عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 09-01-2021, 06:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

حقيقة الحياة الدنيا
وهذا الختام: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].. فالمتاع هو ما يتمتع به المسافر، والغرور أيضاً متاع ويغرك ويخدعك.فالدنيا هذه حالها؛ فلقد أغرت أمماً ولا أقول: أفراداً، فقد أوقعتهم في الهلاك والهاوية، غرتهم بزخرفها وزينتها، بطعامها وشرابها؛ غرتهم لأنهم انخدعوا لها، فجروا وراءها الليل والنهار يعملون على جمعها وإحصائها والتمتع بها، وما هي إلا سويعات: مات فلان!! انتهى ذلك الأمل وذلك الطلب والسعي المتواصل، ووجد نفسه في عالم غير هذا العالم، إما زحزحة عن النار ودخول الجنة، وإما الاستقرار في دار البوار والعياذ بالله تعالى.
تفسير قوله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم...)
ثم وجه تعالى الخطاب إلينا -وإن كان أولاً إلى رسوله وأصحابه، ونحن أتباعهم كذلك- فقال: لَتُبْلَوُنَّ [آل عمران:186] فاللام واقعة للقسم، وعزة الله وجلاله: لَتُبْلَوُنَّ [آل عمران:186] أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات! لتختبرن اختباراً ربانياً حقيقياً، فِي أَمْوَالِكُمْ [آل عمران:186]، أول ابتلاء.. حال الحول على مالك يجب أن تزكيه ولا تتردد فأنت ممتحن، فإذا وجبت نفقة في مالك يجب أن تخرجها ولا تتردد، فقد يصاب مالك بجوائح إن كان فلاحة، وإن كان مالك غنم تسبى وتؤخذ، وإن كان مالك نقوداً قد تسلب منك، فهذا ابتلاء، فلتصبر ولتشكر فأنت ممتحن.فالذي يعطى المال لا يعطاه لجمال وجهه ولا شرف نسبه وأصله، وما أعطيه إلا للامتحان والاختبار، فهل العبد يتقي الله فيه، ويقوم به كما أمره سيده ومولاه ومعطيه؟ أم يأخذه البطر والأشر والانتفاخ؛ فيسرف في الطعام والشراب والنكاح حتى يطغى والعياذ بالله؟!والذي يسلبه أيضاً بأي صورة من صور السلب؟ فهل يضجر ويسخط، أم يقول: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون؟ فهذا هو معنى الامتحان. لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ [آل عمران:186] في أموالكم أولاً، وفي أنفسكم، وفي النفس: مثلاً بالمرض والصحة والعافية والخوف. فقد تبتلى بالجهاد في أيام الشدة.. وتبتلى بالصيام في أيام القيظ.. أو بالحج وتمشي على قدميك آلاف ومئات الآلاف من الأميال.. مبتلى في نفسك بالمرض، قد يبتلى المرء فإذا به فاقد بصره، فاقد يده ورجله؛ ملازم لفراشه، كيف حاله؟ هل يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لك الحمد على ما أوليت، ولك الحمد على ما ابتليت، أنت سيدي ومولاي، حكمك حق وأنا عبدك؟أو يقول: آه ويصرخ ويضجر وينكر على الله عمله؟! لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [آل عمران:186] أولاً.وثانياً: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [آل عمران:186].هانحن الآن ما نسمع؛ لأننا ما وقفنا موقف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، لو نتلاءم وتعود إلينا الحياة الربانية نصبح نسمع من اليهود والنصارى والمشركين والعالم بأسره النقد والسب والطعن وما هو فوق ذلك، وإلى الآن يوجد وإن كنا ما نشعر؛ يوجد من اليهود والنصارى وخاصة الكتاب وعلماء النفس وعلماء القانون وكذا الطعن في الإسلام و.. و.. و.. إلى أبعد حد، والذين يعايشونهم يسمعون كما أخبر الله: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [آل عمران:186] أي: من كل الكفار؛ لأن الكفار إما مشرك وإما كتابي. وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [آل عمران:186]، فقد سمعها الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر رضي الله عنه، ألم يقولوا الكفار: لن نؤمن لك حتى تأتي بقربان؟ وَإِنْ تَصْبِرُوا [آل عمران:186] على ذلك الأذى، وعلى ذلك الابتلاء في النفس والمال، وما تسمعون من أعدائكم؛ أعداء لا إله إلا الله، وتتقوا الله عز وجل فلا تضيعوا واجب مما أوجب، ولا ترتكبوا حراماً مما حرم، وتتقوه في الأسباب التي أمر بإتيانها وإحضارها؛ أسباب الجهاد وما إلى ذلك، فَإِنَّ ذَلِكَ [آل عمران:186] أي: الصبر والتقوى من الأمور المعزوم بها الحتمية، لا على سبيل الانتداب والاستنان والفضل فقط، بل الصبر والتقوى مما عزم الله علينا القيام به، وفرضه وألزمنا به، فالصبر والتقوى من الأمور الواجبة الحتمية، ليست من فضائل الأعمال ومستحباتها ومندوباتها، الصبر على المكاره، وتقوى الله ملازمة باب الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله فيما يأمر وفيما ينهى، هذا ليس من المستحبات، بل هو من عزائم الأمور؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:186]، أي: من الأمور المعزوم بفعلها، والمفروض القيام بها.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات
قال: [ شرح الكلمات:قوله تعالى: ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185] أي: ذائقة موت جسدها، أما هي فإنها لا تموت]. فالروح لا تموت فهي خالدة. إذاً: نذوق ألم خروج الروح من البدن، فالألم يكون في البدن، والجرح يؤلم الجسم، فكيف بخروج الروح؟ تذوق المرارة، ولهذا الرسول عانى منها، وهو في آخر ساعاته يقول: ( لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات )؛ لأن الروح سكنت هذا القصر سواء عامين أو عشرة أو وسبعين أو ومائة سنة، فمن الصعب خروجها بكل سهولة، فكل نفس ذائقة مرارة الموت وآلامه، وبمفارقة الروح للجسم يموت وتنقطع عنه الحياة.[ وقوله: تُوَفَّوْنَ [آل عمران:185] أي: تعطون جزاء أعمالكم خيراً أو شراً وافية لا نقص فيها أبداً ]. ولا حتى جرام واحد.[ قوله: زُحْزِحَ [آل عمران:185]: أي: نحي وأبعد.وقوله: فَازَ [آل عمران:185] أي: نجا من مرهوبه ومخوفه وهو النار، وظفر بمرغوبه ومحبوبه وهو الجنة.وقوله: مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]: المتاع: كل ما يستمتع به، والغرور: الخداع، فشبهت الدنيا بمتاع خادع غار صاحبه، لا يلبث أن يضمحل ويذهب.وقوله: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [آل عمران:186] أي: لتختبرن في أموالكم بأداء الحقوق الواجبة فيها، أو بذهابها بسبب من الأسباب، وفي أنفسكم بالتكاليف الشاقة؛ كالجهاد والحج، أو المرض والموت والفقر.وقوله: أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:186] أي: اليهود والنصارى ] ما تتردد أبداً سواء تقرأ أو لا تقرأ.[ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [آل عمران:186] أي: العرب ]. والآن الصين واليابان والروس والهنادس والبوذا كلهم مشركون، كانوا العرب فقط، والآن الشرك عام.قال: [ وقوله: فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:186]: يريد أن الصبر والتقوى من الأمور الواجبة التي هي عزائم وليس فيها رخص ولا ترخيص بحال من الأحوال].
معنى الآيتين
[معنى الآيتين الكريمتين:قال: ما زال السياق في تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه]، أي: لما أصابهم في معركة أحد، فقد استشهد سبعون رجلاً. قال: [ لقد جاء في الآية السابقة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له]، فمثلاً: لو قلت كلمة في إخوانك وكذبوك وأنكروا عليك تبيت في كرب، والرسول يحمل رسالة الله ويضحك اليهود ويقولون: لو كنت نبياً هات الدليل والبرهان على نبوتك، ائتنا بقربان تأكله النار، ما يكرب لهذا الرسول ويحزن، وهو مكلف بالبلاغ؟قال: [عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له، وفي هذه الآية أعظم تسلية وعزاء، إذ أخبر تعالى فيها بأن كل نفس مهما علت أو سفلت ذائقة الموت لا محالة، وأن الدنيا ليست دار جزاء، وإنما هي دار كسب وعمل، ولذا قد يجرم فيها المجرمون ويظلم الظالمون، ولا ينالهم مكروه، وقد يحسن فيها المحسنون ويصلح المصلحون ولا ينالهم محبوب]. [وفي هذه تسلية عظيمة وأخرى أيضاً: العلم بأن الحياة الدنيا بكل ما فيها لا تعدو -لا تتجاوز- كونها متاع الغرور، أي: متاع زائل غارٌ ببهرجه وجمال منظره، ثم لا يلبث أن يذهب ويزول، وهذا ما دلت عليه الآية الأولى.أما الآية الثانية: ففيها يخبر تعالى رسوله والمؤمنين -ونحن معهم الحمد لله- بأنهم لا محالة مختبرون في أموالهم وفي أنفسهم؛ في أموالهم بالحوائج، وبالواجبات اللازمة فيها، وفي أنفسهم بالمرض والموت والتكاليف الشاقة؛ كالجهاد والحج والصيام، وإنهم لابد وأن يسمعوا من أهل الكتاب والمشركين أذى كبيراً، كما قال فنحاص : الله فقير ونحن أغنياء! أو كما قال النصارى: المسيح ابن الله ]، المسيح ابن الله؟! كيف يستسيغها مؤمن هذه؟ لو قال المسيح ابن الله لصفع على خده، كيف يكون المسيح ابن الله؟! الله خالق السماوات والأرض، خالق الملكوت يحتاج إلى زوجة وولد؟ أين يذهب بعقلك. فهذا يؤلم المؤمن.[ وكما قال المشركون: اللات والعزى ومناة الآلهة مع الله، ثم حثهم تعالى على الصبر والتقوى، فقال: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا [آل عمران:186]، فإن صبركم وتقواكم مما أوجب الله تعالى عليكم، وليس هو من باب الندب والاستحباب، بل هو من باب الفرض والإيجاب].
هداية الآيتين
قال: [هداية الآيتين الكريمتين] لقوله تعالى: هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة:185]، فكل آية تهديك إلى سبل السلام، وكل آية ترفرف وتلوح.. امش فالجنة أمامك.وأوضح هذا المعنى: لماذا سميت الآية آية؟ وآي القرآن ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، وكل آية تدل دلالة قطعية يقينية أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، الطريق الموصل إلى قربى يجعل له علامات تدل عليه، وكل علامة دالة على هذا الطريق، كذلك كل آية تدل دلالة يقينية أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن آمن بهذا دخل في رحمة الله على علم. نقول: بسم الله الرحمن الرحيم: ق [ق:1]، فهل يوجد كلام بدون متكلم؟ مستحيل.إذاً: هذه الآية دالة على وجود الله الذي نطق بها وأنزلها، والذي نزلت عليه وتلقاها يكون رسولاً، فمستحيل أن يكون غير رسول، أيرسل إليه كلامه وينزله عليه ولا يكون رسوله؟ إذاً: فسدت العقول البشرية، ما أصلح شيء في الحقيقة، فكل آية أنزلها الله دالة على وجود الله وعلى علمه وقدرته وحكمته، والذي أنزل عليه لن يكون إلا رسوله ونبيه، فلهذا كل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: [ من هداية الآيتين:أولاً: ليست الدار الدنيا بدار جزاء، وإنما هي دار عمل ]. ما آية ذلك؟ كم من مستقيم عاش فقيراً ومريضاً، فهل جزي بصلاته وصيامه؟ وكم من فاجر عاش غنياً، هل عوقب بكفره؟ والعكس وإن وجدنا أثراً للعمل الصالح، نقول: بركة العمل الصالح، وإن وجدنا شقاء أو عذاب مع الكفر والفسق نقول: هذا من شؤم معاصيه، وليس هو الجزاء، جزاؤه: مجرم يخلقه الخالق ويرزقه ويحييه ويخلق كل شيء في الأرض والسماء من أجله، ثم يكفر به ويسبه ولا يطيعه كم يجازى هذا؟فلا يكفي أن يجازى بمرض خمسين عام، ولا يكفي أن يجازى بأن يقتل ويصلب مرة أو ألف، فلهذا الجزاء في المستقبل في الدار الآخرة، حيث يعيش بليارات السنين بلا نهاية في العذاب، مقابل الجريمة العظمى وهي الكفر.نسألكم: لِمَ خلق الله هذه الأكوان؟! أليس من أجلنا؟ يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء من أجلك، أيخلق لك هذه العوالم كلها من أجل أن تذكره وتشكره، فإذا بك تكفره وتجهله، فتكون كمن نسف السماوات، ودمر الأرضين، وخرب العوالم كلها، كم يكون جزاءه إذاً؟يعيش في عذاب أبدي. قال: [ أولاً: ليست الدار الدنيا بدار جزاء أبداً، وإنما هي دار عمل ]، وإن رئي فيها خير أو عذاب هو شؤم أو بركة ويمن فقط.[ ثانياً: تعريف الفوز الحق، وهو الزحزحة عن النار ودخول الجنة.ثالثاً: بيان حقيقة هذه الحياة، وأنها كمتاع خادع؛ لا يلبث أن يتلاشى ويضمحل ]. وهو كذلك مشاهد.[ رابعاً: الابتلاء ضروري، فيجب الصبر والتقوى، فإنهما من عزائم الأمور لا من رخصها ]. يا من يريد أن يقرع باب الجنة! اصبر على ما ابتلاك الله به، واتقيه فلا تخرج عن طاعته ونهايتك معلومة وهي الاستقرار في دار السلام.اللهم حقق لنا ذلك. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.51%)]