
16-12-2020, 05:57 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (60)
الحلقة (201)
تفسير سورة آل عمران (64)
عاتب الله عباده المؤمنين على انهزامهم يوم أحد وانكشافهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وسط المعركة، وذكر لهم سبحانه حال أتباع الأنبياء السابقين من العلماء والصالحين الذين صبروا على القتال مع أنبيائهم وما وهنوا ولا ضعفوا ولا استكانوا لعدوهم، ثم بين لهم سبحانه ما كان يجب عليهم من التضرع إلى ربهم وطلب مغفرة ذنوبهم ونصرهم على عدوهم، كما فعل من كان قبلهم من أتباع الأنبياء.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، الحمد لله أن أهلنا لذلك وجعلنا من أهله.معاشر المستمعين والمستمعات! الآيات الثلاث التي درسناها بالأمس ما استوفينا دراستها من الكتاب، فهيا نعيد تلاوتها أولاً ثم ندرسها كما هي في الشرح، ثم نذكر فوائدها أو هداياتها التي رزقنا الله عز وجل، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:146-148].
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين والمؤمنات: [ معنى الآيات: ما زال السياق في الحديث عن أحداث غزوة أحد ] أي: ما زال سياق القرآن في الحديث عن أحداث غزوة أحد، وقد عايشناها [ فذكر الله تعالى هنا ما هو في تمام عتابه للمؤمنين في الآيات السابقة، عتابه لهم عن عدم صبرهم وعن انهزامهم وعن تخليهم عن نبيهم في وسط المعركة وحده حتى ناداهم: إليّ عباد الله، إليّ عباد الله، فثاب إليه رجال ] أي: فرجع إليه رجال بعد فرارهم وتشتت جمعهم. [ فقال تعالى مخبراً بما يكون عظة للمؤمنين وعبرة لهم: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ [آل عمران:146]، أي: وكم من نبي من الأنبياء السابقين قاتل معه جمهور كثيرة من العلماء والأتقياء والصالحين، فَمَا وَهَنُوا [آل عمران:146]، أي: ما ضعفوا ولا ذلوا لعدوهم، ولا خضعوا له كما همَّ بعضكم أن يفعل أيها المؤمنون، فصبروا على القتال مع أنبيائهم متحملين آلام القتل والجرح، فأحبهم ربهم تعالى لذلك لأنه يحب الصابرين ] أي: صبروا فأحبهم الله تعالى؛ لأنه تعالى يحب الصابرين. [ هذا ما تضمنته الآية الأولى، ونصها: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]. وأما الآية الثانية فأخبر تعالى فيها عن موقف أولئك الربانيين وحالهم أثناء الجهاد في سبيله تعالى، فقال: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ [آل عمران:147] ] أي: الذي قالوه، قال: [ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147] ] وهذا الذي كان يجب على أصحاب رسول الله أن يقولوه كما قاله أصحاب الأنبياء من قبل، ولكنهم فتنوا، فهو يعلمنا كيف نقول إذا وقعنا فيما وقع فيه إخواننا مرة أخرى. [ ولازم هذا كأنه تعالى يقول للمؤمنين: لمَ لا تكونوا أنتم مثلهم وتقولوا قولتهم الحسنة الكريمة، وهي الضراعة لله بدعائه واستغفاره لذنوبهم الصغيرة والكبيرة، والتي كثيراً ما تكون سبباً للهزائم وللانتكاسات كما حصل لكم أيها المؤمنون، فلم يكن لأولئك الربانيين من قول سوى قولهم: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147]، فسألوا الله تعالى مغفرة ذنوبهم، وتثبيت أقدامهم في أرض المعركة حتى لا يتزلزلوا فينهزموا، والنصر على القوم الكافرين أعداء الله وأعدائهم، فاستجاب لهم ربهم فأعطاهم ما سألوه، وهو ثواب الدنيا بالنصر والتمكين، وحسن ثواب الآخرة وهي رضوانه الذي أحله عليهم وهم في الجنة دار المتقين والأبرار، هذا ما دلت عليه الآية الأخيرة: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148] ].
الإحسان ثلث الدين الإسلامي
والإحسان ثلث الدين الإسلامي، إذ الدين الإسلامي بعقائده وعباداته وقضائه وأحكامه وشرائعه وآدابه وأخلاقه ثلاثة أجزاء: الجزء الأول: الإيمان، والثاني: الإسلام، والثالث: الإحسان، ففي حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم في حلقة العلم عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال: أخبرني عن الإسلام؟ أخبرني عن الإيمان؟ أخبرني عن الإحسان؟ فجعل الإحسان ثلث هذا الدين، وشيء آخر نعلمه وهو أن الإيمان والإسلام إذا فقدا الإحسان فليس لهما قيمة. ويدلك بوضوح على ذلك أنه إذا توضأ أحدنا ولم يحسن وضوءه فإن وضوءه باطل وصلاته باطلة، أو صلى ولم يحسن صلاته فيقول له الفقيه: صلاتك باطلة، أو حج أو اعتمر ولم يحسن أداء حجه أو عمرته فيقول له الفقيه: حجك باطل وعمرتك باطلة، إذاً ما الإحسان؟ العجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب إجابة لا يرقى إليها سواه، إذ قال له جبريل: ( أخبرني عن الإحسان؟ فقال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت )، إذاً فالإحسان أن تعبد الله، فالمتوضئ يعبد الله بالوضوء، والمصلي يعبد الله بالصلاة، والصائم يعبد الله بالصيام، والمتصدق يعبد الله بالصدقة، وتالي القرآن يعبد الله بتلاوته، وبالتالي فكل هذه العبادات لا يستطيع المرء أن يحسن أداءها إلا إذا كان يراقب الله تعالى عندها، فإذا راقب الله تعالى عند وضوئه وكأنه بين يدي الله، أو صلى وكأنه أمام الله، أو جاهد أو رابط في سبيل الله، أو قال قولاً، أو فعل فعلاً، وهو كأنه بين يدي الله، فإن مثل هذا لا يخطئ ولا ينقص من العبادة ولا يزيد فيها، وبذلك يكون قد أحسن أداءها؛ فإذا أحسن أداءها أنتجت له النور المطلوب، أي: الحسنات المطهرة للنفس والمزكية لها، فإن عجز على أن يكون في صلاته أو في عبادته كأنه ينظر إلى الله وهو بين يديه، فعلى الأقل ينتقل إلى المرتبة الثانية وهي أن يؤدي العبادة وهو يعلم أن الله ينظر إليه.إذاً: هما درجتان: دنيا، وعليا، فالعليا: أن تعبد الله بما تعبده به وكأنك تراه، وفي هذه الحال لا يمكن أن يسيء عبادته أبداً، فإن عجز عن هذه المرتبة العليا ينزل إلى الدنيا وهي: أن يعلم أن الله ينظر إليه وهو يتوضأ أو يصلي أو يزكي أو يصوم أو يحج، فإذا كان عبد الله أو أمته بهذه الحال والله سيحسن عبادته، وسيتقنها ويجودها، حتى تثمر له ثمرتها، وذلكم هو النور الذي يطهر النفس ويزكيها.إذاً: إذا لم يحسن العبد في إيمانه ما أفاده، وإذا لم يحسن في إسلامه ما ينتفع به، ولهذا الإحسان هو الجزء الثالث من أجزاء الدين الإسلامي، والجزءان قبله مفتقران إليه، فلا ينفعان إذا لم يكن معهما إحسان، وفوق ذلك: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148]، وقد عرفنا من قبل لم يحب الله المحسنين؟ لا تفهمن من الإحسان ذاك الذي يوزع الريالات، أو آصع التمر أو الدقيق، إن ذاك محسن عند العامة، أما المحسن الذي يحبه الله فذاك الذي يحسن في عبادة الله، ويؤديها أداء سليماً صحيحاً موافقاً لما شرع وبين، وبذلك ينتج له النور، فتطهر نفسه وتزكو والله يحب الطاهرين، وهذا هو السر في محبة الله تعالى للمحسنين، إذ إن هو الإحسان تجويد العبادة وإتقانها، وأداؤها على الوجه المطلوب حتى تنتج زكاة النفس وطهارتها، فمن زكت نفسه وطابت وطهرت والله ليحبه الله، وهو المحبوب لله.أما أصحاب الأرواح الخبيثة والأنفس المنتنة العفنة فهؤلاء قد حكم تعالى بخسرانهم، ولن يرضى أبداً أن يجاوروه أو ينزلوا بجنات النعيم في جواره، قال تعالى حاكماً في ذلك: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فهذا حكم الله تعالى ولا معقب بعده، إذ نفى تعالى إذا حكم أن يعقب على حكمه أحد، قال تعالى من سورة الرعد من خاتمتها: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|