
12-11-2020, 01:56 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,172
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
الإيمان بما أنزل على الأسباط
قال تعالى: وَالأَسْبَاطِ [آل عمران:84] الأسباط جمع سبط، والسبط هو الحفيد ابن بنتك أو ابن ابنك، والأسباط هنا هم أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر ولداً على رأسهم الصديق يوسف وأخوه بنيامين، وهؤلاء الأسباط كل منهم أصبح شيخ قبيلة، والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، فهذا جرهمي .. وهذا غفاري .. وهذا جهني، فكل واحد من أولاد يعقوب أصبح أباً لقبيلة، وإخوة يوسف نبأهم الله وكانوا أنبياء؛ ولهذا نؤمن بالأسباط.
الإيمان بما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم
قال تعالى: وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ نحن معاشر المسلمين منهجنا أننا نؤمن بكل نبي وكل رسول، ونؤمن بكل كتاب وصحيفة أنزلها الله عز وجل، فلا نؤمن ببعض الكتب ونكفر ببعض، ولا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، فإن الذين يفعلون هذا قد خرجوا من دائرة الإسلام والإيمان، وهم كفار ملعونون، وهذه صفعة على وجه وفد نجران وقبائل اليهود الذين يتبجحون بأنهم مؤمنون ومسلمون، فأبطل الله دعواهم، وقرر هذه الحقيقة.
الإسلام دين الأنبياء كلهم
ختم الله تعالى الآيات بقوله: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84]، وهذا هو منهجنا: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136]، فهؤلاء هم المسلمون، وهم مناقدون خاضعون فنمتثل الأمر ونجتنب النهي، أما اليهود فقد آمنوا بموسى وكفروا بعيسى، ولا قيمة لإيمانهم، أما النصارى فقد آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا قيمة إيمانهم.واعلموا أن الإجماع قد انقعد على أن من كذب رسولاً كأنما كذب كل الرسل، وأن من كذب بصحيفة واحدة فكأنما كذب بكل الصحف والكتب؛ لأنه تعالى على الله وأصبح يختار، فيؤمن بهذا الكتاب ولا يؤمن بهذا، ويؤمن بهذا الرسول ولا يؤمن بهذا، والله أمر بالإيمان بالكتب كلها وحينئذ يكون قد كفر وخرج من ملة الإسلام.وقوله: مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ [آل عمران:84]، أي: ما أعطوا وما أوحي إليهم، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84].
تفسير قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ...)
أخيراً يقول تعالى: وَمَنْ (مَن) مِن ألفاظ العموم، الذكر والأنثى والكل وَمَنْ يَبْتَغِ أي: يطلب غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85]. يدين به لله، فوالله لن يقبل منه.وأيما أبيض .. أسود .. أصفر .. أحمر، نصراني .. مسيحي .. بوذي .. عربي .. عجمي، يطلب غير الإسلام ديناً له يتدين به لا يقبل منه، وهذه الآية قطعية الدلالة، ففي أول السورة أخبر تعالى بأن الدين عند الله هو الإسلام: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وتلك الآية عامة يقول: أنا مسلم قلبي ووجهي لله، وأنا أعبد الله بما جاء عن عيسى أو موسى مثلاً، لكن هنا: ومن يطلب غير الإسلام، أي: الإسلام المعروف الذي قواعده الخمس والذي بعثت به الرسل وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم .. أي: الإسلام ذو الإيمان والإحسان، فمن يبتغ ديناً يدين به لله غير الإسلام فلن يقبله الله منه، وفي الأخير هو من الخاسرين، فبطل كل دين على وجه الأرض بعد أن بعث الله محمداً وأرسله وأنزل عليه وحيه وكتابه، وبين له شرائع الله وما يعبد به، فمن يطلب ديناً غير الإسلام فهو كافر ولن يقبل منه وهو في الدار الآخرة من الخاسرين، الخاسرين لكل شيء حتى أنفسهم، إذ قال تعالى لرسوله: قُل ْ يا رسولنا إِنَّ الْخَاسِرِينَ أي: بحق الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]، وأي خسران لإنسان يوضع في تابوت وصندوق من حديد، ويغلق عليه الصندوق، ويرمى في عالم الشقاء فلا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يأكل ولا يشرب ولا يصاحب أحداً ولا يلازمه آخر ولا يتصل بأحد بليارات السنين، وهذا نوع من العذاب، فأي خسران أعظم من هذا؟ وأهل النار لا يجدون أباً ولا أماً ولا أختاً ولا صديقاً ولا زميلاً ولا غربة نهائياً، والغربة من أشد الآلام، وهذا يتحقق في عالم النار.
خلاصة تفسير الآيتين السابقتين
إذاً: هاتين الآيتين نعيد تلاوتهما وتأملوا: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ [آل عمران:84] أي: لله، مُسْلِمُونَ [آل عمران:84]، ومعنى مسلمون: منقادون خاضعون، فإن قال: لا تأكلوا؛ لا نأكل، وإن قال: صلوا صلينا، وإن قال: أعطوا أعطينا، وإن قال: امنعوا منعنا، فهذا هو الإسلام؛ انقياد كامل لله عز وجل مع حب الله وتعظيمه والخوف منه والرغبة فيه.ورسول الله يعلمكم يقول: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )، فالمسلم الحق هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، أما الذي يأكل أموال المسلمين أو يضرب أجسامهم أو يقتلهم ويسفك دماءهم فهذا المسلم! هل المسلم هو الذي يلغ في أعراض المسلمين فينهشها ويأكلها، ويسب ويشتم ويعير ويسخر ويستهزئ بالمسلمين أولياء الله؟! لا.وقوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]؛ لأن هذا الدين الذي دان به لله بدعة ابتدعها رجاله كالنصرانية واليهودية والهندوكية والبوذية والمجوسية، فما أنزل الله نصرانية ولا يهودية ولا بوذية، وهذه بدعة ابتدعوها، ولا يقبل الله إلا ما شرعه، وسر ذلك عند الدارسين معروف كالشمس في رابعة النهار.والعبادة إذا لم يشرعها الله ويقننها فإن هذه العبادة لن تزكي النفس ولن تطهر الروح، ولن يفلح صاحبها؛ لأن الفلاح متوقف على زكاة النفس وطهارتها: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فكونك تعبد الله بعبادات طول الليل ولا تزكي نفسك فماذا استفدت؟ ولهذا نددنا بالبدع وقلنا: كل بدعة ضلالة، حتى الذكر إذا لم يشرعه الله فلن ينفعك، فإن كنت تقول: أنا مع الله وأنت تذكر: هو هو هو هو، حي حي حي، طول الليل فلن ينفعك هذا؛ لأن الله ما شرع هذه العبادة، ولن تنتج لك الطاقة النورانية التي تزكو بها النفس البشرية.وقد جاءني كتاب فيه قصيدة فيها مائة بيت كذا لـعبد القادر الجيلاني قد جعلوه مثل الله، وأخذوا يمجدونه: يا قطب الأقطاب! لا قطب إلا أنت، يا كذا! يا كذا! يا كذا! والعامي يقرأ هذا طول الليل يتقرب به إلى الله، وهو والله إنما يتقرب إلى الشيطان: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
هداية الآيات
قال المؤلف: [ من هداية الآيات: أولاً: لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض ]. فلو قلت: أنا لا أؤمن بيوشع بن نون تلميذ موسى وخادمه خرجت من الإسلام، فإذا ثبتت نبوة نبي أو رسالة رسول ما بقي لنا خيار أبداً، آمنا بالله ورسله.وقوله: (لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض) كما هي حال اليهود والنصارى والمجوس ومن إليهم.قال: [ كما لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض ما أنزل الله تعالى على رسله ويكفر ببعض ] فلو يقول قائل: أنا أؤمن بالقرآن بكامله إلا آية واحدة مثل: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ [المائدة:3] فقائل هذا يبقى مسلماً؟ لا يصح إيمانه وإسلامه.قال: [ ثانياً: الإسلام هو الانقياد ] ما هو الانقياد؟أعطني حبلاً أجعله في رقبة أحدنا ونجره، فإذا مشى معي يقال: هذا انقاد، وإذا لوى رأسه وقال: لا أمشي، فهذا غير منقاد، فالإسلام في عنقك فإن مشيت وطبقت شرائعه وأحكامه انقدت، وإن قلت: أنا ما أطبق الصوم مثلاً، فهذا غير منقاد.قال: [ الإسلام هو الانقياد والخضوع لله تعالى، وهو يتنافى مع التخيير بين رسل الله ووحيه إليهم ]. فالمنقاد لا يخير يقول: أنا أؤمن بهذا ولا أؤمن بهذا.[ ثالثاً: بطلان سائر الأديان والملل سوى الدين الإسلامي وملة محمد صلى الله عليه وسلم ].فيجب أن يعلم هذا الأبيض والأصفر وفي دنيا البشر، فالإسلام دين البشرية كلها أبيضها وأصفرها، وليس دين المسلمين خاصة، فالإسلام: هو الانقياد لله والخضوع بفعل ما أمر وترك ما نهى، ويثبت ذلك الأمر والنهي في كتابه القرآن الذي نسخ به الكتب وعلى لسان رسوله الخاتم المبين المفسر الشارح لعبادات الله. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|