
09-01-2021, 06:01 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (76)
الحلقة (217)
تفسير سورة آل عمران (79)
جاء في هذه الآيات تسلية الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتعزيتهم بأن هذه الحياة بكل ما فيها من سرور وحزن، أو فرح أو ترح، أو نصر أو هزيمة؛ إنما هي متاع الغرور، وأن العبد المؤمن فيها لابد وأن يبتلى في نفسه وماله، ولابد أن يتعرض للأذى من أعداء الله ورسله، ثم بعد ذلك الكل ميتون، وإلى ربهم يوم القيامة منقلبون، فيوفي سبحانه وتعالى المؤمنين أجرهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم.
تفسير قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، ومع هاتين الآيتين الكريمتين، وهذه تلاوتهما فتأملوا يفتح الله علي وعليكم.يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:185-186].
دلالة قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) على حتمية الموت
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا حكم الله الصادر علينا: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، أي: تذوق مرارته وآلامه، فإن النفس عند مفارقة الجسد لا تتصور كيف حال هذا المريض، وحسبك أن تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن يموت بعرق جبينه )، فإذا كان بين يديك أخوك أو أمك أو قريبك، وهو يعاني من سكرات الموت، ورأيت جبينه يتفصد بالعرق، فلقنه: لا إله إلا الله، ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ). كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، فهل هناك من عقّب على هذا الحكم، وأوقفه ولو في شخص واحد؟ طأطأت البشرية رأسها، وعرفت هذه الحقيقة التي أخبر بها الله عز وجل وطبقها ونزلها.حاول البلاشفة الحمر الملاحدة الشيوعيون طيلة ثمانية عشر عاماً وهم يبحثون عن كيفية الخلاص من الموت، وبعد ذلك فشلوا فشلاً ذريعاً، وأوقفوا مصانعهم وآلاتهم وأدواتهم التي كانوا يعملون بها على إيجاد الروح.وأخيراً قالوا: هذه الروح جاءت من الملكوت الأعلى، فلا مجال إلى إيجادها هنا.
دلالة قوله تعالى: (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) على أن الدنيا دار عمل لا دار جزاء
قال تعالى: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185].. وهذه الآيات تحمل العزاء والتسلية والتكبير والتثبيت لجماعة المؤمنين، وعلى رأسهم سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن السياق ما زال مرتبط بأحداث واقعة أحد. وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، فهنا حقيقة -تأملوها وحدثوا بها- وهي: أن العبد مهما عمل في حياته فلن يتلقى جزاء كسبه فيها، سواء كان عمله صالحاً أو فاسداً، أو خيراً أو شراً، فالجزاء ليس في الحياة الدنيا، فهذه الدار -أي: الدنيا- كل ما يلقى فيها العبد لا يكفي أن يكون جزاء عمله، فكم من عبد صالح عاش عشرات السنين وهو فقير؛ فإن وجد الطعام ما وجد السيارة، وكم من فاسق فاجر يرفل في ثياب الحرير، وكم من بر صالح تقي يعيش في رغد من العيش وطيبه، وكم من فاجر كافر في أشد البلاء والشقاء؛ لأن الجزاء ليس اليوم في هذه الحياة، فالدنيا دار عمل فقط، والجزاء مسبق.فإذا فهمت هذه الحقيقة واستقرت في الأذهان اعلموا أن العمل الصالح والاعتقاد الصالح والأخلاق المهذبة والآداب السليمة لابد وأن ينال العبد بركتها، ويعيش طيب النفس طاهر القلب مستريح الضمير، ببركة أعماله الصالحة وعقيدته الطيبة الصالحة؛ ناله بركة إيمانه وصالح أعماله.وأن صاحب الفجور والفسق والكفور يناله شؤم كفره وفسقه وظلمه: هم، كرب، غم؛ شؤمه ذلك الظلم والفساد والشر الذي يعمله، فما يحصل من خير أو شر هو إما بركة العمل الصالح ويمنها، أو شؤم العمل الفاسد وأثره. الجزاء غداً ليس اليوم، فمثلاً: هل يستطيع من يشتغل معاومة -أي: من العام إلى العام- أن يطالب بأجرته قبل نهاية عمله؟ والذي يشتغل مشاهرة -أي: كل شهر- هل يستطيع أن يطالب بأجرته قبل نهاية شهره؟ وهل الذي يشتغل مياومة -أي: كل يوم- يستطيع أن يطالب بأجرته من الضحى، وما كمل عمل يومه؟.الجواب: لا. فليس معقول هذا. فكل البشرية عاملة كادحة، تتلقى جزاءها عند نهاية العمل، وينتهي العمل عندما تذوق الروح الموت، وتنفصل عن البدن فحينها يبدأ الجزاء، وأول مرحلة القبر، إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ثم تنتقل إلى أحد العالمين؛ العلوي أو السفلي، في عليين أو سجين، وتبقى هكذا مرهونة محبوسة في نعيم أو شقاء إلى أن ينتهي العمل العام.فالعمل العام: كالمصنع الذي يعمل لمدة ألف سنة.. ولما ينتهي حينئذ يتلقون الجزاء، فالذين ماتوا ويموتون أرواحهم إن كانت طاهرة زكية في عليين، وإن كانت خبيثة عفنة في سجين، حتى تنتهي هذه الدورة، فلها بداية ولابد لها من نهاية، فإذا انتهت هذه الدورة ولاحت في الآفاق نهايتها: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1]، إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ [الزلزلة:1]، الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2].. انتهت هذه الحياة بكل ما فيها، من أفلاكها وكواكبها وجبالها وأراضيها تتم حياة ثانية، وهي الحياة الآخرة التي لا نهاية لها.إذاً: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ [آل عمران:185]، فالذي يوفينا أجورنا كاملة يوم القيامة هو الله سبحانه وتعالى الذي استخدمنا في هذه الدنيا، ويوم القيامة هو اليوم الذي يقوم فيه الناس من قبورهم في الأرض قياماً؛ ليساقوا إلى ساحة فصل القضاء والحكم عليهم، إما بالزحزحة عن النار ودخول الجنة، وإما بالإهلاك في النار.يوم القيامة هو ذلك اليوم التي تقوم الناس فيه إلى رب العالمين؛ لأجل الحساب أولاً والجزاء ثانياً.
الفوز الحقيقي هو دخول الجنة والنجاة من النار
وبين تعالى بإيجاز عجيب واختصار لا نظير له، فقال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185]، وهم قيام بين يدي الله، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185]، وكان على شفا عرصات القيامة: وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ [آل عمران:185] أعلن عن فوزه: فاز فلان ابن فلان.ومعنى: فَازَ [آل عمران:185]: نجا من مرهوبه، وظفر بمرغوبه. فالفائز في الامتحانات نجا من الرسوب وفاز بالشهادة.إذاً: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185] بعيداً: وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، أي: ظفر بمرغوبة ومحبوبه ومطلوبه، ونجا مما يخاف ويرهب من عذاب النار، فهذا هو الفوز.أما ربحك شاة أو بعيراً -أيها البدوي- ما هو بربح، أو فوزك بالظفر بالدكتوراة وشهادة جامعية والكرسي والمنصب فلا يعد هذا بفوز. أو فوزك بامرأة إذا كانت صالحة فلا بأس.الفوز الحقيقي أن يبعد العبد عن عالم الشقاء ويجد نفسه في عالم السعادة، وهو أن ينجو من النار وعذابها، وأن ينعم بالجنة ونعيمها وهذا هو الفوز. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185]، فالنار هي التي بين أيدينا ونشاهدها في الحطب والخشب، وهي تلتهب. فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذه النار وأوجدها وأوجد موادها؛ حتى لا يقول قائل: ما هي النار التي نُخَوف بها ونُهَدد؟!يقول الله تعالى: جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:80]، أي: الشجر الأخضر بالماء تخرج منه النار.فمثلاً: نيويورك علم على مدينة، واليابان علم على إقليم بكامله. والنار إذاً علم على عالم الشقاء، فنسبة عالم الشقاء إلى عالم السعادة حسبنا قوله صلى الله عليه وسلم وهو المخبر بالوحي الإلهي: ( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم -أي: في النهر في البحر- فلينظر بم ترجع إليه )، فمثلاً: الذي يغمس يده في البحر الأحمر ويخرجها، ويكون هناك كيماويون حذاق يجمعون ذاك الندى أو البلل، فكم يجدونه من مليمتر أو جرام؟!فما نسبة الجرام إلى البحر؟!( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه أصبعه )، وللتوضيح: فالجنة دار السلام أقل من يعطى فيها منزلاً يعطى مثل الدنيا مرتين، أي: مثل هذا الكوكب كوكبين، وأما النار عالم الشقاء، فحسبك أن تعلم أن الكافر عرض جسده مائة وخمسة وثلاثين كيلو متر، أي: ما بين كتفيه، وضرسه كجبل أحد، فأي عالم هذا يتسع لهذه الخليقة كلها؟! أقول: ضع رأسك بين ركبتيك وغمض عينك وفكر أنك هابط بالطائرة أو بالسيارة هابط.. هابط.. هابط.. إلى أين.. إلى أين..؟ يكل عقلك، فأين وصلت؟ وللتوضيح أكثر.. فكر: نازل.. نازل.. نازل.. إلى أين قل لي، تجد حدود، حديد، مياه.. إلى أين تنتهي؟ يخبرنا العلام الخلاق أنها تنتهي إلى عالم الشقاء، ذاك العالم الذي سمعتم عن أهله: ( ما بين كتفي أحدهم كما بين مكة وقديد، وإن ضرس أحدهم في النار كجبل أحد )، أحاديث صحاح.أما أهل الجنة فإنهم ليتراءون منازلهم فوق بعضها البعض كما نتراءى الكواكب الغابرة في السماء.فاللهِ العليمِ الحكيمِ القويِ القدير، الذي لا يعجزه شيء، وآية ذلك: لو تقم يا بني وتنظر إلى إخوانك الحاضرين وتجدهم على شكل واحد: آدميون: العينان والأنف، والمنخران والشفتان، والأسنان والفم والعنق، وتنظر فهل ستجد اثنين لا يفرق بينهما، بحيث هذا يدخل الليلة على امرأته، ويقول: أنا زوجك، تقول: أنت هو، والثاني يدخل على الأخرى يقول: أنا زوجك، تقول: أنت هو.. فلولا العلم والقدرة والحكمة كيف سيتم هذا؟!فلو اجتمعت البشرية كلها على صعيد واحد، ما اختلط اثنان ولم يميز بينهما، فأي علم أعظم من هذا؟ وأية قدرة أعظم من هذا. لا إله إلا الله. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، يا من فقدوا أبناءهم وإخوانهم في أحد لا تحزنوا: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، أي: اعملوا وواصلوا العمل الليل والنهار؛ العمل الصالح الذي يزكي أنفسكم ويطهرها ويؤهلها لأن تتلقى الجزاء: رضوان الله والنعيم المقيم.إذاً: لا تتململ وتقول: أنا أصوم وأصلي وما أسب ولا أشتم وأنا دائماً في مرض، أو دائماً في فقر أو دائماً في حاجة، فهذا كلام باطل يمليه عليك الشيطان، بل قل: أنا عبد الله ووليه، إن شاء أمرضني، وإن شاء أصحني، وإن شاء أعطاني وإن شاء منعني، وهو يعمل هكذا بي؛ ليربني ويرفعني إلى مستوى أوليائه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|