الحلقة (83)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ النِّسَاءِ
الاية 1 إلى الاية 5
[ سُورَةِ النِّسَاءِ ]
سُورَةُ النِّسَاءِ - مَدَنِيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( 1 ) وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ( 2 ) [ ص: 159 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) يَعْنِي : آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ( وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) يَعْنِي : حَوَّاءَ ، ( وَبَثَّ مِنْهُمَا ) نَشَرَ وَأَظْهَرَ ، ( رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ ) أَيْ : تَتَسَاءَلُونَ بِهِ ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَا تَعَاوَنُوا ) ، ( وَالْأَرْحَامَ ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالنَّصْبِ ، أَيْ : وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِالْخَفْضِ ، أَيْ : بِهِ وَبِالْأَرْحَامِ كَمَا يُقَالُ : سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَالْأَرْحَامِ ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَفْصَحُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ =تُنَسِّقُ بِظَاهِرٍ عَلَى مُكَنَّى ، إِلَّا أَنْ تُعِيدَ الْخَافِضَ فَتَقُولُ : مَرَرْتُ بِهِ وَبِزَيْدٍ ، إِلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ قِلَّتِهِ ، ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) أَيْ : حَافِظًا .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ) قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ : نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ كَانَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لِابْنِ أَخٍ لَهُ يَتِيمٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيمُ طَلَبَ الْمَالَ فَمَنَعَهُ عَمُّهُ فَتَرَافَعَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَلَمَّا سَمِعَهَا الْعَمُّ قَالَ : أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحُوبِ الْكَبِيرِ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وَيُطِعْ رَبَّهُ هَكَذَا فَإِنَّهُ يَحُلُّ دَارَهُ " ، يَعْنِي : جَنَّتَهُ ، فَلَمَّا قَبَضَ الْفَتَى مَالَهُ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَبَتَ الْأَجْرُ وَبَقِيَ الْوِزْرُ " فَقَالُوا : كَيْفَ بَقِيَ الْوِزْرُ؟ فَقَالَ : " ثَبَتَ الْأَجْرُ لِلْغُلَامِ وَبَقِيَ الْوِزْرُ عَلَى وَالِدِهِ " .
وَقَوْلُهُ ( وَآتُوا ) خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ ، وَالْيَتَامَى : جَمْعُ يَتِيمٍ ، وَالْيَتِيمُ : اسْمٌ لِصَغِيرٍ لَا أَبَ لَهُ وَلَا جَدَّ ، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، وَسَمَّاهُمْ يَتَامَى هَاهُنَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَامَى . [ ص: 160 ]
( وَلَا تَتَبَدَّلُوا ) أَيْ : لَا تَسْتَبْدِلُوا ، ( الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ) أَيْ : مَالُهُمُ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ ، عَلَيْكُمْ بِالْحَلَالِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّبَدُّلِ ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالسُّدِّيُّ : كَانَ أَوْلِيَاءُ الْيَتَامَى يَأْخُذُونَ الْجَيِّدَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَجْعَلُونَهُ مَكَانَ الرَّدِيءِ ، فَرُبَّمَا كَانَ أَحَدُهُمَا يَأْخُذُ الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَجْعَلُ مَكَانَهَا الْمَهْزُولَةَ ، وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ الْجَيِّدَ وَيَجْعَلُ مَكَانَهُ =الزَّيْفَ ، وَيَقُولُ : دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ .
وَقِيلَ : كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَيَأْخُذُ الْأَكْبَرُ الْمِيرَاثَ ، فَنَصِيبُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ طَيِّبٌ ، وَهَذَا الَّذِي يَأْخُذُهُ خَبِيثٌ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : لَا تَتَعَجَّلِ الرِّزْقَ الْحَرَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الْحَلَالُ .
( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ) أَيْ : مَعَ أَمْوَالِكُمْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ) أَيْ : مَعَ اللَّهِ ، ( إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ) أَيْ : إِثْمًا عَظِيمًا .
( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ( 3 ) )
وقوله تعالى : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) الآية . اختلفوا في تأويلهم ، فقال بعضهم : معناه إن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن إذا نكحتموهن فانكحوا غيرهن من الغرائب مثنى وثلاث ورباع .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، قال : كان عروة بن الزبير يحدث أنه سأل عائشة رضي الله عنها ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) قالت : هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها ، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء ، قالت عائشة رضي الله عنها : ثم استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ) إلى قوله تعالى ( وترغبون أن تنكحوهن ) . فبين الله تعالى في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال أو مال ، رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق ، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء ، قال : فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها . [ ص: 161 ]
قال الحسن : كان الرجل من أهل المدينة يكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لأجل مالها وهي لا تعجبه كراهية أن =يدخله غريب فيشاركه في مالها ، ثم يسيء صحبتها ويتربص بها أن تموت ويرثها ، فعاب الله تعالى ذلك ، وأنزل الله هذه الآية .
وقال عكرمة : كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء والأكثر فإذا صار معدما من مؤن نسائه مال إلى مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه ، فقيل لهم : لا تزيدوا على أربع حتى لا يحوجكم إلى أخذ أموال اليتامى ، وهذه رواية طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وقال بعضهم : كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء ، فيتزوجون ما شاءوا وربما عدلوا وربما لم يعدلوا ، فلما أنزل الله تعالى في أموال اليتامى ( وآتوا اليتامى أموالهم ) أنزل هذه الآية ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) يقول كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء في الضعف كاليتامى ، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي ، ثم رخص في نكاح أربع فقال : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا ) فيهن ( فواحدة ) وقال مجاهد : معناه إن تحرجتم من ولاية اليتامى وأموالهم إيمانا فكذلك تحرجوا من الزنا فانكحوا النساء الحلال نكاحا طيبا ، ثم بين لهم عددا ، وكانوا يتزوجون ما شاءوا من غير عدد ، قوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) أي : من طاب كقوله تعالى : " والسماء وما بناها " ( الشمس - 5 ) أي ومن بناها " قال فرعون وما رب العالمين " ( الشعراء - 23 ) والعرب تضع " من " و " ما " كل واحدة موضع الأخرى ، كقوله تعالى : " فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين " ( النور - 45 ) ، وطاب أي : حل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، معدولات عن اثنين ، وثلاث ، وأربع ، ولذلك لا ينصرفن ، والواو بمعنى أو ، للتخيير ، كقوله تعالى : " أن تقوموا لله مثنى وفرادى " ( سبأ - 46 ) : " أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع " ( غافر - 1 ) وهذا إجماع أن أحدا من الأمة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة ، وكانت الزيادة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، لا مشاركة معه لأحد من الأمة فيها ، وروي أن قيس بن الحارث كان تحته ثمان نسوة فلما نزلت هذه الآية قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طلق أربعا وأمسك أربعا " قال فجعلت أقول للمرأة التي لم تلد يا فلانة أدبري والتي قد ولدت يا فلانة أقبلي . وروي أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم [ ص: 162 ] وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أمسك أربعا وفارق سائرهن " .
وإذا جمع الحر بين أربع نسوة حرائر يجوز ، فأما العبد فلا يجوز له أن ينكح أكثر من امرأتين عند أكثر أهل العلم ، أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن عتبة ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ينكح العبد امرأتين ويطلق طلقتين وتعتد الأمة بحيضتين ، فإن لم تكن تحيض فبشهرين أو شهر ونصف " وقال ربيعة : يجوز للعبد أن ينكح أربع نسوة كالحر .
( فإن خفتم ) خشيتم ، وقيل : علمتم ، ( ألا تعدلوا ) بين الأزواج الأربع ، ( فواحدة ) أي فانكحوا واحدة . وقرأ أبو جعفر ( فواحدة ) بالرفع ، ( أو ما ملكت أيمانكم ) يعني السراري لأنه لا يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم في الحرائر ، ولا =قسم لهن ، ولا وقف في عددهن ، وذكر الأيمان بيان ، تقديره : أو ما ملكتم ، وقال بعض أهل المعاني : أو ما ملكت أيمانكم أي : ما ينفذ فيه إقسامكم ، جعله من يمين الحلف ، لا يمين الجارحة ، ( ذلك أدنى ) أقرب ، ( ألا تعولوا ) أي : لا تجوروا ولا تميلوا ، يقال : ميزان عائل ، أي : جائر مائل ، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال مجاهد : أن لا تضلوا ، وقال الفراء : أن لا تجاوزوا ما فرض الله عليكم ، وأصل العول : المجاوزة ، ومنه عول الفرائض ، وقال الشافعي رحمه الله : أن لا تكثر عيالكم ، وما قاله أحد ، إنما يقال من كثرة العيال : أعال يعيل إعالة ، إذا كثر عياله . وقال أبو حاتم : كان الشافعي رضي الله عنه أعلم بلسان العرب منا ولعله لغة ، ويقال : هي لغة حمير ، وقرأ طلحة بن مصرف ( " أن لا تعيلوا . . . " ) وهي حجة لقول الشافعي رضوان الله عليه .
( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( 4 ) )
( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) قال الكلبي ومجاهد : هذا الخطاب للأولياء ، وذلك أن ولي المرأة [ ص: 163 ] كان إذا زوجها فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلا ولا كثيرا ، وإن كان زوجها غريبا حملوها إليه على بعير ولم يعطوها من مهرها غير ذلك . فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم أن يدفعوا الحق إلى أهله .
[ قال الحضرمي : كان أولياء النساء يعطي هذا أخته على أن يعطيه الآخر أخته ، ولا مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك وأمروا بتسمية المهر في العقد . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن الشغار " .
والشغار : أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الرجل الآخر ابنته ، وليس بينهما صداق "
وقال الآخرون : الخطاب للأزواج أمروا بإيتاء نسائهم الصداق ، وهذا أصح ، لأن الخطاب فيما قبل مع الناكحين ، والصدقات : المهور ، واحدها صدقة ( نحلة ) قال قتادة : فريضة ، وقال ابن جريج : فريضة مسماة ، قال أبو عبيدة : ولا تكون النحلة إلا مسماة معلومة ، وقال الكلبي : عطية وهبة ، وقال أبو عبيدة : عن طيب نفس ] ، وقال الزجاج : تدينا .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا الليث ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " .
( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) يعني : فإن طابت نفوسهن بشيء من ذلك فوهبن منكم ، فنقل الفعل من النفوس إلى أصحابها فخرجت النفس مفسرا ، فلذلك وحد النفس ، كما قال الله تعالى : " وضاق بهم ذرعا " ( هود - 77 ) ( العنكبوت - 33 ) " وقري عينا " ( مريم - 26 ) وقيل : لفظها واحد ومعناها جمع ، ( فكلوه هنيئا مريئا ) سائغا طيبا ، يقال هنأ في الطعام يهنأ بفتح النون في الماضي وكسرها في الباقي ، وقيل : الهنأ : الطيب المساغ الذي لا ينغصه شيء ، والمريء : المحمود العاقبة التام [ ص: 164 ] الهضم الذي لا يضر ، قرأ أبو جعفر ( هنيا مريا ) بتشديد الياء فيهما من غير همز ، وكذلك " بري " ، " وبريون " ، " وبريا " " وكهية " والآخرون يهمزونها .
( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ( 5 ) )
قوله تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ) اختلفوا في هؤلاء السفهاء فقال قوم : هم النساء ، وقال الضحاك : النساء من أسفه السفهاء ، وقال مجاهد : نهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وهن سفهاء ، من كن ، أزواجا أو بنات أو أمهات ، وقال آخرون : هم الأولاد ، قال الزهري : يقول لا تعط ولدك السفيه مالك الذي هو قيامك بعد الله تعالى فيفسده ، وقال بعضهم : هم النساء والصبيان ، وقال الحسن : هي امرأتك السفيهة وابنك السفيه ، وقال ابن عباس : لا تعمد إلى مالك الذي خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك ، ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في رزقهم ومؤنتهم ، قال الكلبي : إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي أن يسلط واحدا منهما على ماله فيفسده . وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مال اليتيم يكون عندك ، يقول لا تؤته إياه وأنفق عليه حتى يبلغ ، وإنما أضاف إلى الأولياء فقال : ( أموالكم ) لأنهم قوامها ومدبروها .
والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق للحجر عليه ، وهو أن يكون مبذرا في ماله أو مفسدا في دينه ، فقال جل ذكره : ( ولا تؤتوا السفهاء ) أي : الجهال بموضع الحق أموالكم التي جعل الله لكم قياما .
قرأ نافع وابن عامر ( قياما ) بلا ألف ، وقرأ الآخرون ( قياما ) وأصله : قواما ، فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وهو ملاك الأمر وما يقوم به الأمر . وأراد هاهنا قوام عيشكم الذي تعيشون به . قال الضحاك : به يقام الحج والجهاد وأعمال البر وبه فكاك الرقاب من النار .
( وارزقوهم فيها ) أي : أطعموهم ، ( واكسوهم ) لمن يجب عليكم رزقه ومؤنته ، وإنما قال ( فيها ) ولم يقل : منها ، لأنه أراد : اجعلوا لهم فيها رزقا فإن الرزق من الله : العطية من غير حد ، ومن العباد إجراء موقت محدود . ( وقولوا لهم قولا معروفا ) عدة جميلة ، وقال عطاء : إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت جعلت لك حظا ، وقيل : هو الدعاء ، وقال ابن زيد : إن لم يكن ممن تجب عليكم نفقته ، فقل له : [ ص: 165 ] عافاك الله وإيانا ، بارك الله فيك ، وقيل : قولا لينا تطيب به أنفسهم .