عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-01-2021, 09:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,542
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بعض أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر المشترك في الأسماء والصفات

بعض أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر المشترك في الأسماء والصفات
د. محمد بن عبدالله المقشي





وقال في درء تعارض العقل والنقل (1/ 286): "الوجود المطلق بشرط الإطلاق، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية، أو لا بشرط، مما يعلم بصريح العقل انتفاؤه في الخارج، وإنما يوجد في الذهن، وهذا مما قرروه في منطقهم اليوناني، وبينوا أن المطلق بشرط الإطلاق كإنسان مطلق بشرط الإطلاق، وحيوان مطلق بشرط الإطلاق، جسم مطلق بشرط الإطلاق، ووجود مطلق بشرط الإطلاق: لا يكون إلا في الأذهان دون الأعيان".



وقال في الرسالة التدمرية (1/ 96-97): "ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فيه ألفاظ متشابهة يشبه معانيها ما نعلمه في الدنيا، كما أخبر أن في الجنة لحمًا ولبنًا وعسلًا وخمرًا، ونحو ذلك، وهذا يشبه ما في الدنيا لفظًا ومعنى، ولكن ليس هو مثله ولا حقيقته، فأسماء الله تعالى وصفاته أولى - وإن كان بينهما وبين أسماء العباد وصفاتهم تشابه- أن لا يكون لأجلها الخالق مثل المخلوق، ولا حقيقته كحقيقته، والإخبار عن الغائب لا يفهم إن لم يعبر عنه بالأسماء المعلومة معانيها في الشاهد، ويعلم بها ما في الغائب بواسطة العلم بما في الشاهد، مع العلم بالفارق المميز، وإن ما أخبر الله به من الغيب أعظم مما يعلم في الشاهد، وفي الغائب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".



وقال في درء تعارض العقل والنقل (5 / 179): "فإنه سبحانه وإن كان لا يماثله شيء من الأشياء في شيء من الأشياء، فمن المعلوم بالعقل أن كل شيئين فهما متفقان في مسمى الشيء، وكل موجودين فهما متفقان في مسمى الوجود، وكل ذاتين فهما متفقان في مسمى الذات، فإنك تقول: الشيء والموجود والذات ينقسم إلى قديم ومحدث وواجب وممكن وخالق ومخلوق، ومورد التقسيم بين الأقسام.




وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع، وبينا غلط من جعل اللفظ مشتركا اشتراكاً لفظياً.

وهذا الذي نبه عليه الإمام أحمد من أن مسمى الشيء والوجود ونحو ذلك معنى عام كلي تشترك فيه الأشياء كلها والموجودات كلها[1]، هو المعلوم بصريح العقل الذي عليه عامة العقلاء.




ومن نازع فيه فلا بد أن يقول به أيضاً فيتناقض كلامه في ذلك كما تناقض فيه كلام الشهرستاني والرازي والآمدي وغيرهم، إذ يجعلونه تارة عاماً مقسوماً مشتركاً اشتراكاً لفظيا ومعنوياً بين الأشياء الموجودات، ويجعلونه تارة مشتركاً اشتراكاً لفظياً فقط كلفظ المشتري المشترك بين المبتاع والكوكب ولفظ سهيل المشترك بين الكوكب وبين الرجل المسمى بسهيل".



وقال أيضًا في درء تعارض العقل والنقل (5 /183): "والله تعالى ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، بل هو سبحانه في كل ما هو موصوف به مختص بما لا يماثله فيه غيره وله المثل الأعلى، ولكن لفظ الشبه فيه إجمال وإبهام، فما من شيئين إلا وهما متفقان في أمر من الأمور ولو أنه في كونهما موجودين، وذلك الذي اتفقا فيه لا يمكن نفيه إلا بنفي كل منهما، فإذا قيل هذا لا يوافق هذا بوجه من الوجوه ولا يواطئه بوجه من الوجوه كان هذا ممتنعا.




وكذلك إذا أريد بقول القائل لا يشبهه بوجه من الوجوه هذا المعنى، بخلاف ما إذا أراد بذلك المماثلة والمساواة والمكافأة، أو أراد ذلك بلفظ المشاركة والموافقة والمواطأة، فإنه سبحانه لا يماثله شيء بوجه من الوجوه، ولا شريك له بوجه من الوجوه، لا سيما والكليات التي يتفق فيها الشيئان إنما هي في الأذهان لا في الأعيان، فليس في الموجودات الخارجية اثنان اشتركا في شيء فضلا عن أن يكون الخالق تعالى مشاركا لغيره في شيء من الأشياء سبحانه وتعالى".



وقال في الرسالة التدمرية (1 /108 - 109): "وآخرون توهموا أنه إذا قيل: الموجودات تشترك في مسمى الوجود، لزم التشبيه والتركيب، فقالوا: لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي، فخالفوا ما اتفق عليه العقلاء مع اختلاف أصنافهم من أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث، ونحو ذلك من أقسام الموجودات.




وطائفة ظنت أنه إذا كانت الموجودات تشترك في مسمى الوجود، لزم أن يكون في الخارج عن الأذهان موجود مشترك فيه، وزعموا أن في الخارج عن الأذهان كليات مطلقة، مثل وجود مطلق، وحيوان مطلق، وجسم مطلق ونحو ذلك، فخالفوا الحس والعقل والشرع، وجعلوا ما في الأذهان ثابتًا في الأعيان، وهذا كله من نوع الاشتباه. ومن هداه الله فرق بين الأمور وإن اشتركت من بعض الوجوه، وعلم ما بينهما من الجمع والفرق، والتشابه والاختلاف".



وقال في منهاج السنة النبوية (2 / 585-592): "وأما الأصل الثاني [أي: ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج] فمنه غلط الرازي ونحوه، فإنه ظنّ أنه إذا كان هذا موجودا وهذا موجودا، والوجود شامل لهما، كان بينهما وجود مشترك كلي في الخارج، فلا بد من مميز يميز هذا عن هذا، والمميز إنما هو الحقيقة، فيجب أن يكون هناك وجود مشترك وحقيقة مميزة.



ثم إن هؤلاء يتناقضون فيجعلون الوجود ينقسم إلى واجب وممكن أو قديم ومحدث، كما تنقسم سائر الأسماء العامة الكلية، لا كما تنقسم الألفاظ المشتركة كلفظ "سهيل" القول على الكوكب وعلى سهيل بن عمرو، فإن تلك لا يقال فيها: إن هذا ينقسم إلى كذا وكذا، ولكن يقال: إن هذا اللفظ يطلق على هذا المعنى وعلى هذا المعنى، وهذا أمر لغوي لا تقسيم عقلي.



وهناك تقسيم عقلي: تقسيم المعنى الذي هو مدلول اللفظ العام، مورد التقسيم مشترك بين الأقسام.

وقد ظن بعض الناس أنه يخلص من هذا بأن يجعل لفظ الوجود مشككا لكون الوجود الواجب أكمل، كما يقال: في لفظ "السواد" و"البياض" المقول على سواد القار وسواد الحدقة وبياض الثلج وبياض العاج.



ولا ريب أن المعاني الكلية قد تكون متفاضلة في مواردها، بل أكثرها كذلك، وتخصيص هذا القسم بلفظ المشكك أمر اصطلاحي. ولهذا كان من الناس من قال: هو نوع من المتواطئ لأن واضع اللغة لم يضع اللفظ العام بإزاء التفاوت الحاصل لأحدهما، بل بإزاء القدر المشترك.



وبالجملة فالنزاع في هذا لفظي، فالمتواطئة العامة تتناول المشككة، وأما المتواطئة التي تتساوى معانيها فهي قسيم المشككة، وإذ جعلت المتواطئة نوعين: متواطئا عاما وخاصا، كما جعل الإمكان نوعين: عاما وخاصا، زال اللبس.



والمقصود هنا أن يعرف أن قول جمهور الطوائف من الأولين والآخرين أن هذه الأسماء عامة كلية - سواء سميت متواطئة أو مشككة- ليست ألفاظا مشتركة اشتراكا لفظيا فقط. وهذا مذهب المعتزلة والشيعة والأشعرية والكرامية، وهو مذهب سائر المسلمين: أهل السنة والجماعة والحديث وغيرهم، إلا من شذ.



وأما الشبهة التي أوقعت هؤلاء، فجوابها من وجهين: تمثيل وتخييل:

أما التمثيل فأن يقال: القول في لفظ "الوجود" كالقول في لفظ "الحقيقة " و"الماهية" و"النفس" و"الذات"، وسائر الألفاظ التي تقال على الواجب والممكن، بل تقال على كل موجود.

فهم إذا قالوا: يشتركان في الوجود، ويمتاز أحدهما عن الآخر بحقيقته.



قيل لهم: القول في لفظ " الحقيقة " كالقول في لفظ " الوجود "، فإن هذا له حقيقة وهذا له حقيقة، كما أن لهذا وجودا ولهذا وجودا، وأحدهما يمتاز عن الآخر بوجوده المختص به، كما هو ممتاز عنه بحقيقته التي تختص به.



فقول القائل: إنهما يشتركان في مسمى الوجود، ويمتاز كل واحد منهما بحقيقته التي تخصه، كما لو قيل: هما مشتركان في مسمى الحقيقة ويمتاز كل منهما بوجوده الذي يخصه.



وإنما وقع الغلط لأنه أخذ الوجود مطلقا لا مختصا، وأخذت الحقيقة مختصة لا مطلقة، ومن المعلوم أن كلا منهما يمكن أن يوجد مطلقا ويمكن أن يوجد مختصا، فإذا أخذا مطلقين تساويا في العموم، وإذا أخذا مختصين تساويا في الخصوص، وأما أخذ أحدهما عاما والآخر مختصا فليس هذا بأولى من العكس.



وأما حلّ الشبهة فهو أنهم توهموا أنه إذا قيل إنهما مشتركان في مسمى الوجود، يكون في الخارج وجود مشترك هو نفسه في هذا، وهو نفسه في هذا، فيكون نفس المشترك فيهما، والمشترك لا يميز، فلا بد له من مميز.



وهذا غلط فإن قول القائل: يشتركان في مسمى الوجود، أي يشتبهان في ذلك ويتفقان فيه، فهذا موجود وهذا موجود، ولم يشرك أحدهما الآخر في نفس وجوده البتة.



وإذا قيل: يشتركان في الوجود المطلق الكلي، فذاك المطلق الكلي لا يكون مطلقا كليا إلا في الذهن، فليس في الخارج مطلق كلي يشتركان فيه، بل هذا له حصة منه، وهذا له حصة منه، وكل من الحصتين ممتازة عن الأخرى.



ومن قال: المطلق جزء من المعين، والموجود جزء من هذا الموجود، والإنسان جزء من هذا الإنسان: إن أراد به أن المعين يوصف به، فيكون صفة له، ومع كونه صفة له، فما هو صفة له لا توجد عينه لآخر، فهذا معنى صحيح، ولكن تسمية الصفة جزء الموصوف ليس هو المفهوم منها عند الإطلاق.

وإن أريد أن نفس ما في المعين من وجود أو إنسان هو في ذلك بعينه، فهذا مكابرة.



وإن قال: إنما أردت أن النوع في الآخر عاد الكلام في النوع، فإن النوع أيضا كلي، والكليات الخمسة: كليات الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام، والقول فيها واحد، فليس فيها ما يوجد في الخارج كليا مطلقا، ولا تكون كلية مطلقة إلا في الأذهان لا في الأعيان.



وما يدعى فيها من عموم وكلية أو من تركيب كتركيب النوع من الجنس والفصل، هي أمور عقلية ذهنية لا وجود لها في الخارج، فليس في الخارج شيء يعم هذا وهذا، ولا في الخارج إنسان مركب من هذا وهذا، بل الإنسان موصوف بهذا وهذا بصفة يوجد نظيرها في كل إنسان، وبصفة يوجد نظيرها في كل حيوان، وبصفة يوجد نظيرها في كل نام.



وأما نفس الصفة التي قامت به، ونفس الموصوف الذي قامت به الصفة، فلا اشتراك فيه أصلا ولا عموم، ولا هو مركب من عام وخاص.



وهذا الموضع منشأ زلل كثير من المنطقيين في الكليات، وكثير من المتكلمين في مسألة الحال. وبسبب ذلك غلط من غلط من هؤلاء وهؤلاء في الإلهيات فيما يتعلق بهذا، فإن المتكلمين أيضا رأوا أن الأشياء تتفق بصفات وتختلف بصفات، والمشترك غير المميز، فصاروا حزبين: حزبا أثبت هذه الأمور في الخارج، لكنه قال: لا موجودة ولا معدومة، لأنها لو كانت موجودة لكانت أعيانا موجودة أو صفات للأعيان، ولو كانت كذلك لم يكن فيها اشتراك وعموم، فإن صفة الموصوف الموجودة لا يشركه فيها غيره.



وآخرون علموا أن كل موجود مختص بصفة فقالوا: لا عموم ولا اشتراك إلا في الألفاظ دون المعاني.

والتحقيق أن هذه الأمور العامة المشترك فيها هي ثابتة في الأذهان، وهي معاني الألفاظ العامة، فعمومها بمنزلة عموم الألفاظ، فالخط يطابق اللفظ، واللفظ يطابق المعنى، والمعنى عام، وعموم اللفظ يطابق عموم المعنى، وعموم الخط يطابق عموم اللفظ.



وقد اتفق الناس على أن العموم يكون من عوارض الألفاظ، وتنازعوا هل يكون من عوارض المعاني؟ فقيل: يكون أيضا من عوارض المعاني، كقولهم مطر عام، وعدل عام، وخصب عام.



وقيل: بل ذلك مجاز; لأن المطر الذي حل بهذه البقعة ليس هو المطر الذي حل بهذه البقعة، وكذلك الخصب والعدل.

والتحقيق أن معنى المطر القائم بقلب المتكلم عام كعموم اللفظ سواء، بل اللفظ دليل على ذلك المعنى، فكيف يكون اللفظ عاما دون معناه الذي هو المقصود بالبيان! فأما المعاني الخارجية فليس فيها شيء بعينه عام، وإنما العموم للنوع: كعموم الحيوانية للحيوان، والإنسانية للإنسان.



فمسألة الكليات والأحوال وعروض العموم لغير الألفاظ من جنس واحد، ومن فهم الأمر على ما هو عليه، تبين له أنه ليس في الخارج شيء هو بعينه موجود في هذا وهذا".



وقال في منهاج السنة النبوية (2 / 595): "وبهذا يتبين غلط النفاة في لفظ التشبيه، فإنه يقال: الذي يجب نفيه عن الرب تعالى اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين، كما أن المخلوق لا يتصف بشيء من خصائص الخالق، أو أن يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب، وأما إذا قيل: حي وحي، وعالم وعالم، وقادر وقادر. أو قيل: لهذا قدرة ولهذا قدرة، ولهذا علم ولهذا علم، كان نفس علم الرب لم يشركه فيه العبد، ونفس علم العبد لا يتصف به الرب، تعالى عن ذلك، وكذلك في سائر الصفات، بل ولا يماثل هذا هذا.



وقال في مجموع الفتاوى (5/210- 212): "ثم إن العلم بانقسام الوجود إلى قديم ومحدث وأمثال ذلك علم ضروري فالقادح سوفسطائي.

وكذلك العلم بأن بين الاسمين قدرا مشتركا علم ضروري.




وإذا قيل: إن اللفظ حقيقة فيهما لم يحتج ذلك إلى أن يكون أهل اللغة قد تكلموا باللفظ مطلقا فعبروا عن المعنى المطلق المشترك، فإن المعاني التي لا تكون إلا مضافة إلى غيرها: كالحياة والعلم والقدرة والاستواء، بل واليد وغير ذلك مما لا يكون إلا صفة قائمة بغيره، أو جسما قائما بغيره، بحيث لا يوجد في الخارج مجردا عن محله، ولكن أهل النظر لما أرادوا تجريد المعاني الكلية المطلقة عبروا عنها بالألفاظ الكلية المطلقة، وأهل اللغة في ابتداء خطابهم يقولون - مثلا -: جاء زيد وهذا وجه زيد، ويشيرون إلى ما قام به من المجيء والوجه فيفهم المخاطب ذلك، ثم يقولون تارة أخرى: جاء عمرو ورأيت وجه عمرو، وجاء الفرس ورأيت وجه الفرس، فيفهم المستمع أن بين هذه قدرا مشتركا وقدرا مميزا، وأن لعمرو مجيئا ووجها نسبته إليه كنسبة مجيء زيد ووجهه إليه، فإذا علم أن عمرا مثل زيد علم أن مجيئه مثل مجيئه ووجهه مثل وجهه، وإن علم أن الفرس ليست مثل زيد بل تشابهه من بعض الوجوه علم أن مجيئها ووجهها ليس مجيء زيد ووجهه، بل تشبهه في بعض الوجوه.




وكذلك إذا قيل: جاءت الملائكة، ورأت الأنبياءُ وجوهَ الملائكة علم أن للملائكة مجيئا ووجوها نسبتها إليها كنسبة مجيء الإنسان ووجهه إليه، ثم معرفته بحقيقة ذلك تبع معرفته بحقيقة الملائكة، فإن كان لا يعرف الملائكة إلا من جهة الجملة ولا يتصور كيفيتهم كان ذلك في مجيئهم ووجوههم لا يعرفها إلا من حيث الجملة ولا يتصور كيفيتها.




وكذلك إذا قيل: جاءت الجن، فاللفظ في جميع هذه المواضع يدل على معانيها بطريق الحقيقة. بل إذا قيل: حقيقة الملك وماهيته ليست مثل حقيقة الجني وماهيته كان لفظ الحقيقة والماهية مستعملا فيهما على سبيل الحقيقة، وكان من الأسماء المتواطئة، مع أن المسميات قد صرح فيها بنفي التماثل.




وكذلك إذا قيل: خمر الدنيا ليس كمثل خمر الآخرة، ولا ذهبها مثل ذهبها، ولا لبنها مثل لبنها، ولا عسلها مثل عسلها، كان قد صرح في ذلك بنفي التماثل مع أن الاسم مستعمل فيها على سبيل الحقيقة.




ونظائر هذا كثيرة، فإنه لو قال القائل: هذا المخلوق ما هو مثل هذا المخلوق، وهذا الحيوان الذي هو الناطق ليس مثل الحيوان الذي هو الصامت، أو هذا اللون الذي هو الأبيض ليس مثل الأسود، أو الموجود الذي هو الخالق ليس هو مثل الموجود الذي هو المخلوق ونحو ذلك، كانت هذه الأسماء مستعملة على سبيل الحقيقة في المسميين الذين صرح بنفي التماثل بينهما، فالأسماء المتواطئة إنما تقتضي أن يكون بين المسميين قدرا مشتركا، وإن كان المسميان مختلفين أو متضادين.




فمن ظن أن أسماء الله تعالى وصفاته إذا كانت حقيقة لزم أن يكون مماثلا للمخلوقين وأن صفاته مماثلة لصفاتهم كان من أجهل الناس، وكان أول كلامه سفسطة وآخره زندقة، لأنه يقتضي نفي جميع أسماء الله تعالى وصفاته، وهذا هو غاية الزندقة والإلحاد.




ومن فرق بين صفة وصفة مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز كان متناقضا في قوله، متهافتا في مذهبه، مشابها لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض".



وقال في مجموع الفتاوى (7 /108 - 109): "والقدر المشترك بين مسميات الأسماء المتواطئة أمر كلي عام لا يوجد كليا عاما إلا في الذهن، وهو مورد التقسيم بين الأنواع، لكن ذلك المعنى العام الكلي كان أهل اللغة لا يحتاجون إلى التعبير عنه لأنهم إنما يحتاجون إلى ما يوجد في الخارج، وإلى ما يوجد في القلوب في العادة.



وما لا يكون في الخارج إلا مضافا إلى غيره لا يوجد في الذهن مجردا، بخلاف لفظ الإنسان والفرس فانه لما كان يوجد في الخارج غير مضاف تعودت الأذهان تصور مسمى الإنسان ومسمى الفرس، بخلاف تصور مسمى الإرادة ومسمى العلم ومسمى القدرة ومسمى الوجود المطلق العام، فإن هذا لا يوجد له في اللغة لفظ مطلق يدل عليه، بل لا يوجد لفظ الارادة إلا مقيدا بالمريد، ولا لفظ العلم إلا مقيدا بالعالم، ولا لفظ القدرة إلا مقيدا بالقادر، بل وهكذا سائر الأعراض لما لم توجد إلا في محالها مقيدة بها لم يكن لها في اللغة لفظ إلا كذلك.




فلا يوجد في اللغة لفظ السواد والبياض والطول والقصر إلا مقيدا بالأسود والأبيض والطويل والقصير ونحو ذلك لا مجردا عن كل قيد، وإنما يوجد مجردا في كلام المصنفين في اللغة، لأنهم فهموا من كلام أهل اللغة ما يريدون به من القدر المشترك، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾ [النحل: 112]، فإن من الناس من يقول: الذوق حقيقة في الذوق بالفم، واللباس بما يلبس على البدن، وانما استعير هذا وهذا، وليس كذلك، بل قال: الخليل الذوق في لغة العرب هو وجود طعم الشيء، والاستعمال يدل على ذلك قال تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ﴾ [السجدة: 21]".




وقال رحمه الله في الرسالة التدمرية (2/ 20 - 21) [تحقيق: د: محمد بن عودة، مكتبة العبيكان]: "وإذا كان من المعلوم بالضرورة أنّ في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم، فمعلوم أن هذا موجود، وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصه، ووجود هذا يخصه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد، ولا في غيره، فلا يقول عاقل إذا قيل إن العرش شيء موجود، وإن البعوض شيء موجود: إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى "الشيء" و"الوجود"، لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا، هو مسمى الاسم المطلق، وإذا قيل: هذا موجود، وهذا موجود، فوجود كل منهما يخصه، لا يشركه فيه غيره، مع أن الاسم حقيقة في كل منهما، ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه، لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين تماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص لا اتفاقهما[2]، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص، فقد سمى الله نفسه حيا، فقال: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، وسمى بعض عباده حيًا، فقال: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [يونس: 31]. وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأنّ قوله (الحي) اسم لله مختص به، وقوله: (يخرج الحي من الميت) اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطْلَق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطْلَق قدرًا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق، ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى".



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]