عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 05-12-2020, 06:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,603
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (47)
الحلقة (188)

تفسير سورة آل عمران (52)


إن من كفر بالله وجحد حقه لن تغني عنه أمواله وإن كانت مثل حبات الرمال، ولن يغني عنه أولاده وإن استقوى بهم؛ لأن سبب كفره هو حرصه على هذه الأموال والأولاد، ومهما أنفق الكافر من أموال لإطفاء نور الله وللصد عن دينه فسينفقها ثم ستكون عليه حسرة، وحتى لو أنفق ماله في وجوه الخير في الدنيا فلن ينتفع بها لأن الكافر لا ينتفع بالعمل الصالح.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا، فإنك مولانا ولا مولى لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس ونحن في سورة آل عمران إلى هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:116-117].
معنى الكفر في الآية
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه أخبار إلهية، والمخبر بها هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، فالخبر الأول: يقول تعالى مؤكداً هذا الخبر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:116]، وسواء كانوا من العرب أو العجم، من أهل الكتاب أو من المشركين، من المجوس أو غيرهم، فما معنى: كفروا؟ كفروا بماذا؟ نريد أن نعرف شيئاً عن هذا الكفر؛ لأن الوعيد شديد، والجزاء عظيم، والمفزوع إليه الله أن ينجنا من هذه الفتنة.أولاً: الكفر معناه: الجحود، يقال: كفَر نعمة الله، أي: جحدها، وفلان كفر ما كان بيننا وبينه من الخير والبر والإحسان، أي: جحده، فالكافر جاحد، وهذا الجحود يتناول أولاً -كما هو مذهب البلاشفة الشيوعيين والملاحدة الدهريين-: جحود وجود الخالق عز وجل، وهذا كفر باطل هابط ممزوج مردود، ولا يقول به إلا هؤلاء الذين صنعهم اليهود بأفرادهم، وإلا فالفطرة البشرية تصرخ بوجود خالقها ورازقها ومدبر أمرها، بل مضت قرون على البشرية -آلاف- ما أنكر فيها أحد -عربي أو أعجمي- وجود الله، وما كان إنسان من عهد آدم إلى هذا القرن يوجد من ينكر وجود الله، إذ الفطرة تعد هذا وتقرره، لكن لعبة اليهود التي صنعوها واستطاعوا أن ينجحوا فيها فقد أوجدوا المذهب الشيوعي الدهري البلشفي، فقالوا: لا إله والحياة مادة!وأُطايبكم بتلك اللطيفة: حدثنا أحد إخواننا كان مهاجراً من فرنسا إلى المدينة، يقول: كانت له صديقة فرنسية أيام كان عيشه في فرنسا، هذه الصديقة أُصيبت بالإلحاد؛ لأن المدارس علمانية، ولذلك من أراد أن يدرس الدين فليدرس في المدارس الخاصة، أما مدارس الحكومة فمدارس علمانية، فقد كانوا يعلمونهم الإلحاد، ونظرية داروين انتقلت حتى إلى بلاد العرب ودرسوها في الثانوية والكليات، ولا عجب؛ لأننا تابعون إلا من رحم الله، فهذه الصديقة التي تبلشفت -وهي مسيحية- كلما ذكرها بالخالق، بالرب تعالى تسخر منه، وتقول: أنت متخلف، أنت رجعي، إلى متى وأنت هابط؟ قال محدثنا غفر الله له: وشاء الله أن تتزوج وتحبل، ثم بلغه أنها مريضة في المستشفى، وأن الطلق يهزها لتضع، قال: فدخلت عليها وسمعتها تصرخ: يا رب، يا رب، يا رب، قال: فتعجبت، فأخرجت ألف فرنك أو ألفين وقلت لها: نادي كما كنت تنادي بهذه، لم عجزت الآن؟! وقبل ذلك كان إذا ذكرها بالله تخرج الكيس وتقول: هذا هو الله الذي ينفعنا! لكن لما هزَّها الطلق وشاهدت الموت: الله، الله، يا رباه، يا رباه، قال: فلما أريتها الجنيه وقلت لها: ادع هذا، سخطت علي وغضبت وقالت: اذهب عني.فهذه كانت بلشفية ملحدة، لكن لما دقت ساعة الهلاك وعرفت أيقنت أنه لا ينفع إلا الله، فهي تنادي: يا رباه، يا رباه، وقوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود وقوم إبراهيم، أقوام نتلو قصصها في كتاب الله، فما مر بنا أن قوماً أنكروا وجود الله قط، بل وثقوا فيما تسمعون، فلم يوجد من ينكر وجود الله إلا هذه الطائفة التي كونها اليهود المعروفة بالبلاشفة والشيوعيين فقط، والبشر كانوا يؤمنون بالخالق الرازق، ويؤمنون بالتوسل إليه بالآلهة التي صنعوها وزينها لهم الشيطان، لكن لا ينكرون وجود الله، كذلك العرب كانوا في القمة في الشرك والعياذ بالله، وأنتم تسمعون عنهم في التاريخ أنهم كانوا يحلفون بالله ويؤمنون بالله! ومع هذا كما تسمعون في القرآن أنهم كانوا يسخرون من النبي والقرآن، ويكذبون بالبعث والجزاء.والمراد من هذا: أن كلمة: (كفروا) لا تفهم منها أنهم اليهود فقط، أو النصارى أو العرب، بل يجب أن نعرف ما الكفر حتى نتجنبه، حتى نذهب من ساحته ونبعد من رائحته الكريهة.فخلاصة القول: كل من جحد وجود الله، أو جحد أسماء الله، أو جحد صفات الله، أو جحد عبادة الله، أو جحد نبياً من أنبياء الله فضلاً عنهم جميعاً، أو كذب بخبر من أخبار الله، سواء أطاقه عقله واستطاع أن يفهمه أو لم يفهمه، أو كذب رسول الله في حادثة معينة من أمور الشريعة أو الدار الآخرة فهو كافر، والمؤمن هو الذي صدَّق بوجود الله، وبكل ما أخبر الله به، وآمن بكل ما أمر الله أن نؤمن به، ولو أن عبداً آمن بالقرآن الكريم وكذب فقط بآية واحدة وقال: مثل هذه لا أؤمن بها، فهل يبقى مؤمناً؟ والله لا يبقي مؤمناً، وإنما كفر بالله تعالى، كذلك آمن بكل الرسل إلا أنه قال: إن فلاناً -عيسى- لا أصدق أنه رسول الله، فقد كفر وخرج من ملة الإسلام، إذ إن الكفر: التكذيب والجحود والإنكار لله وبكل ما أمر به من الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والقضاء والقدر، والبعث والجزاء، وأحوال الآخرة وما يقع فيها من شقاء أو سعادة، فذلكم الكافر، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:116] بهذا المعنى.
لطيفة في قوله تعالى: (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً)
يقول تعالى عنهم: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116].وهنا لطيفة: لمَ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116]؟ لأن كفرهم سببه المال والولد، والحفاظ على أموالهم وأولادهم حملهم على أن يكذبوا رسول الله، والاعتماد عليهما -المال والولد- على أن صاحبهما لا يشقى ولا يكرب ولا يحزن ولا يخسر في الدنيا، هذه النظرية باطلة، وذكر تعالى المال والولد لعلمه بخلقه، وأن الكافرين يعتزون بأموالهم وأولادهم، كالاعتزاز أيضاً بالجيوش، والاعتزاز بالوطن، والاعتزاز بالحيل، وبالتالي كل من كفر لا بد وأن لكفره عاملاً وسبباً من الأسباب، وأكثر ما يحمل على الكفر هو الحفاظ على المال والولد، إذ الاستغناء يجعل هذا الغني لا يبالي بما يُطلب إليه من الدين، أو ما يُدعى إليه من الإيمان والعمل الصالح، وصدق الله إذ قال: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:28]، وتأمل واقعنا تجد المؤمنين كغيرهم، إذ إن أكثر الذين يعرضون عن ذكر الله سبب ذلك اعتزازهم واستغناؤهم بأموالهم وأهليهم، فأبطل تعالى هذا بقوله: لَنْ [آل عمران:116] التي تفيد التأبيد، لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116]، فإذا أراد أن يضربهم في الدنيا بوباء من الأوبئة، بأن يسلط عليهم عدواً من أعدائهم، بأن يسلبهم عقولهم، بأن يفني ما لديهم وما عندهم من الأولاد والمال، فهل هناك من يرد عنهم شيئاً؟! تُغني عنهم أموالهم وأولادهم؟! لا؛ لأن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فمن الخير للإنسان أن يفزع إلى الله ويلجأ إليه ويحتمي بحماه، أما أن تغتر نفسه بما لديه من سلطة أو جاه أو مال، ويعرض عن الله معتزاً بما عنده، والله لن يغني عنه من الله شيئاً متى أراده الله؛ لأن كثيراً من كفار العرب -الذين كفروا وحاربوا- كانوا معتزين بأموالهم وأولادهم، فهذا الوليد بن المغيرة كان معتزاً بأولاده وماله، واقرءوا ذلك في سورة المدثر، اليهود كذلك حافظوا على كفرهم وأبوا الإسلام معتزين أيضاً بأموالهم ورجالهم. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، متى أراد أن يُنْزِل بهم نقمه، وأن ينزل بهم عذابه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]