
14-12-2020, 04:52 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله ورحمنا وإياه: [ معنى الآيات: ما زال السياق متعلقاً بغزوة أحد، فأنكر تعالى على المؤمنين ظنهم أنهم بمجرد إيمانهم يدخلون الجنة بدون أن يبتلوا بالجهاد والشدائد؛ تمحيصاً لهم وإظهاراً للصادقين منهم في دعوى الإيمان والكاذبين فيها، كما يظهر الصابرين الثابتين والجزعين المرتدين، فقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142] ]. وهذا الحسبان باطل؛ لأنه لابد من الابتلاء وإظهار الغطاء [ ثم عابهم تعالى على قلة صبرهم وعلى انهزامهم في المعركة، مذكراً إياهم بتمنيات الذين لم يحضروا وقعة بدر، وفاتهم فيها ما حازه من حضرها من الأجر والغنيمة، بأنهم إذا قدر لهم قتال في يوم ما من الأيام يبلون فيه البلاء الحسن، فلما قدر تعالى ذلك لهم في وقعة أحد جزعوا وما صبروا وفروا منهزمين، فقال تعالى: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143] ]. وكان منهم من وفى بما وعد فقاتل حتى استشهد، وهو أنس بن النضر عم أنس بن مالك، فإنه لما رأى المسلمين قد انكشفوا قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء، وباشر القتال وهو يقول: إني لأجد ريح الجنة، إني لأجد ريح الجنة، ولما قتل وِجد به أكثر من ثمانين طعنة برمح وضربة بسيف، ولم يستطع أحد أن يعرفه إلا أخته، فقد عرفته بعلامة في أصبعه. [ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143]، أي: فلمَ انهزمتم، وما وفيتم ما وعدتم أنفسكم به؟ هذا ما تضمنته الآيتان الأولى والثانية.وأما الآية الثالث فقد تضمنت عتاباً شديداً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اشتدت المعركة، وحمي وطيسها، واستحرَّ القتل في المؤمنين نتيجة خلو ظهورهم من الرماة الذين كانوا يحمونهم من ورائهم، وضرب ابن قمئة -أقمأه الله- رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر في وجهه فشجه وكسر رباعيته، وأعلن أنه قتل محمداً، فانكشف المسلمون وانهزموا، وقال من قال منهم: لمَ نقاتل وقد مات رسول الله؟! وقال بعض المنافقين: نبعث إلى ابن أبي يأتي يأخذ لنا الأمان من أبي سفيان ونعود إلى دين قومنا! فقال تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، وما دام رسولاً كغيره من الرسل، وقد مات الرسل قبله، فلمَ ينكر موته أو يندهش له إذاً؟! بعد تقرير هذه الحقيقة العلمية الثابتة أنكر تعالى بشدة على أولئك الذين سمعوا صرخة إبليس في المعركة (قتل محمد) ففروا هاربين إلى المدينة، ومنهم من أعلن ردته والعياذ بالله في صراحة وهم المنافقون، فقال تعالى: أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، فعاتبهم منكراً على المنهزمين والمرتدين من المنافقين ردتهم، وأعلمهم أن ارتداد من ارتد أو يرتد لن يضر الله تعالى شيئاً، فالله غني عن إيمانهم ونصرهم، وأنه تعالى سيجزي الثابتين على إيمانهم وطاعة ربهم وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيجزيهم دنيا وأخرى بأعظم الأجر وأحسن المثوبات، هذا ما تضمنته الآية الثالثة.أما الآية الرابعة فقد تضمنت حقيقتين علميتين: الأولى: أن موت الإنسان متوقف حصوله على إذن الله خالقه ومالكه؛ فلا يموت أحد بدون علم الله تعالى بذلك، فلم يكن لملك الموت أن يقبض روح إنسان قبل إذن الله تعالى له بذلك، وشيء آخر: وهو أن موت كل إنسان قد ضبط تاريخ وفاته باللحظة فضلاً عن اليوم والساعة، وذلك في كتاب خاص ] وهو كتاب المقادير، أي: اللوح المحفوظ [ فليس من الممكن أن يتقدم أجل الإنسان أو يتأخر بحال من الأحوال، هذه حقيقة يجب أن تعلم من قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145] ] أي: مؤقتاً ليس بمبهم.قال: [ والثانية ] أي: الحقيقة الثانية التي يجب أن نعلمها وقد علمناها [ أن من دخل المعركة يقاتل باسم الله، فإن كان يريد بقتاله ثواب الدنيا فالله عز وجل يؤته من الدنيا ما قدره له، وليس له من ثواب الآخرة شيء، وإن كان يريد ثواب الآخرة لا غير، فالله عز وجل يعطيه في الدنيا ما كتب له، ويعطيه ثواب الآخرة وهو الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وأن الله تعالى سيجزي الشاكرين بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. هذه الحقيقة التي تضمنها قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران:145] ]. وهنا تعليق قال: رثت صفية بنت عبد المطلب -والرثاء: البكاء على الميت- عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم بأبيات من الشعر دلت على مدى ما أصاب المؤمنون من حزن وألم بفراق نبيهم صلى الله عليه وسلم، حتى أن عمر -على جلالته- قال على المنبر والسيف بيده: محمد ما مات ولن يموت، وكيف يموت والمنافقون ما زال منهم فلان وفلان؟! وكان أبو بكر في العوالي فجاء فدخل الحجرة فوجد الرسول مسجى في كفنه، فكشف عنه وقبله بين عينيه وقال: ( طبت يا رسول الله حياً وميتاً )، ثم خرج فوجد عمر هائجاً فقال له: اهدأ يا عمر، ثم صعد المنبر وقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، فهدأ الموقف تماماً، فكان رضي الله عنه حكيماً وأهله الله لخلافة رسوله صلى الله عليه وسلم.ونعود إلى الأبيات التي قالتها صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت رضي الله عنها: أفاطم صلى الله رب محمد على جدث أمسى بيثرب ثاوياً تخاطب فاطمة بنت الرسول، فهي تشاركها في حزنها وألمها. فدىً لرسول الله أمي وخالي وعمي وآبائي ونفسي ومالي عرفتم بمَ فدت رسول الله؟ ما تركت شيئاً حتى نفسها. فلو أن رب الناس أبقى نبينا سعدنا ولكن أمر الله قد كان ماضياً هذه هي صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
هداية الآيات
قال المؤلف: [ هداية الآيات ] هذه الآيات الأربع فيها هدايات، إذ والله لا تخلو آية من هداية، تهدي إلى أين؟ إلى ملاعب الكرة؟! إلى المقاهي والمراقص؟! إنها تهدي أصحابها إلى رضا الله وحبه والنعيم المقيم في جواره بالاستقامة عقيدة وقولاً وعملاً، وهذا هو الصراط المفضي بالسالكين إلى دار السلام. قال: [ من هداية الآيات: أولاً: الابتلاء بالتكاليف الشرعية الصعبة منها والسهلة من ضروريات الإيمان ]، ولا تفهم أبداً أنك تؤمن وتخالف ربك؛ لأن بعض الغافلين ممن يدخلون في الإسلام يبقى على الخمر والزنا والباطل، وهذا لا ينفع، إذ لابد من الابتلاء، وأول شيء أن تغتسل بالماء البارد إذا ما عندك ساخن، وأن تناجي ربك خمس مرات في اليوم والليلة، فتأتيه إلى بيته أو إلى مكان طاهر وتناجيه، ثم بعد ذلك تؤمن بكل ما أمرك بالإيمان به، أطاقه عقلك أو عجز عنه، ثم بعد ذلك تحل ما أحل، وتحرم ما حرم، وتواصل ذلك إلى أن تلقى الله عز وجل، أما أن تقول: أنا آمنت فقط، ثم تمرح كما يحلو لك، والله لا يصح هذا الإيمان أبداً، فهذه هي الهداية الأولى، وقد قال تعالى وقوله الحق: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]. [ ثانياً: تقرير رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ]، فقد قال الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران:144]، أي: تقرير للرسالة، إذ إنه ليس بتاجر، ولا بساحر، وإنما قال: رسول فقط، قال: [ وبشريته المفضلة ] أي: أنه بشر قد يموت وقد يقتل كما يقتل البشر ويموتون، ولكنها بشرية مفضلة على كل بشرية، قال: [ وموتته المؤلمة لكل مؤمن ]. [ ثالثاً: الجهاد وخوض المعارك لا يقدم أجل العبد، والفرار من الجهاد لا يؤخره أيضاً ]؛ لأن الله قال: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145]. [ رابعاً: ثواب الأعمال موقوف على نية العاملين وحسن قصدهم ]، أي: أن الثواب على الأعمال متوقف على النية وحسن القصد، فمن جاهد للمال فإنه يثاب بالجنة على جهاده فيعطى المال، ومن جاهد لأجل إعلاء كلمة الله فإنه يعطى كذلك الجنة، وبالتالي فثواب الأعمال كلها موقوف على النية وحسن القصد، حتى لو أن أناساً في المسجد إذا لم يريدوا بعملهم المشروع وجه الله وثواب الله فلا يعطون تعطى إلا ثواب الدنيا فقط. لكن قد يقول بعض الناس: نحن الآن موظفون نأخذ الراتب، وبالتالي ما لنا أجر، فكيف ذلك؟! فأقول: إذا لم يكن عندكم نية والله لا أجر لكم، إذ إنكم قد أخذتم أجركم، وإن كنتم قد وقفتم حياتكم لله من أول اليوم، فكل أعمالكم لله، واقرءوا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، فالمؤمن كما علمتم يتزوج لوجه الله، ويطلق والله لأجل الله، ويبيع ويشتري والله من أجل الله، ويطلب وظيفة ويعمل بالليل أو بالنهار والله من أجل الله، وبالتالي فحياته كلها وقف لله تعالى؛ لأنه إذا عمل ليوفر طعاماً أو شراباً فهو من أجل أن يعبد الله؛ لأنه إذا لم يأكل أو يشرب فقد يموت، وكذلك إذا طلب كسوة يتقي بها الحر أو البرد فهي من أجل الله، وهكذا حياة المؤمن كلها وقف على الله تعالى، فتراه يبني في جدار لله تعالى، وآخر يهدم في جدار لأجل الله حتى لا يؤذي مؤمناً. [ خامساً: فضيلة الشكر بالثبات على الإيمان والطاعة لله ورسوله في الأمر والنهي ]، وسنجزي الشاكرين بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. اللهم يا حي يا قيوم، يا بديع السموات والأرض، يا مالك الملك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك لإخواننا المؤمنين في ألبانيا وفي البوسنة والهرسك وفي غيرها من تلك الديار التي يضايقون فيها ويقتلون ويعذبون من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم تولهم يا رب ولا تتركهم، اللهم أنزل بأعدائهم البلاء والشقاء والفتنة يا رب العالمين، اللهم اصرفهم عن عبادك المؤمنين، واجعل كيدهم ومكرهم فيهم وبينهم، وانصر إخواننا يا رب العالمين بما تشاء أن تنصرهم به، وإن كنا مقصرين وإن كنا مضيعين وإن كنا مهملين فلا تنظر إلى أعمالنا يا ربنا، فإننا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء إمائك فانصر يا ربنا إخواننا المؤمنين، اللهم انصرهم وأعزهم وسلط على أعدائهم من يؤذيهم، وسلط عليهم من يهزمهم يا رب العالمين، واشف اللهم مرضى إخواننا، فإننا لنا مرضى في البيوت وفي المشافي وفيما بيننا فاشفنا يا ربنا إنك ولي ذلك والقادر عليه. وصلى اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|