عرض مشاركة واحدة
  #380  
قديم 16-12-2020, 06:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (62)
الحلقة (203)

تفسير سورة آل عمران (66)


يذكر الله سبحانه وتعالى أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم بما حصل منهم يوم أحد من عصيان بعضهم لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطمعهم بمتاع الدنيا من الغنائم وفرحهم بها بعد أن أظفرهم الله بعدوهم، ثم فشلهم بعد ذلك وتفرقهم من حول نبي الله لما أن دارت الدائرة عليهم، ثم يمتن الله على عباده المؤمنين بعفوه عنهم وتفضله عليهم سبحانه وتعالى.
تفسير قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وهانحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، ومع هذه الآيات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:152-153].هما آيتان اثنتان، فهيا نكرر تلاوتهما ونتأمل معانيهما وما تحملانه من هدى ونور: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:152-153]. وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [آل عمران:152]، هذا إخبار من الله تعالى، والمخاطبون بهذا الخطاب هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا غزوة أحد وخاضوا معركتها، وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم صبيحة السبت بألف مقاتل، وفي أثناء الطريق رجع ابن أبي رئيس المنافقين بثلاثمائة منهم، فبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة رجل من الأنصار والمهاجرين، وقد عسكروا بوادي أحد، وهمَّ رجال من بني حارثة وبني سلمة بالعودة أيضاً ولكن الله سلَّم، وكان عدد المشركين ثلاثة آلاف مقاتل، ثم بدأت المعركة واشتعلت نارها. وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [آل عمران:152]، أي: بالنصر. إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آل عمران:152]، والحس: القتل والقطع. حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ [آل عمران:152]، أي: حتى إذا فشلتم عن قتال المشركين، ووجه الفشل هو أن الرماة -وعلى رأسهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه- الذين وضعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجبل المعروف الآن، وقال لهم: ( لا تبرحوا أماكنكم، انتصرنا أو انتصروا )، لما شاهدوا هزيمة الكفار، وأخذ المجاهدون يجمعون الغنائم، ما ثبتوا، بل اختلفوا ونزلوا من أماكنهم، ولم يبق إلا عبد الله بن جبير ومجموعة معه، ولما خلا الجبل من الرماة احتله خالد بن الوليد قائد خيل المشركين، فوقع المسلمون بين فكي المقراظ، ورجع المشركون لما شاهدوا الهزيمة قد نزلت بالمسلمين، وأن الرماة قد نزلوا من أماكنهم، وأن خالداً قد احتل الجبل، وأصبحت السهام والرماح تأتي على المسلمين من كل جانب، وهذا يدل عليه قوله تعالى: حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ [آل عمران:152]، أي: في القتال.ثم قال تعالى: وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:152]، من هم الذين تنازعوا؟ الرماة، منهم من قال: إن المعركة قد انتهت، والمشركون قد انهزموا، فهيا بنا ننزل لجمع الغنائم، ومنهم من قال: لا، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصانا ألا نبرح أماكننا كيف ما كانت الحال انتصاراً أو انهزاماً، وكان هذا هو التنازع في الأمر. وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152]، أي: من النصر، وهذا عائد إلى الرماة حيث عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا للمادة. مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، فالذين هبطوا من الجبل يريدون الدينار والدرهم والغنائم، والذين ثبتوا على الجبل ولم ينزلوا يريدون الآخرة. ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ [آل عمران:152]، أي: عن المشركين. لِيَبْتَلِيَكُمْ [آل عمران:152]، أي: ليختبر إيمانكم وصدقكم وثباتكم أو هزيمتكم. وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ [آل عمران:152]، أي: لولا عفوه لما ترك المشركون منكم أحداً، لكن الله صرف المشركين عنكم، ولو واصلوا قتالكم لانتهيتم، ولكنها منة الله تعالى عليكم. وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152]، من أصحاب رسول الله، ومن أهل معركة أحد، بل وعلى كل المؤمنين إلى يوم القيامة، وإنه لذو فضل علينا أيها المستمعون والمستمعات! إن كنا مؤمنين، والله ذو فضل عظيم على المؤمنين، ولولا فضله أن من زلت به قدمه وعصى ربه أنزل به المحنة والكارثة ما بقي أحد، لكن فضله لا ينقضي على المؤمنين أبداً، وهو واضح وبيِّن.
تفسير قوله تعالى: (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم...)
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153].اذكروا إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ [آل عمران:153]، يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب هارباً في الصعيد لا يلتفت إلى أحد.ثم قال تعالى: وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ [آل عمران:153]، أي: ليس هناك من يلتفت إلى الوراء أبداً، بل إذا حصلت الهزيمة فالهروب في تلك الصحراء. وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ [آل عمران:153]، أي: يقول: إليّ عباد الله، وذلك لما انهزموا وفروا؛ لأن إبليس صاح فيهم: لقد قتل محمد، وأشاعها المنافقون بين المسلمين، حتى قال من قال: هيا نلحق بـأبي سفيان ونعود إلى دين آبائنا وأجدادنا، ومنهم من قال: توسطوا بـابن أبي ليأخذ لكم عهداً عند أبي سفيان، فكانت محنة ما مثلها محنة، وسببها معصية واحدة لا ثاني لها، ونحن غارقون في معصية الله والرسول! فهذه معصية واحدة فكيف بمن يعصي الله ليل نهار؟! وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ [آل عمران:153]، وأنتم شاردون هاربون في الصعيد. فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153]،، فالغم الأول: الهزيمة، والغم الثاني: فقد الغنيمة، ولنا أن نقول: الغم الثاني: الهزيمة وفقد الغنيمة، والغم الثاني: سماعكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، فأصابكم كرب لا حد له، وغم أعظم من ذلك الغم، وأعظم من فوت الغنيمة أو وجود جراحات أو قتلى بينهم. فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153]، لعلة: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [آل عمران:153]، أي: من الغنائم، وَلا مَا أَصَابَكُمْ [آل عمران:153]، أي: من القتل والجرح، وهذا تدبير ذي العرش جل جلاله وعظم سلطانه، فآمنا بالله وحده، فهو الذي سلط ابن قمئة -أقمأه الله- بأن جرح النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سقوطه في حفرة من الحفر، فكسرت رباعيته، وسالت دماؤه، ثم صاح: قتلنا محمداً، إن هذا تدبير ذي العرش جل جلاله وعظم سلطانه. وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153]، فأعمالنا الباطنة كالظاهرة، والسرية كالعلنية، إذ كلها مكشوفة لله، فهو يعلمها أكثر مما نعلمها، فلا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، والملكوت كله بين يديه.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]