عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-12-2020, 09:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,343
الدولة : Egypt
افتراضي تحية الإسلام حكم وأحكام

تحية الإسلام حكم وأحكام
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد




إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
تكلمنا في الخطبة الماضية عن إلقاء التحية والسلام، وبعض فضائلها.

واليوم؛ بعض الأحكام... أحكام هذه التحية العظيمة، والتي يجب علينا أن ننشرها وتفشو فينا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما أزكاها من كلمات، وما أحسنها من بركات، قصَّر فيها كثير من الناس، واستبدلوها بغيرها.
أخي في دين الله! ألقِ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، ما دامت هناك علاماتٌ على إسلامِه وإيمانه، فإلقاء السلام علامةٌ على الإسلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله - تعالى - عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلْإِسْلامِ صُوًى" - أي عَلاَمَاتٍ - "وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ"، - أي شرائع يهتدى بها - "مِنْهَا" - أي من هذه الشرائع -: "أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى الْقَوْمِ إِذَا مَرَرْتَ بِهِمْ"[1].

والسلام لفضله العظيم، وخيره العميم ألقاه الله عز وجل على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام، فقال جل جلاله: ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات: 79]، ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الصافات: 109]، ﴿ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات: 120]، ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ﴾ [الصافات: 130].
فأولى الناس بالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ هم الرسلُ والْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام، قَالَ تَعَالَى: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 180 - 182].

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنَّ اللهَ بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي". [2]، وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ رضي الله عنه قَالَ: "صَلُّوا عَلَى النَّبِيِّينَ إِذَا ذَكَرْتُمُونِي، فَإِنَّهُمْ قَدْ بُعِثُوا كَمَا بُعِثْتُ"[3].
فصلى الله على نبينا محمد وعلى إخوانه المرسلين، وعلى آله بيته وأصحابه أجمعين.

ويجب ردُّ السلام على من نعرف ومن لا نعرف، علينا أن نلقي السلام هذه التحية سنة، لكن أن نردَّها فهذا واجب على من نعرف، ومن لا نعرف، هذه سنة الأنبياء وطريقتهم وهديهم، فقد ردَّ خليلُ الله إبراهيم عليه السلام على الملائكة عليهم السلامُ السلامَ عندما سلَّموا عليه وهو لا يعرفهم، ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات: 24 - 26]، ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [هود: 69].

ولا تخصَّ يا عبد الله! من تعرفُه بالسلام دون أحد ممن لا تعرفه، فقد ورد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟) قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". [4]، - أَيْ: لَا تَخُصَّ بِهِ أَحَدًا تَكَبُّرًا أَوْ تَصَنُّعًا، بَلْ تَعْظِيمًا لِشِعَارِ الْإِسْلَام، وَمُرَاعَاةً لِأُخُوَّةِ الْمُسْلِم.- فكل من تعتقد فيه الإسلام فألق عليه السلام.

فإلقاء تحية الإسلام – أيضا - لا تخصَّ بها أحدا وتحرم منها الآخرين؛ احتقارا لهم أو توبيخا لهم، فعَنْ الطُّفَيْلَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: (كُنْتُ آتِي عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما فَأَغْدُو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ)، -أي في الصباح الباكر يغدوان إلى السوق.
قَالَ: (فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ، لَمْ يَمُرَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى سَقَّاطٍ) -هو الذي يبيع سَقَط المتاع، وهو رديئه وحقيره- (وَلَا صَاحِبِ بِيعَةٍ) –(صاحب البِيعة): بالكسر من (البَيْع). يعني: بائع-. -وهو الذي يبيع البضاعة وغيرها من الفواكه وما شابه- (وَلَا مِسْكِينٍ، وَلَا أَحَدٍ)، -من أمثال هؤلاء- (إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ).

قَالَ الطُّفَيْلُ: (فَجِئْتُ ابْنَ عُمَرَ يَوْمًا، فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ)، -يعني قال له: قم معنا واتبعنا لأننا سنذهب إلى السوق.
فَقُلْتُ لَهُ: (وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ وَأَنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَا تَسْأَلُ عَنْ السِّلَعِ، وَلَا تَسُومُ بِهَا، وَلَا تَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ؟! فَاجْلِسْ بِنَا هَاهُنَا نَتَحَدَّثُ)، فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: (يَا أَبَا بَطْنٍ -وَكَانَ الطُّفَيْلُ ذَا بَطْنٍ- إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ، نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا)[5].

ومن الأدب البدءُ بالسلام -فـالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ قَبْلَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ فِي الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ إِشْعَارًا بِالسَّلَامَةِ وَتَفَاؤُلًا بِهَا، وَإِينَاسًا لِمَنْ يُخَاطِبُهُ، وَتَبَرُّكًا بِالِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ اللهِ -سبحانه وتعالى-. تحفة-.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ"[6].
وفي رواية أخرى: "لَا تَأذَنُوا لِمَنْ لَمْ يَبْدَأ بِالسَّلَامِ"[7].


وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "السَّلَامُ قَبْلَ السُّؤَالِ، فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسُّؤَالِ قَبْلَ السَّلَامِ فلَا تُجِيبُوهُ"[8].
ولا نأذن لمستأذن أن يدخل بيوتنا حتى يسلِّمَ؛ إنسان يقرع عليك الباب فلا تجبه، ولا تأذن له حتى منه: السلام عليكم.
فإن لم يسلِّمْ فلا إذن له بالدخول، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله -تعالى- عنه يَقُولُ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: أَأَدْخُلُ؟ -وَلَمْ يُسَلِّمْ- فَقُلْ: لاَ! حَتَّى تَأتِيَ بِالْمِفْتَاحِ)، قُلْتُ: (السَّلاَمُ؟) قَالَ: (نَعَمْ!)[9].
إذا مفتاح الدخولِ والإذنُ أن يسلِّم أوَّلاً، ثم بعد ذلك يستأذن بالدخول.

كذلك لا نستأذن في دخول البيوت، إذا أردنا أن ندخل بيوت أصحابنا إلا بعد السلام، وننتظر حتى نسمعَ الردَّ، فنستأذن، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: (حَدَّثَنَا رَجُلٌ مَنْ بَنِي عَامِرٍ أَنَّهُ اسْتَأذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ)، فَقَالَ: (أَأَلِجُ؟) -يعني أأدخل؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ: ("اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟") فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟) فَقَالَ: ("وَعَلَيْكَ، ادْخُلْ")[10].
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضي الله -تعالى- عنهما فَقُلْتُ: (أَأَدْخُلُ)، فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: (أَيْ بُنَيَّ، إِذَا أَتَيْتَ إِلَى قَوْمٍ، فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ رَدُّوا عَلَيْكَ فَقُلْ: أَأَدْخُلُ)[11].

وعند الاستئذان بالدخول نكرر السلام ثلاثا حتى نسمع الردّ، فإن لم نسمع بعد الثلاث نرجع، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله تعالى عنه، وكان أصغر الصحابة الجالسين في ذلك المجلس- قَالَ:
(كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ)، فَقَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ)، فَقَالَ: (مَا مَنَعَكَ؟) قُلْتُ: (اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ)، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ»، فَقَالَ: (وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ)، -أي إن الرسول قال هذا الكلام؟- (أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟).

فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: (وَاللَّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ القَوْمِ)، -قال أبو سعيد:- (فَكُنْتُ أَصْغَرَ القَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ)[12].
وكذلك أنت أيها المتصلُ بالهاتف والجوَّال؛ إذا فتح صاحبُك الخطَّ أنت قل: (السلام عليكم)، لا تنتظر منه عندما يفتح الخط أن يقول هو: (السلام عليكم)، أنت المتصل، أنت الذي تقرع الباب، دخلت عليه في بيته بصوتك، فقل: (السلام عليكم).

وإذا اتصل عليك بعضهم فلا تقل: (السلام عليكم) عندما تفتح الخط، ولكن قل: (نعم، من معي؟) هذا هو الأصل، أن تقول: (نعم) على من يقرع عليك الباب، فإنك إذا نقرت الرقم فأنت المتصل، وأنت المستأذن وأنت المطلوب منك أن تسلّم.
فسلِّم بهذه التحية المباركة وإياك من كلمة (ألوو!!) كثير من الناس المسلمين يقولون: ألو... السلام عليكم، ألو... مرحبا، فلنبينها ونميزها بكلمة السلام عليكم.

أمَّا البيت الذي لا يسكنه أحد فالتحيَّةُ عند دخوله، ما ثبت عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ غَيْرَ الْمَسْكُونِ) -ليس فيه أحد، وبعضهم يظنُّ أنه لا يكون هناك تحيّة، لا بل هناك تحية- (فَلْيَقُلِ: "السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ")[13].

كذلك السَّلَامُ عَلَى الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ مِنْ غَيْرِ الْمَحَارِم، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ رضي الله عنها قَالَتْ: (مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا)[14].
وَعَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: (مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِنِسَاءٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ)[15].
وَعَنْ الحسن البصري رحمه الله قَالْ: (كَانَ النِّسَاءُ يُسَلِّمْنَ عَلَى الرِّجَالِ)[16].

فإلقاء السلام على النساء من السنة إذا كنَّ جماعة، كما قال العلماء، أما إن كان هناك فتنة فالسلام على الشابة والفتاة فتنة، فابتعد عن مواطن الفتن.
أما السَّلَامُ عَلَى الصِّبْيَان، فاسمع ما ثبت عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ رحمه الله تعالى قَالَ: (كُنْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ)، -أنس يسلم على الصبيان.
وَقَالَ أنَس: (كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ)، فَقَالَ: ("السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا صِبْيَانُ")[17].

وكيف يكون السَّلَامُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنَ الْمُسْلِمِين؟ جماعة مرت بجماعة؛ كيف يكون السلام؟ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الْقَوْمِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ"[18].
وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ)، (وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ)، (وَالْمَاشِيَانِ أَيُّهُمَا بَدَأَ فَهو أَفْضَلُ")[19].

فإذا ألقى واحد من الجماعة السلام أو ردَّ واحدُ من الجماعة أجزأ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرَّ رِجَالٌ بِقَوْمٍ، فَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الَّذِينَ مَرُّوا عَلَى الْجَالِسِينَ، وَرَدَّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدٌ، أَجْزَأَ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ هَؤُلَاءِ"[20].
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ"[21].

أما السَّلَامُ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّار، فسلِّم واقصد المسلمين، فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: (مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَجْلِسٍ وَفِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ)[22].
والسلام على الكافر كيف يكون؟ أُمِر موسى وهارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون، فقال لهما سبحانه وتعالى: ﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ [طه: 47].

هذه هي تحيتنا لغير المسلمين: ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه: 47].
أو السلام عليهم إشارةً، قَالَ عَلْقَمَةُ: (إِنَّمَا سَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَلَى الدَّهَاقِينَ إِشَارَةً). [23]
والدَّهَاقِينَ جمع (دِهقان)، وهو: رئيس القرية، ومن له مال وعقار.

لا سلَامَ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ وَمُرْتَكِبِي الْمَعَاصِي، إن ثبت ذلك عنهم، حتى يرجعوا عن معاصيهم وابتداعهم، لكنَّ ذلك بعد أن يثبت عليهم، ولم يرعووا لنصيحة، ونفعت مقاطعتهم في عدم السلام عليهم نستمر في ذلك، لكن إن لم تنفع، فلا ينبغي مقاطعة المسلمين لأجل الهوى والشكوك والافتراءات، فلا سلام على ظالم كالحجاج، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى الْحَجَّاجِ، فَمَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ)[24].
ولا سلامَ على فاسق؛ أي كشارب خمر، أو ظالم، أو زان، أو ما شابه ذلك، والشرط أن يكون مجاهرا بفسقه، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: (لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْفَاسِقِ حُرْمَةٌ)[25].

أما إذا أردت دعوةَ هذا الفاسق وذاك الظالم وهدايتَه، فلا مانع أن تسلِّم عليه، لتفتح معه بابا للحوار، وأن يقبل منك ما تدعو إليه.
وأبخلُ الناس من بخل برَدِّ السَّلَام، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ (عَنْ) الدُّعَاءِ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ"[26].

إذا سلَّمت على أحدٍ فلم يردَّ عليك ردَّ عليك ملكٌ كريم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي ذَرٍّ: (مَرَرْتُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ، فَسَلَّمْتُ فَمَا رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا)، فَقَالَ -أبو ذر-:
(يَا ابْنَ أَخِي! مَا يَكُونُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ؟! رَدَّ عَلَيْكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ؛ مَلَكٌ عَنْ يَمِينِهِ)[27].

فما هي ألفاظ التحية؟ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قال: قَالَ: (كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَيَمُرُّ عَلَى الْقَوْمِ)، فَيَقُولُ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ)، فَيَقُولُونَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ)،
وَيَقُولُ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ)، فَيَقُولُونَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ)،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: (فَضَلَنَا النَّاسُ الْيَوْمَ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ). [28]، فضلنا، أي زاد الناس علينا بفضلهم.
فالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فهل هناك زيادة؟ نعم! وردت هناك روايات أخرى تبين الزيادة على ذلك، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ عَلَيْنَا، فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ قُلْنَا: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ)[29].

وهناك زيادة أخرى وأخيرة، ولا يوجد غيرها فيما أعلم، فقد ثبت في الأدب المفرد للبخاري عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: (كَانَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَكْتُبُ عَلَى كِتَابِ زَيْدٍ، إِذَا سَلَّمَ قَالَ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ، وَطَيِّبُ صَلَوَاتِهِ)[30].
فها هي خمسة ألفاظ للتحية، أقلها: السلام عليكم، وأكثرها أن تقول هذه الخمسة: وعليكم السلام، ورحمة الله، وبركاته، ومغفرته، وطيب صلواته.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]