عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 15-01-2021, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معنى اسم الرحمن الرحيم

معنى اسم الرحمن الرحيم


الشيخ وحيد عبدالسلام بالي



أخي الكريمَ، هل تصوَّرتَ كيف يَذكُرُك ربُّك؟ هل تَخَيَّلْتَ أَنْ يَذكرَك اللهُ باسمِك؟ نَعَمْ يَذكرُك أنتَ باسمِكَ بين ملائكتِه في الملأِ الأعلى، مَنِ الذي يَذكُركَ؟ اللهُ الذي يَذْكُرك.



فيا له مِنْ عظيمِ شَرفٍ وكبيرِ قَدْرٍ لا يعرِفُه إلا مَنْ عَرَفَ ربَّه وأحبَّه، فانظرْ إلى واحدٍ مِنْ هؤلاءِ؛ وهو أُبيُّ بنُ كعبٍ رضي الله عنه حين عَلِمَ أَنَّ الله تبارك وتعالى قد ذكَره باسمِه، وكيف هَطَلتْ عيناه دمعَ الفرحِ والحنينِ إلى أرحمِ الراحمين.

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأُبيِّ بنِ كعبٍ: "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾"، قال: وسمَّاني لك؟ قال: "نَعَمْ"، فبكى، وَفِي رِوايَةٍ للبُخَارِيِّ: وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ العَالِمينَ، قال: "نَعَمْ"، فذرفت عيناه[32].
قال يحيى بنُ معاذٍ الرازيُّ: يا غفولُ يا جهولُ لو سَمِعْتَ صريرَ الأقلامِ وهي تكتبُ اسمَك عند ذكرِك لمولاك لمتَّ شَوقًا إلى مولاك.

فليس العجبُ مِن قوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي ﴾، ولكِنَّ العجبَ كلَّ العجبِ من قوله: ﴿ أَذْكُرْكُمْ ﴾، فليس العجبُ أَنْ يذكرَ الضعيفُ القويَّ، أو يذكرَ الفقيرُ الغنيَّ، أو يذكرَ الذليلُ العزيزَ، إنما العجبُ أن يذكرَ القويُّ الضعيفَ، والغنيُّ الفقيرَ، والعزيزُ الذليلَ.

9- صبرُ الله جل جلاله وتباركت أسماؤه على الأذى مِن خلقه:
فسُبْحانَ اللهِ ما أحلَمَهُ، وما أكرمَهُ وما أرحمَهُ، يَخْلقُ ويُعْبَدُ غيرُه، ويَرْزُقُ ويُشْكرُ سِواه، خيرُه إلى العبادِ نازِلٌ وشرُّهم إليه صاعِدٌ مِنَ الذين يدَّعون له الولدَ، يَصبرُ على أذاهم، ويَبعثُ إليهم بأرزاقِهم، عسى أنْ يُصادِفَ هذا الكرمُ عقلًا ذاكيًا أو قلبًا واعيًا أو نفسًا طيبةً أو فِطرةً سليمةً تُفيقُ مِنْ غفوتِها وترجعُ عن ضلالتِها، تعرِفُ ربَّها فتعبدُه وَحْدَهُ وتحبُّه وَحْدَه سبحانه وتعالى.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ؛ يَدْعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ"[33].
هذه رحمتُه سُبْحَانَهُ بمَنْ أشركَ به، فكيف رحمتُه بمَنْ وحَّدَه وعبدَه وأطاعَهُ وأحبَّه وأحبَّ رسولَهُ وجاهدَ في سبيلِهِ؟

10- رحمته بالتائبين:
فإِنَّ التائبين قد انكسَرَتْ قلوبُهم لعظَمتِه، وذلَّتْ جباهُهم لعزَّتِهِ، وأَتَوْه راجين رحمتَه ويخافون عذابَه، فما عسى أَنْ تكونَ رحمةُ الله بهم؟
فإليك شيئًا منها:
أولاً: يَغفرُ الذنوبَ مهما عَظُمَتْ:
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قَالَ اللُه تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً"[34].

ثانيًا: ويبسطُ يدَهُ للتائبين ليلاً ونهارًا:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"[35].

ثالثًا: ويفرح بتوبةِ عبدِهِ:
ومع هذا فقد فَرِحَ بها فرحًا هو أشدُّ من فرحةِ رَجُلٍ وَجَدَ حياتَه بعد ما عدَّ نفسَهُ من الأمواتِ، وهي فرحةُ إِحسانٍ وبِرٍّ ولُطفٍ، لا فرحةَ مُحتاجٍ إلى توبةِ عبدِهِ منتفعٍ بها.

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ"[36].

وفي رواية: "للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا وَقَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ"[37].
ففي هذا الحديثِ دليلٌ على فرحِ الله عز وجل بالتوبةِ مِن عبدِه إذا تابَ إليه، وأنه يحبُّ ذلك سبحانه وتعالى محبةً عظيمةً.

ولكن لا لأجْل حاجتِه إلى أعمالنا وتوبتنَا، فاللهُ غنيٌّ عنَّا، ولكِنْ لمحبتِهِ سُبْحَانَهُ للكرمِ فإنَّه يُحِبُّ أن يَغفرَ، وأَنْ يغفِرَ أحبُّ إليه من أَنْ ينتقِمَ ويؤاخِذَ، ولهذا يفرحُ بتوبةِ الإِنسانِ[38].

رابعًا: ويبدِّل السيئاتِ حسناتٍ:
قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
وقال الحسنُ البصريُّ: "أبدَلَهم اللهُ العملَ السَّيءَ العملَ الصَّالحَ، وأبدلَهُم بالشِّركِ إِخلاصًا، وأبدلَهُم بالفجورِ إحصَانًا، وأبدلَهُم بالكُفْرِ إسلامًا"[39].

11- صَلاتُه جل جلاله وتقدَّست أسماؤه على المؤمنين:
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].
قال ابنُ كثيرٍ: "والصلاةُ مِن الله ثناؤه على العبدِ عِنْدَ الملائِكَةِ، حكاه البخاري عن أبي العاليةَ... وقال غيرُه: "الصلاةُ من اللِه عز وجل الرَّحمةُ.
وقد يُقالُ: لا منافاةَ بين القولين، والله أعلمُ"[40].

12- مضاعفةُ الحسناتِ والأجورِ:
فمِنْ رحمتِه سُبْحَانَهُ مضاعفَةُ الحسناتِ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يضاعِفُ الحسنَةَ بعشرِ أمثالها، إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ"[41]، ومن الأعمالِ ما يُنمِّيها اللهُ حتى يجعلَها كالجبلِ، فعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ"[42].

13- رحمةُ اللهِ تبارك وتعالى بقلوب عبادِهِ:
فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "القُلُوبُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقْلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ"[43].

1- فإذا شاء اللهُ لعبدٍ الهُدى شرَحَ قَلْبَهُ للإسلام، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: 125].

2- وإذا أراد بعبد رشادًا حبَّبَ إليه الإيمانَ وزيَّنه في قلبِهِ؛ فعاشَ بالإِيمانِ سعيدًا، وعن الكفرِ والعصيانِ بعيدًا، قال تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ﴾ [الحجرات: 7، 8].

3- ويُسعد المؤمنين بحُبِّهم له ولرسولِه وحُبِّ المؤمنين في اللهِ؛ فيشعُر بحلاوةِ الإيمانِ ولذَّةِ القُربِ من الرَّحمنِ جل جلاله وتباركت أسماؤه، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللُه مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"[44].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]، وذلك بعكس الطغاةِ والعُصاةِ أمثالِ المشركين من أهلِ الكتابِ، فقد قال تعالى في النصارى: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة: 14].

14- الجَنَّة مِن رحمة الله عز وجل:
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْثُ بِالمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللُه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي"[45].

15- دخول الجَنَّة برحمة الله عز وجل:
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يُدْخِلُ أحدًا الجَنَّةَ عملُه"، قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِمَغْفِرَةٍ مِنْهُ وَرَحْمَةٍ"[46].

16- شفاعة أرحم الراحمين في أهل النار:
فما مِنْ أحدٍ يملِكُ لغيرِهِ شفاعةً في الدنيا ولا في الآخرة إلا بَعْدَ أن يأْذَنَ اللهُ لمن يشاءُ ويرضى، قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 44].

وسيجعلُ اللُه درجاتٍ للشفاعةِ والشافعين، فهناك شفاعةٌ للأنبياءِ والمرسلين، وشفاعةٌ للصدِّيقين، وشفاعةُ الشهداءِ فيُشَفِّعُهم اللهُ عز وجل، ثم بعد ذلك يشفع هو - سُبْحَانَهُ وبحمدِه - شفاعةً فيُخرِجُ أضعافَ ما أخرجه كلُّ هؤلاءِ حتى يَعْجَبَ أهلُ الجَنَّةِ من ذلك، وإليك صُوَرًا مِن شفاعةِ أرحمِ الرَّاحمين:
شفاعته عز وجل في الموحِّدين:
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال في حديثِ الشَّفاعةِ الطويلِ: "ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ، فَيَشْفَعُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الأَنْبِيَاءَ"، قَالَ: "فَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ العِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، وَالنَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ، فَيَشْفَعُونَ لمَنْ أَرَادُوا"، وَقَالَ: "فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ"، قال: "يَقُولُ الُله عز وجل: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا"، قَالَ: "فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ" [47].
وفي حديثٍ آخرَ: "فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الُله"[48].

وفي روايةٍ: أَنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقولُ للرُّسلِ: "اذْهَبُوا، أَوِ انْطَلِقُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ"، ثم يقولُ الله عز وجل: "أَنَا الْآنُ أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَرَحْمَتِي"، فيُخرجُ أضعافَ ما أُخْرِجُوا وأضعافَهُ فيُكتبُ في رقابِهم عتقاءُ اللهِ عز وجل، ثم يُدْخَلون الجَنَّةَ[49].

17- رحمتُه بالنمل، سبحان الله وبحمده:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنْ قَرَصَتْك نملةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ اللهَ!"[50]، وفي رواية: "فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً!"[51].

فسبحانَ مَنْ لم تمنعْهُ عظمتُه وكبرياؤه مِن رحمةِ الضَّعيفِ الصَّغيرِ مِن خلْقِهِ حتى يُعاتِبَ نبيًّا له مِن أجْلِ نملٍ، لا حولَ له ولا قوَّة إلا برَبِّهِ.

ثالثًا: ليس كمثله شَيْءٌ في رحمتِهِ:
وذلك من عِدَّةِ أوجهٍ:
أولًا: رحمةُ الخلْقِ مخلوقةٌ فتوجَدُ بوجودِهم وتَفْنى بفنائِهم، أما رحمَةُ اللهِ عز وجل فإنها صفةٌ ذاتيةٌ له لا تَفْنَى ولا تبيدُ، قال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].

ثانيًا: رحمةُ الخلْقِ قليلَةٌ محدودَةٌ، أما رحمةُ اللهِ فقد وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ، فكلٌّ يَرْحَمُ بقدْرِ قُدْرَتِهِ، فالناسُ يَرحمونَ في حالٍ دُونَ آخرَ، فيَرحمون القريبَ دون الغريبِ، ويَرحمون الحبيبَ دون العدوِّ، أما رحمةُ اللهِ عز وجل فقد عمَّتِ الخلْقَ جميعًا، قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].

ثالثًا: رحمةُ الناسِ تختلِطُ باللَّهفَةِ والضَّعفِ لمن يَرْحَمُ، فالأم إذا مَرِضَ ولدُها تحزنُ، وإذا غابَ عنها تقلقُ وإذا مات هلعتْ، وذلك مِن حُبِّها له ورحمتها عليه، وقد بكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عند موتِ ابنِه إبراهيمَ، وحَزِنَ عليه، وذلك من رحمتِه به صلى الله عليه وسلم.

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دخلَ على ابنِه إبراهيمَ رضي الله عنه وهو يجودُ بنفسِهِ، فجعلتْ عينا رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تذرِفانِ، فقال له عبدُ الرحمنِ بن عوفٍ: وأنتَ يا رسولَ اللهِ؟ فقال: "يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ"، ثم أتْبَعَها بأخرى، فقال: "إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا لِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لمَحْزُونُونَ"[52].

ولكِنَّ اللهَ عز وجل لا يحزَنُ ولا يتألمُ ولا يبكي ولا يقلَقُ، ولا يتلهَّفُ، وهكذا ما لهذه الصفاتِ مِن نقصٍ وضعفٍ لا يَخْفى على كلِّ عاقِلٍ أن هذا لا يليقُ بالله سُبْحَانَهُ وبحمده، إنما يَرحمُ مِنْ قوةٍ، ويَعفو مِنْ قُدرةٍ، ويَغفر في عزَّة، ولا يُسأل عما يفعلُ وهم يُسألون.

رابعًا: لا تقنطوا مِن رحمة الله:
قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ العُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ"[53].

ولذا فإنَّ القُنوطَ مِن رحمةِ اللهِ مِن علاماتِ الكُفرِ والضَّلالِ، وما يقنَطُ من رحمةِ الله عز وجل إلا رجلٌ مِن اثنين: ضالٌّ، أو كافرٌ، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].

وقد نصَحَ يعقوبُ؛ بنيه بألا ييأسوا من رَوْحِ اللهِ أبدًا، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

عن جُندَب؛ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللِه لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ"[54].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد قال لضمضمِ بنِ جوسٍ اليمامي: يا يمامي لا تقولنَّ لرجُلٍ: واللهِ لا يغفرُ اللهُ لك، أو لا يُدْخِلُك اللهُ الجَنَّةَ أبدًا، فقال له: يا أبا هُريرةَ، إِنَّ هذه الكلمةَ يقولُها أحدُنا لأخيه وصاحبِه إذا غَضِبَ، قال أبو هريرة: فلا تَقُلْها، فإني سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلَانِ، كَانَ أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدًا فِي العِبَادَةِ، وَكَانَ الآخَرُ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانَا مُتَآخِيَيْنِ، فَكَانَ المُجْتَهِدُ لَا يَزَالُ يَرَى الآخَرَ عَلَى ذَنْبٍ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا أَقْصِرْ، فَيَقُولُ: خَلَّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟" قَالَ: "إِلَى أَنْ رَآهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ أَقْصِرْ، قَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عليَّ رَقِيبًا؟" قال: "فَقَالَ: وَالِله لَا يَغْفِرُ اللهُ لَكَ"، أَوْ "لَا يُدْخِلُكَ اللهُ الجَنَّةَ أَبَدًا، قَالَ أَحَدُهُمَا" قَالَ: "فَبَعَثَ الُله إِلَيْهِمَا مَلَكًا فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا وَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرَ: أَكُنْتَ بِي عَالمًا؟ أَكُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي خَازِنًا؟ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ"، قال: فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي القَاسِمِ بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ[55].

المحرومون من رحمةِ اللهِ:
فبالرغم مِنْ سَعةِ رحمةِ الله وعظَمتِها، إلَّا أنَّ هناك مِنَ الناسِ مَنْ حَرموا أنفسَهُم منها بذنوبِهم، وسنذكر فيما يلي جانبًا منهم:
أولًا: مَن لا يَرحم لا يُرحم:
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قَبَّلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحسَنَ بنَ عليٍّ وعنده الأقرعُ بنُ حابسٍ التميمي جالسًا، فقال الأقرعُ: إِنَّ لي عشرةً مِن الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قال: "مَنْ لا يَرْحَمُ، لا يُرْحَم"[56]، ولِمَ يَرحمُ اللهُ مَنْ لم يرحَمْ عبادَهُ الذين خلقَهُم بيدِه ونفَخَ فيهم مِنْ رُوحِهِ؟ وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ"[57].

ثانيًا: تعذيبُ النَّاسِ:
فعنْ أبي مسعودٍ البدريّ رضي الله عنه قال: كنتُ أَضْرِبُ غلامًا لي بالسَّوطِ، فسَمعتُ صوتًا مِن خلفِي: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلَامِ"، فقلتُ: لا أضربُ مملوكًا بعده أبدًا، وفي رواية: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، هو حرٌّ لوجهِ اللهِ، فقال: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ"، أَوْ "لَمَسَّتْكَ النارُ"[58].
وعن هشامٍ بن حكيمٍ بنِ حزامٍ رضي الله عنهما قال: أشهدُ لسَمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ اللهَ يُعذِّبُ الذين يُعذّبون النَّاسَ في الدُّنيا"[59].

ثالثًا: تعذيبُ الحيوانات:
فقد حرَّم اللهُ تعذيبَ الحيوانِ والحشراتِ، ويُعاقِبُ مَنْ فَعَلَ ذلك، فعن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبَتِ امْرَأةٌ فِي هِرَّةٍ: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ"[60].

رابعًا: الاختلافُ والفُرقةُ:
وكفى بنَزْعِ الرَّحمةِ عن المختلفين ثلاثةَ أُمورٍ كلٌّ منها أشدُّ مِنَ الأخرى.
الأولى: حِرمانُ المغفرةِ:
عَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الخَمِيسِ فيُغفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكْ بِاللِه شَيْئًا؛ إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"[61].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]