إنكار المبتدعة للسنة النبوية
د. محمود بن أحمد الدوسري
الحمد لله... يُمثِّل إنكار السُّنة الأصل الأوَّل في موقف المبتدعة من السُّنة؛ إذ إنهم يسدُّون الباب أمام مَنْ يُجادلهم أو يُناقشهم في مسألةٍ من المسائل بأنْ يُسارعوا بردِّ الأحاديث وإنكارها، فلا يجد مَنْ يُجادلهم حجةً يحاجُّهم بها حيث فَوَّتوا عليه الفُرصةَ بردِّ بضاعته.
وإنكار السنة - عندهم - يتمثَّل في ثلاثة مظاهر، وهي على النحو التالي:
* المظهر الأول: إنكار حجية السنة:
أنكر بعض المبتدعة؛ كالزنادقة، وغلاة الروافض، والقرآنيين، ونحوهم، حُجيَّةَ السنة النبوية، فضلاً عن أنْ تكون دليلاً من أدلة الأحكام عند المسلمين، وقد نصَّ العلماء على كُفر هؤلاء المنكرين لحجية السنة النبوية؛ لأنهم خالفوا نصوص القرآن الكريم - الذي زعموا الاكتفاء به، وردُّوا إجماع الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم من علماء الدِّين[1].
النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحذِّر من إنكار حُجية السُّنة:
الأحاديث الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتنوعة، وتدل بمجموعها دلالة قطعية على حجية السُّنة، وأنها شقيقة القرآن في الحُجَّة، ومن أهمها:
1- ما جاء عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ[2]، أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ! فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ! وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ!) الحديث[3].
2- وفي رواية: (وَإِنَّ ما حَرَّمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما حَرَّمَ اللهُ)[4].
3- ما جاء عن أبي رافِعٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي؛ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لاَ نَدْرِي! مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ!)[5].
أهل العلم يحذِّرون من إنكار حجية السنة:
1- قال ابن حزم - رحمه الله: (ولو أنَّ امرأً قال: لا نأخذ إلاَّ ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلاَّ ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأُخرى عند الفجر؛ لأنَّ ذلك هو أقلُّ ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حَدَّ للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مُشركٌ حلال الدم والمال)[6].
2- وقال الشاطبي - رحمه الله: (الاقتصار على الكتاب رأيُ قومٍ لا خلاق لهم، خارجين عن السُّنة؛ إذ عَوَّلوا على ما بنيت عليه من أنَّ الكتاب فيه بيانُ كلِّ شيء، فاطَّرحوا أحكامَ السُّنة فأداهم ذلك إلى الانخلاعِ عن الجماعة، وتأويلِ القرآن على غير ما أنزل الله)[7].
3- ومِثلُ ذلك جاء عن الشوكاني - رحمه الله، حيث قال: (والحاصل: إنَّ ثبوت حُجيَّة السُّنة المُطهَّرة، واستقلالَها بتشريع الأحكام ضرورةٌ دينية، ولا يُخالف في ذلك إلاَّ مَنْ لا حظَّ له في دين الإسلام)[8].
وقد يتوَّهم مُتوهِّم أنهم بذلك - أي: المبتدعة - يُقدِّسون القرآن ويُعظِّمونه، وهذا باطل باتفاق أئمة المسلمين وعامَّتهم؛ إذ أنهم بذلك إنما يجنون على القرآن ويُعطِّلون أحكامه، وإلاًّ فأين تفصيلات الأحكام الكلية التي جاء بها القرآن، وأين أحكامُه التشريعية التعبدية وأركانها ومواقيتها وغير ذلك ممَّا لا تجده إلاَّ في السنة النبوية؟!
* المظهر الثاني: إنكار الاحتجاج بخبر الآحاد:
ومن أساليب المبتدعة في هجر السنة النبوية ما أحدثته المعتزلةُ - في القرن الثاني الهجري – من إنكار الاحتجاج بخبر الآحاد، وعدم اعتباره من السُّنة التي تُضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه - في زعمهم - لا يؤمَن فيه الكذب، وهو رأي مبتدع مخالف لإجماع المسلمين[9].
وأهل السنة والجماعة يستدلون بنصوص الكتاب والسنة جميعها، لا يُفرِّقون بين نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، ولا يُفرِّقون أيضاً بين الحديث المتواتر وبين خبر الآحاد، ويحتجون بالمتواتر والآحاد في العقائد والأحكام على حدٍّ سواء.
يتبع