خامسا: أن يكون مقبوضا في مجلس السلم وقد تقدم. وأما العشرة التي في المسلم فيه فمنها الأربعة الأول التي في رأس المال وهي:
بيان الجنس والنوع والوصف والقدر.
والخامس: أن يكون مؤجلا وقد تقدم بيانه.
والسادس: أن يكون الصنف موجودا في الأسواق وسيأتي.
السابع: أن يكون مما يتعين بالتعيين وقد تقدم:
الثامن: بيان مكان الدفع فيما يحتاج إلى نفقات كالبر ونحوه.
التاسع: أن لا يشمل البدلان على علة ربا والفضل وهي القدر والجنس كما تقدم.
والعاشر: أن يكون من الأجناس الأربعة المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة والذرعيات.
رابعا: بيان قدره، فلا بد أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أن العد أو الذرع، فأما المكيلات فإنه يصح فيها السلم، سواء كانت حبوبا أو عسلا أو لبنا أو سمنا أو تمرا.
وهل يصح أن يسلم فيها بالوزن أو لا؟ خلاف: المعتمد أنه يصح، لأن المعول عليه إنما هو الضبط، ولا بد أن يكون قدر المكيال معروفا بين الناس، فلا يصح أن يقول له:
أسلمت إليك جنيها في 20 قصعة من القمح إذا لم تكن القصعة مكيالا معروفا بين الناس كالكيلة ونحوها. وأما الموزونات فإنه يصح فيها السلم، إلا إذا كانت أثمانا وهي النقدان من الذهب والفضة، فلا يصح أن تقول: أسلمت إليك هذا الثوب في جنيه زنته كذا، آخذه بعد شهر مثلا لأن الجنيه لا يصح أن يكون مسلما فيه، لأن شرط السلم أن يكون المسلم فيه مما يتعين بالتعيين، وقد عرفت أن النقدين من الذهب والفضة لا تتعين بالتعيين وهل يعتبر ذلك بيعا للثوب بأن يجعل الثوب مبيعا والجنيه ثمنا مؤجلا أو لا؟ قولان، فقيل:
يعتبر ورجحه بعضهم. وقيل: لا، وصححه بعضهم.
وأما المعدودات فإنه يصح السلم في المتقاربة منها كجوز الشام "عين الجمل" فإن آحاده متقاربة حتى إذ استهلك أحد شيئا منها كان لمالكه الحق في أخذ مثله، أما المتفاوتة إذا استهلكت فإنه يكون لمالكها قيمتها، ومن المتفاوت القرع والرمان، فلا يصح أن يقول:
أسلمت إليك جنيها في مائة بطيخة، أو مائتي رمانة، لأن آحاده متفاوتة فلا يمكن ضبطها. ومن المتقارب بيض الدجاج، لأنه وإن كان بعضه أكبر من بعض ولكن الكمية التي يحتوي عليها البياض والصفار متقاربة، ومثله بيض النعام إذا كان الغرض من شرائه أكله. أما إذا كان الغرض استعمال قشره زينة فإنه يكون متفاوتا لأن بعض قشره كبير وبعضه صغير، ومن المعدود المتقارب. الفلوس:
"العملة المتخذة من غير الذهب والفضة" كالقروش النيكل والنحاس فيجوز فيها السلم، فيصح أن يسلم إليه جنيها في مائة وعشرين قرشا يأخذها بعد شهر.
ومن المعدود المتقارب اللبن: الطوب النيء. وكذلك الآخر:
والطوب المحروق، فيصح أن يقول لأحد العمال: أسلمت إليك جنيها في ألفين من الأخضر. ولكن يشترط أن يبين صفة القالب الذي يضرب به كأن يقول:
حجمه كذا طولا وعرضا، وكذلك يبين مكان الأرض التي يضرب الطوب عليها كما يبين العدد.
وأما المذروع الذي يباع بالذراع كالقماش والبسط والحصر فإنه يصح فيها السلم أيضا بشروط:
الأول: أن يبين مقدار طوله وعرضه.
الثاني: أن يبين صفته كأن يقول:
ثوب غير مخيط من قطن أو كتان أو صوف أو حرير مركب من نوعين مختلفين.
الثالث: أن يبين محل صنعه كأن يقول:
قطنية شامية، أو مصرية. أو يقول:
مقطع، سكاروت ياباني، أو هندي، أو ملاءة محلاوي، أو إخميمي ونحو ذلك. وإن كان حريرا فينبغي أن يبين زنته مع عدد الأذرع، لأن الوزن له مدخل في اختلاف الثمن، فإن الديباج وهو نوع من الحرير كلما ثقل وزنه زادت قيمته، وبالعكس غيره من أنواع الحرير.
ويصح السلم في السمك القديد الذي فيه الملح "البكلاه"، ثم إن كان كبيرا فإنه يصح فيه السلم بالعدد، وإن كان صغيرا فإنه يصح فيه وزنا وكيلا، فيصح أن يسلمه جنيها فأكثر على أن يأخذ به عددا معينا من سمك البطلاه الموصوف بالأصناف التي تعينه كفرنساوي أو انكليزي إذا كان كبيرا، أما إذا كان صغيرا "كالسردين" المقدد المملوح فإنه يجوز وزنا وكيلا، وكذلك يصح السلم في السمك الطري "الطازة"، ولكن إن كان لا ينقطع في وقت من الأوقات صح فيه بدون قيد. أما إن كان ينقطع في بعض الأحيان كالجهات التي يتجمد فيها الماء في الشتاء فلا يوجد فيها السمك، فإن الأجل يجب أن يكون ملاحظا فيه وجود السمك، فلا يصح امتداده إلى الزمن الذي ينقطع فيه.
ولا يصح السلم في الحيوان مطلقا، وهل يصح في أطرافه بعد ذبحه كالأكارع؟ خلاف: المشهور أنه لا يصح أيضا كالحيوان، وقال بعضهم: لا بأس به وزنا بعد ذكر النوع وباقي الشروط. وكذلك اللحم فإن فيه خلافا، والفتوى على أنه يصح فيه السلم. ولا يصح السلم في الحطب بالحزمة كأن يقول له:
أسلمتك جنيها على أن آخذ به مائة حزمة لعدم ضبط ويصح فيه وزنا. وكذلك لا يصح السلم في الحشائش الخضراء التي ترعاها الدواب كالبرسيم ونحوه بالقت والقتة: الحزمة. وإذا ضبط بما لا يؤدي إلى نزاع فإنه يجوز. ولا يصح السلم في العقيق والبلور ونحوهما لتفاوت آحادهما تفاوتا كبيرا. وكذا لا يصح في اللآلئ الكبار، أما اللآلئ الصغيرة التي تباع وزنا فإنه يصح فيها السلم، فيجوز أن يقول للصائغ ونحوه:
أسلمتك مائة جنيه في لؤلؤة صفتها كذا، وزنتها كذا.
الحنابلة - قالوا: شروط السلم سبعة: أحدها: أن يصف المسلم فيه بما يختلف به الثمن اختلافا ظاهرا بأن يذكر جنسه ونوعه ولونه وبلده وكونه قديما أو جديدا.
ثانيها: أن يذكر قدره وقد تقدم، ولا بد أن يكون المكيال معروفا عند العامة.
ثالثها: أن يشترط أجلا معلوما.
رابعا: أن يكون المسلم فيه كثير الوجود في وقته. أما إن كان نادرا كالعنب في غير وقته فإنه لا يصح،
خامسها: أن يكون رأس المال مقبوضا في مجلس العقد وقد تقدم.
سادسها: أن يكون المسلم فيه دينا في الذمة فإذا أسلم في دار أو عين موجودة فإنه لا يصح.
السابع: أن يكون المسلم إليه من الأمور التي تضبط صفاتها كالمكيلات والموزونات والمعدودات والمذروعات. فأما المكيلات فيصح السلم فيها، سواء كانت حبوبا أو غيرها كالألبان والأدهان والعسل ونحوه. فإن أسلم في حبوب فإنه يشترط أن يصفه بأربعة أمور:
أحدها: ذكر النوع فيقول مثلا: قمح مواني أو بعلي أو غيره.
ثانيها: ذكر البلد فيقول:
قمح بحيري، أو صعيدي، أو هندي، أو استرالي.
ثالثها: ذكر قدر الحب من صغر أو كبر.
رابعها: ذكر القديم والجديد، وكذلك العدس، فإنه يشترط ذكر نوعه كصحيح أو مدشوش وبلده كإسناوي أو غيره، وكونه قديما أو جديدا، وكون حبه كبيرا أو صغيرا، أو سليما أو مكسرا، وهكذا سائر أصناف الحبوب.
ولا يصح السلم في القمح إلا إذا فصل من تبنه، ومثله باقي الحبوب.
وإذا أسلم في تمر فإنه يشترط أن يذكره فيقول: تمر، ويذكر نوعه فيقول:
زغلول أو سمان، ويذكر قدر حبه صغيرا أو كبيرا، ويذكر لونه فيقول:
أحمر أو أصفر، ويذكر بلده فيقول: واحي أو أسيوطي، ويذكر حداثته وقدمه فيقول:
جديد أو قديم، ويذكر جودته وردائته فيقول: جيد أو رديء.
ومثل التمر اليابس الرطب، فينبغي وصفه بهذه الأوصاف.
وإذا أسلم في عسل، فينبغي أن يذكر فيه بلده كمصري أو غيره، وأن يذكر زمنه فيقول: ربيعي أو صيفي، ويذكر لونه فيقول:
أبيض أو أسود، ويذكر جودته وردائته، وأنه مصفى من الشمع أو لا.
وإذا أسلم في سمن، فينبغي أن يضبطه بالنوع يقول: سمن ضأن، أو معز، أو بقر، أو جاموس وباللون فيقول:
أبيض أو أصفر أو أخضر، وبالجودة والرداءة فيقول: جيد أو رديء. وبالمرعى فيقول:
بحيري أو صعيدي، لأن قيمة الثمن تختلف باختلاف المرعى، ولا حاجة إلى ذكر القديم والحديث، لأن القدم عيب في السمن يرد به، ويصف الزبد بأوصاف السمن، ويزيد زبد يومه أو أمسه.
وإذا أسلم في لبن، فإنه يضبطه بذكر النوع فيقول: لبن ضأن، أو معز، أو جاموس، أو بقر، ويذكر المرعى ولا يحتاج إلى ذكر اللون ولا إلى ذكر اليوم أو الأمس، لأنه إذا أطلق ينصرف إلى اليوم.
وأما الموزونات فإنه يصح فيها السلم، سواء كانت خبزا أو فاكهة، أو لحما نيئا ولو مع عظمه أو رصاصا أو نحاسا أو غير ذلك. فإذا أسلم في لحم، فينبغي بيان قدره أولا، وبيان نوعه من بقر جواميس أو ضأن أو معز، وبيان سنه وبيان ذكورته وأنوثته، وبيان كونه خصيا أو غيره، وبيان كونه رضيعا أو فطيما، معلوفا أو راعية، سمينا أو هزيلا. فإن كان السلم في لحم طير فإنه لا حاجة فيه إلى ذكر الأنوثة والذكورة إلا إذا كانت تختلف قيمته بهما كلحم الدجاج، فإن لحم الديك أقل من لحم الأنثى فيه،ولا حاجة إلى أن يبين موضع القطع فيقول:
من الفخذ مثلا، إلا إذا كان الطير كبيرا يؤخذ منه بعضه كلحم النعام فإنه يبين موضع القطع لاختلاف العظم، ولا يصح السلم في اللحم المطبوخ ولا اللحم المشوي.
وإذا أسلم في الخبز، فينبغي أن يذكر كونه خبز بر، أو شعير، أو دخن، أو ذرة ويذكر اليبوسة والرطوبة واللون.
وإذا أسلم في السمك، فينبغي أن يذكر نوعه فيقول: من النهر، أو من البركة، وأن يذكر صنفه فيقول:
بوري أو بلطي مثلا، وأن يذكر كبره أو صغره، وسمنه وهزاله، وأن يذكر كونه طريا أو مملوحا "بكلاه".
وإذا أسلم في رصاص أو نحاس أو حديد فإنه يضبطه بذكر نوعه ولونه إن كان يختلف به ثمنه كالنحاس الأصفر والأحمر والأبيض، وذكر نعومته وخشونته، ويزيد في الحديد كونه ذكرا أو أنثى إن كان العرف على أن ثمنه يختلف باختلاف ذلك، ولا يصح السلم في الفلوس وزنا بشيء موزون، فإن كانت الفلوس وزنية فلا يصح أن يسلم فيها شيئا يباع بالوزن كأن يقول أسلمت إليك ثوبا من الحرير زنته كذا في مائتي قرش من النيكل مثلا فإنه لا يصح لتحقق علة ربا النسيئة فيهما وهو الوزن، إذ لا يحل بيع موزون بموزون مع التفاضل نسيئة. أما إن كان الفلوس عددية فإنه يصح السلم فيها على الأصح ولو كانت مستعملة لأنها عرض لا ثمن كما تقدم، وقيل لا يصح على أنه يصح في الأثمان الخالصة بشرط أن يكون رأس المال غير سلم، فيصح أن يقول له أسلمتك هذا الثوب في جنيه آخذه بعد شهر. أما إذا قال له:
أسلمتك هذا الجنيه في ستة من "الريالات" آخذها بعد شهر مثلا فإنه لا يجوز لأنه يكون ربا.
وأما المعدود المختلف الذي تتفاوت آحاده فإنه لا يصح السلم فيه إلا في الحيوان لأنه هو الذي يمكن ضبط صفاته، فلا يصح في بيض ولا رمان ولا بطيخ إلى غير ذلك من الأشياء المختلف آحادها التي تباع عدا، وقيل يصح في المتقارب منها كالجوز الشامي وبيض الدجاج. وينضبط الحيوان بذكر سنه وذكورته وأنوثته وسمنه وهزاله. وكونه راعيا معلوفا، بالغا أو صغيرا، ولونه إن كان نوعه مختلف اللون كالغنم البيضاء، أو السوداء، أو الحمراء وتضبط الإبل بأربعة أوصاف:
النتاج فيقول:
من نتاج بني فلان، والسن فيقول:
بنت مخاض مثلا، واللون فيقول:
بيضاء أو حمراء أو زرقاء. والأنوثة فيقول: ذكرا أو أنثى.
وتضبط الخيل بأوصاف الإبل الأربعة المذكورة، ولا بد من ذكر نوعها فيقول في الإبل:
بختية، أو عرابية، ويقول في الخيل: عربية أو هجين أو برذون، ويقول في الغنم:
ضأن أو معز، إلا البغال والحمير فإنه لا أنواع لها.
ويضبط اللبن "الطوب النيء" بالتراب الذي يضرب منه والثخانة.
وأما المذروع كالثياب، فإنها تنضبط بذكر نوعها فيقول: كتان، أو قطن، أو حرير. أو صوف، وبذكر بلدها فيقال قماش مصري، أو شامي، ويذكر طولها أو عرضها، وصفاقتها ورقتها وغلظها ونعومتها وخشونتها، ولا يذكر زنتها، فإن ذكرها لم يصح السلم.
وبالجملة فإنه ينبغي أن يذكر في كل نوع من هذه الأنواع الصفة التي يترتب على ذكرها وعدمه اختلاف في الثمن اختلافا ظاهرا.
وإذا أسلم فيما يباع كيلا بالوزن كأن قال:
أسلمتك جنيها في قنطارين من القمح فقيل: يصح، وقيل:
لا. واختار الأول كثير، لأن الغرض معرفة القدر والمكان وذلك متحقق.
يتبع