
11-12-2020, 09:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,735
الدولة :
|
|
رد: العفاف ذلك الكنز الثمين
ونهاها عن التبرج والسفور وإبداء المفاتن والتلاعب بالحجاب، واختيار الملابس والأحذية والحقائب التي تجذب أعين الناظرين فقال تعالى: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [الأحزاب: 59].
ونهاها عن الخضوع بالقول وترقيق الصوت وتمليحه لينال إعجاب الرجال، فقال تعالى: ﴿ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ [الأحزاب: 32].
وحفظاً للمرأة من مفترسي البشر نهاها الإسلام عن السفر بلا محرم، وعن الخلوة برجل ليس زوجاً ولا محرماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثا إلا ومعها ذو محرم منها) [10]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) [11].
ومن الخلوة ما يحدث في أماكن العمل بين الموظف والموظفة منفردين، وما يجري في وسائل المواصلات كسيارات الأجرة بين السائق والراكبة وحدهما.
أيها المسلمون، إن من حرص الإسلام على عفة المجتمع أنه شرع إقامة الحدود على الزناة والزواني، ومرتكبي جريمة اللواط، فقال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2]. وقال في المحصن في الآية المنسوخة لفظاً الباقية حكماً: ( الشيخ والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله ).
وأقام رسول الله هذا الحد بنفسه على مرتكبيه كما في قصة ماعز، وقصة الغامدية، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)[12].
والحدود زواجر تردع الناس عن فعل الكبائر.
أمة العفاف والطهر، إن العفاف في الدنيا شجرة ثمراتها: تقوية عود الحياء بين الرجال والنساء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحياء لا يأتي إلا بخير ) [13].
ومن ثمراته: الرفعة، وطيب السمعة بين الناس، ونيل اللذة بالحلال، فيوسف عليه السلام حينما قالت له امرأة العزيز: هيت لك فقال معاذ الله، فإن الله رفع شأنه، وجعله على خزائن مصر، وفي بعض الأخبار أن العزيز مات فتزوجت زوجته بيوسف، والله أعلم، فما عرض بالحرام ناله بالحلال، ومن ثمرات العفاف: صلاح البيوت وسلامتها من الحرام وتلطيخ الفرش، فمن حافظ على أعراض الناس دافع الله عن عرضه، والجزاء من جنس العمل.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: (أدنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) [14].
ومن الثمرات اليانعة والنافعة في الآخرة للعفيفين والعفيفات الاستظلال بظل الله يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-كما في الصحيحين-: (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله،.... ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله).
ومن أعظم الثمرات: دخول الجنة والنجاة من النار قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون 5-11].
فما أحسن أثر العفاف والصيانة، وأعظم عوائده النافعة! وطوبى للعفيفين والعفيفات، وهنيئاً لهم بالفوز بحسن السيرة، ونيل الدرجات في الجنات.
فنسأل الله الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، ومن العمل ما يرضى.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله المنعم الرحيم، العفو الحليم، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصخبه أجمعين،
أما بعد:
أيها المسلمون، إن بعض الناس لا ينتبه من غفلته، ولا يستيقظ من رقدته إلا وقد وقع الفأس على الرأس، وصال العدو على الفراش، فصار بعد ذلك يرقع الثوب بعد أن لم يستجب لنصائح الناصحين، ويتأمل في عظات الواقع المرير، وكان الأمر إليه لو حافظ على عفته وعفاف نسائه، فخرج الأمر بعد هذا من بين يديه، وأصبح أمام أعين الناظرين، وفي مسامع السامعين، ولربما قال عند الفضيحة: ﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴾ [مريم: 23].
إن تساهل الأبوين أو الزوجين أو الأبناء والبنات في إراقة ماء العفاف وخدش جدران الصيانة والنزاهة يسوق إلى شقاء الدنيا والآخرة.
فكم يبذل الإنسان للمحافظة على سمعته وسمعة أسرته من أموال وجهود، لكنه قد لا يفكر في أسباب الحفاظ على عفته وعفة زوجته وبناته وأبنائه وإزالة كل ما يخدش العفة فتحصل المصيبة، وتسود الوجوه بعد أن كانت مبيضة، وتُنكس الرؤوس بعد ما كانت مرفوعة، وتضيق الأرض بعد أن كانت فسيحة.
إن بعض الزوجات اللاتي ضعف خوفهن من الله وذهب حياؤهن إذا عرفت أن زوجها فارق حصن العفاف وصار له عشيقات وخليلات يعاشرهن بالحرام فإنها قد تخون زوجها وتلطخ فراشه جزاء خيانته، وهذا فعل شائن، وعقوبة غير مشروعة.
لكن أقول: من أراد بقاء عفاف زوجته فليكن عفيفاً، ومن رام طهارة فراشه فليكن شريفاً نظيفاً.
عباد الله، إن بعض المشكلات الأسرية في المجتمعات خصوصاً المشكلات الزوجية منها قد تكون بسبب ضعف المحافظة على العفة، فقد يكون الطلاق والشجار واللعان والعداوات نتائج طبيعية لقلة المبالاة بالعفاف، وأحياناً تمتد المشكلات إلى القتل بين الزوجين أو أقاربهما لهذا السبب، فهل فكر ضعفاء العفة في هذا!
أيها المسلمون، إن من أفتك الأمراض المنتشرة في عصرنا: الأمراض الجنسية كالإيدز ونحوه؛ فإنه يموت في العام الواحد آلاف الناس بسببه، بل هناك إحصائيات مفزعة تقول إحداها: إن عدد المصابين بهذا المرض منذ اكتشافه إلى عام 1996م بلغ 27 مليوناً، وعدد المصابين كل يوم 8500 مصابٍ، وهذه الأمراض إنما جاءت عقوبة معجلة من الله تعالى لأولئك الذين ركبوا قطار الفاحشة، وتركوا الحلال الطيب، ولا يظلم ربك أحدا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) [15].
معشر الغيارى الكرام، إن حد الله لو أقيم على هؤلاء الجناة: رجماً للمحصن، وجلداً للبكر لقلّت الفاحشة، وذهبت هذه الأمراض عن المجتمعات المسلمة حينما يرتدع الناس ويتركون سبل الغواية، لكن الحد لما عُطل فشت الجريمة فجاءت الأمراض الفتاكة نتيجة حتمية لها.
أما عقوبة الآخرة فيقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [الفرقان: 68-70]، وفي صحيح البخاري أن رسول الله رأى في المنام -ورؤيا الأنبياء وحي- ثقباً مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات فاطلع فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة يأتيهم لهب من أسفل منهم فسأل عنهم فقيل له: هم الزناة والزواني.
فيا أيها المسلمون، هذا نداء للقلوب الواعية، والعقول المفكرة الصافية، نداء لكل من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد: الحفاظَ الحفاظَ على العفاف، والحذرَ والحذرَ من إهداره، وتعريضه للشمس المؤذية، والمآلات المخزية.
فكن أيها الأب عفيفاً فأنت قدوة لأبنائك، وكوني أيتها الأم عفيفة فأنت قدوة لبناتك.
والابتعادَ الابتعادَ عن أسباب إذهاب العفاف وتحجيمه وتعريته: من مشاهدة المسلسلات، والتعلق بالصور والأغنيات الماجنات، ودخول المواقع الإباحية، وإقامة العلاقات المحرمة فقد يكون أول البلاء رسالة أو مكالمة، فاقطع الشر عن نفسك من أوله، ولا تسلم قلبك إلى كف غيرك؛ فالشهوة بحر مغرق، وشهاب محرق.
وأخيراً أقول: من بُلي بشيء مما يخدش العفة والحياء، رجلاً أو امرأة، فلا ييأس ولا يقنط وليرجع إلى رشده وصوابه، وإلى باب ربه تائباً منيباً، فالله يفرح بتوبة التائبين، وبكاء المذنبين المنيبين بين يديه، وليستر نفسه ولا يحدث بجريمته إلا من يغفرها، ويرحمه على التوبة منها، والعزم على عدم العودة إليها، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
نسأل الله أن يحفظ أعراضنا، ويستر عوراتنا، و يؤمن روعاتنا، ويكفينا بحلاله عن حرامه، ويغنينا بفضله عمن سواه.
وصلوا وسلموا على خير البشرية...
[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني-صنعاء، في 19/ 4/ 1434هـ، الموافق 1/ 3/ 2013م.
[2] هذه ست خطب متسلسلة خطبت بها عن العفاف: وسائل حفظه، ومعاول هدمه، تناولت فيها أربع وسائل من وسائل حفظ العفاف داعياً إلى التمسك بها، ومعولين من معاول هدم العفاف محذراً من سلوك طريقهما، وقد استفتحت هذه السلسلة بخطبة تحدثت فيها عن العفاف عموماً.
[3] رواه أبوداود والنسائي، وهو صحيح.
[4] رواه أحمد والنسائي، وهو صحيح.
[5] متفق عليه.
[6] رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حسن.
[7] متفق عليه.
[8] متفق عليه.
[9] متفق عليه.
[10] متفق عليه.
[11] متفق عليه.
[12] رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وهو صحيح.
[13] متفق عليه.
[14] رواه أحمد، وهو صحيح.
[15] رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي وغيرهم، وهو صحيح.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|