه . أصبح كالنحلة التي تأكل رحيق الأزهار لتخرجه عسلاً . ليصبح من كبار علماء مكة يثني عليه كل من لقيه في عصره ، وليصبح معلماً تخرج من مدرسته علماء كثر. يقول عنه الذهبي : «الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الثَّبْتُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ »
وقال النسائي: «ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ. »
وعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَالَ: «مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنَ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ. »
من أقواله: « وَاللهِ مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُؤْذِيَ كَلْباً وَلاَ خِنْزِيْراً بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَيْفَ تُؤْذِي مُسْلِماً؟! »
«بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ، يَعظُمُ عِنْدَ اللهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَكَ، يَصغُرُ عِنْدَ الله »
« حَرَامٌ عَلَى قُلُوْبِكُم أَنْ تُصِيْبَ حَلاَوَةَ الإِيْمَانِ، حَتَّى تَزْهَدُوا فِي الدُّنْيَا. »
« أِحْفَظْ لِسَانَكَ، وَأَقْبِلْ عَلَى شَأنِكَ، وَاعْرفْ زَمَانَكَ، وَأَخْفِ مَكَانَكَ. »
1- ( سنن أب داود 3640 )
2- من المراجع سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي